مباني منهاج الصالحين المجلد 1

اشارة

سرشناسه : طباطبائي قمي، تقي، 1301 -

عنوان قراردادي : منهاج الصالحين. شرح

عنوان و نام پديدآور : مباني منهاج الصالحين/ تاليف تقي الطباطبايي القمي.

مشخصات نشر : قم: محلاتي ، 14ق. = 20 م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره 978-964-7455-58-9 : ؛ ج. 4 978-964-7455-57-2 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد چهارم، 1430ق. = 1388.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر كتاب " منهاج الصالحين" اثر ابوالقاسم خويي است.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : خوئي، ابوالقاسم، 1278 - 1371. منهاج الصالحين -- نقد و تفسير.

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : خوئي، ابوالقاسم، 1278 - 1371. منهاج الصالحين. شرح.

رده بندي كنگره : BP183/5 /خ9م80216 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : 1852734

[كلمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف الانبياء و المرسلين محمد و آله الطاهرين و اللعن علي أعدائهم و غاصبي حقوقهم و منكري فضائلهم من الاولين و الاخرين الي يوم الدين.

و بعد فهذا شرح استدلالي كتبته اثناء البحث علي كتاب «منهاج الصالحين» الذي الفه سيدنا الاستاد السيد ابو القاسم الخوئي دام ظله و حيث كان نشره نافعا للفضلاء و العلماء الاعلام تصديت لطبعه و اهديه اولا: الي غوث الشريعة ولي الامر صاحب الزمان عجل اللّه تعالي فرجه الشريف. و ثانيا: الي روح المرحوم المبرور سيد الامة، حامي الشريعة المثل الاعلي للتقي فقيه اهل بيت الرسالة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 4

سيدي الوالد قدس اللّه نفسه الزكيه و ارجو من المولي ان يقبله بقبول حسن و يجعله ذخرا ليوم فقري و فاقتي و يجعل كتابي بيدي اليمني و يغفر ذنوبي و يحشرني مع الائمة الاطهار سلام اللّه عليهم و رحمته و بركاته.

الثالث عشر من جمادي

الثانية سنة 1405.

الاحقر تقي الطباطبائي القمي

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 5

[في التقليد]

اشارة

في التقليد

[مسألة 1 يجب علي كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون في جميع عباداته و معاملاته و سائر أفعاله و تروكه مقلدا أو محتاطا]

(مسألة 1) يجب علي كل مكلف (1).

______________________________

(1) هذا الوجوب المذكور فطري او عقلي او شرعي؟.

افاد في المستمسك: بانه فطري من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، و عقلي من باب وجوب شكر المنعم.

و قد ذكرنا في الدورة السابقة: ان الوجوب العقلي بهذا التقريب لا نفهمه اذ علي تقدير وجوب الشكر لو فرض تركه، فهل يستحق العقاب علي تركه أم لا؟

فعلي الاول يدخل في دفع الضرر، و علي الثاني لا يلزم في نظر العقل الاتيان بمصداق الشكر، نعم لا اشكال في حسن الشكر، و لكن مجرد حسن فعل لا يكون مقتضيا للإتيان به و الا لم يكن الالزام مختصا بالحكم الالزامي فان امتثال المولي حسن من باب حسن شكر المنعم علي الاطلاق، كما انه لم يكن مختصا بموارد العلم الإجمالي بل الامر كذلك في موارد الشبهة البدوية، فظهر بما ذكرنا ان

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 6

لم يبلغ رتبة الاجتهاد (1).

______________________________

تقريب الوجوب من باب وجوب الشكر غير تام، كما انه ظهر بما ذكرنا ان هذا الوجوب فطري بمناط دفع الضرر المحتمل اذ لا فرق فيه بين ذوي الشعور و العقول و غيرهم فانا نري ان حيوانا لو ذهب الي مكان و ضرب، يترك الذهاب الي ذلك المكان لدفع الضرر، فالوجوب المذكور فطري لعدم اختصاصه بالعاقل نعم العقل بما هو يدرك لزوم دفع الضرر.

فالحق ان يقال: ان هذا الوجوب فطري، عقلي، لا شرعي نعم الشرع يرشد المكلف الي حكم عقله بالطرق المختلفة كبيان العذاب و التخويف منه بل لنا ان نقول: بان الوجوب الشرعي في مثل المقام امر غير معقول اذ ما دام لا تصل النوبة الي احتمال العقاب و لزوم دفعه بحكم العقل او الفطرة، لا

اثر لإلزام الشرع نعم لا مانع من الزام الشرع خصوص الاحتياط او التقليد لكن لا اثر لهذا الالزام ما دام لا يحكم العقل بلزوم احد الامور و هذا لعله ظاهر واضح فلا تغفل.

ثم: انه لا يخفي ان هذا الوجوب انما يتحقق في مورد العلم الإجمالي بالتكليف الالزامي؟؟؟؟ الشبهة البدوية فانه في هذين الموردين يتحقق احتمال الضرر و هو العقاب اما مع عدم احتمال التكليف الالزامي فلا يحتمل العقاب و لا موضوع لدفع الضرر و في مورد احتمال الالزام يستحق المكلف العقاب بترك الامور المذكورة اي التقليد و الاحتياط و الاجتهاد.

و بعبارة اخري: ان عفو المولي و ان كان امرا ممكنا، لكن حيث ان الاستحقاق متحقق يكون اللازم بحكم العقل احد الامور المذكورة و الا تتحقق الجرأة علي المولي و هي توجب استحقاق العقاب.

(1) اذ مع بلوغ رتبة الاجتهاد و فعليته لا يجوز له التقليد.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 7

ان يكون في جميع عباداته و معاملاته و ساير أفعاله و تروكه، مقلدا أو محتاطا (1).

______________________________

و ربما يقال: بان من له الملكة و القوة لا يكون عارفا بالحكم بالفعل بل يكون جاهلا و يجوز رجوع الجاهل الي العالم.

و لا يبعد ان يكون الامر كذلك، اذ لا اشكال في ان الادلة اللفظية التي استند اليها في جواز التقليد تشمل مثله، فانه قبل فعلية اجتهاده لا يكون عارفا و لا يكون من اهل الذكر. و اما السيرة فالظاهر انها تشمله أيضا اذ لا اشكال في انه جاهل بالفعل.

(1) اذا لعبد لا يملك شيئا فكل فعل او ترك يصدر منه لا بد ان يكون مستندا الي حجة.

و بعبارة اخري: لا بد من اقامة حجة في كل شي ء فعلا كان او

تركا.

ثم ان المكلف اذا كان مجتهدا، و استنبط الحكم الشرعي فلا اشكال في جواز العمل علي مقتضي اجتهاده اذ يري ما وصل اليه نظره مطابقا للوظيفة المقررة و اما الاحتياط و التقليد، فلا بد ان يستندا اما الي الاجتهاد او القطع بالجواز بالسؤال من العلماء.

و بعبارة اخري: العامي لا يمكنه الاحتياط او التقليد الا بعد القطع بجوازهما فيصح ان يقال: بان التقليد ليس تقليديا لكن لا يصح ان يقال: ان تقليد العامي في اول الامر و في نفس تقليده اجتهادي و ذلك لان العامي لا يقدر علي الاجتهاد.

و قد افاد سيدنا الاستاد: بان ما يمكن ان يعتمد العامي عليه امران: احدهما:

السيرة التي لم يردع عنها الشارع. ثانيهما: دليل الانسداد اذ بعد العلم بانه في وعاء الشرع احكاما الزامية و لا يمكن لكل احد الاجتهاد فلا يجب الاجتهاد.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 8

______________________________

و ان شئت قلت: انه من الضروري عدم وجوب الاجتهاد بالنسبة الي كل احد بل هو امر غير مقدور في اول البلوغ و اما الاحتياط فايضا يعلم ان الشارع لم يرده من الناس.

مضافا الي انه ربما لا يعرف العامي طريق الاحتياط فيتعين التقليد و يجوز و ليس له ان يعمل بظنونه في قبال شكوكه و اوهامه لأنه لا يحصل الظن له اولا لعدم كونه من اهل النظر و ثانيا: لا اثر لظنه من حيث عدم حصوله بالنظر في الادلة.

و لا يخفي ما في كلا الوجهين اما الوجه الاول فلانه لا يمكن للعامي ان يستدل بالسيرة اذ من الممكن ان السيرة مردوعة من قبل الشارع و كيف يمكن للعامي ان يستند الي السيرة؟ و الحال انه بالنسبة الي جميع الجهات عامي و مما ذكرنا ظهر

ما في الوجه الثاني أيضا.

نعم- كما ذكرنا- العامي يمكنه القطع بالحكم الشرعي من طريق السؤال ممن يراه اهلا للسؤال كما انه لو أراد الاحتياط لزم عليه اما ان يجتهد و يستنبط جوازه او يسأل ممن يعلم الحكم الشرعي.

و صفوة القول: انه يلزم عليه اما ان يجتهد فيري ان الحكم الفلاني مستندا الي الدليل الكذائي فيتم له الحجة او يحتاط و لا بد في الجزم بجوازه من الاجتهاد او القطع بجوازه من طريق السؤال من اهل الخبرة و العلم بجوازه و مما ذكرنا ظهر ان الامر كذلك بالنسبة الي التقليد.

فانقدح: ان جواز التقليد لا يكون تقليديا للزوم التسلسل لكن ليس اجتهاديا أيضا لعدم امكانه بالنسبة الي العامي، بل بالعلم الحاصل من السؤال كما انه يحصل العلم بكثير من الامور بسؤال العالم.

ثم انه يقع الكلام في أدلة جواز التقليد و قد ذكر للاستدلال علي جوازه أمور:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 9

______________________________

الامر الاول: السيرة القطعية بين العقلاء علي رجوع الجاهل الي العالم فيما لا يعلم، و اتباعه و هذه السيرة لم يردع عنها الشارع فتكون حجة و لا مجال لان يقال: ان الدليل الدال علي النهي عن العمل بغير العلم رادع عن السيرة، اذ يرد عليه:

اولا انه يلزم عدم حجية قول العادل او الثقة و أيضا يلزم عدم حجية الظواهر فان اعتبار مثل هذه الامور يكون بالسيرة التي امضيت و لم يردع عنها و علي فرض الالتزام يكون الدليل الدال علي عدم جواز العمل بغير العلم رادعا عن السيرة في جميع هذه الموارد فما الحيلة؟

و ثانيا: نجيب بالحل و هو ان العقلاء يرون هذه الامور علما جعليا اعتباريا اذ لولاه لاختل النظام.

و ان شئت قلت: ان الشارع الاقدس

لم يؤسس طريقا خاصا الي بيان مقاصده بل يحاور مع الناس علي طبق المتداول بينهم في محاوراتهم فما يدل علي سقوط غير العلم ناظر الي الاوهام او الظنون التي لا دليل علي اعتبارها كالقياس و الاستحسان فلاحظ.

و ربما يقال: انه يستفاد من بعض الآيات انكار التقليد و ردعه:

منها قوله تعالي: «وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ قٰالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مٰا أَلْفَيْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لٰا يَهْتَدُونَ «1».

و منها قوله تعالي: وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا إِليٰ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ إِلَي الرَّسُولِ قٰالُوا حَسْبُنٰا مٰا وَجَدْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لٰا يَهْتَدُونَ «2».

و يرد علي الاستدلال بالآيتين: ان الآيتين تردعان و تنكران رجوع الجاهل

______________________________

(1) البقرة، 171.

(2) المائدة، 104.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 10

______________________________

الي مثله بل لنا ان نقول: بأن الآيتين تدلان علي صحة التقليد. و ان شئت فقل ان الشارع بمثل هذه الآيات يرشد الناس الي ما يستقل به عقولهم و انه لا بد من الاستناد الي علم أو علمي و المفروض ان رجوع الجاهل الي العالم ليس عملا بالوهم و الظن بل عمل بالحجة العقلائية فلا تكون الآيات المذكورة ناظرة اليه فلاحظ. و مما ذكرنا تقدر علي الجواب عن الاستدلال بسائر الآيات التي ربما يستدل بها علي عدم جواز التقليد.

و صفوة القول في رد الاستدلال بالآيتين و نحوهما من الآيات انا لا ندعي جواز رجوع الجاهل الي مثله بلا دليل و لا بينة بل ندعي ان السيره العقلائية جارية علي رجوع الجاهل الي العالم في كل حرفة و صناعة بل هذا الامر ارتكازي موجود في نفس الانسان

و هذه الآيات لا تردع عن مثله كما هو ظاهر الا ان يقال:

ان الآيات المذكورة لا تدل علي حجية التقليد الا علي القول بمفهوم الوصف.

الامر الثاني: قوله تعالي: «فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1».

بتقريب ان ما بعد كلمة (لعل) علة غائية لما قبلها بلا فرق بين ان يكون ما قبلها أمرا خارجيا أم حكما مولويا فاذا كان ما قبلها حكما مولويا وجوبيا و كان ما بعدها أمرا اختياريا يدل الكلام علي ان ما بعدها محكوم بحكم ما قبلها بداهة ان الغاية الاختيارية للفعل الواجب واجبة فالحذر واجب ثم ان الانذار كما يتحقق بالاخبار كذلك يتحقق بالافتاء فان الافتاء يكون انذارا بالدلالة الالتزامية و الحذر الواجب بالفهم العرفي هو التقليد عملا لا مجرد الخوف النفساني فتكون الاية دالة علي حجية الفتوي.

______________________________

(1) التوبة، 123.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 11

______________________________

ان قلت: يمكن ان يكون وجوب الحذر منوطا بالعلم بالتطابق مع الواقع.

قلت: الاطلاق يقتضي عدم هذا التقييد.

ان قلت: الاية ناظرة الي مورد الاخبار عن شي ء و ليست ناظرة الي الافتاء فان التفقه في الصدر الاول كان بسماع الحكم من النبي صلي اللّه عليه و آله أو الائمة عليهم السلام فالانذار يتحقق ببيان الحكم الذي سمعه فلا تدل الاية علي حجية الرأي و الاجتهاد.

قلت: التفقه له مراتب فربما يحصل بمجرد السماع، و أخري باعمال النظر و كان في عصر الائمة عليهم السلام من الفقهاء من كان صاحب نظر و رأي و لذا نري ان المعصوم عليه السلام سئل عن تعارض الروايات.

و صفوة القول: انه لا وجه لتقييد الاية بخصوص أخبار الراوي بل مقتضي الاطلاق شمولها لفتوي

الفقيه بل لقائل ان يقول: انه يعتبر في حجية قول الراوي فهمه للخبر المروي اذ بدون فهم الخبر لا يصدق التفقه و الظاهر من الاية اعتبار التفقه.

فتحصل: ان دلالة الاية علي حجية الفتوي أولي من دلالتها علي حجية الاخبار.

و يرد علي الاستدلال أولا: ان المستفاد من الاية وجوب الانذار رجاء تحقق الحذر، فان الحذر أمر نفساني غير اختياري فوجب الانذار برجاء تحقق الحذر و لا يستلزم الحمل علي هذا المعني الجهل بالنسبة الي ذاته تعالي فان الجمل الانشائية تستعمل في معانيها بالدواعي المناسبة بها و كلمة لعل تستعمل بداعي ابراز الرجاء و ابراز الرجاء لا يكون ملازما لجهل المستعمل.

و ان شئت قلت: المستفاد من الاية ان الحكمة الداعية الي ايجاب الانذار

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 12

______________________________

تحقق الحذر و حمل الحذر علي الفعل الخارجي المقدور للمكلف لا دليل عليه فلا تدل الاية علي وجوب العمل الخارجي بل تدل علي وجوب الانذار رجاء تحقق الحذر.

و ثانيا: ان الاية مسوقة لبيان وجوب الانذار فلا مجال للقول بأن مقتضي الاطلاق وجوب الحذر بلا فرق بين حصول العلم بمطابقة الانذار للواقع و عدمه فان الاطلاق يتوقف علي احراز كون المولي في مقام البيان و المفروض ان المولي في مقام بيان وجوب الانذار لا وجوب الحذر.

و ثالثا: لو تم مدعي الخصم، فانما يتم فيما يكون الخطاب و الغاية راجعين الي شخص واحد كما لو قال الطبيب للمريض اشرب الدواء الفلاني لعلك تفعل كذا و اما لو كان الانذار متوجها الي شخص و الحذر الي شخص آخر كما في الاية الشريفة فلا يدل الكلام علي المدعي.

أضف الي ذلك انه لم يقيد المنذر في الاية بكونه عادلا أو ثقة و لا اشكال في

عدم حجية قول الفاسق و لا اعتبار بكلامه فليس المقصود من الاية الا وجوب التفقه و الانذار رجاء حصول الحذر اما من باب حصول العلم من قول المنذر أو من باب احتمال الصدق و علي كلا التقديرين يترتب علي الحذر المقصود و هو التصدي للامتثال الا أن يقال: انه يمكن تقييد الاطلاق بالمقيد الخارجي.

الامر الثالث: قوله تعالي: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ «1».*

بتقريب: ان الامر بالسؤال يقتضي حجية الجواب و الا يكون السؤال لغوا و بما ان الفقيه أهل الذكر فقوله حجة و معتبر.

لا يقال: ان الامر بالسؤال لأجل تحصيل العلم لا العمل بقول المسئول بلا

______________________________

(1) الانبياء، 7 و النحل، 43.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 13

______________________________

علم بالواقع، فانه يقال: ان العرف يفهم من هذه الجملة ان غير العالم يرجع الي العالم مثلا لو قيل لأحد: راجع الطبيب يفهم العرف منه ان قول الطبيب حجة و لا يكون المقصود مراجعة الطبيب لأجل صيرورته طبيبا.

و يرد عليه أولا: ان استعمال هذه الجملة في مقام الارشاد الي تحصيل العلم بواسطة السؤال أمر متعارف في المحاورات و اما المثال المذكور في تقريب الاستدلال و أمثاله، فهو خارج بلحاظ القرينة.

و بعبارة أخري: القرينة قائمة علي ان الشخص الجاهل الذي يراجع الطبيب يعمل بقوله و رأيه فلا وجه لقياس المقام علي مورد المثال.

و ثانيا: ان السؤال في الآيتين مربوط بالنبوة و النبوة من الاصول و لا تثبت الاصول الدينية بالتقليد بل يلزم فيها العلم.

و ثالثا: المسئول بحسب الظهور علماء أهل الكتاب فلا وجه للتعدي كما ان الخطاب متوجه الي أشخاص مخصوصين.

و بعبارة أخري: مورد السؤال و المسئول و المأمور بالسؤال كلها في أطار خاص و دائرة مخصوصة و لا

وجه للتعدي. و التوسل الي ذيل عدم القول بالفصل رجوع الي دليل آخر. مضافا الي عدم رجوعه الي محصل صحيح فان عدم القول بالفصل ليس من الادلة.

و رابعا: ان أخبار المسئولين عن الرسالة في مورد الاية أخبار حسي و كون الخبر الحسي حجة في مورد لا يستلزم حجية الفتوي المستند الي الحدس فلا تغفل.

الامر الرابع: الروايات و هي علي طوائف:

الاولي: ما تدل علي عدم جواز الافتاء بغير علم.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 14

______________________________

منها: ما رواه: أبو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام من افتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «1».

و منها: ما رواه مفضل بن يزيد (مزيد) قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام انهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: انهاك ان تدين اللّه بالباطل و تفتي الناس بما لا تعلم 2.

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

اياك و خصلتين ففيهما هلك من هلك: اياك ان تفتي الناس برأيك او تدين بما لا تعلم 3.

و منها: ما رواه عبيدة السلماني قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: يا أيها الناس اتقوا اللّه و لا تفتوا الناس بما لا تعلمون فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد قال قولا آل منه الي غيره و قد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه فقام عبيدة و علقمه و الاسود و اناس معه فقالوا: يا أمير المؤمنين فما نصع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد صلي اللّه عليه و آله 4.

و منها: ما رواه

عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مجالسة أصحاب الرأي فقال: جالسهم و إياك عن خصلتين تهلك فيهما الرجال ان تدين بشي ء من رأيك أو تفتي الناس بغير علم 5.

و منها: ما رواه موسي بن بكر قال: قال أبو الحسن عليه السلام: من أفتي

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1 و 2 و 3.

(2) (4 و 5) وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 19 و 29.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 15

______________________________

الناس بغير علم لعنته ملائكة الارض و ملائكة السماء «1».

و منها: ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: من أفتي الناس بغير علم فليتبوأ مقعده من النار 2 فان هذه الطائفة تدل بالمفهوم علي جوازه مع العلم و بالملازمة العرفية يفهم جواز العمل به.

الثانية: ما تدل علي الرجوع الي رواة الحديث و الاخذ منهم منها: ما رواه أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته و قلت: من اعامل؟

و عمن آخذ؟ و قول من اقبل؟ فقال: العمري ثقتي فما ادي إليك عني فعني يؤدي و ما قال لك عني فعني يقول فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون قال: و سألت أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك فقال: العمري و ابنه ثقتان فما اديا إليك عني فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان الحديث 3.

و منها ما رواه أبان بن عثمان ان أبا عبد اللّه عليه السلام قال له: ان ابان ابن تغلب قد روي عني رواية

كثيرة فما رواه لك عني فاروه عني 4.

و منها: ما رواه اسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام: اما ما سألت عنه ارشدك اللّه و ثبتك الي ان قال:

و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و أنا

______________________________

(1) (1 و 2) وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 31 و 33.

(2) (3 و 4) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 4 و 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 16

______________________________

حجة اللّه و اما محمد بن عثمان العمري فرضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل فانه ثقتي و كتابه كتابي «1».

و منها ما رواه شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربما احتجنا ان نسأل عن الشي ء فمن نسأل؟ قال: عليك بالاسدي يعني أبا بصير 2.

و منها: ما رواه حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

من استأكل بعلمه افتقر قلت: ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام فقال: ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدي من اللّه ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا 3.

و منها: ما روا، جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ بالجنة: بريد بن معاوية العجلي و أبو بصير ليث ابن البختري المرادي و محمد بن مسلم و زرارة أربعة نجباء أمناء اللّه علي حلاله و حرامه لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست 4.

و

منها: ما رواه علي ابن المسيب الهمداني قال: قلت للرضا عليه السلام:

شقتي بعيدة و لست أصل إليك في كل وقت فمن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا 5.

و منها: ما رواه مسلم بن أبي حية قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام في خدمته فلما اردت ان افارقه و دعته و قلت: أحب ان تزودني فقال: ائت أبان ابن تغلب فانه قد سمع مني حديثا كثيرا فما رواه لك فاروه عني 6.

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 9 و 15 و 12.

(2) (4 و 5 و 6) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 14 و 27 و 30.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 17

______________________________

و منها: ما رواه عبد العزيز بن المهتدي و الحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليه السلام قال: قلت: لا أكاد أصل إليك اسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال: نعم «1».

و منها: ما رواه عبد العزيز ابن المهتدي قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت اني لا القاك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني؟ فقال: خذ عن يونس بن عبد الرحمن «2».

و منها: ما رواه أيضا قال قلت للرضا عليه السلام: ان شقتي بعيد فلست أصل إليك في كل وقت فآخذ معالم ديني عن يونس مولي آل يقطين؟ قال:

نعم 3.

و منها: ما رواه احمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت اليه يعني ابا الحسن الثالث عليه السلام اسأله عمن آخذ معالم ديني و كتب

اخوه أيضا بذلك فكتب اليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في امرنا فانهما كافو كما إن شاء اللّه تعالي 4.

بدعوي دلالة هذه الطائفة باطلاقها علي اعتبار الفتوي و عدم تقييدها بخصوص الاخبار و الانصاف ان الجزم به مشكل نعم لا اشكال ان بعض نصوص الباب واف باثبات المدعي لاحظ حديث الحسن بن علي بن يقطين و امثاله.

الثالثة: ما تدل علي عدم جواز الاستناد الي القياس و الاستحسان و الرأي.

منها: ما رواه ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ان السنة

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 33.

(2) (2 و 3 و 4) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 34 و 35 و 45.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 18

الا ان يحصل له العلم بالحكم لضرورة أو غيرها كما في بعض الواجبات و كثير من المستحبات و المباحات (1).

______________________________

لا تقاس الا تري ان المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها يا ابان ان السنة اذا قيست محق الدين «1».

و منها: ما رواه عثمان بن عيسي قال: سألت ابا الحسن موسي عليه السلام عن القياس فقال: و ما لكم و للقياس ان اللّه لا يسأل كيف احل و كيف حرم 2.

و منها ما رواه طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عن ابيه عليهما السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام لا رأي في الدين 3.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: في كتاب آداب امير المؤمنين عليه السلام: لا تقيس في الدين فان امر اللّه لا يقاس و سيأتي قوم يقيسون و هم

اعداء الدين 4.

فان المستفاد من هذه الطائفة- و هي كثيرة جدا- بالفهم العرفي المنع عن القياس و جواز الافتاء عن مدرك شرعي اذ لو كان الاجتهاد فاسدا كالقياس كان المناسب التعرض له فلاحظ.

الخامس: انه لا شبهة في ان العوام مكلفون بالتكاليف الشرعية و لا يقدرون علي الاجتهاد و لم يرد منهم الاحتياط قطعا مضافا الي ان جواز الاحتياط يتوقف علي الاجتهاد او التقليد فيكون المتعين في حقهم جواز التقليد و هذا من احسن الوجوه و اخصرها.

(1) اذا حصل للمكلف العلم بالواقع اما لكونه ضروريا او لكونه من

______________________________

(1) (1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 6 من أبواب صفات القاضي الحديث: 10- 15 34- 36.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 19

[مسألة 2 عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل]

(مسألة 2) عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل، لا يجوز له الاجتزاء به الا ان يعلم بمطابقته للواقع أو لفتوي من يجب عليه تقليده فعلا (1).

[مسألة 3: الاقوي جواز ترك التقليد و العمل بالاحتياط]

(مسألة 3): الاقوي جواز ترك التقليد و العمل بالاحتياط سواء اقتضي التكرار كما اذا ترددت الصلاة بين القصر و التمام أم لا، كما اذا احتمل وجوب الاقامة في الصلاة لكن معرفة موارد الاحتياط متعذرة غالبا أو متعسرة علي العوام (2)

______________________________

اليقينيات فلا مجال للتعبد بالامارة سواء ذلك فتوي الغير أو غيرها من الامارات و ذلك لاختصاص الحجية بمن جهل الواقع اذ مع العلم به لا معني للتعبد لا بالمعلوم اذ تحصيل الحاصل محال و لا بخلافه لا و له الي اجتماع الضدين كما هو ظاهر بادني تأمل.

(1) فالمراد بالبطلان هو البطلان في نظر العقل بمعني عدم جواز الاكتفاء بالعمل ما لم ينكشف مطابقته للواقع أو لرأي من يجوز تقليده فعلا أما في الاول فظاهر و أما في الثاني فلقيام الحجة و هو قول المجتهد فعلي تقدير مخالفته للواقع تكون الحجة تامة للمكلف علي المولي فلاحظ.

(2) نقل عن الميرزا النائيني قدس سره: الاشكال فيه و ما قيل في وجه الاشكال أو يمكن أن يقال أمور:

الاول: انه لعب و عبث بأمر المولي. و فيه أولا: انه يمكن أن يكون في اختيار طريق الاحتياط غرض عقلائي و اللعب ما لا يكون فيه غرض عقلائي اذ في البحث و الفحص تفويت الوقت و بالاحتياط يكون جمعا بين الحقين مضافا الي ان اللعب علي فرض تحققه يكون في طريق الامتثال لا في نفسه و لا دليل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 20

[مسألة 4 التقليد هو العمل اعتمادا علي فتوي المجتهد]

(مسألة 4) التقليد هو العمل اعتمادا علي فتوي المجتهد (1).

______________________________

علي لزوم رعاية عدم اللعب في طريق الامتثال.

الثاني: انه اخلال بقصد الوجه. و فيه: انه لا دليل علي وجوب قصدا لوجه مضافا الي عدم الاخلال بقصد الوجه بل الفائت قصد التميز.

الثالث:

انه لا يتحقق التميز. و فيه انه لا دليل علي وجوب التميز.

الرابع: ان الامتثال الاحتمالي في طول الامتثال التفصيلي و ان العقل لا يحكم بالتسوية بينهما. و فيه ان شأن العقل ادراك لزوم الاتيان بما يجب علي المكلف من قبل المولي لا غيره و المفروض ان العبادة مقيده بقصد القربة و يتحقق مع الاحتياط و غاية ما في الباب ان يشك في لزوم الامتثال التفصيلي و مقتضي البراءة عدم لزومه كاحتمال كون الواجب تعبديا فلاحظ.

(1) قد وقع الخلاف بين الاصحاب في معني التقليد و الذي يظهر من اللغة:

ان التقليد عبارة عن العمل ففي المنجد: قلده السيف جعله حمالته في عنقه، قلده القلادة جعلها في عنقه، العمل فوضه اليه و عن المجمع في حديث الخلافة:

قلدها رسول اللّه عليا أي جعلها قلادة له الي غير ذلك من الكلمات و الظاهر ان المدعي أظهر من أن يخفي فان معناه بحسب الفهم العرفي ما ذكرنا و منه جعل القلادة في عنق الحيوان فلاحظ.

و يؤيد ما ذكرنا- لو لم يدل عليه- ما في جملة من الاخبار منها ما ورد في الاخبار المستفيضة- علي ما في كلام سيدنا الاستاذ- من ان من أفتي بغير علم فعليه وزر من عمل به لاحظ ما رواه أبو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «1» فانه يستفاد من هذه الرواية و أمثالها ان التقليد

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 21

______________________________

عبارة عن نفس العمل، و ما رواه عبد الرحمن ابن الحجاج قال: كان أبو عبد

اللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي فجاء اعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه فلما سكت قال له الاعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة و لم يرد عليه شيئا فأعاد المسألة فأجابه بمثل ذلك فقال له الاعرابي: أ هو في عنقك؟

فسكت ربيعة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هو في عنقه قال أو لم يقل و كل مفت ضامن «1» فانه يستفاد من هذا الحديث ان عمل المقلد تقليد و جعل العمل في عنق المفتي، و ما رواه اسحاق الصير في قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام ان رجلا احرم فقلم اظفاره و كانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فافتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فادماه فقال: علي الذي أفتي شاة «2» فان المستفاد من هذه الرواية ان عمل المقلد في عنق من أفتي به فلاحظ.

فالمتحصل حسب الفهم العرفي و اللغة و الأخبار أن التقليد عبارة عن العمل.

و في المقام شبهة لصاحب الكفاية و هي ان العمل لا بد ان يكون مسبوقا بالتقليد كما ان الاستنباط أو عمل المجتهد يتوقف علي الاجتهاد و الا يلزم ان يكون أول عمل صادر من العامي بلا تقليد.

و يمكن ان يجاب عن هذه الشبهة بأن اللازم ان يكون العمل عن تقليد و اما سبق التقليد فلا دليل عليه.

و بعبارة أخري: يتوقف العمل علي التقليد و هذا التوقف يستلزم التقدم الرتبي لا الزماني كما ان الامر كذلك في الاجتهاد غاية الامر انه لا يتصور التقارن الزماني بين الاجتهاد و العمل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب آداب القاضي الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 13 من ابواب بقية كفارات الاحرام الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 22

و

لا يتحقق بمجرد تعلم فتوي المجتهد و لا بالالتزام بها من دون عمل.

______________________________

ان قلت: ان مشروعية العمل تتوقف علي التقليد و التقليد يتوقف علي العمل و هذا دور.

قلت: مشروعية العمل تتوقف علي فتوي من يجوز اتباعه و التقليد يتوقف علي العمل فلا دور.

و ربما يقال: بأن ما ذكر يتم علي تقدير كون المجتهد واحدا و علي فرض التعدد يكون آرائهم متحدة و اما مع اختلاف الفتاوي فلا يتم الامر اذ حجية الجميع غير معقول و الترجيح لا وجه له اذ لا مرجح فلا بد من القول بأن التقليد هو الالتزام مقدمة للعمل.

و فيه: انه في صورة التعدد و الاختلاف إن كان واحد منهم اعلم من البقية فالمتعين تقليده و الا لا يجوز التقليد لسقوط الحجية بالتعارض مضافا الي ان الحجية التخييرية لو صحت فاي محذور في العمل برأي كل واحد علي سبيل التخيير.

فانقدح بما ذكرنا ان التقليد هو العمل لا اخذ الفتوي للعمل و لا الالتزام بنفسه و لا الاخذ بقول الغير و لا قبول قول الغير و لا اخذ فتوي الغير.

و لا يخفي انه لا يترتب علي تحقيق معني التقليد بما هو مفهوم من المفاهيم اثر عملي اذ لم يرد هذا اللفظ في حديث الا في حديث رواه احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن ابي محمد العسكري حيث قال فيه: فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا علي هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه «1» و هذا الحديث ضعيف سندا بالارسال.

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي الحديث: 20.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 23

[مسألة 5: يصح التقليد من الصبي المميز]

(مسألة 5): يصح التقليد من الصبي المميز (1) فاذا مات المجتهد

الذي قلده الصبي قبل بلوغه جاز له البقاء علي تقليده (2).

و لا يجوز له ان يعدل عنه الي غيره الا اذا كان الثاني أعلم (3).

______________________________

و ربما يتوهم انه تظهر النتيجة في مسألة البقاء علي تقليد الميت و العدول عن الحي الي غيره اذ لو كان معني التقليد هو العمل لا يجوز البقاء قبل العمل كما انه لو لم يشترط بالعمل لم يجز العدول في المسألة الثانية، و هذا توهم فاسد بل لا بد من مراجعة دليل الفرعين و ملاحظته فربما يجوز البقاء او يجب و لو لم يعمل مع القول بان التقليد مشروط بالعمل كما انه يمكن ان يكون مقتضي الدليل جواز العدول او وجوبه و لو كان بعد العمل فلا اثر لتحقيق معني التقليد فلا تغفل.

(1) يمكن ان يستدل عليه بوجهين: الاول: اطلاق ادلة حجية قول المجتهد للجاهل فان تلك الادلة علي تقدير تماميتها لم تعتبر البلوغ في المقلد و أيضا لا فرق في حكم العقل و السيرة العقلائية في رجوع الجاهل الي العالم بين البالغ و غيره.

الثاني: انه من الظاهر ان الامر بالنسبة الي غير البالغ ليس اشد منه الي البالغ فلو قلنا بشرعية عباداته- كما نقول به- يجوز له التقليد فلاحظ.

(2) لخروجه عن مورد الاجماع علي عدم الجواز و ان شئت قلت: ان تقليده بقاء بعدا البلوغ ليس تقليدا ابتدائيا.

(3) المجتهد الاخر اما يكون اعلم، او يكون مساويا او يكون مفضولا، و علي جميع التقادير، اما يكون الاتفاق في الفتوي محرزا او مشكوكا فيه او محرز العدم، اما علي تقدير الاتفاق في الفتوي او الشك في الاختلاف

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 24

[مسألة 6: يشترط في مرجع التقليد أمور]

(مسألة 6): يشترط في مرجع التقليد البلوغ (1).

______________________________

فلا مانع من

العدول و اما مع احراز الاختلاف ففي صورة التساوي يجب الاخذ بالاحوط و في صورة كون من قلده اعلم يجب البقاء و في صورة العكس يجب العدول بلا فرق بين البالغ و غيره.

(1) يقع الكلام في هذا المقام في موضعين: الموضع الاول في المقتضي الموضع الثاني في المانع اما الموضع الاول، فالظاهر عدم قصور في المقتضي فانه لا فرق في السيرة العقلائية الجارية في رجوع الجاهل الي العالم بين كون المرجع بالغا و غيره كما ان الادلة اللفظية من الكتاب و السنة تشمل غير البالغ فان قوله عليه السلام: «من كان من الفقهاء» «1» يشمل غير البالغ كما يشمل البالغ و الانصراف علي فرض تسلمه بدوي يزول بالتأمل فالاقتضاء تام.

و ربما يقال: بان المقتضي قاصر عن الشمول و ذلك لان حديث ابي خديجه قد جعل الموضوع عنوان الرجل حيث قال: «قال ابو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: اياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الي اهل الجور و لكن انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتماكموا اليه» «2» و هذا العنوان لا يصدق علي غير البالغ.

و يرد عليه اولا: انه ضعيف سندا بضعف اسناد الصدوق الي احمد بن عائذ مضافا الي ان التوثيق الوارد في ابي خديجة معارض بتضعيفه و ثانيا: ان الحديث وارد في القضاء و لا يرتبط بالفتوي فلاحظ.

لكن يمكن تصحيح الخبر سندا فان تضعيف الشيخ للرجل تاريخه مجهول كتوثيقه اياه فباعتبار الجهل بالتاريخ يسقط كلام الشيخ عن الاعتبار و ان شئت

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي الحديث: 20.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص:

25

______________________________

قلت: يصير المقام من موارد الشبهة المصداقية للتضعيف فيبقي توثيق النجاشي بحاله من الاعتبار مضافا الي أنا قد ذكرنا في بحث المعاملات انه يمكن ان يقال:

ان الشيخ قد اشتبه عليه الامر و تخيل ان المراد بأبي خديجة سالم بن أبي سلمة.

و اما اسناد الصدوق الي احمد بن عائذ فيمكن القول باعتباره لان الحسن الواقع في السند قال النجاشي في حقه: «انه خير» و هذا توثيق فمن حيث السند الخبر تام الا ان يقال: بان الاخبار عن كون الشخص خير اعم من التوثيق و علي كل فالحديث لا يرتبط بالمقام بل وارد في القضاء.

و اما الموضع الثاني: فما يمكن ان يقال في مقام الاشكال او قيل امور:

الاول الاجماع و حاله في الاشكال ظاهر اذ من الممكن- ان لم يكن مقطوعا- ان منشأ قول المجمعين الامور التي تذكر في مقام المنع فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

مضافا الي انه كيف يمكن تحصيل الاجماع و اما الاجماع المنقول فقد ثبت في محله عدم اعتباره.

الثاني: ان المعلوم من الشارع ان غير البالغ غير لائق لهذا المنصب.

و فيه انه علم خلافه فان المسيح كان نبيا في المهد و الجواد عليه السلام كان اماما قبل بلوغه و كذلك ولي اللّه الاعظم عجل اللّه تعالي فرجه كان حين وفات والده ابن خمس سنين فاذا كان منصب النبوة و الامامة لا يشترطان بالبلوغ فكيف بمقام المرجعية للتقليد و الحال ان النسبة و البعد بين المرحلتين ما بين المشرقين.

الثالث: ان القلم مرفوع عن غير البالغ حتي يبلغ كما في رواية عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة؟ قال:

اذا اتي عليه ثلاث عشرة

سنة فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 26

______________________________

عليه القلم «1» و مع فرض رفع القلم عنه كيف يجوز اتباعه؟. و فيه ان المستفاد من هذا الحديث و امثاله: ان القلم تكليفا او وضعا او كليهما مرفوع عن غير البالغ و لا منافاة بين اعتبار رأيه للغير و كون القلم مرفوعا عنه و لا تلازم بين الامرين كما هو ظاهر.

الرابع: انه قد دل بعض النصوص ان عمده مثل خطاءه و هو ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: عمد الصبي و خطأه واحد «2»، فلا اثر لقوله.

و الاشكال فيه بان المراد منه عدم توجه الدية اليه، مدفوع بان الحديث مطلق و لا وجه لحمله علي المقيد فانه حمل علي خلاف القاعدة فان المثبتين لا تنافي بينهما.

و الحق ان يورد عليه بايراد آخر و هو ان الظاهر من الحديث ان افعاله في اعتبار الشارع افعال غير اختيارية فلو قتل احدا عمدا يعتبر قتل الخطأ ففتوي غير البالغ كالعدم لكن يدفع الايراد المذكور بان الرواية لا تسقط آراء الصبي عن الاعتبار.

ثم انه علي فرض التنزل لو صار مجتهدا قبل البلوغ فلا اشكال في جواز تقليده بعد بلوغه و لا مجال لان يقال: بان اجتهاده قبل بلوغه ساقط عن الاعتبار اذ لا وجه لعدم اعتباره لأنه يصدق عليه عنوان العالم و المجتهد، كما انه لو تعلم مسائله قبل ان يبلغ و بعد البلوغ مات فعلي تقدير جواز تقليد الميت ابتداء لا اشكال

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 12.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 27

و العقل (1).

______________________________

في

جواز تقليده نعم لو مات قبل البلوغ يشكل جواز تقليده حتي علي القول بجواز تقليد الميت ابتداء.

(1) الذي يمكن ان يقال في المقام: ان الجنون اذا كان ادواريا فلا مانع من تقليده حال الافاقة مع اجتماع بقية الشرائط، و اما الاطباقي فتارة يقع الكلام في تقليده ابتداء و اخري في البقاء علي تقليده بان قلده حال العقل ثم يبقي علي تقليده بعد عروض الجنون.

اما الصورة الاولي فلا اشكال في عدم الجواز اذ لا وثوق باقوال من لا عقل له و لا بآرائه كما ان العقلاء لا يرون له وقعا في انفسهم و الاطلاقات علي فرض تماميتها لا تشمله اذ الموضوع في تلك النصوص قد قيدت بقيود لا تنطبق علي المجنون لاحظ ما ارسله في الاحتجاج «1» فان الموضوع المذكور في الحديث لا تنطبق علي المجنون اذ المذكور في الرواية فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا علي هواه مطيعا لأمر مولاه «2» فانه من الظاهر ان هذه العناوين لا تنطبق علي المجنون.

مضافا الي انه قيل: لا خلاف في اعتبار العقل في المرجع.

و اما الصورة الثانية فلا مانع من البقاء علي تقليده اما السيرة فهي جارية علي العمل بقول من زال عنه عقله كما انه يمكن ان يقال: ان الاطلاقات تشمله اذ بعد فرض شمول الاطلاق يكون مقتضاه عدم الفرق بين بقاء عقله و زواله.

و بعبارة اخري: مفاد قضية الحجية اعتبار قول فلان و اطلاقه يقتضي ثبوت الاعتبار و لو مع التغيير و التبدل و القول بان هذا المقام ينافي مع كونه مجنونا،

______________________________

(1) لاحظه في ص 22.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي الحديث: 20.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 28

و الايمان (1).

______________________________

مردود

بانه ما الفرق بين اعتبار رأي المرجع في الامر الديني و قول العادل في الموضوعات فهل يمكن ان يتوهم احد بانه لو اخبر البينة عن شي ء ثم سقط اعتباره بعروض الفسق او الجنون، لم يبق كلامه معتبرا و سقط و لا يترتب الاثر عليه؟ كلا و الظاهر انه لا فرق بين المقامين فلاحظ.

(1) ربما يستدل عليه بالإجماع، و حال الاجماع في الاشكال واضح اذ المنقول منه غير حجة و اما المحصل منه، فعلي تقدير حصوله يحتمل كونه مدركيا فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

و ربما يستدل علي المدعي بجملة من الروايات:

الاولي ما رواه علي بن سديد السابي قال: كتب الي ابو الحسن عليه السلام و هو في السجن: و اما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم «1».

بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان معالم الدين لا يمكن اخذه من المخالف.

و فيه: اولا ان السند ضعيف بعلي بن حبيب حيث انه لم يوثق و ثانيا: ان الظاهر من الحديث المنع عن اخذ الدين و معالمه عن المخالف من حيث خيانته.

و بعبارة اخري: ان الممنوع اخذ الدين ممن يستفيد الحكم الشرعي عن غير طريق الحق و هذا ليس محل الكلام بل الكلام في جواز الاخذ من المخالف الذي يستفيد الحكم الشرعي عن طريق الحق الا ان يقال: بان الخيانة لا تنفك عن غير الشيعة و المستفاد من الحديث عدم جواز اخذ معالم الدين عن الخائن فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 42.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 29

______________________________

الثانية: ما رواه احمد بن حاتم

بن ماهويه قال: كتب اليه- يعني ابا الحسن الثالث عليه السلام.- اسأله عمن آخذ معالم ديني و كتب اخوه أيضا بذلك فكتب اليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في امرنا فانهما كافوكما إن شاء اللّه تعالي «1».

و تقريب الاستدلال ظاهر. و فيه اولا: ان السند ضعيف بموسي بن جعفر بن وهب و ثانيا: ان الشرط المذكور في الخبر لا اشكال في عدم لزومه فان شدة الحب و الثبات التام في امر هم لا يشترطان في المرجع.

الثالثة ما رواه أبو خديجة «2» فان الظاهر من الرواية اشتراط كون المرجع من الشيعة اذ الظاهر من قوله عليه السلام الي رجل منكم، لزوم كونه شيعيا.

و فيه: أولا: انه ضعيف سندا بالحسن بن علي بن الوشاء للنقاش في توثيقه 3 و ثانيا: انه وارد في القضاء.

الرابعة: ما رواه عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي أن قال: فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين في حقهما و اختلف فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا) فقال: الحكم ما حكم به اعدلهما و افقهما و اصدقهما في الحديث و اورعهما و لا يلتفت الي ما يحكم به الاخر 4.

و التقريب هو التقريب. و فيه: أولا انه ضعيف بعمر، و ثانيا بأنه وارد في القضاء و ثالثا: ان كلام الامام عليه السلام في مورد سؤال الراوي و الراوي فرض

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 45.

(2) (2 و 3) لاحظ ص 24.

(3) (4) الوسائل الباب 9 من أبواب

صفات القاضي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 30

و الذكورة (1).

______________________________

الامر في رجلين من أصحابنا و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

(1) ما يمكن ان يذكر في هذا المقام أو ذكر أمور: الاول: الاجماع و اشكاله ظاهر.

الثاني: ما رواه أبو خديجة «1» بتقريب ان عنوان الرجل لا يصدق علي غير المذكر. و فيه: انه قد مر 2 ان الرواية واردة في القضاء و مقامنا البحث عن الفتوي.

الثالث: ما رواه ابن حنظلة 3 و فيه ان الرواية ضعيفة سندا بعمر مضافا الي انها واردة في حكم القضاء فلا يرتبط بالمقام.

و في المقام روي مرسلا عن عامر بن عبد اللّه بن خزاعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأتي تقول بقول زرارة و محمد بن مسلم في الاستطاعة و تري رأيهما فقال: ما للنساء و للرأي و هذه الرواية ساقطة سندا فان العامر لم يوثق.

الوجه الثالث ما افاده سيدنا الاستاد و ملخصه: انه فهم من مذاق الشرع ان اللازم علي المرأة الاستتار و لم يرض الشارع تصدي المرأة للأمور العامة و ادارتها و هذا رادع عن السيرة الجارية علي رجوع الجاهل الي العالم.

و هذا الوجه لا يرجع الي محصل و انه أخص من المدعي فان جواز تقليد المرأة لا يستلزم تصديها للأمور العامة و بين المقام و بينه بون بعيد اذ يمكن ان تكون امرأة مجتهدة مستترة في كمال التستر و الجاهل يعمل بآرائها لا سيما اذا كان المراجع امرأة مثلها كما يجوز امامتها للنساء.

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص 24.

(2) (3) لاحظه في ص 29.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 31

و الاجتهاد (1).

______________________________

(1) اذ مع عدم الاجتهاد يكون من مصاديق رجوع الجاهل الي مثله فاشتراط الاجتهاد في مرجع

التقليد مما لا كلام فيه انما الكلام في انه يشترط فيه الاجتهاد المطلق- كما في عبارة السيد اليزدي في عروته- أو يكفي التجزي بناء علي امكانه؟ لا يبعد ان يكون كلام الماتن ظاهرا في الثاني، حيث لم يقيده بالاطلاق و كيف كان الظاهر انه لا فرق في بناء العقلاء بين المجتهد المطلق و المتجزي في جواز الرجوع فان الميزان كون المرجع عالما كي يكون الرجوع اليه من مصاديق رجوع الجاهل الي العالم.

و لا يخفي ان الاجتهاد المطلق لا يلازم استنباط جميع الاحكام بالفعل فان المراد من الاجتهاد المطلق الملكة الثابتة في النفس الموجبة للقدرة علي استنباط الاحكام فالميزان حصول الملكة و من البديهي ان الفرق بين الملكة الناقصة و الكاملة بلا وجه و لذا لم يفرق الاستاد بين قليل الاستنباط و كثيره.

و صفوة القول في المقام: انه لا وجه للتفصيل بين الاجتهاد المطلق و غيره بالنسبة الي بناء العقلاء و أما من حيث الدليل اللفظي، فالظاهر انه ليس في الادلة ما يكون تاما سندا و دلالة كي يعتمد عليه فان حديثي أبي خديجة و ابن حنظلة «1» ضعيفان سندا مضافا الي انهما متعرضان لحكم القضاء لا الافتاء فلاحظ و اما ما عن تفسير العسكري «2» فهو أيضا ساقط سندا فان استناد التفسير المذكور الي الامام عليه السلام أول الكلام نعم من حيث الدلالة لا بأس به فان الفقيه علي الاطلاق لا يصدق علي كل متجزي.

______________________________

(1) لاحظهما في ص 24- 29.

(2) لاحظه في ص 29 فانه عين رواية الاحتجاج.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 32

و العدالة (1).

______________________________

(1) ما يمكن ان يقال في وجهه أمور: الاول الاجماع و حاله في الاشكال واضح فان المنقول منه ليس حجة و

المحصل منه علي فرض حصوله يكون محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به.

الثاني: انها شرط في امام الجماعة فتكون شرطا في المرجع بالاولوية.

و فيه ان الاولوية أول الكلام و ملاك الاحكام غير معلوم لدنيا و علي فرض التسليم تكون ظنية لا يغني من الحق شيئا.

الثالث ما رواه أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج و في تفسير العسكري عليه السلام في قوله تعالي «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ قال: هذه لقوم من اليهود الي ان قال: و قال رجل للصادق عليه السلام: اذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم؟ و هل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علمائهم الي ان قال: فقال عليه السلام: بين عوامنا و عوام اليهود فرق من جهة و تسوية من جهة أما من حيث الاستواء فان اللّه ذم عوامنا بتقليدهم علمائهم كما ذم عوامهم و أما من حيث افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصراح و أكل الحرام و الرشا و تغيير الاحكام و اضطروا بقلوبهم الي ان من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز ان يصدق علي اللّه و لا علي الوسائط بين الخلق و بين اللّه فلذلك ذمهم و كذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب علي الدنيا و حرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم اللّه بالتقليد لفسقة علمائهم فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا علي هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 33

______________________________

ان يقلدوه و ذلك لا

يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فان من ركب من القبائح و الفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا و لا كرامة و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك لان الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باصله لجهلهم و يضعون الاشياء علي غير وجهها لقلة معرفتهم و آخرون يتعمدون الكذب علينا «1».

بتقريب ان المستفاد من مجموع الحديث اشتراط العدالة في المرجع.

و فيه: أولا: ان السند ضعيف، و ثانيا،: انه يمكن ان يقال: انه يكفي الحدوث و اما البقاء فلا اذ لو كان عادلا يشمله دليل الاعتبار و مقتضي اطلاق الدليل بقائه و لو مع زوال صفة العدالة.

الرابع: انه كيف يرضي الشارع ان يسلم أمور المسلمين الي الفاسق.

و فيه: أولا: انه يكفي الوثوق و هو العمدة و ثانيا: ان جواز التقليد لا يستلزم جواز تصديه لأمور المسلمين فان تناسب الحكم مع موضوعه يقتضي الاشتراط في الثاني بخلاف المرجع للتقليد و لا وجه لقياس أحد المقامين علي الاخر.

فتحصل: انه لا وجه للاشتراط و أما من حيث المقتضي فلا فرق في نظر العقلاء بين الموردين كما هو كذلك بالنسبة الي بقية موارد رجوع الجاهل الي العالم و اما الدليل اللفظي فايضا يقتضي عدم الاشتراط لاحظ ما رواه أحمد بن اسحاق «2».

فان المستفاد من هذا الحديث ان الاخذ مشروط بكون من يؤخذ منه ثقة فالنتيجة انه لا دليل علي اشتراط العدالة في المرجع.

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي الحديث 20.

(2) لاحظه في ص 15.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 34

و طهارة المولد (1).

و ان لا يقل ضبطه عن المتعارف (2) و الحياة فلا يجوز تقليد الميت ابتداء (3).

______________________________

(1) ما يمكن ان يستدل به عليه

أمور: الاول: الاجماع. و فيه: ان المنقول منه غير حجة، و المحصل منه غير حاصل و علي فرض الحصول يكون محتمل المدرك.

الثاني: الاصل فان مقتضاه عدم حجية قول ولد الزنا للغير و فيه: انه لا يفرق في السيرة العقلائية بين ولد الزنا و غيره مضافا الي ان الادلة اللفظية تشمله فلاحظ

الثالث: فحوي ما دل علي اشتراطها في امام الجماعة و الشاهد فانه يفهم العرف اشتراطها في المرجع بالاولوية فان الشارع اذا لم يرض لولد الزنا لان يتصدي لإمامة الجماعة و الشهادة، فكيف يرضي لان يتصدي مقام المرجعية و الزعامة العامة. و فيه: ان ملاكات الاحكام ليست محرزة عندنا و هذا الوجه غايته ان يورث الظن بالاشتراط و هو لا يغني من الحق شيئا.

فانقدح بما ذكر عدم قيام دليل معتبر علي الاشتراط فالحق عدمه. و لا يخفي:

ان ما ذكرنا مبني علي عدم ملازمة خباثة المولد مع الكفر و الا فلا يجوز تقليده لاشتراط الايمان في المرجع و لكن قد مر انه مبني علي الاحتياط.

(2) الانصاف انه لا دليل عليه و لا يفرق في السيرة العقلائية بين من تعارف ضبطه و من يكون خارجا عن المتعارف بأن يكون ضبطه قليلا نعم ربما يقال:

بانصراف الادلة اللفظية عن مثله لكنه علي فرض تسليمه بدوي يزول بالتأمل.

(3) وقع الكلام فيما بينهم في اشتراط الحياة في مرجع التقليد ابتداء و لا يخفي ان جواز التقليد يحتاج الي الدليل و بدونه لا يمكن الحكم بالجواز فلو لم

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 35

______________________________

يتم دليل علي الجواز يكون مقتضي الاصل الاولي عدم الجواز اذ مرجعه الشك في جعل الحجية و مقتضي الاصل عدم الجعل فلا بد من النظر في أدلة التقليد كي نري هل

تشمل الميت أولا؟ و علي فرض الشمول هل يكون دليل علي التخصيص أو لا.

فنقول: قد ادعي علي عدم الجواز الاجماع قال سيد المستمسك قدس سره شرحا علي كلام الماتن: و لا يجوز تقليد الميت ابتداء: «اجماعا الا من جماعة من علمائنا الاخباريين».

و فيه: انه كيف يمكن تحصيل الاجماع بل نقطع بعدم تحققه فان جملة من الاخباريين و صاحب القوانين من الاصوليين قائلون بالجواز فلم يتحقق الاجماع و علي فرض حصوله يكون محتمل المدرك فلا يترتب عليه أثر و المنقول منه غير حجة فالعمدة: النظر في أدلة التقليد فنقول: اما الكتاب فربما يدعي- كما في كلام سيدنا الاستاد- ان أهل الذكر في قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ «1» * لا يشمل الميت فان كل عنوان ظاهر في الفعلية و من الظاهر ان الميت ليس من أهل الذكر فعلا كما ان آية النفر «2» لا تشمل الميت لظهور الاية في الانذار الفعلي و ان شئت قلت: ان موضوع الحكم عبارة عن المنذر بالفعل لا من كان منذرا سابقا فلا يشمل الميت.

و يرد عليه: أولا: انه لو انذر ثم نام أو سكت أو اغمي عليه فعلم انذاره من لم يكن حاضرا في مجلس الانذار فهل يمكن ان يقال: بعدم اعتبار الانذار بالنسبة اليه؟ كلا.

______________________________

(1) الانبياء 7 و النحل 43.

(2) لاحظها في ص 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 36

______________________________

و ثانيا: ان الذي يستفاد من هذه الجملة بحسب الفهم العرفي حجية قوله للغير بلا فرق بين موته و حياته.

و أورد علي الاستدلال بالكتاب سيدنا الاستاد أيضا: بأنه كيف يمكن شموله للميت و الحال ان فتواه يخالف فتوي الاحياء و الاموات و مع المخالفة لا يشمله دليل الحجية.

و

فيه: أولا: انه أخص من المدعي اذ ربما لا يعلم الخلاف. و ثانيا: ان هذا الاشكال يرجع الي المانع و لذا لا يمكن تقليد الحي مع العلم بالخلاف كما هو معترف به. و بعبارة أخري: الكلام في الاقتضاء لا في المانع. أضف الي ذلك ان غاية ما في الباب، عدم شمول الآيات للميت.

و بعبارة أخري لا مفهوم لها ينفي اعتبار قول الميت فلو قام دليل دال علي جوازه نأخذ به لكن الذي يهون الخطب انه قد انكرنا دلالة الآيتين علي المدعي و انهما لا ترتبطان بمسألة جواز التقليد.

و أما الروايات: فربما يقال: بأنها لا تشمل الميت فان قوله: من عرف أحكامنا «1» و كذا قوله من كان من الفقهاء «2» أو قوله و اما الحوادث الواقعة فارجعوا الي رواة أحاديثنا «3» و كذا قوله: فما أدي إليك عني فعني يؤدي «4» الي غيرها من العناوين المأخوذة في لسان الروايات لا يشمل الميت فلا يجوز تقليده ابتداء.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي الحديث: 20.

(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 9.

(4) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 37

______________________________

و فيه: أولا: انه ننقض بمن ينقل الرواية فهل يمكن لأحد الاشكال في شمولها للراوي الميت؟ كلا. و أي فرق بين المقامين؟

و أفاد سيدنا الاستاد: بأن العرف يفهم من دليل حجية قول الراوي ان المرجع الرواية لا الراوي فلا يسقط اعتبار الرواية بموت الراوي و أما المرجع في الفتوي هو المجتهد لا رأيه.

و فيه: انه دعوي بلا دليل مضافا الي انه بنفسه يصرح بأن حجية الاخبار باطلاقها تقتضي حجية

قول الراوي و اعتبار حجية رأي المجتهد و معه كيف يمكن التفكيك بين الموردين لاحظ ما رواه أحمد بن اسحاق «1»، فانه يصرح بأن اطلاق هذا الخبر يقتضي حجية الرواية و الفتوي.

و ثانيا: ان غاية ما في الباب عدم شمول الروايات للميت و ليس لها نفي الحجية عن قوله الا ان يقال: ما كان منها بلسان التحديد ينفي بالمفهوم كقوله:

من كان من الفقهاء «2» لكن قد مر ضعف الرواية سندا.

و ثالثا: ان العرف يستفيد بمناسبة الحكم و الموضوع ان قول من يتصف بالصفة المذكورة حجة للغير بلا فرق بين كونه حيا أو ميتا.

و أما العقل فربما يقال- كما عن الشيخ قدس سره-: انه لا يجوز عقلا تقليد الميت الا بعد انسداد العلم و العلمي و المفروض ان الادلة وافية لإثبات جواز تقليد الحي فلا تصل النوبة الي اقامة دليل الانسداد. و فيه ان هذا البيان انما يتم في حق من لا يجوز تقليد الميت ابتداء و أما من يجوز تقليده كذلك فلا يتم في حقه هذا التقريب و المفروض انه قد تقدم تمامية دلالة النصوص علي جواز

______________________________

(1) مر في ص 15.

(2) راجع ص 36.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 38

______________________________

تقليد الميت ابتداء مضافا الي السيرة العقلائية فان العقلاء لا يفرقون في جواز رجوع الجاهل الي العالم بين الحي و الميت.

و أفاد سيدنا الاستاد في المقام: بأن السيرة العقلائية مردوعة من قبل الشارع بتقريب: ان تقليد الميت لو كان جائزا ابتداء لزم حصر المرجع من زمان الكليني الي زماننا هذا في واحد و ذلك للعلم الإجمالي بوجود الخلاف بين الفقهاء الامامية في المسائل الفرعية و مع العلم بالخلاف يجب تقليد الاعلم فينحصر التقليد في واحد و هذا

ضروري البطلان من مذهب الشيعة اذ معناه الاعتقاد بامامة الامام الثالث عشر.

و فيه: أولا: ان هذا المحذور يختص بالعلم بالخلاف حتي في مورد الابتلاء و يمكن ان لا يكون العامي عالما بالخلاف في مورد ابتلائه فلا يتحقق المحذور المذكور و ثانيا: ان الاعلم يختلف بحسب اختلاف الازمنة و لا يكون منحصرا في شخص واحد و بعبارة أخري: يمكن ان يكون الشيخ الطوسي اعلم العلماء في زمان و يكون المحقق الكركي اعلم العلماء في زمان آخر و هذا واضح و ثالثا:

ان وجوب تقليد شخص واحد لا يستلزم كونه اماما بل ليس فيه استنكارا بل لنا ان نقول: بأن كون المرجع شخصا واحدا أحسن اذ عليه لا يلزم الاختلاف و لا يقع التكالب و المسابقة في الوصول الي مقام المرجعية اعاذنا اللّه من الزلل.

و ربما يقال: انه يكفي سندا للجواز استصحاب حجية رأي المجتهد بعد وفاته فان استصحاب بقاء الحجية يكفي ان يستدل به علي جواز تقليد الميت ابتداء. و يرد عليه انه علي فرض تمامية هذا الاصل و خلوه عن النقاش يسقط بمعارضة أصالة عدم الجعل الزائد.

و بعبارة أخري: قد حققنا في محله ان الاستصحاب في الحكم الكلي غير

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 39

[مسألة 7: اذا قلد مجتهدا فمات]

(مسألة 7): اذا قلد مجتهدا فمات فان كان اعلم من الحي وجب البقاء علي تقليده فيما اذا كان ذاكرا لما تعلمه من المسائل و ان كان الحي اعلم وجب العدول اليه مع العلم بالمخالفة بينهما و لو اجمالا و ان تساويا في العلم أو لم يحرز الاعلم منهما جاز له البقاء في المسائل التي تعلمها و لم ينسها ما لم يعلم بمخالفة فتوي الحي لفتوي الميت و الا وجب الاخذ بأحوط القولين

و أما المسائل التي لم يتعلمها أو تعلمها ثم نسيها فانه يجب ان يرجع فيها الي الحي (1).

______________________________

جار للمعارضة مضافا الي ان حجية قوله أما تختص بمن ادرك زمانه و كان معاصرا معه أو تعم المعدوم اما علي الاول فلا يقين بالحدوث كي يستصحب و اما علي الثاني فلا تصل النوبة الي الاصل كما هو ظاهر اذ الاصل يجري مع الشك و المفروض ان قوله حجة لمن وجد بعد زمانه متأخرا عنه فلاحظ.

(1) في هذه المسألة فروع: الاول: انه لو قلد مجتهدا ثم مات يجوز البقاء علي تقليده بدعوي: ان المقتضي للجواز تام و لا يمنع عنه مانع فان المفروض ان اطلاق الكتاب يقتضي جواز تقليد المنذر حتي بعد موته كما ان قول أهل الذكر بعد السؤال حجة حتي بعد وفاته و قس عليه الروايات فان مقتضي اطلاقها جواز التقليد حتي بعد وفات المرجع.

و صفوة القول: ان المستفاد من الكتاب و السنة اعتبار قول المنذر و أهل الذكر و الثقة و لم تقيد تلك الادلة بكون هؤلاء الاشخاص احياء كما ان مقتضي السيرة كذلك اذ لا فرق فيها بين الحياة و الممات.

الثاني: انه يشترط في جواز البقاء كون المقلد ذاكرا لفتاوي المرجع التي تعلمها حال الحياة و الوجه في هذا الاشتراط انه في غير هذه الصورة يكون من

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 40

______________________________

التقليد الابتدائي الذي لا يجوز.

و يرد عليه: ان مقتضي اطلاقات الادلة عدم الفرق بين عروض النسيان و عدمه كما ان الامر كذلك بالنسبة الي السيرة فانها تقتضي رجوع الجاهل الي العالم و المفروض ان المحذور الذي ذكر في كلامه من عدم جواز تقليد الميت ابتداء ليس واردا فان القول بالجواز في مفروض الكلام

لا يستلزم الاعتقاد بامامة الامام الثالث عشر.

الثالث: ان الميت لو كان اعلم من الحي يجب البقاء علي تقليده مع العلم بالمخالفة و لو اجمالا و الوجه فيه ان أدلة الحجية لا تشمل مورد التعارض فتصل النوبة الي السيرة العقلائية و مقتضي السيرة البقاء علي تقليد الاعلم.

و بعبارة أخري: العقلاء عند الاختلاف في الرأي يقلدون الاعلم و المفروض ان الميت أعلم و قلنا بجواز البقاء مع كونه ذاكرا لما تعلمه فالسيرة جارية علي البقاء و لم يردع عن تقليد الميت في هذه الصورة. أضف الي ذلك ان مقتضي حكم العقل أيضا كذلك اذ المقام مقام دوران الامر بين التعيين و التخيير و مقتضي حكم العقل الاخذ بمحتمل التعيين و احتمال التعيين في تقليد الاعلم و لم يثبت اجماع علي عدم وجوب البقاء علي تقليد الميت في هذه الصورة لكن هذا التقريب يتوقف علي ثبوت عدم وجوب الاحتياط شرعا أو عدم امكانه و اما مع امكانه و عدم دليل علي عدم وجوبه يجب الاحتياط اذا لم تكن سيرة من العقلاء.

و بعبارة أخري: هذا فيما اذا أحرزت السيرة العقلائية علي الرجوع الي الاعلم و أما لو كانت السيرة جارية علي الاحتياط أو لم تحرز سيرتهم عند العلم بالاختلاف فالمتعين العمل بالاحتياط.

الرابع: انه لو كان الحي أعلم مع العلم بالاختلاف يجب الرجوع اليه

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 41

[مسألة 8: اذا اختلف المجتهدون في الفتوي وجب الرجوع الي الاعلم]

(مسألة 8): اذا اختلف المجتهدون في الفتوي وجب الرجوع الي الاعلم (1)

______________________________

و الوجه فيه ظهر مما ذكرنا فان الادلة اللفظية تتساقط بالتعارض فتصل النوبة الي السيرة الجارية علي الرجوع الي الاعلم مع العلم بالاختلاف مضافا الي احتمال تعيين الاعلم فيجب عقلا.

الخامس: اذا احرز تساويهما في العلم أو لم يحرز كون احدهما

أعلم جاز له البقاء في المسائل التي تعلمها و لم ينسها ما لم يعلم بالمخالفة بينهما في الفتوي فانه لا مانع من البقاء علي تقليد الميت اذ ليس من التقليد الابتدائي و لا وجه لترجيح الحي علي الميت لا من حيث الادلة اللفظية اذ المفروض انها تشمل الميت كما تشمل الحي و مجرد احتمال المخالفة لا يوجب المعارضة و التساقط اذ المعارضة فرع الوصول كما ان مقتضي السيرة العقلائية جواز البقاء اذ المفروض عدم العلم بالخلاف.

السادس: انه مع عدم احراز أعلمية أحدهما و العلم باختلافهما في الفتوي يجب الاخذ بأحوط القولين اذ الادلة اللفظية تسقط بالتعارض و لا سيرة من العقلاء في مثل الفرض و مقتضي حكم العقل وجوب الاحتياط.

السابع: انه يجب التقليد عن الحي في المسائل التي لم يتعلمها أو تعلمها ثم نسيها بدعوي: انه يكون من التقليد الابتدائي و قد مر ان الماتن لا يجوز التقليد الابتدائي عن الميت هذا علي مسلكه و أما علي ما تقدم منا من جواز تقليد الميت ابتداء فلا فرق بين الميت و الحي فلا وجه للتفصيل.

(1) فان الاطلاقات تتعارض فتتساقط و مقتضي السيرة العقلائية ترجيح الاعلم كما ان مقتضي دوران الامر بين التعيين و التخيير كذلك فان تعين تقليد الاعلم

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 42

و مع التساوي وجب الاخذ بأحوط الاقوال (1) و لا عبرة بكون أحدهم اعدل (2).

[مسألة 9: إذا علم أن أحد الشخصين أعلم من الآخر]

(مسألة 9): اذا علم ان أحد الشخصين اعلم من الاخر فان لم يعلم الاختلاف في الفتوي بينهما تخير بينهما (3).

______________________________

محتمل و أما تعين تقليد المفضول فلا.

(1) فان اعتبار الجميع غير معقول و الترجيح بلا مرجح فلا مناص عن الاحتياط.

(2) لعدم دخل الاعدلية في تعين الاعدل ان قلت: عند

دوران الامر بين التعيين و التخيير يجب الاخذ بما يحتمل تعينه فلا بد من تقليد الاعدل. قلت:

هذا فرع عدم وجوب الاحتياط و لا دليل علي عدمه. و بعبارة أخري دليل الحجية من النصوص لا يشمل المورد للتعارض و لا سيرة من العقلاء فلا بد من الاخذ بأحوط القولين و أما حديث ابن حنظلة «1» فضعيف أولا و مورده القضاء ثانيا.

(3) و الوجه فيه: ان دليل الحجية يشمل كلا القولين فيجوز تقليد المفضول مع العلم بأعلمية الاخر فضلا عما اذا احتمل ذلك.

ان قلت: مع احتمال المخالفة يكون من الاخذ بالعام في الشبهة المصداقية فان دليل الاعتبار لا يشمل المتعارضين و المفروض ان التعارض محتمل.

قلت: يدفع احتمال الخلاف بالاصل الازلي بل النعتي اذ لا اشكال في عدم الخلاف بينهما في زمان بعد وجودهما. ان قلت: يجب علي المقلد الفحص عن المعارض كما يجب علي المجتهد في الروايات.

______________________________

(1) لاحظ ص 29.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 43

و ان علم الاختلاف وجب الفحص عن الاعلم (1) و يحتاط وجوبا

______________________________

قلت: الفارق بين المقامين أولا: انه يجب الفحص في الشبهات الحكمية فقبل الفحص لا يجوز العمل بالعام أو المطلق.

و ثانيا: العلم الإجمالي بالتخصيص و التقييد مانع عن العمل بالعام و المطلق و أما في المقام فلا وجه للفحص مع شمول دليل الاعتبار بمعونة اصالة عدم المخالفة مضافا الي ان السيرة جارية علي الرجوع الي المفضول مع عدم العلم بالخلاف لكن يمكن ان يقال: بأنهم يراجعون الي الاعلم في الامور المهمة و لو مع عدم العلم بالخلاف اللهم الا ان يقال: ان الائمة عليهم السلام ارجعوا الناس الي الرواة كيونس بن عبد الرحمن مع انهم عليهم السلام كانوا اعلم.

و افاد سيد المستمسك في

الجواب عن الاشكال: بأن احتمال الاختلاف لا يعتني به حيث ان التخصيص لبي و يقتصر فيه علي المتيقن.

و يرد عليه: ان هذا مبني علي عدم تعنون العام بالمخصص اللبي و أما علي القول بتعنونه به كاللفظي- كما عليه سيدنا الاستاد- فلا يرتفع الاشكال الا بما ذكرنا فالنتيجة عدم وجوب تقليد الاعلم ان قلت: قول الاعلم أقرب الي الواقع قلت: لا دليل علي أن الملاك كله الاقربية الي الواقع بل الدليل قائم علي خلافه و هو ارجاع الائمة الناس الي الرواة مع انهم عليهم السلام موجودون. ان قلت:

يدور الامر بين التعيين و التخيير قلت: هذا التقريب عند فقد الدليل علي الاعتبار و قد اقمنا الدليل علي حجية قول غير الاعلم فلا تصل النوبة الي هذا البيان.

(1) اذ مع العلم بالخلاف لا يشمل دليل الاعتبار لأجل المعارضة و الحجة هو خصوص قول الاعلم فاشتبه الحجة بلا حجة فيجب الفحص و لا يجوز تقليد أحدهما مع احتمال كون الاخر اعلم.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 44

في مدة الفحص (1) فان عجز عن معرفة الاعلم فالاحوط وجوبا الاخذ بأحوط القولين مع الامكان (2).

و مع عدمه يختار من كان احتمال الاعلمية فيه أقوي منه في الاخر (3) فان لم يكن احتمال الاعلمية في أحدهما أقوي منه في الاخر تخير بينهما (4) و ان علم انهما اما متساويان أو أحدهما المعين اعلم وجب الاحتياط (5) و ان لم يمكن وجب تقليد المعين (6).

[مسألة 10: اذا قلد من ليس أهلا للفتوي وجب العدول عنه الي من هو أهل لها]

(مسألة 10): اذا قلد من ليس أهلا للفتوي وجب العدول عنه الي من هو أهل لها و كذا اذا قلد غير الاعلم وجب العدول الي الاعلم

______________________________

(1) اذ من يجب تقليده غير معلوم فلا حجة للعبد في ترك الاحتياط.

(2) اذ

لا طريق غير الاحتياط و دعوي الاجماع علي عدم وجوب الاحتياط علي المقلد حتي في مفروض الكلام عهدتها علي مدعيها.

(3) كما لو أفتي أحدهما بوجوب شي ء و الاخر بحرمته فانه في مثله لا يمكن الاحتياط فلا بد بحكم العقل الاخذ بما يكون أقرب الي الصواب و هو قول من كان احتمال الاعلمية فيه أقوي.

(4) اذ المفروض عدم امكان الاحتياط و لا تعين بحكم العقل لأحدهما لاحتمال الاعلمية في كل منهما علي حد سواء.

(5) اذ دليل الاعتبار لا يشمل المقام للمعارضة و لا دليل علي اعتبار احتمال الاعلمية في أحدهما المعين و بمقتضي تنجيز التكليف الواقعي يجب عليه الاحتياط.

(6) لدوران الامر بين التعيين و التخيير و بحكم العقل لا بد من الاخذ بالمعين فان اعتباره معلوم و أما الاخر فلا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 45

مع العلم بالمخالفة بينهما و كذا لو قلد الاعلم ثم صار غيره اعلم (1).

[مسألة 11: اذا قلد مجتهدا ثم شك في انه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص]

(مسألة 11): اذا قلد مجتهدا ثم شك في انه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص فان تبين له انه جامع للشرائط بقي علي تقليده و ان تبين انه فاقد لها أو لم يتبين له شي ء عدل الي غيره (2).

______________________________

(1) الوجه ظاهر بالنسبة الي جميع ما أفيد في هذا الفرع فان من ليس أهلا لا يجوز تقليده من أول الامر فلا بد من العدول و مع العلم بالمخالفة لا بد من تقليد الاعلم كما مر آنفا.

(2) تارة يحرز الشرائط حدوثا و يشك في بقائه بعد ذلك، و أخري يحرز اجتماع الشرائط حدوثا لكن يقطع بارتفاعه بقاء، و ثالثة يحرز اجتماعها حدوثا ثم يشك فيه بنحو الشك الساري أما الصورة الاولي فمقتضي القاعدة البناء علي بقاء الشرائط للاستصحاب و

أما الصورة الثانية فيمكن ان يقال: بجواز البقاء كما لو قلد مجتهدا ثم مات فانه يجوز البقاء علي تقليده و المقام كذلك فان أدلة التقليد اذ اشتملت شخصا كان مقتضي اطلاقها بقاء الحجية لقوله و لو مع زوال بعض الشرائط فلا يسقط رأيه بالجنون أو الفسق أو غيرهما كما لا يسقط بالموت.

و قد أفاد سيدنا الاستاد: بأنا علمنا من مذاق الشارع ان المتصدي للزعامة العامة لا يمكن ان يكون مجنونا أو فاسقا.

و لقائل ان يقول: انه فرق بين المقامين فان من يتصدي للزعامة و يتصرف في الامور العامة لا يمكن ان يكون مجنونا و هذا ظاهر فان تصرف المجنون في ملكه الشخصي باطل فكيف بتصديه للأمور العامة و كذلك الفاسق فانه لا قابلية للفاسق ان يتصدي الامور الجزئية فكيف بالزعامة العامة؟ لكن لا ملازمة بين

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 46

و اما اعماله السابقة فان عرف كيفيتها رجع في الاجتزاء بها الي المجتهد الجامع للشرائط (1) و ان لم يعرف كيفيتها بني علي الصحة (2).

______________________________

الامرين فانه أي محذور في البقاء علي تقليده مع انعزاله عن كل الامور فالحق انه لا فرق بين هذه الامور و الموت و لكن الانصاف ان في النفس شيئا و اما الصورة الثالثة و هي ما لو شك في حدوث اجتماع الشرائط فلا بد من الفحص فمع احراز الاجتماع يقلده و مع احراز عدمه أو الشك فيه يعدل الي غيره ممن هو أهله- كما في المتن-.

(1) اذ مع احراز كيفيتها يشك في الصحة و الفساد و قد فرض انه أتي بها بلا تقليد فيجب بقاء ان يقلد من هو أهل له و يعمل علي طبق نظره في الحكم بالصحة و البطلان و

هذا ظاهر.

(2) الظاهر ان ما أفاده في المقام يناقض لما أفاده في شرح الفرع الاربعين من الاجتهاد و التقليد من العروة الوثقي فراجع «1» و لم يظهر لي وجه صحيح لما أفاده في المقام من الحكم بالصحة مع الشك اذ مقتضي الاصل الاولي هو البطلان فان كل حادث مسبوق بالعدم و مع الشك في وجوده يحكم بعدمه و لا طريق الي اثبات صحة الاعمال السابقة الخالية عن التقليد اذ قاعدة الفراغ لا تجري الا فيما يحتمل الاذكرية بحيث يكون المأتي به صحيحا مع الذكر و أما فيما يكون احتمال الصحة من باب التصادف و الاتفاق فلا تشمله قاعدة الفراغ فالظاهر ان اعماله السابقة مع الشك في كيفيتها محكومة بالبطلان فمع بقاء الوقت لا بد من الاعادة و مع فوت الوقت يجب القضاء نعم لو قلنا بأن القضاء مترتب

______________________________

(1) التنقيح الاجتهاد و التقليد ص 327.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 47

[مسألة 12: اذا بقي علي تقليد الميت غفلة أو مسامحة من دون ان يقلد الحي في ذلك]

(مسألة 12): اذا بقي علي تقليد الميت غفلة أو مسامحة من دون ان يقلد الحي في ذلك كان كمن عمل من غير تقليد و عليه الرجوع الي الحي في ذلك (1).

[مسألة 13: اذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط و التفت بعد مدة كان كمن عمل من غير تقليد]

(مسألة 13) اذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط و التفت بعد مدة كان كمن عمل من غير تقليد (2).

[مسألة 14: لا يجوز العدول من الحي الي الميت الذي قلده أولا]

(مسألة 14): لا يجوز العدول من الحي الي الميت الذي قلده أولا (3) كما لا يجوز العدول من الحي الي الحي الا اذا صار

______________________________

علي الفوت و الفوت أمر وجودي، لا يثبت باصالة العدم الجارية في العمل- كما عليه سيدنا الاستاد-، يمكن أن يقال: بعدم الوجوب لكن قد ذكرنا في محله ان الفوت حسب ما يظهر من اللغة أمر عدمي يثبت باصالة عدم الاتيان بالمأمور به.

(1) لوضوح انه ليس من التقليد الصحيح و بعبارة أخري لم يكن عمله علي طبق الموازين و لا مجال للحكم بالاجتزاء و الكفاية الابان يراجع الي الحي الذي يكون مقتضي الوظيفة الرجوع اليه و هو يجوز البقاء فتكون اعماله مطابقة للحجة.

(2) لبطلان تقليده و الباطل في حكم العدم بل هو هو غاية الامر يمكن ان يكون المكلف معذورا و العذر لا يوجب انقلاب البطلان كما هو ظاهر.

(3) الماتن يري ان الميت لو كان اعلم من الحي يجب البقاء مع كون المقلد ذاكرا لفتاويه و ان كان الحي اعلم وجب العدول اليه و عليه اذا عدل عن الميت الي الحي فاما يكون عدوله عدولا صحيحا بأن كان الحي اعلم مثلا فلا وجه

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 48

الثاني اعلم (1).

______________________________

للعدول الي الميت و ان لم يكن عدوله عدولا صحيحا و في محله فعدوله كالعدم و لا مناص عن بقائه علي تقليد الميت فالنتيجة انه لو عدل الي الحي عن الميت عدولا صحيحا لم يجز العدول منه الي الميت لكن الظاهر انه يمكن ان يتصور العدول عن الحي الي الميت بنحو صحيح و هو

فيما كان الميت اعلم و المكلف نسي فتوي الميت فعدل الي الحي ثم تذكر فتوي الميت ففي مثله يمكن ان يقال:

بوجوب العدول الي الميت لكونه اعلم و ليس مثله تقليدا ابتدائيا كي يقال: بأن الاجماع قائم علي خلافه مضافا الي ما ادعاه الاستاد من التقليد الابتدائي عن الميت مستنكر عند الشرع و المتشرعة فلاحظ.

(1) أقول: اما مع عدم العلم بالاختلاف فلا مانع من العدول فكما انه يجوز ابتداء تقليد أيهما شاء كذلك يجوز له البقاء و يجوز له العدول فان مقتضي أدلة الحجية اعتبار كلا القولين فله الاخذ بكل واحد منهما و قد صرح الماتن بما ذكرنا في شرحه علي العروة حسب ما كتبه المقرر لبحثه و اما مع العلم بالاختلاف فلا يخلو الامر من احدي الصور الثلاث اذ مع العلم بالاختلاف أما يكون المجتهدان متساويين في الفضيلة و اما يكون أحدهما اعلم أما في الصورة الاولي أعني التساوي بينهما فلا مناص عن الاخذ بأحوط القولين اذ ليس علي التخيير دليل فان الادلة الاولية و هي النصوص الدالة علي جواز التقليد تسقط بالمعارضة و اما الاجماع المدعي فلم يثبت لنا اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم.

و أما السيرة بدعوي جريانها علي الرجوع الي العالم من زمن المعصومين و لو مع العلم بالاختلاف فان أمر التقليد لم يحدث بعد زمان الائمة بل كان ثابتا في ذلك الزمان، ففيه ان الامر و ان كان كذلك فانهم عليهم السلام كانوا يرجعون الي الرواة و أمر التقليد كان جاريا من ذلك الزمان لكن جريان السيرة علي

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 49

[مسألة 15: اذا تردد المجتهد في الفتوي أو عدل من الفتوي الي التردد]

(مسألة 15): اذا تردد المجتهد في الفتوي أو عدل من الفتوي الي التردد تخير المقلد بين الرجوع الي

غيره و الاحتياط ان أمكن (1).

[مسألة 16: اذا قلد مجتهدا يجوز البقاء علي تقليد الميت فمات ذلك المجتهد]

(مسألة 16): اذا قلد مجتهدا يجوز البقاء علي تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء علي تقليده في هذه المسألة، بل يجب الرجوع فيها الي الاعلم من الاحياء (2).

______________________________

الرجوع و لو مع العلم بالاختلاف و عدم أعلمية أحدهما عن الاخر فهو غير ثابت كيف و الحال ان بناء العقلاء علي التوقف عند العلم بالاختلاف في الامور المهمة و أما مع التفاضل و كون أحدهما أعلم من الاخر فلا مناص عن تقليد الاعلم فان كان من قلده أعلم وجب البقاء و يحرم العدول و ان كان الاخر أعلم وجب العدول بلا كلام.

(1) لعدم الرأي في الصورة الاولي و انكشاف خطأ مستنده- و ان لم يتبدل الي رأي آخر- في الصورة الثانية و لا دليل علي اعتباره بعد كشف خطأ مستنده و ان لم ينكشف الخطأ في نفس الامر و لعله مطابق للواقع المحفوظ و ان شئت قلت: ان حجية الرأي بالنسبة الي العامي ليست بأولي من اعتباره الي نفس المجتهد و من الواضح انه مع تردده لا موضوع للحجية حتي بالنسبة الي نفسه فكيف بالنسبة الي غيره و أما تخييره بين الامرين فقد مر ان المكلف مختار بين التقليد و الاحتياط.

(2) فان جواز البقاء يتوقف علي اعتبار قوله بعد موته و اعتبار قوله يتوقف علي جواز البقاء بعد الموت و هذا دور و بتقريب آخر: ان جواز البقاء علي تقليد الميت و عدمه كسائر المسائل يجب فيها التقليد كبقية المسائل و بعد فوت المجتهد يشك في حجية فتاويه فلا بد من الرجوع الي الحي الاعلم لحجية قوله علي كل حال.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 50

______________________________

و يرد عليه أولا: ان

اعتبار قول الحي يتوقف علي سقوط رأي الميت عن الاعتبار بعد موته و سقوطه يتوقف علي اعتبار قول الحي بعد موت المجتهد الميت و هذا دور.

و ثانيا: ان الشخص العامي كيف يمكنه الاستدلال اذ المفروض انه جاهل و يحتمل اعتبار قول الميت في حقه بعد موته كما انه يحتمل سقوطه و اعتبار قول الاعلم من الاحياء و مع احتمال كلا الطرفين كيف يمكن ان يقال: ان حجية قول الحي الاعلم أمر مقطوع به علي كل حال نعم لو جوز الميت البقاء أو أوجبه و الحي الاعلم جوز البقاء أو أوجبه لا يبقي العامي متحيرا اذ يعلم بأن تقليده من الميت بقاء لا اشكال فيه قطعا لتوافق كلا المجتهدين علي عدم البأس في البقاء كما انه لو جوز الميت العدول الي الحي أو أوجبه و كذلك الحي الاعلم جوز العدول أو أوجبه لا يبقي المكلف متحيرا.

و الذي يختلج بالبال: ان يقال: المكلف أما يعلم بالمخالفة في الرأي بين الميت الاعلم و الاعلم من الاحياء أو لا يعلم بالمخالفة أما في الصورة الثانية فيجوز له البقاء علي رأي الميت كما يجوز له الرجوع الي الحي اذ قد مر منا ان أدلة جواز التقليد من النصوص لا تقصر عن شمول الميت كالحي و كذلك السيرة العقلائية لا تقصر عن الشمول و علي فرض تسليم قيام الضرورة علي بطلان تقليد الميت ابتداء لا نسلم قيامها علي بطلان البقاء كما هو المفروض في المقام فالنتيجة انه لا فرق بين الحي و الميت غاية الامر ان العامي لجهله بالموازين العلمية لا يشخص الحجة و يكون متحيرا و لا يمكنه الجزم باعتبار قول الحي دون الميت و لكن الصناعة تقتضي التسوية بين

الميت و الحي و حيث ان نفس هذه المسألة محل الخلاف بين الاعلام لا سبيل للعامي الا الاخذ بالاحتياط و أما مع العلم

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 51

______________________________

بالاختلاف في الفتوي فالقاعدة تقتضي البقاء علي تقليد الميت لكونه اعلم و مقتضي السيرة تعين الاخذ بقول الاعلم مع العلم بالاختلاف بلا فرق بين الميت و الحي هذا ما يختلج بالبال عاجلا.

و أما لو قلنا بأن اعتبار قول الميت محل الترديد و قول الحي الاعلم حجة قطعا فلا ريب في وجوب الرجوع الي الحي الاعلم و يجب العمل بمقتضي قوله في كل فرع و من جملة الفروع مسألة جواز البقاء و عدمه فلو قلد الميت في هذه المسألة فلا اشكال في عدم جواز البقاء برأيه لما تقدم لكن الكلام في ان هذه المسألة كبقية المسائل أو ان لها خصوصية فنقول: لا اشكال في وجوب الرجوع إلي الحي في نفس هذه المسألة لسقوط رأي الميت عن الاعتبار بموته فإذا أفتي بحرمة البقاء لم يجز البقاء علي تقليد الميت.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه يتصور في المقام صور:

الصورة الاولي: ان يفتي الميت بالجواز و الحي بالحرمة.

الصورة الثانية: ان يفتي الميت بالحرمة و الحي كذلك.

الصورة الثالثة ان يفتي الميت بالوجوب و الحي بالحرمة فانه يحرم البقاء في جميع هذه الصور الثلاث اذ بعد فرض تعين الرجوع الي الحي لا يبقي اشكال في حرمة البقاء كما هو ظاهر بأدني تأمل.

الصورة الرابعة: ان يفتي كلاهما بالجواز و في هذه الصورة لا اشكال في جواز البقاء في ساير المسائل علي تقليد الميت استنادا الي فتوي الحي به و هل يجوز البقاء علي تقليد الميت في فتواه بالجواز من جهة فتوي الحي بذلك و بعبارة

أخري هل يشمل فتوي الحي بالجواز فتوي الميت لجواز البقاء؟ ربما يقال بالمنع لوجهين:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 52

______________________________

الاول لزوم اللغوية و بتعبير آخر يكون من تحصيل الحاصل اذ المفروض ان الحي يجوز البقاء فباستناد فتوي الحي يبقي علي تقليد الميت في بقية المسائل بلا احتياج الي تقليد الميت في جواز البقاء.

و يمكن ان يجاب عن اشكال لزوم اللغوية بأنه قد يفرض موضوع جواز البقاء متحدا في نظر الحي و الميت و لا يختلفان فيه كما لو كان نظرهما في جواز البقاء منوطا بالتعلم و الالتزام ففي مثل الفرض لا يجوز تقليد الميت في جواز البقاء باعتبار قول الحي لان نتيجة ذلك اعتبار بقية فتاوي الميت للمقلد و قد فرضنا انها معتبرة له بفتوي الحي بجواز البقاء فيكون من تحصيل الحاصل، و قد يفرض ان موضوع جواز البقاء بنظر الميت أوسع من نظر الحي بأن يقول الميت يكفي في البقاء الالتزام بالعمل و ان لم يتعلم و الحي يقول باشتراط التعلم في جواز البقاء فاذا تعلم المكلف فتوي الميت بجواز البقاء يمكن ان يبقي علي تقليد الميت بفتوي الحي بجواز البقاء و بعد بقائه علي تقليده يقلده في بقية المسائل التي لم يتعلمها و هذا ظاهر فيما اذا كان اعتبار التعلم بنظر الحي من باب القدر المتيقن و عدم جزمه بالجواز و عدمه في صورة عدم التعلم و اما لو جزم بذلك و افتي بعدم الجواز في صورة عدم التعلم فربما يقال: بعدم جواز الرجوع الي الميت بالنسبة الي المسائل التي لم يتعلمها اذ المفروض ان الحي قد حرم البقاء فيها و لكن يمكن ان يقال بجوازه اذ المفروض ان المكلف تعلم مسألة جواز البقاء

عن الميت و المفروض ان الحي يجوز البقاء فيما تعلم فيبقي علي تقليد الميت في مسألة البقاء بفتوي الحي و يقلد الميت في بقية المسائل فلاحظ.

الثاني: انه لا يمكن ان يؤخذ الحكم في موضوع نفسه فلا يمكن ان يؤخذ جواز البقاء علي تقليد الميت في موضوع جواز البقاء فان رتبة الموضوع مقدم

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 53

______________________________

علي الحكم و معني أخذ الحكم في موضوع نفسه فرض الحكم موجودا و محققا حين جعله و هذا خلف.

و الجواب عن هذه الشبهة: ان المحذور انما في جعل الموضوع شخص الحكم فانه لا يعقل أخذ شخص الحكم في موضوعه و اما أخذ حكم في موضوع حكم آخر فلا محذور فيه فاذا فرضنا ان الميت أفتي بوجوب صلاة الجمعة و أفتي بجواز البقاء و أفتي الحي أيضا بجواز البقاء فيترتب علي فتوي الحي بجواز البقاء اعتبار قول الميت في جواز البقاء و باعتبار قوله في جواز البقاء يعتبر فتواه بوجوب صلاة الجمعة فلا محذور.

الصورة الخامسة: ان يفتي كل من الميت و الحي بوجوب البقاء و يظهر حكم هذه الصورة مما مر في الصورة الرابعة فان فرضنا الاتحاد بينهما في موضوع وجوب البقاء أو اختلفا لكن دائرة الموضوع عند الحي أوسع كان البقاء في مسألة البقاء لغوا بل يقلد الحي ابتداء في مسألة البقاء في بقية المسائل و ان كانت دائرة الموضوع عند الميت أوسع و قد تحقق الموضوع بنظر الحي بالنسبة الي مسألة البقاء جاز للمقلدان يبقي علي فتوي الميت في بقية المسائل بتقليد الميت في وجوب البقاء استنادا الي فتوي الحي بوجوب البقاء في مسألة البقاء فلاحظ.

الصورة السادسة: ان يفتي الميت بجواز البقاء و الحي يفتي بوجوبه فربما يقال:

بأنه لا يمكن شمول فتوي الحي بالوجوب لفتوي الميت بالجواز لان مقتضي فتواه بالوجوب تعين قول الميت و مرجع فتوي الميت بالجواز تخيير المكلف فلو فرض شمول قول الحي لفتوي الميت في جواز البقاء يكون مرجعه الي التناقض أي يجوز الرجوع الي الحي و يجب البقاء علي قول الميت.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 54

______________________________

و يمكن دفع الاشكال باختلاف الموضوع في جواز البقاء و وجوبه مثلا اذا كان الحي قائلا بالوجوب مع التعلم و الميت قائلا بالجواز مع الالتزام و المقلد تعلم عن الميت مسألة البقاء و التزم في بقية المسائل يجب البقاء علي تقليد الميت بفتوي الحي في مسألة البقاء و بفتوي الميت بالجواز يجوز له البقاء في بقية المسائل كما انه يجوز له الرجوع الي الحي.

الصورة السابعة: ما اذا بني الحي علي جواز البقاء و أفتي الميت بوجوبه فهل يجوز للمقلدان يرجع الي الميت في مسألة وجوب البقاء كي يبقي وجوبا علي تقليده في بقية المسائل؟ أو ان المقلد اذا رجع في وجوب البقاء لم يجب عليه البقاء في بقية المسائل بل يجوز له الرجوع الي الحي و لعل الصحيح ان يقال: ان فتوي الحي بجواز البقاء علي تقليد الميت و جواز العدول عنه ان كان المراد منه التخيير الابتدائي بأنه يجوز له العدول كما يجوز البقاء لكن بعد الاخذ بأحد الطرفين يجب عليه بنحو التعين فلو رجع الي الميت في وجوب البقاء يتعين عليه و يجب عليه فليس للمقلد بعد الاخذ بفتوي الميت في مسألة البقاء بعد تحقق موضوع التقليد فيه ان يعدل الي الحي لان فتوي الميت بالبقاء بعد الاخذ بها تعينت في حقه فيجب عليه البقاء في بقية المسائل و اما

ان كان المراد بالجواز حدوثا و بقاء بحيث لا يتعين عليه أحد الطرفين بالاخذ فيجوز له ان يرجع الي فتوي الميت في وجوب البقاء و يبقي في بقية المسائل كما انه يجوز له العدول و تقليد الحي و الظاهر هو الثاني لعدم الدليل علي التعين بعد الاخذ لكن لا بد من النظر في دليل الجواز و التخيير و الذي يهون الخطب انه لا دليل علي التخيير مع العلم بالاختلاف بل يجب البقاء علي تقدير كون الميت أعلم و الي الحي ان كان اعلم و يجب الاحتياط في صورة التساوي و عدم التفاضل بينهما أو الشك

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 55

______________________________

في التفاضل و عدمه.

الصورة الثامنة: ان يفتي الميت بحرمة البقاء و الحي يفتي بالجواز و فرضنا انه تحقق التقليد عن الميت في مسألة البقاء فيقع الكلام في ان فتوي الحي بجواز البقاء هل تشمل نفس مسألة البقاء أو لا تشملها الحق هو الثاني و السر فيه ان قول الميت قد سقط عن الاعتبار بموته و لا اعتبار الا بقول الحي و قول الحي لا يمكن ان يوجب اعتبار قوله في فتواه بحرمة البقاء اذ يلزم من وجوده العدم و ما يلزم من وجوده العدم محال بيان ذلك ان قول الحي بجواز البقاء يوجب اعتبار أقوال الميت و فتاواه و من جملة فتاواه فتواه بحرمة البقاء فيلزم من جواز البقاء في فتواه بالحرمة سقوط فتواه اذ المفروض ان الميت يحرم البقاء و يري رأي الميت ساقطا عن الاعتبار فاعتبار قول الميت بشمول قول الحي اياه و بعد الشمول و الاعتبار يسقط عن الاعتبار و هذا معني ما يلزم من وجوده العدم المحال و اما بقية المسائل فليس

في البقاء عليها برأي الحي هذا المحذور علي أنا نعلم تفصيلا بعدم شمول رأي الحي في جواز البقاء لقول الميت في حرمة البقاء و ذلك لان البقاء علي قول الميت أما جائز في الواقع و أما حرام و لا ثالث أما علي الاول فقول الميت بالحرمة مخالف للواقع و أما علي الثاني فقول الحي بالجواز باطل فيعلم تفصيلا بعدم حجية قول الميت في حرمة البقاء. و بعبارة أخري ان كان البقاء جائزا فقول الميت باطل و ان كان حراما فقول الحي كذلك فلا يمكن جعل الاعتبار لقول الميت بقول الحي علي كلا التقديرين فالنتيجة ان فتوي الحي بجواز البقاء لا تشمل فتوي الميت بحرمة البقاء و أما شمولها لبقية المسائل فلا مانع منه مع تحقق موضوع التقليد.

الصورة التاسعة: ان يفتي الميت بحرمة البقاء و الحي بوجوبه و قد ظهر مما

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 56

و اذا قلد مجتهدا فمات فقلد الحي القائل بجواز العدول الي الحي أو بوجوبه فعدل اليه ثم مات فقلد من يقول بوجوب البقاء وجب عليه البقاء علي تقليد الاول فيما تذكره من فتاواه فعلا (1).

[مسألة 17: اذا قلد المجتهد و عمل علي رأيه ثم مات ذلك المجتهد فعدل الي المجتهد الحي]

(مسألة 17): اذا قلد المجتهد و عمل علي رأيه ثم مات ذلك المجتهد فعدل الي المجتهد الحي لم يجب عليه اعادة الاعمال

______________________________

ذكرنا في الصورة الثامنة، حكم هذه الصورة و الحق ان فتوي الحي بالوجوب لا تشمل فتوي الميت بالحرمة و اما بالنسبة الي بقية المسائل فلا مانع من الشمول فلاحظ.

(1) و الوجه فيه ان وظيفة المكلف بعد موت الثاني الرجوع الي الثالث و قد فرض ان الثالث يري عدول المكلف الي الثاني باطلا و يراه كالعدم و فرض انه يوجب البقاء فيجب البقاء علي تقليد الاول

و هذا التقريب علي تقدير القول باعتبار رأي المجتهد اللاحق بالنسبة الي الاعمال السابقه و اما علي القول بعدم اعتبار قول اللاحق بالنسبة الي الاعمال السابقة- كما عليه جملة من الاساطين- فربما يقال انه يجب عليه البقاء علي تقليد الثاني اذ بناء علي هذا المبني يكون عدوله من الاول الي الثاني صحيحا و مع فرض الصحة يكون رجوعه الي الاول تقليدا ابتدائيا و هو لا يجوز لكن التقليد الابتدائي بهذا المعني ليس علي بطلانه دليل الا أن يقال: بأن مقتضي، قول الثالث وجوب البقاء علي تقليد الميت و المفروض ان المكلف قلد الثاني و عدل اليه فيجب البقاء علي تقليد الثاني.

ثم انه لا يخفي ان قيد التذكر في عبارة المتن من باب انه لو لم يكن متذكرا كان من التقليد الابتدائي و قد مر الاشكال فيه.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 57

الماضية و ان كانت علي خلاف رأي الحي في ما اذا لم يكن الخلل فيها موجبا لبطلانها مع الجهل كمن ترك السورة في صلاته اعتمادا علي رأي مقلده ثم قلد من يقول بوجوبها فلا تجب عليه اعادة ما صلاها بغير سورة (1)

______________________________

(1) مقتضي القاعدة الاولية علي القول بالطريقية في الامارات عدم الاجزاء عند انكشاف الخلاف و عليه يجب اعادة الاعمال السابقة المخالفة للواقع بمقتضي نظر المرجع الثاني و الاجزاء يحتاج الي دليل.

و ما يمكن ان يقال في وجه الاجزاء أو قيل أمور:

الاول ان الاجتهاد الثاني لا يكشف عن عدم حجية الاجتهاد الاول فكل منهما حجة في ظرفه فلا وجه لعدم الاجزاء.

و يرد عليه: ان الاجتهاد الثاني و ان لم يكشف عن عدم حجية الاجتهاد الاول لكن مقتضي الاجتهاد الثاني ثبوت مقتضاه من أول الامر فما

تحقق بمقتضي الاجتهاد الاول باطل بمقتضي الثاني و الوظيفة الفعلية العمل بالثاني و الاجتهاد الاول و ان كان حجة في ظرفه و لا ينقلب عما هو عليه لكن لا أثر له بقاء بعد سقوطه عن الاعتبار.

الثاني: ما عن المحقق الاصفهاني قدس سره و استدل علي المدعي و هو الاجزاء في كل من الاحكام الوضعية و التكليفية بوجه أما في الاحكام الوضعية فان المصالح فيها قائمة بنفسها فلو قامت الامارة علي تحقق الاباحة بالمعاطاة و بعد ذلك قامت علي ان المتحقق بها الملكية لم تكشف الامارة الثانية عن كون الاباحة غير مطابقة للواقع اذ ليس في الاحكام الوضعية واقع سوي أنفسها فلا معني لكشف الخلاف و أما في الحكم التكليفي فكشف الخلاف فيه و ان كان متصورا لكن

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 58

______________________________

اعتبار الاجتهاد الثاني من حين صدوره و تحققه و لا يوجب سقوط السابق عن الاعتبار في ظرفه.

و بعبارة أخري: الاجتهاد الاول كان حجة في ظرفه و لا ينقلب و الاعادة و القضاء و ان كانا متأخرين لكنهما من آثار بطلان العمل و قد فرض ان الاعمال الواقعة علي طبق الاجتهاد الاول صحيحة.

و بتقريب أوضح: ان الحجة الثانية انما صارت حجة بعد سقوط الحجة الاولي عن الاعتبار فالمتأخرة لا تكون حجة الا بعد موت المرجع الاول و كيف يمكن أن تكون الحجة اللاحقة موجبة لانقلاب الاعمال السابقة عن الصحة الي الفساد حتي علي القول بالطريقية.

و صفوة القول: ان الحجة المتأخرة لا يمكن أن تكون مؤثرة في المتقدم عليها من الاعمال و المفروض ان الاعادة و القضاء من آثار بطلان العمل المتقدم فان لم يكن المتأخر مؤثرا في المتقدم فلا وجه للإعادة أو القضاء.

و يرد عليه

أولا: النقض بشهادة العادل الذي كان فاسقا في زمان ثم تاب و بعد صيرورته عادلا شهد علي أمر مربوط بزمان فسقه فهل يشك في اعتبار شهادته؟

و ثانيا نجيب بالحل و هو انه ان كان المراد من عدم تأثير المتأخر انه لا يوجب فساد ما وقع صحيحا فهو حق و ان كان المراد ان المتأخر لا يمكن ان يكشف عن مخالفة الاعمال مع الواقع فهو غير صحيح فان الامارة المتأخرة يمكن ان يكشف عن مخالفة المأتي به مع المأمور به فلاحظ.

و أما ما أفيد في كلامه من أن الاحكام الوضعية تابعة لمصالح في نفسها فالامر كما أفيد أي المصالح في نفس الجعل و لا واقع لها الا تلك الاحكام لكن تمام الكلام في أن المجعول ما هو؟ مثلا في المعاطاة هل المجعول هي الاباحة أو

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 59

______________________________

الملكية و الميزان الاجتهاد الثاني اذ الاجتهاد الاول سقط عن الاعتبار علي الفرض و أما في الاحكام التكليفية فنقول: ان المكلف بعد سقوط الاجتهاد الاول عن الاعتبار يشك في وجوب الاعادة و القضاء عليه فلو أدي الاجتهاد الثاني الي فساد الاجتهاد الاول تجب الاعادة و القضاء اذ بمقتضي الاجتهاد الثاني لم يتحقق الواجب و لم يتحقق الامتثال فتجب الاعادة و القضاء.

الثالث: الاستدلال بقاعدة رفع العسر و الحرج بتقريب ان رفع اليد عن الاعمال السابقة ربما يوجب الحرج علي المكلف فلا أثر لكشف الخلاف.

و فيه: انه قد حقق في محله ان المرفوع من الحرج هو الحرج الشخصي ففي كل مورد تحقق الحرج يرفع بدليل رفع العسر و الحرج و أما فيما لا يكون في الاعادة أو القضاء حرج فلا مجال للاستدلال بتلك القاعدة كما هو ظاهر.

الرابع: ان الاجماع

قائم علي عدم وجوب الاعادة و القضاء اذا كان المأتي به علي طبق الحجة بل نقل بأنه قيل في المقام: انه ضروري.

و فيه: انه كيف يمكن دعوي الضرورة مع هذا الاختلاف و القيل و القال و اما الاجماع فكيف يمكن التصديق بحصوله مع أن المنقول من العلامة و العميدي دعوي الاجماع علي الخلاف مضافا الي أن الاجماع علي فرض تحققه محتمل المدرك و لعل مدرك القائلين أحد الوجوه المذكورة.

الخامس: السيرة بدعوي انه جرت سيرة المتشرعة علي عدم الاعادة و القضاء في موارد العدول و التبدل.

و فيه ان قيام السيرة علي عدم الاعادة و القضاء في مورد، لا دليل علي الاجزاء فيه بالخصوص أول الكلام و الاشكال و علي فرض تحققها من أين علم اتصالها

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 60

______________________________

بزمان المعصوم كي يقال: من عدم ردعه يكشف الامضاء و لو كانت المسألة محل الابتلاء في زمانهم لكان المناسب ان وقع السؤال عن حكم العدول و التبدل و الحال انه لم توجد رواية دالة علي هذا المعني.

السادس: ما أفاده سيد المستمسك و هو استصحاب حجية رأي الميت اذ الرجوع الي الحي إما بلحاظ قيام الاجماع أو من باب دوران الامر بين التعيين و التخيير و في مثله يجب الاخذ بالمعين بحكم العقل و مع جريان الاستصحاب لا تصل النوبة الي الاصل العملي و أما الاجماع فالقدر المتيقن منه غير مورد الكلام.

و يرد عليه:

أولا: انه من صغريات استصحاب الحكم و قد قلنا في الاصول بأن الاصل الجاري في الحكم الكلي معارض دائما باستصحاب عدم الجعل الزائد فلا يجري الاستصحاب.

و ثانيا: انه أما يفرض الكلام فيما يعلم المكلف بالاختلاف بين الميت و الاحياء أو يفرض في مورد عدم العلم

بالاختلاف أما في الصورة الاولي فان كان الميت أعلم يجب البقاء علي رأيه و ان كان الحي أعلم يجب الرجوع اليه نعم مع التساوي أو الشك في التفاضل يمكن القول بجريان الاستصحاب و أما في الصورة الثانية فلا موضوع للبحث اذ المفروض التوافق في الفتوي فلا وجه للإعادة و القضاء.

فالنتيجة انه لا دليل علي الاجزاء فمقتضي القاعدة الاولية وجوب ترتيب الآثار علي طبق فتوي المجتهد المعدول اليه نعم في كل مورد قام دليل علي عدم وجوب الاعادة أو القضاء يؤخذ به و لذا يمكن الحكم بالصحة ببركة قاعدة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 61

[مسألة 18: يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة و شرائطها]

(مسألة 18): يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة و شرائطها و يكفي ان يعلم اجمالا ان عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الاجزاء و الشرائط و لا يلزم العلم تفصيلا بذلك (1).

______________________________

لا تعاد في كثير من الموارد من الخلل الواقع في الصلاة فما أفاده في المتن من قوله: «لم يجب عليه اعادة الاعمال الماضية و ان كانت علي خلاف رأي الحي فيما اذا لم يكن الخلل في حال الجهل موجبا للبطلان» في محله.

(1) أقول: تارة لا يكون التعلم مقدمة علمية و لا وجودية للواجب بل يمكن الاتيان بالواجب و احرازه و لو مع الجهل بأن يحتاط المكلف و يأتي بكل ما يحتمل كونه دخيلا في الواجب و أخري يكون التعلم دخيلا في احراز الامتثال و ثالثة يكون التعلم مقدمة وجودية للواجب و لولاه لا يتحقق الواجب فهنا صور:

أما الصورة الاولي فلا دليل علي وجوب التعلم لان الواجب علي المكلف الاتيان بالواجب علي وجهه المقرر و لا دليل علي وجوب التمييز و أما الصورة الثانية و هي صورة توقف احراز الامتثال علي التعلم اذ

مع عدم التعلم لا يميز بين الشرط و المانع فلا بد من التعلم كي يأتي بالعمل الجامع للاجزاء و الشرائط الخالي عن الموانع و في هذه الصورة تارة يتمكن المكلف من التعلم بعد تحقق الوجوب و الفعلية و أخري لا يتمكن أما مع التمكن من التعلم بعد تحقق الوجوب و فعليته فلا اشكال في وجوب التعلم في زمان الواجب بحكم العقل اذ المفروض تحقق الوجوب و تنجزه و يجب بحكم العقل الخروج عن عهدة التكليف و افراغ الذمة و المفروض ان احراز الفراغ لا يحصل الا بالتعلم فيجب بلا اشكال.

و بعبارة واضحة يجب التعلم في زمان الواجب و أما في صورة عدم التمكن في زمان الواجب فربما يقال: يجب التعلم قبل ذلك الزمان و قبل حصول شرط

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 62

______________________________

الواجب اذ المفروض فعلية الحكم في ذلك الزمان و صيرورته علي عهدة المكلف و قدرته علي الامتثال فيجب بحكم العقل سد باب عدم الامتثال و يشكل بأن وجوب التعلم قبل زمان فعلية الوجوب لا يثبت الا بالالتزام بوجوب المقدمة الدخيلة في تحقق الواجب قبل زمانه و هو مورد الاشكال و لكن لنا ان نتمسك علي المدعي بما ورد من الامر بالتعلم لاحظ ما رواه مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد و قد سئل عن قوله تعالي: فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ فقال: ان اللّه تعالي: يقول للعبد يوم القيامة: عبدي كنت عالما؟ فان قال: نعم، قال له: أ فلا عملت بما علمت و ان قال: كنت جاهلا قال: أ فلا تعلمت حتي تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1» و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي ظاهر.

فهذه الصورة أيضا لا اشكال فيها و هل يلحق بها

ما لو احتمل عدم التمكن من التعلم أم لا؟ الحق هو الالتحاق و ذلك لشمول النص فان مقتضي وجوب التعلم المستفاد من النص وجوبه في هذه الصورة أيضا.

و اما الصورة الثالثة و هي صورة توقف وجود الواجب علي التعلم فمع التمكن من التعلم بعد تحقق الوجوب و فعليته لا اشكال في عدم وجوب التعلم قبل زمان الواجب و تحقق الوجوب و أما مع عدم التمكن من التعلم في زمان تحقق الوجوب فتارة تكون القدرة دخيلة في الخطاب فقط و لا تكون دخيلة في الملاك و أخري تكون دخيلة في الملاك كما تكون دخيلة في الخطاب أما علي الاول فلا اشكال في وجوب التعلم قبل زمان الوجوب اذ روح الحكم ملاكه و المفروض انه يتحقق الملاك و يفوت بتركه التعلم فيجب لكن يشكل بأنه لا دليل علي حفظ الملاك كما مر آنفا نعم يكفي لإثبات المدعي حديث مسعدة و أما علي الثاني فربما

______________________________

(1) البرهان ج 1 ص: 560 الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 63

و اذا عرضت له في اثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها جاز له العمل علي بعض الاحتمالات ثم يسأل عنها بعد الفراغ فان تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل و ان تبين البطلان اعاده (1).

______________________________

يقال: بأنه لا وجه لوجوب التعلم اذ قبل زمان الواجب لا مقتضي لوجوب التعلم و بعد زمان الواجب لا يتحقق الوجوب لعدم القدرة فلا مقتضي لوجوب التعلم أيضا و لذا نقل عن المقدس الأردبيلي انه التزم بالوجوب النفسي بالنسبة الي التعلم و لكن يرد عليه ان الظاهر من أدلة وجوب التعلم هو الوجوب الطريقي لا النفسي فالحق ان يقال ان التعلم بخصوصه واجب بالوجوب الشرعي الطريقي بمقتضي النص فلا

بد من الالتزام بأن للتعلم خصوصية ليست لبقية المقدمات الوجودية و مما ذكرنا يعلم حكم صورة احتمال عدم التمكن من التعلم في ظرف تحقق الوجوب فان مقتضي الوجوب الطريقي المستفاد من النص عدم الفرق بين صورة العلم بعدم التمكن و الشك فيه و قد مثل في كلام سيدنا الاستاد بما لو توقف القراءة علي التعلم و يمكن ان يقال بأن المكلف لو لم يتمكن من القراءة لعدم تعلمها لم يشمله النص الوارد في المقام فان الظاهر من النص ان المنشأ لترك الواجب ان كان عدم العلم و الجهل بالواجب يعاقب فيجب تعلم الواجبات كي لا ينجر الجهل بها الي تركها و مع عدم القدرة علي القراءة لا يصدق عنوان عدم العلم و الجهل بل الصادق فيه عدم القدرة فلاحظ.

(1) اذ بهذا النحو يتحقق الامتثال و ما أفاده لا اشكال فيه بالنسبة الي الاعمال التي لا يكون أبطالها حراما و أما اذا كان الابطال حراما كالصلاة مثلا علي القول بحرمة أبطالها كما هو الحق فيشكل اذ يجب علي المكلف تعلم الصلاة الصحيحة كي لا يقع في الحرام بابطالها.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 64

[مسألة 19: يجب تعلم مسائل الشك و السهو التي هي في معرض الابتلاء لئلا يقع في مخالفة الواقع]

(مسألة 19): يجب تعلم مسائل الشك و السهو التي هي في معرض الابتلاء لئلا يقع في مخالفة الواقع (1).

______________________________

(1) اذ مع عدم المعرضية لا وجه لوجوب التعلم فانه قد مران وجوب التعلم ليس نفسيا كما نسب الي الأردبيلي. ثم انه لو قلنا بجواز أبطال الصلاة فيجوز الاحتياط بالاتيان بالاطراف مع سعة الوقت و لا يتوقف الامتثال علي التعلم و أما لو قلنا بحرمة الابطال- كما نقول- فمع العلم بالابتلاء أو احتماله يجب التعلم كي لا يقع في الخلاف كما في المتن و تفصيل

الكلام: انه لو أمكنه التعلم بعد الوقت لا يجب عليه التعلم قبله و الا يجب قبله كما تقدم في المسألة المتقدمة.

ان قلت: مع عدم العلم بالابتلاء ما وجه الوجوب مع جريان الاستصحاب الاستقبالي بعدم الابتلاء؟

قلت: أولا: هذا انما يتصور مع عدم العلم الإجمالي بالابتلاء و أما مع العلم الإجمالي فلا مجري للأصل كما هو ظاهر.

و ثانيا: انه لا مجري للأصل مع وجود الدليل علي وجوب التعلم كما مر ذكره في المسألة المتقدمة اذ الاستصحاب و ان كان عبارة عن الطريق المجعول لكن موضوعه الشك و مع وجود الشك في الابتلاء يجب التعلم فلا يقاس استصحاب عدم الابتلاء علي مورد قيام الامارة علي عدمه فان مفاد الامارة نفي الشك فلا يجب التعلم اذ يعلم علما تعبديا بعدم الابتلاء.

و ملخص القول: ان الاستصحاب موضوعه الشك و مع حفظ الشك يجري و الامارة موردها الشك و يعتبر عدمه.

و لقائل ان يقول: ان قلنا بقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي المأخوذ بنحو الطريقية، يمكن ان يقال: بجريان الاستصحاب الاستقبالي و يحرز به

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 65

[مسألة 20: تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور]

(مسألة 20): تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور: الاول:

العلم الحاصل بالاختبار أو بغيره (1) الثاني: شهادة عادلين بها (2) و لا يبعد ثبوتها بشهادة عدل الواحد بل بشهادة مطلق الثقة أيضا (3).

______________________________

عدم الابتلاء فلا يجب التعلم.

و بعبارة اخري: يكفي في جريان الاستصحاب عدم كونه لغوا و المفروض في المقام انه يترتب عدم وجوب التعلم و لا يتوجه اليه ما أفاده سيدنا الاستاد من التخصيص المستهجن بالنسبة الي دليل وجوب التعلم لأنه مع جريان الاستصحاب ينقلب الشك في الابتلاء الي العلم بعدمه.

و ان شئت قلت: ان دليل الاستصحاب حاكم علي دليل وجوب التعلم.

(1) كما

هو ظاهر فان حجية العلم عقلي و لا اشكال فيها.

(2) بلا اشكال فانه لا ريب في ثبوت الموضوعات الخارجية بشهادة عدلين.

(3) اذ أخبار العدل الواحد بل مطلق الثقة طريق عقلائي و لم يردع عن العمل به شرعا و اما حديث مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول: كل شي ء هو لك حلال حتي تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك الي أن قال: و الاشياء كلها علي هذا حتي يتبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة «1» فسنده ضعيف بمسعدة مضافا الي أن البينة عبارة عن ما يتبين به الشي ء لا خصوص أخبار عدلين.

ان قلت: ان مقتضي مفهوم حديث ابن المغيرة الآتي عدم اعتبار خبر من لم يعرف بحسن في نفسه كما لو علم بأنه شارب الخمر مع كونه ثقة فيلزم عدم اعتبار قول الثقة و يترتب عليه عدم اعتبار روايات وردت عن طريق ثقات مع

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 66

الثالث: حسن الظاهر و المراد به حسن المعاشرة و السلوك الديني بحيث لو سئل غيره عن حاله لقال لم نر منه الا خيرا (1).

و يثبت اجتهاده و اعلمية أيضا بالعلم و بالشياع المفيد للاطمينان و بالبينة و بخبر الثقة في وجه (2) و يعتبر في البينة و في خبر الثقة هنا

______________________________

عدم حسن حالهم كسماعة مثلا.

و بعبارة أخري: هذه الرواية توجب الردع عن السيرة الجارية علي العمل بخبر الثقة.

قلت: الاستدلال بهذه الرواية علي الردع يستلزم المحال اذ كونها رادعة يتوقف علي حجية قول الثقة و مع ثبوت الردع بها يلزم من رادعيتها عدم اعتبار قول الثقة فيلزم من رادعيتها عدمها

و ما يلزم من وجوده العدم محال.

(1) لجملة من الروايات: منها ما رواه عبد اللّه بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: رجل طلق امرأته و اشهد شاهدين ناصبيين قال: كل من ولد علي الفطرة و عرف بالصلاح جازت شهادته «1».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو كان الامر إلينا لأجزنا شهادة الرجل اذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس «2» فان الظاهر منهما انه يكفي حسن الظاهر في قبول الشهادة.

(2) اما ثبوتها بالعلم فلان العلم حجة عقلا و ذاتا و أما اعتبار الاطمينان الحاصل بالشياع فلان الاطمينان الحاصل بالشياع طريق عقلائي أمضاه الشارع و أما ثبوتهما بالبينة فهو علي طبق القاعدة المقررة من ثبوت الموضوعات بالبينة الا

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث: 5.

(2) نفس المصدر الحديث: 8.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 67

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 67

ان يكون المخبر من أهل الخبرة (1).

[مسألة 21: من ليس أهلا للمرجعية في التقليد يحرم عليه الفتوي بقصد عمل غيره بها]

(مسألة 21): من ليس أهلا للمرجعية في التقليد يحرم عليه الفتوي بقصد عمل غيره بها (2).

______________________________

فيما علم من الشرع من لزوم رعاية بعض القيود و أما اعتبار خبر الثقة فقد مر تقريبه.

(1) اذ يشترط في حجية الشهادة ان تكون حسية فان لم يكن الشاهد من أهل الخبرة لم تكن شهادته عن حس لعدم امكانه لغير أهلها.

(2) عدم الاهلية تارة من جهة عدم كونه مجتهدا و أخري من جهة فقدانه لبقية الشرائط فيقع الكلام في مقامين أما المقام الاول فلا اشكال في حرمته فانه يدل علي حرمته قوله تعالي

اللّه أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «1» فان الاخبار عن الحكم الشرعي و أسناده الي اللّه من غير حجة افتراء علي اللّه تعالي و يدل علي حرمته أيضا من الكتاب قوله تعالي وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنٰا بَعْضَ الْأَقٰاوِيلِ لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ الْوَتِينَ «2» و لو قال نظري في هذا الحكم كذا كان كذبا من هذه الجهة أيضا و تدل علي الحرمة أيضا جملة من الروايات منها ما رواه أبو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «3» و مثله غيره من الروايات الواردة في الباب الرابع من أبواب صفات القاضي من الوسائل.

و لا يخفي ان حرمة الافتاء بالنسبة الي من لا يكون مجتهدا لا تختص بصورة

______________________________

(1) يونس 59.

(2) الحاقة 44- 45.

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 68

______________________________

كونه بقصد عمل غيره بل تحرم و لو مع عدم هذا القصد بل تحرم و لو مع عدم مخاطب لكلامه فان مقتضي حرمة القول بغير العلم و الافتراء علي اللّه بمقتضي الكتاب عدم اشتراطها بشرط الا أن يقال: بانصراف الدليل عن صورة عدم وجود المخاطب.

و أما المقام الثاني فربما يقال في وجه الحرمة: ان الافتاء منصب للنبي و لعلي عليهما السلام و خلفائه من بعده فلا يجوز بغير اذنهما و لم يأذن لمن يكون فاقدا لبعض الشرائط.

و يرد عليه: ان أدلة الشرائط تقتضي عدم اعتبار رأي فاقد الشرط و لا تدل علي عدم جواز الافتاء.

و ربما يقال: بأن افتائه مع عدم كونه أهلا إغراء بالجهل

و اضلال للغير.

و فيه انه لو فرض أخباره بعد افتائه بأن نظري ليس معتبرا لك لم يتحقق اغراء بلا اشكال و اما مع عدم أخباره بذلك بعد افتائه فتارة يكون الطرف معتقدا بأنه واجد للشرائط فالظاهر انه لا بأس بالافتاء في هذه الصورة أما من حيث الافتاء فالمفروض انه مجتهد و يكون افتائه مستندا الي الحجة الشرعية و أما من حيث فقدانه لبعض الشرائط فالمفروض ان المقلد قد قام عنده الطريق المعتبر غاية الامر انه جاهل بواقع الامر و لا دليل علي وجوب اعلام الجاهل في الموضوعات.

و أما ان كان من يريد تقليده عالما بفسقه مثلا لكن لا يعلم ان تقليد الفاسق غير جائز فافاد سيدنا الاستاد بأنه لا يجوز الافتاء في هذه الصورة اذ تبليغ الاحكام واجب.

و يرد عليه: أولا: انه لو تم الدليل علي وجوب تبليغ الاحكام و وجوب

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 69

كما ان من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء (1).

______________________________

اعلام الجاهل بالحكم فلا فرق بين صورة الافتاء و عدمه بل يجب علي كلا التقديرين و ثانيا: ان الظاهر انه لم يقم دليل علي وجوب تبليغ الاحكام بنحو الاطلاق.

و بعبارة أخري: لم نجد دليلا دالا علي اعلام الاحكام الشرعية و بيانها لكل واحد من المكلفين نعم المقدار اللازم التهيّؤ لبيانها كي لا يندرس الاحكام و ان شئت قلت: يلزم بنحو الواجب الكفائي التحفظ علي الاحكام و أما قوله تعالي:

فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1» فانما تدل علي وجوب التفقه كفائيا و انذار الناس بان في الشرع أحكاما الزامية و أما أعلام كل جاهل و لو قصورا فلا

دليل عليه نعم اذا وصلت النوبة الي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر وجب القيام بهما مع تمامية الشرائط المقررة.

(1) بلا اشكال كما في كلام بعض الاصحاب و عن المسالك انه موضع وفاق بين أصحابنا و قد صرحوا بكونه اجماعيا و يدل علي المدعي من النصوص ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اتقوا الحكومة فان الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي [كنبي] أو وصي نبي «2» فان مقتضي هذه الرواية ان المتصدي للقضاء يجب ان يكون نبيا أو وصي نبي فلا بد من الاقتصار علي المرضي به و هو الواجد للشرائط و يؤيد المدعي ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه [ما جلسه]

______________________________

(1) التوبة 123.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 70

______________________________

الا نبي أو وصي نبي أو شقي «1» و ربما يستدل علي جواز الحكومة للمجتهد بما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: اياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الي أهل الجور و لكن أنظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه «2» بتقريب: ان المستفاد من هذا الخبر جواز الحكومة لمن يعرف شيئا من قضاياهم عليهم السلام و لا اشكال في ان المجتهد كذلك.

و فيه ان الرواية ضعيفة سندا بالحسن بن علي الوشاء الواقع في السند فمع قطع النظر عن أبي خديجة و فرض كونه ثقة لا يتم سند الرواية

أيضا.

فالحق: انه يشترط في الحاكم كل أمر يحتمل اعتباره اذ مقتضي تلك الرواية حرمة التصدي للقضاوة الا لمن يعلم كونه مأذونا من قبل الامام عليه السلام و الظاهر انه لا فرق بين قاضي التحكيم و القاضي المنصوب.

و أفاد سيدنا الاستاد انه لا يشترط في قاضي التحكيم الاجتهاد و استدل بقوله تعالي: وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «3» بتقريب ان مقتضي الاطلاق جواز الحكومة لكل أحد غير مقيد بكونه مجتهدا.

و فيه ان المستفاد من الاية ان الوظيفة علي القاضي ان يحكم بالعدل فليست الاية في مقام بيان شرائط القاضي.

و ثانيا: انه لو التزمنا بالاطلاق يلزم القول بعدم الاشتراط في القاضي المنصوب أيضا.

______________________________

(1) نفس المصدر ح 2.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب صفات القاضي الحديث: 5.

(3) النساء 58.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 71

و لا يجوز الترافع اليه (1).

______________________________

و ثالثا: علي فرض تسليم الاطلاق لا بد من تقييد الاية برواية سليمان فان مقتضي هذه الرواية ان مقام الحكومة مختص بالنبي و الوصي و ليس لأحد التصدي له نعم لو ثبت في مورد اذن الامام لجاز.

و استدل علي مدعاه أيضا بما رواه الحلبي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشي ء فيتراضيان برجل منا فقال: ليس هو ذاك انما هو الذي يجبر الناس علي حكمه بالسيف و السوط «1» بدعوي: ان المستفاد من الرواية انه يكفي لجواز القضاء التراضي بين المترافعين.

و يرد عليه: انه علي فرض تمامية الاطلاق لا بد من ان تقيد الرواية بما رواه سليمان فان مقتضي تلك الرواية حرمة القضاوة و الحكومة علي نحو الاطلاق الا ما خرج بالدليل الا أن يقال: ان مقتضي القاعدة التصرف

في رواية سليمان برواية الحلبي بأن يقال: ان مقتضي رواية سليمان حرمة الحكومة علي نحو الاطلاق و المستفاد من رواية الحلبي جواز الحكومة لكل شيعي مرضي للمترافعين لكن مورد رواية الحلبي خصوص قاضي التحكيم الذي رضي المتخاصمان بحكمه فلاحظ أضف الي ذلك ان نفوذ حكم شخص في حق غيره يحتاج الي دليل و مقتضي الاصل الاولي عدم النفوذ.

(1) عن المسالك انه كبيرة. و الحق أن يقال: الترافع تارة يكون عند قضاة الجور و أخري عند من لا أهلية له من حيث فقد الشرائط أما في الصورة الاولي فلا اشكال في الحرمة نصا و فتوي.

و أما الصورة الثانية فافاد سيدنا الاستاد: بأنه لا دليل علي حرمته الذاتية

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب صفات القاضي الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 72

و لا الشهادة عنده (1) و المال المأخوذ بحكمه حرام و ان كان الآخذ محقا الا اذا انحصر استنقاذ الحق المعلوم بالترافع اليه هذا اذا كان المدعي به كليا و أما اذا كان شخصيا فحرمة المال المأخوذ بحكمه لا تخلو من اشكال (2).

______________________________

و استدل سيد المستمسك علي الحرمة بأنه اعانة علي الاثم.

و فيه: انه لا دليل علي حرمة الاعانة علي الاثم و انما المحرم التعاون عليه و يمكن أن يستدل علي حرمته بأنه أمر و دعوة الي الحرام اذ مع فرض كونه حراما علي المتصدي يكون الترافع اليه دعوة منه الي الحرام و بعبارة أخري: يستفاد من دليل وجوب النهي عن المنكر حرمة الامر به و الدعوة اليه.

(1) الانصاف ان اثبات الحرمة لها في نفسها مع قطع النظر عن عروض عنوان محرم آخر عليها مشكل فلاحظ.

(2) تارة انقاذ الحق لا يكون منحصرا بالترافع عند من لا

أهلية له و أخري يكون منحصرا أما في الصورة الاولي فلا اشكال في حرمة الترافع اليه كما تقدم و المال المأخوذ منه ان كان شخصيا جاز أخذه فانه ماله و الاجماع المدعي علي الحرمة حاله في الاشكال معلوم و أما ما رواه عمر بن حنظله قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان أو الي القضاة أ يحل ذلك؟ فقال: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي طاغوت و ما يحكم له فانما يأخذ سحتا و ان كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالي: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ «1» فضعيف بعمر سندا.

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب صفات القاضي الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 73

______________________________

و أما ان كان كليا و لم يكن للمحكوم له و لا لغيره تشخيصه كما في دين قبل حلول أجله فلا اشكال في حرمة أخذه و أما مع جواز أخذه كما لو حل أجله.

فأفاد سيدنا الاستاد بأن المباشر للأداء باجبار الحاكم لو كان شخص المديون يجوز الاخذ اذ المفروض ان المديون شخص الكلي في الشخص و لا مجال لان يقال انه مكره و رفع الاكراه اذ رفع الاكراه امتناني و لا امتنان بالنسبة الي الدائن بل هو خلاف الامتنان، لكن ذكرنا في محله ان حديث الرفع لا بد ان يكون امتنانيا بالنسبة الي كل من ينطبق عليه لا بالنسبة الي غيره فيمكن التمسك بالحديث.

و أما ان كان التشخيص بغير فعل المديون كما لو شخصه الحاكم بنفسه أو أمر

الدائن به لم يكن الاخذ جائزا.

فالنتيجة: ان الحق ان كان كليا يشكل جواز الاخذ نعم لو كان المديون عاصيا عن الادعاء جاز الاخذ بعنوان التقاص مع اجتماع شرائطه.

و أما الصورة الثانية و هي صورة الانحصار فقد تمسكوا للجواز بقاعدة لا ضرر و قد ذكرنا في بحث القاعدة ان المستفاد من نصوص الباب حرمة الاضرار بالغير لا رفع الاحكام الضررية فلا فرق بين الصورتين في الحرمة الا أن يكون المنع عن الترافع حرجيا فترفع الحرمة بالحرج هذا بالنسبة الي جواز الترافع و عدمه و أما بالنسبة الي أخذ الحق فالكلام فيه هو الكلام في الصورة الاولي اذ دليل لا ضرر علي المشهور أو دليل لا حرج لا يقتضي الا نفي الحكم و أما اثبات كون تشخيص الكلي بفعل الحاكم أو بأمره فلا يستفاد منهما فلاحظ. و ربما يستدل علي الجواز بما ورد في جملة من النصوص من جواز الحلف كاذبا تقية مثل ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 74

[مسألة 22: الظاهر ان المتجزي في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوي نفسه]

(مسألة 22): الظاهر ان المتجزي في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوي نفسه (1) بل اذا عرف مقدارا معتدا به من الاحكام جاز لغيره العمل بفتواه (2).

______________________________

سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف قال: لا جناح عليه و عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه قال لا جناح عليه و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله؟ قال: نعم «1» و غيرها من الروايات المذكورة في الباب الثاني عشر من أبواب الايمان في الوسائل و الانصاف انه لا دلالة في هذه النصوص علي المدعي.

(1) اذ المفروض

انه عالم و عارف بالحكم الشرعي عن دليله فجواز العمل بنظره من الواضحات و الاحسن في التعبير ان يقال: يجب عليه اذ لا يمكن ان يرجع الي الغير و الحال انه يري الغير جاهلا و هل يمكن رجوع العالم الي الجاهل؟

(2) اذ الميزان في جواز الرجوع كون المرجع عالما و المفروض في المقام كذلك.

و الظاهر انه لا وجه لقيد معرفة مقدار معتد به من الاحكام اذ الميزان في السيرة العقلائية ان يكون المرجع عالما بل لا يبعد شمول بعض الادلة اللفظية للمقام لاحظ ما رواه أبو عبيدة «2»، فان المستفاد من هذه الرواية كما تقدم سابقا انه يجوز افتاء الناس مع العلم و انما المحرم الفتوي عن غير علم و المفروض ان المتجزي يفتي مع العلم فلا يحرم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الايمان الحديث: 1.

(2) راجع ص 67.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 75

الا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوي الافضل أو فتوي من يساويه في العلم (1) و ينفذ قضائه و لو مع وجود الاعلم (2).

______________________________

(1) ففي الصورة الاولي يجب الرجوع الي الافضل و في الصورة الثانية يجب الاحتياط كما تقدم.

(2) تقدم ان الاصل الاولي يقتضي عدم نفوذ القضاء و أيضا قد مر ان المستفاد من حديث سليمان «1» حرمة الحكومة فلا بد من الاقتصار علي المقدار المعلوم و هو المجتهد المطلق الذي استنبط معظم الاحكام.

ان قلت: يمكن استفادة الاطلاق من حديث أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد اللّه عليه السلام الي أصحابنا فقال: قل لهم: إياكم اذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شي ء من الاخذ و العطاء ان تحاكموا الي أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فاني

قد جعلته عليكم قاضيا و اياكم ان يخاصم بعضكم بعضا الي السلطان الجائر «2».

قلت: هذه الرواية ضعيفة سندا بابي الجهم فانه يمكن ان يكون المراد به بكير بن أعين و هو لم يوثق و لا يمكن الحكم بوثاقته من الروايات الواردة في مدحه عن الامام عليه السلام اذ يمكن تأخر تاريخ المدح عن زمان الرواية.

لكن الانصاف ان حديث الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشي ء فيتراضيان برجل منا فقال ليس هو ذاك انما هو الذي يجبر الناس علي حكمه بالسيف و السوط «3»، باطلاقه يدل علي جواز حكومة رجل من الشيعة لكن الرواية مخصوصة بقاضي التحكيم.

______________________________

(1) لاحظ ص 69.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 6.

(3) الوسائل الباب الاول من أبواب صفات القاضي الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 76

[مسألة 23 اذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده]

(مسألة 23) اذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده جاز البقاء علي تقليده الي أن يتبين الحال (1).

[مسألة 24: الوكيل في عمل يعمل بمقتضي تقليد موكله لا تقليد نفسه]

(مسألة 24): الوكيل في عمل يعمل بمقتضي تقليد موكله لا تقليد نفسه و كذلك الحكم في الوصي (2).

[مسألة 25: المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الاوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد]

(مسألة 25): المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الاوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد (3) و كذلك المنصوب من قبله وليا و قيما فانه ينعزل بموته علي الاظهر (4).

______________________________

(1) للاستصحاب.

(2) الوجه فيما أفاده ان المنصرف اليه من الوكالة أو الوصاية هو العمل الصحيح بنظر الموكل و الموصي فلا مجال للوكيل أو الوصي اعمال نظره و أفاد سيد المستمسك: انه لو تمت مقدمات الحكمة جاز الاخذ باطلاق الكلام و العمل علي نظر الوكيل أو الوصي و يشكل ما أفاده فان مقصود الموكل أو الموصي افراغ ذمته فلا يرضيان بعمل غير صحيح في نظرهما و ان أبيت عما ذكرنا فلا أقل من كونه مانعا عن الاطلاق لصلاحيته للقرينية فلا تتم مقدمات الاطلاق و لو وصلت النوبة الي الشك وجب الاقتصار علي نظرهما لعدم الدليل علي خلافه.

(3) اذ لا معني للإذن بعد الموت كما ان الوكالة تنتهي بموت الموكل فان الوكالة قوامها بوجود الموكل و هذا ظاهر.

(4) أفاد سيد العروة: بأنه لا تبطل و ما يمكن أن يكون دليلا لعدم البطلان أمور:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 77

[مسألة 26: حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتي لمجتهد آخر]

(مسألة 26): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتي لمجتهد آخر الا اذا علم مخالفته للواقع أو كان صادرا عن تقصير

______________________________

الاول: أن الفقيه له الولاية كولاية الامام عليه السلام فله جعل السلطنة المطلقة للغير و لا تنتهي بموته و فيه أنا قد أثبتنا في بحث الولاية عدم الولاية للفقيه فليس له الا الاذن و التوكيل و علي فرض تسليم ولايته لا بد من الاقتصار علي المتيقن و هو ما دام حيا و أما نفوذ عمله بعد وفاته فلا دليل عليه.

الثاني: ان الفقيه قاض و هذه المناصب

من مناصب القضاة. و فيه: ان القاضي لا ولاية له و لا دليل علي أنه يمكنه جعل هذه المناصب. ان قلت: ان المذكور في المقبولة «فاني قد جعلته عليكم حاكما» «1» فهو الحاكم المطلق قلت: المستفاد منها انه جعلته عليكم قاضيا مضافا الي ان السند ضعيف بعمر.

الثالث: ان جعله كجعل اللّه فيبقي ما دام القيم باقيا و فيه: انه دعوي بلا دليل.

الرابع: ان عمل الفقيه واسطة في الثبوت الي جعل اللّه. و فيه: انه لا دليل عليه.

الخامس: السيرة المستمرة غير المردوعة. و فيه: ان اثبات السيرة و استمرارها الي زمان المعصوم أول الاشكال و الكلام.

السادس: الاستصحاب. و فيه: أولا: انه لا يجري للمعارضة فانه من الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي و ثانيا: مع عدم احراز الموضوع لا مجال للاستصحاب.

و بعبارة أخري نحتمل أن تكون القيمومة للقيم ما دام حياة المجتهد و مع عدم احراز الموضوع لا يمكن جريان الاستصحاب فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 78

في مقدماته (1).

______________________________

(1) الحق في المقام أن يقال: ان لحكم الحاكم جهتين: الاولي: رفع الخصومة و فصلها الثانية: ترتيب آثار الواقع عليه أما الجهة الاولي فربما يتمسك لعدم جواز نقضه بالإجماع و أخري بما رواه عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت و ما يحكم له فانما يأخذ سحتا و إن كان حقا ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت و ما أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه

تعالي: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قلت: فكيف يصنعان؟ قال:

ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد علي اللّه «1»، و لكن حال الاجماع في الاشكال معلوم و المقبولة ضعيفة سندا و لكن لا اشكال في ان حكم الحاكم يقضي علي الخصومة بفصلها فلا يجوز وصلها و قيل انما سمي القاضي قاضيا لما ذكر.

و علي الجملة لا اشكال في ان النزاع لو لم يتم بالقضاء و كان جائزا رفع النزاع الي حاكم آخر لاختل النظام و لزم الهرج و المرج و لا يترتب الاثر المرغوب فيه علي جعل القضاوة و لا فرق في نفوذ حكمه بين مورد الشك و القطع بالخلاف و الذي يدل علي ما ذكرنا: انه لا اشكال و لا خلاف في نفوذ حكمه في حق المتخاصمين في الشبهات الموضوعية مع ان الغالب ان كلا منهما يدعي العلم بكذب الاخر أو كذب بينته و الا لم تقع بينهما خصومة و لو كان العلم بخطإ

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 79

______________________________

القاضي مجوزا لنقض حكمه فيها لعطل أمر الخصومات غالبا و الحال ان دليل نفوذ حكم الحاكم يشمل جميع الموارد بلا اشكال. و صفوة القول: انه لا مجال لهذا الاشكال.

و أما الجهة الثانية و هي ترتيب آثار الواقع علي حكم الحاكم مع القطع بالخلاف فلا دليل عليه بل الدليل علي خلافه لاحظ ما رواه هشام بن

الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان و بعضكم الحن بحجته من بعض فايما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فانما قطعت له به قطعة من النار «1» و ما في تفسير العسكري عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يحكم بين الناس بالبينات و الايمان في الدعاوي فكثرت المطالبات و المظالم فقال:

أيها الناس انما أنا بشر و أنتم تختصمون و لعل بعضكم الحن بحجته من بعض و انما أقضي علي نحو ما اسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشي ء فلا يأخذ به فانما اقطع له قطعة من النار «2» فان الروايتين صريحتان في ان المال اذا لم يكن لمن حكم له يكون قطعة من النار فيفهم ان حكم الحاكم لا يغير الواقع نعم لا اشكال في نفوذه مع الشك و المراد من موارد الشك ما تكون الشبهة موضوعية و الا يلزم كون الحكم لغوا مضافا الي أن السيرة جارية علي ترتيب الاثر علي الحكم عند الشك فالنتيجة ان الحكم لا يغير الواقع بلا فرق في محل الخلاف بين الحكم و الموضوع فلو ادعي أحد المترافعين بطلان البيع من حيث نجاسة المبيع حيث لاقي العرق من الجنب حراما و الاخر يري الصحة لعدم

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 80

[مسألة 27: اذا نقل ناقل ما يخالف فتوي المجتهد وجب عليه اعلام من سمع منه ذلك]

(مسألة 27): اذا نقل ناقل ما يخالف فتوي المجتهد وجب عليه اعلام من سمع منه ذلك (1).

______________________________

نجاسة ذلك العرق عنده فترافعا و الحاكم حكم بالصحة من

حيث انه يري العرق الكذائي طاهرا لم يجز للمدعي عليه ترتيب آثار الطهارة علي المبيع و كذلك الحال في الشبهة الموضوعية فاذا علمنا مخالفة حكمه للواقع بالعلم الوجداني أو بامارة معتبرة لا يجوز ترتيب آثار الواقع علي الحكم.

و بعبارة أخري: يكون الواقع علي حاله و يترتب علي ما ذكر انه لو حكم الحاكم بمال علي المدعي عليه فهو و ان كان ملزما بالدفع الا أنه يجوز له سرقة عين ماله بل يجوز له التقاص من آخر مع تمامية شرائطه هذا فيما لم يكن حكمه صادرا عن التقصير في المقدمات و الا لا يكون حكمه نافذا لعدم قابليته للحكم.

(1) ربما يستدل علي المدعي- كما في كلام سيد المستمسك- بوجوب اعلام الجاهل بمقتضي آية النفر «1» بدعوي: ان المستفاد من الاية وجوب اعلام الجاهل و رفع عذره و ايجاد الداعي في نفسه للعمل بالوظيفة.

و يرد عليه: ان المستفاد منها ليس وجوب ايصال الاحكام الي آحاد المكلفين بأي نحو ممكن و لو بدق أبواب بيوتهم بل المستفاد منها و غيرها وجوب التبليغ فحسب و يتحقق ذلك ببيان الاحكام الشرعية علي نحو يتمكن العامي من الوصول اليه حتي لا يندرس الدين و أما الايصال الي كل فرد فرد فلم يلتزم به الائمة عليهم السلام فكيف بغيرهم نعم يجب تبليغ الاحكام اما بطبع رسالة و نشرها أو الجلوس في البيت و التهيّؤ لجواب الأسئلة كما كان شأن الائمة عليهم السلام و ينقل عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال لعلي عليه السلام: مثلك مثل الكعبة تؤتي و لا تأتي.

______________________________

(1) لاحظ ص: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 81

و لكنه اذا تبدل رأي المجتهد لم يجب عليه اعلام مقلديه فيما

اذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد (1).

______________________________

و أفاد سيدنا الاستاد في هذا المقام بأنه تارة ينقل فتوي المجتهد بالاباحة و الحال ان يكون هو الوجوب أو الحرمة و أخري يكون عكس الفرض أما في الصورة الاولي فلا اشكال في وجوب الاعلام بتقريب ان الناقل قد سبب الي الوقوع في الحرام و المستفاد من أدلة المحرمات حرمة انتساب ارتكاب المحرم الي المكلف بلا فرق بين المباشرة و التسبيب و لذا يحرم تقديم الطعام النجس الي الجاهل بالنجاسة للأكل فان الحرمة المستفادة من الدليل و ان كانت متعلقة بالاكل الا أن العرف يفهم حرمة تحقق الاكل النجس بلا فرق بين المباشرة و التسبيب و استدل ثانيا بجملة من الروايات: الاولي: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج «1» الثانية ما رواه أبو عبيدة 2 الثالثة ما رواه ابن عمار 3 بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص ان التسبيب كالمباشرة مورد المنع.

اذا عرفت هذا نقول: أما دليله الاول فيرد عليه أولا: ان دعوي ان العرف يفهم من أدلة المحرمات مبغوضية تحقق الفعل بلا فرق بين المباشرة و التسبيب بلا بينة و نحن لا نجزم بها.

و ثانيا: المفروض ان الناقل حين النقل كان معذورا فيما ارتكبه و لم يصدر عنه بعده شي ء فلا وجه لوجوب الاعلام.

و ثالثا: علي فرض القول به انما نقول فيما نعلم بارتكاب المنقول اليه و أما مع الشك في الارتكاب فلا يتم الدليل المذكور لإثبات الحرمة و أما الروايات المشار اليها فانما هي واردة في الافتاء و لا وجه لقياس نقل الناقل علي الافتاء.

(1) بتقريب ان الاجتهاد السابق اذا كان علي طبق الموازين و المقلد باق

______________________________

(1) (1- 2- 3) لاحظ ص 20- 21.

مباني منهاج الصالحين،

ج 1، ص: 82

______________________________

علي تلك الفتوي و العمل بها اما باعتقاد بقائها علي ما هي عليها و اما لاستصحاب البقاء فلا يرتبط بالمجتهد بخلاف ما لو اشتبه المجتهد في الفتوي السابقة أو اشتبه في نقل فتواه فانه يجب عليه الاعلام لاستناد وقوع المكلف في الخلاف بسببه و أما في الصورة الاولي فلا، نعم لو عمل علي خلاف الفتوي الثانية بمحضر من المجتهد كما لو ترك السورة علي طبق الفتوي الاولي وجب علي المجتهد اعلامه اذ لو سكت يكون إغراء بالجهل.

و يرد عليه: ان الفتوي السابقة لو كانت علي خلاف الموازين لم يكن وجه لوجوب الاعلام بقاء اذ حين الافتاء و في زمانه لم يكن مقصرا بل كان قاصرا في ذلك الافتاء فما صدر منه كان معذورا في صدوره و المفروض ان بقاء لم يصدر منه أمر جديد فلا وجه لوجوب الاعلام الا من باب وجوب تبليغ الجاهل علي الاطلاق بلا خصوصية للمقام.

و لما انجر الكلام الي هنا كان الحري بنا ان نذكر ما يمكن أن يكون وجها لوجوب اعلام الجاهل و تنبيه الغافل.

فنقول: يقع الكلام في مقامين: أحدهما: الجهل بالموضوع، ثانيهما الجهل بالحكم، أما المقام الاول فلا اشكال في عدم وجوب الاعلام الا في بعض الموارد الذي علم من الشارع انه لا يرضي بتحققه و أوجب التنبيه كما لو أراد شخص قتل انسان بتصور انه غنم فلا اشكال في وجوب الاعلام لكن هذا من جهة وجوب حفظ النفس فانه يجب حفظها بأي وجه ممكن.

و أما المقام الثاني فما يمكن ان يقال أو قيل في وجهه أمور:

الاول: ما ربما يدعي: من ان العقل حاكم بوجوب انقاذ من يشرف علي الهلاك.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 83

______________________________

و يرد عليه:

انا أنكرنا حكم العقل الا في باب حسن الاطاعة و قبح المعصية و أما بالنسبة الي ثبوت الاحكام الشرعية فلا سبيل للعقل الي كشفها. مضافا الي ان اشراف الجاهل علي الهلاك أول الاشكال و الكلام فان غايته عدم وصوله الي درجة الكمال و أما الزائد عليه فلا اذ المفروض انه جاهل نعم ان كان مقصرا يجب ردعه من باب النهي عن المنكر أو الامر بالمعروف.

و لا يخفي ان ما ذكر من الدليل علي فرض تماميته انما يقتضي اعلام الاحكام الالزامية و أما غير الالزامية من الاحكام فلا اذ ليس في ترك المباح خطر فلاحظ.

الثاني: قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُديٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ «1» بتقريب:

ان المستفاد من الاية ان الذي يكتم ما هو سبب للهداية كان ملعونا و لا شبهة ان الاحكام الشرعية توجب السعادة الابدية أو فقل: ان بيان الاحكام هداية للناس فيحرم كتمانها.

و يرد عليه: ان الكتمان علي ما يستفاد من اللغة عبارة عن الامساك و الاصرار علي عدم البيان و يؤيد المدعي ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله: قال:

من سئل عن علم يعلمه فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من النار و هو قوله: أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ «2» فتأمل.

و من الظاهر ان مجرد عدم الاعلام ليس اصرارا علي عدم البيان و ان شئت فقل: ان المستفاد من الاية بحسب الفهم العرفي ان السكوت و الامساك عن الجواب في مورد الاظهار كتمان و بعبارة أخري: الكتمان عدم التكلم في مورد يكون

______________________________

(1) البقرة 156.

(2) البرهان ج 1 ص: 171 الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص:

84

______________________________

معرضا للإظهار فالكتمان عدم الملكة لا العدم المطلق بل لا يبعد ان يستفاد من هذه الكلمة عدم الاظهار عن داع نفساني فالنتيجة ان مجرد عدم الاعلام لا يكون مصداقا للكتمان.

الثالث قوله تعالي: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَي اللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ «1».

بتقريب ان المستفاد من الاية وجوب اتمام الحجة بحيث لا تبقي للناس حجة فاللازم علينا اتمام الحجة علي الناس باعلامهم و تعليمهم الاحكام.

و فيه: ان المستفاد من الاية ان اللّه تعالي أتم الحجة و قد تمت و تحققت في الخارج فلا يكون للناس حجة علي اللّه بل له تعالي الحجة البالغة و لا يستفاد من الاية الشريفة وجوب اتمام الحجة علينا بالاعلام.

و ان شئت قلت: ان المستفاد من الاية ان اتمام الحجة قد تحقق و تم بفعله تعالي بارسال الرسل و انزال الكتب و بعد تماميتها لا موضوع للإتمام.

الرابع قوله تعالي: قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ فَلَوْ شٰاءَ لَهَدٰاكُمْ أَجْمَعِينَ «2».

و التقريب هو التقريب و الجواب هو الجواب.

و ملخص الكلام: ان المستفاد من الاية ان اللّه تبارك و تعالي تمم الحجة بايصال التكاليف الي المكلفين بحيث لا تكون لهم حجة عليه بل له الحجة البالغة و ليس ارادته متعلقة بالالجاء و الاجبار و علي كل لا يرتبط بالمقام كما هو ظاهر.

______________________________

(1) النساء 163.

(2) الانعام 150.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 85

[مسألة 28: اذا تعارض الناقلان في الفتوي]

(مسألة 28): اذا تعارض الناقلان في الفتوي فمع اختلاف التاريخ و احتمال عدول المجتهد عن رأيه الاول يعمل بمتأخر التاريخ و في غير ذلك عمل بالاحتياط- علي الاحوط وجوبا- حتي يتبين الحكم (1).

______________________________

الخامس قوله تعالي: وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1»

بتقريب: ان المستفاد من الاية وجوب النفر و التفقه و الرجوع و التحذير برجاء تحقق الحذر و العمل علي طبق ما حذر فيجب اعلام الجاهل و تحذيره.

و فيه: ان المستفاد من هذه الاية وجوب التفقه كي لا يندرس امر الشريعة و التهيّؤ للتعليم و اما وجوب اعلام كل واحد واحد باي نحو كان فلا يستفاد من الاية عرفا و ان أبيت فاعتبر بما ذكرنا من السيرة المستمرة الي زمانهم و سيرتهم عليهم السلام فانه لم يسمع ان احدا منهم عليهم السلام كان يدق الابواب و يعلم الناس الاحكام.

فانقدح من مجموع ما ذكرنا عدم دليل علي وجوب الاعلام علي الاطلاق نعم لو ارتكب احد معصية جهلا تقصيرا يجب تنبيهه من باب النهي عن المنكر فلا يرتبط بالمقام.

(1) ما افاده علي طبق القاعدة الاولية اذ مع التأخر و احتمال العدول يكون النقل الثاني حجة بلا معارض فلا بد من العمل به و اما في غير هذه الصورة فمقتضي التعارض التساقط و عدم حجية كلا النقلين معا فلا مناص عن الاحتياط و لم افهم وجه عدم الجزم و عدم الفتوي.

______________________________

(1) التوبة 123.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 86

[مسألة 29: العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة و عدم الانحراف عنها يمينا و شمالا]

(مسألة 29): العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة و عدم الانحراف عنها يمينا و شمالا بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي (1).

و لا فرق في المعاصي من هذه الجهة بين الصغيرة و الكبيرة (2) و في عدد الكبائر خلاف (3) و قد عد من الكبائر الشرك باللّه تعالي و اليأس من روح اللّه تعالي و الامن من مكر اللّه تعالي

و عقوق الوالدين (4).

______________________________

(1) اذ لا دليل علي اعتبار ازيد من هذا المقدار و بعبارة اخري علي فرض الالتزام باشتراط العدالة في المرجع تكون المرتبة الاولي منها التي يصدق عليها عنوان العدل كافية لعدم دليل علي ازيد منها و العدالة عبارة عن كون الشخص علي الجادة من غير انحراف يمنة و يسرة.

(2) اذ مع فرض ارتكاب ما يكون مخالفا للشرع لا يصدق عنوان الكون علي الجادة الشرعية فيسقط عنوان العدالة و العدل و لا ينافي ما ذكر العفو عنه شرعا مع اجتناب الكبيرة.

(3) اذ النصوص المبينة للكبائر مختلفة.

(4) كما وردت في رواية عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال: حدثي ابو جعفر الثاني عليه السلام قال: سمعت ابي يقول: سمعت ابي موسي بن جعفر عليه السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد علي ابي عبد اللّه عليه السلام فلما سلم و جلس تلا هذه الاية «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ» * ثم امسك فقال له ابو عبد اللّه عليه السلام ما اسكتك؟ قال احب ان اعرف الكبائر من كتاب اللّه عز و جل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 87

______________________________

فقال: نعم يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك باللّه يقول اللّه: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ* فقد حرم اللّه عليه الجنة و بعده الاياس من روح اللّه لان اللّه عز و جل يقول: إِنَّهُ لٰا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ ثم الامن من مكر اللّه لان اللّه عز و جل يقول فَلٰا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ و منها عقوق الوالدين لان اللّه سبحانه جعل العاق جبارا شقيا و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق لان اللّه عز و جل يقول:

فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا الي آخر

الاية و قذف المحصنة لان اللّه عز و جل يقول:

لُعِنُوا فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ و اكل مال اليتيم لان اللّه عز و جل يقول: إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً و الفرار من الزحف لان اللّه عز و جل يقول: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِليٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ و اكل الربا لان اللّه عز و جل يقول:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ و السحر لان اللّه عز و جل يقول: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلٰاقٍ و الزنا لان اللّه عز و جل يقول: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً و اليمين الغموس الفاجرة لان اللّه عز و جل يقول:

الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ و الغلول لان اللّه عز و جل يقول وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ و منع الزكاة المفروضة لان اللّه عز و جل يقول: فَتُكْويٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ و شهادة الزور و كتمان الشهادة لان اللّه عز و جل يقول: وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ و شرب الخمر لان اللّه عز و جل نهي عنها كما نهي عن عبادة الاوثان و ترك الصلاة متعمدا أو شيأ مما فرض اللّه عز و جل لان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئي من ذمة اللّه و ذمة رسوله و

نقض العهد و قطيعة الرحم لان اللّه عز و جل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 88

و هو الإساءة اليهما (1).

و قتل النفس المحترمة و قذف المحصنة و اكل مال اليتيم ظلما و الفرار من الزحف و اكل الربا و الزنا (2) و اللواط (3).

______________________________

يقول: لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «1».*

(1) قال الطريحي في مجمع البحرين في مادة عقق: «يقال: عق الولد اباه يعقه عقوقا من باب قعد اذا آذاه و عصاه و ترك الاحسان اليه و هو البر به».

و عليه لا يمكن الالتزام بان كل اسائة مصداق للعقوق اذ يمكن ان يتحقق الإساءة و لا يتحقق الاذي.

(2) كما ذكرت في حديث عبد العظيم «2».

(3) فان حرمة اللواط اشد من الزنا فالدليل علي ان الزنا كبيرة يدل علي أن اللواط من الكبائر بالاولوية مضافا الي ان كونه من الكبائر كالنار علي المنار.

اضف الي ذلك كلمه انه عد من الكبائر في حديث الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال: الايمان هو اداء الامانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالاركان الي ان قال و اجتناب الكبائر و هي قتل النفس التي حرم اللّه تعالي و الزنا و السرقه و شرب الخمر و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهل لغير اللّه به من غير ضرورة و اكل الربا بعد البينة و السحت و الميسر و هو القمار و البخس في المكيال و الميزان و قذف المحصنات و الزنا و اللواط و اليأس من روح اللّه و الامن من مكر اللّه

و القنوط من رحمة اللّه و معونة الظالمين و الركون اليهم و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر و الكذب و الكبر

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 2.

(2) لاحظ ص: 86.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 89

و السحر و اليمين الغموس الفاجرة (1) و هي الحلف باللّه تعالي كذبا علي وقوع أمر أو علي حق امرئ أو منع حقه خاصة (2) كما قد يظهر من بعض النصوص (3).

و منع الزكاة المفروضة و شهادة الزور و كتمان الشهادة و شرب الخمر و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض اللّه و نقض العهد و قطيعة الرحم (4) بمعني ترك الاحسان اليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه

______________________________

و الاسراف و التبذير و الخيانة و الاستخفاف بالحج و المحاربة لأولياء اللّه و الاشتغال بالملاهي و الاصرار علي الذنوب «1».

(1) كما في حديث عبد العظيم و الفضل.

(2) قال الطريحي قدس سره في المجمع: اليمين الغموس بفتح الغين هي اليمين الكاذبة الفاجرة التي يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه ان الامر بخلافه.

(3) و هو ما رواه حريز عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

اليمين الغموس التي توجب النار: الرجل يحلف علي حق امرء مسلم علي حدس ماله «2».

و ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين علي وجهين الي ان قال و اما التي عقوبتها دخول النار ان يحلف الرجل علي مال امرء مسلم او علي حقه ظلما فهذه يمين غموس توجب النار و لا كفارة عليه في الدنيا «3».

(4) كما في حديث عبد العظيم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 33.

(2) الوسائل الباب

4 من أبواب الايمان الحديث: 10.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب الايمان الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 90

ذلك (1) و التعرب بعد الهجرة (2) الي البلاد التي ينقص بها الدين (3).

و السرقة (4) و انكار ما نزل اللّه تعالي (5) و الكذب علي اللّه أو علي رسوله صلي اللّه عليه و آله أو علي الاوصياء عليهم السلام (6) بل مطلق

______________________________

(1) اذ مع التعارف لو تركه يصدق القطع و بعبارة اخري عدم الوصل ملازم للقطع كما ذكرنا في رسالة صلة الارحام التي كتبها المقرر.

(2) كما في حديث عبيد بن زرارة قال: سالت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الكبائر فقال: هن في كتاب علي عليه السلام سبع: الكفر باللّه و قتل النفس و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البينة و اكل مال اليتيم ظلما و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة «1»

(3) الظاهر ان الوجه في هذا القيد المذكور في كلام الماتن انه لا وجه للحرمة الا ان يترتب عليه هذه المفسدة و ان شئت قلت: انه لا اشكال في السكني و التوطن في البادية و انه ليس حراما قطعا فالحصة المحرمة هي المقيدة بهذا القيد فلاحظ.

(4) كما في حديث الفضل.

(5) كما في رواية ابي الصامت عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: اكبر الكبائر سبع: الشرك باللّه العظيم و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق و اكل اموال اليتامي و عقوق الوالدين و قذف المحصنات و الفرار من الزحف و انكار ما انزل اللّه عز و جل «2»

(6) كما في حديث ابي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الكذب علي اللّه و علي رسوله و علي الاوصياء عليهم السلام

من الكبائر «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 20.

(3) نفس المصدر الحديث: 25.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 91

الكذب (1).

و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل به لغير اللّه و القمار (2) و أكل السحت (3).

كثمن الميتة و الخمر و المسكر و اجر الزانية و ثمن الكلب الذي لا يصطاد و الرشوة علي الحكم و لو بالحق و اجر الكاهن و ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة و ثمن الجارية المغنية و ثمن الشطرنج فان

______________________________

(1) كما في رواية الفضل.

(2) كما في خبر الفضل.

(3) كما في خبر الاعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال: و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس التي حرم اللّه و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و قذف المحصنات و بعد ذلك الزنا و اللواط و السرقة و اكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهل لغير اللّه به من غير ضرورة و اكل السحت و البخس في الميزان و المكيال و الميسر و شهادة الزور و اليأس من روح اللّه و الامن من مكر اللّه و القنوط من رحمة اللّه و ترك معاونة المظلومين و الركون الي الظالمين و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر و استعمال التكبر و التجبر و الكذب و الاسراف و التبذير و الخيانة و الاستخفاف بالحج و المحاربة لأولياء اللّه و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل مكروهة كالغناء و ضرب الاوتار و الاصرار علي

صغائر الذنوب «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 36.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 92

جمع ذلك من السحت (1).

______________________________

(1) اما ثمن الميتة فقد دلت علي كونه سحتا جملة من النصوص: منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن «1». و منها ما رواه الصدوق مرسلا قال: قال عليه السلام: اجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و اجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم 2. و منها ما رواه باسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن 3.

لكن هذه النصوص كلها ضعيفة سندا و اما ثمن الخمر فقد ذكر في عداد السحت في حديث السكوني 4. و قد ذكر في غيره أيضا، و اما المسكر و اجور الفاجرة فقد ذكر في ما رواه عمار بن مروان قال سالت ابا جعفر عليه السلام عن الغلول فقال: كل شي ء غل من الامام فهو سحت و اكل مال اليتيم و شبهه سحت و السحت انواع كثيرة منها اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ. و المسكر و الربا بعد البينه فاما الرشا في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم جل اسمه و برسوله صلي

اللّه عليه و آله 5، و اما ثمن الكلب فقد ذكر فيما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت 6، و اما الرشوة

______________________________

(1) (1- 2- 3) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5- 8- 9.

(2) (4) لاحظ الرواية الاولي من هذه الصحيفة.

(3) (5) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.

(4) (6) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 93

و من الكبائر: البخس في الميكال و الميزان (1) و معونة

______________________________

علي الحكم فقد ذكر فيما رواه سماعة قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام: السحت انواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط و اجر الزانية و ثمن الخمر و اما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «1». و قد صرح بانها من السحت في حديث حماد بن عمرو و اما اجر الكاهن فقد ذكر في حديث حماد «2»، و اما ما اصيب من اعمال الولاة فقد ذكر في حديث عمار بن مروان قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام كل شي ء غل من الامام فهو سحت و السحت انواع كثيرة: منها ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة و منها اجور القضاة و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة «3»، و اما ثمن الجارية المغنية فقد ذكر فيما رواه ابراهيم ابن ابي البلاد قال: قلت لأبي الحسن الاول عليه السلام جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن اربعة عشر الف دينار و قد جعل لك

ثلثها فقال: لا حاجة لي فيها ان ثمن الكلب و المغنية سحت «4».

و أما ثمن الشطرنج فقد ذكر فيما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بيع الشطرنج حرام و اكل ثمنه سحت «5».

(1) يمكن ان يستدل عليه بقوله تعالي: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا عَلَي النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَ لٰا يَظُنُّ أُولٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النّٰاسُ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ كَلّٰا إِنَّ كِتٰابَ الفُجّٰارِ لَفِي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 92.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 12.

(4) نفس المصدر الباب 16 الحديث: 4.

(5) الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 94

الظالمين (1).

______________________________

سِجِّينٍ «1»، فانه يستفاد من الاية- و اللّه العالم- ان مكانهم سجين.

و يؤيد المدعي ما في رواية الفضل أضف الي ما ذكرنا ما رواه عباد بن كثير النواء قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الكبائر فقال: كل ما أوعد اللّه عليه النار «2».

(1) يمكن الاستدلال عليه بأنه علم من مجموع ما وصل إلينا منهم عليهم السلام ان معونة الظالمين من الكبائر.

و يدل علي المدعي ما رواه ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل (فدخل) عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك (أصلحك اللّه خ ل) انه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعي الي البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

ما أحب اني عقدت لهم عقدة أو وكيت وكاء و ان لي ما بين لابتيها، لا و لا مدة بقلم ان أعوان

الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد «3».

و لاحظ غيره الدال علي المدعي في الباب 42 من أبواب ما يكتسب به من الوسائل. و يؤيد المدعي ما رواه الفضل «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 24.

(2) المطففين 1- 7.

(3) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6.

(4) لاخصاص: 88.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 95

و الركون اليهم (1) و الولاية لهم (2).

و حبس الحقوق من غير عسر (3) و الكبر (4).

______________________________

(1) يمكن ان يستدل عليه بقوله تعالي وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ «1» و يؤيده حديث الفضل «2».

(2) يمكن ان يستدل عليه بقوله تعالي و لا تركنوا الخ، و يؤيده ما رواه داود بن زربي قال: أخبرني مولي لعلي بن الحسين عليه السلام قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد اللّه عليه السلام الحيرة فاتيته فقلت جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فادخل في بعض هذه الولايات فقال: ما كنت لا فعل الي أن قال: جعلت فداك ظننت انك انما كرهت ذلك مخافة ان أجور أو اظلم و ان كل امراة لي طالق و كل مملوك لي حر و علي و علي ان ظلمت أحدا أو جرت عليه (علي أحد خ ل) و ان لم أعدل قال: كيف قلت؟ فاعدت عليه الايمان فرفع رأسه الي السماء فقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك «3».

(3) الجزم به علي الاطلاق مشكل نعم لا شبهة في صحة المدعي في الجملة نعم يدل علي المدعي حديثا الفضل و الاعمش «4».

(4) يدل علي المدعي

ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: العزر داء اللّه و الكبر ازاره فمن تناول شيأ منه أكبه اللّه في جهنم «5».

______________________________

(1) هود 115.

(2) لاحظ ص: 88.

(3) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4.

(4) لاحظ ص: 88 و 91.

(5) الوسائل الباب 58 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 96

و الاسراف (1) و التبذير (2) و الاستخفاف بالحج (3) و المحاربة لأولياء اللّه (4).

______________________________

و ما رواه ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكي الي اللّه عز و جل شدة حره و سأله عز و جل ان يأذن له ان يتنفس فتنفس فاحرق جهنم «1».

و يؤيد المدعي حديثا الاعمش و الفضل «2».

(1) يدل علي المدعي حديثا الاعمش و الفضل «3» لكن الخبرين ضعيفان سندا و الجزم بالمدعي علي نحو الاطلاق مشكل.

و يمكن ان يستدل عليه بقوله تعالي إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ وَ كٰانَ الشَّيْطٰانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً «4» اذ كون الشخص أخا للشيطان يدل علي سقوطه عن عين الرب بمرحلة صار أخا للشيطان.

(2) قد ظهر وجه الاستدلال علي المدعي آنفا و يؤيد المدعي حديثا الفضل و الاعمش «5».

(3) يمكن ان يستدل عليه بما في حديث عبد العظيم «6» بتقريب ان وجوب الحج فوري فالمستخف ترك ما فرضه اللّه و مقتضي الحديث المذكور ان ترك ما فرضه اللّه كبيرة.

(4) هذا من الواضحات التي ليست قابلة للشك فان المحاربة بأي معني كانت

______________________________

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب جهاد النفس الحديث 6.

(2) لاحظ ص: 88 و 91.

(3) لاحظ ص: 91 و 88.

(4)

الاسراء 27.

(5) لاحظ ص: 88 و 91.

(6) لاحظ ص: 86.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 97

و الاشتغال بالملاهي- كالغناء بقصد التلهي- و هو الصوت المشتمل علي الترجيع علي ما يتعارف عند أهل الفسوق (1) و ضرب الاوتار و نحوها مما يتعاطاه أهل الفسوق (2).

______________________________

مع أولياء اللّه بعنوان انهم أولياء اللّه من الكبائر بلا اشكال و يؤيد المدعي حديثا الاعمش و الفضل «1».

(1) الجزم بكون حرمة الغناء من الكبائر عهدة اثباته علي الجازم به نعم لا اشكال في ان بعض أقسامه من الكبائر و حديث الاعمش «2» يؤيد كونه من الكبائر.

(2) كما في رواية الاعمش 3 و قد ادعي سيدنا الاستاد تواتر الروايات من طرقنا و من طرق العامة علي حرمة الانتفاع بآلات اللهو في الملاهي و المعازف و الاستماع و الاشتغال بها من الكبائر الموبقه و الجرائم المهلكة.

و الانصاف ان الجزم بالتواتر في غاية الاشكال فان الروايات التي ذكرها صاحب الوسائل في الباب المائة من أبواب ما يكتسب به تحت عنوان باب تحريم استعمال الملاهي بجميع أصنافها و بيعها و شرائها و في غير هذا الباب ليس فيها ما يصلح لإثبات المدعي.

فلنذكر الروايات و نتكلم في دلالتها و سندها:

فمنها ما رواه اسحاق بن جرير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

ان شيطانا يقال له القفندر و اذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط و دخل الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه علي مثله من صاحب البيت ثم نفخ

______________________________

(1) لاحظ ص: 91 و 88.

(2) (2- 3) لاحظ ص 91.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 98

______________________________

فيه نفخة فلا يغار بعدها حتي تؤتي نسائه فلا يغار «1» و المستفاد منها الاثر الوضعي المترتب علي استعمال البربط مضافا

الي انه يحتمل أن يكون المراد منها اختلاط النساء بالرجال بلا رعاية الحجاب و الستر.

و منها ما رواه أبو داود المسترق قال: من ضرب في بيته بربط أربعين يوما سلط اللّه عليهم شيطانا يقال له القفندر فلا يبقي عضو من أعضائه إلا قعد عليه فاذا كان كذلك نزع منه الحياء و لم يبال ما قال و لا ما قيل فيه «2» و هذه الرواية ضعيفة بسهل مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها ما رواه كليب الصيداوي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة «3» و هذه الرواية أيضا ضعيفة بسهل أضف اليه ضعف دلالتها.

و منها ما رواه موسي ابن حبيب عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:

لا يقدس اللّه أمة فيها بربط يقعقع و ناية (فاية) تفجع «4» و هذه أيضا ضعيفة سندا و دلالة.

و منها ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الارض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم عليه السلام فكل ما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 100 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 100 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3.

(4) نفس المصدر الحديث: 4.

(5) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 99

______________________________

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انهاكم عن الزفن و المزمار و

عن الكوبات و الكبرات «1» و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي.

و منها ما رواه عمران الزعفراني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من أنعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة.

و منها ما رواه حماد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال:

يا علي ثلاثة يقسين القلب: استماع اللهو و طلب الصيد و اتيان باب السلطان «3» و هذه الرواية لا دلالة فيها علي المقصود.

و منها ما رواه في المقنع مرسلا قال: و اجتنب الملاهي و اللعب بالخواتيم و الاربعة عشر و كل قمار فان الصادقين عليهم السلام نهوا عن ذلك «4» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما رواه عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عليه السلام في حديث الشامي انه سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن معني هدير الحمام الراعية (عبية) قال: تدعو علي أهل المعازف و المزامير و العيدان «5»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6.

(2) نفس المصدر الحديث: 7.

(3) نفس المصدر الحديث: 8.

(4) نفس المصدر الحديث: 9.

(5) نفس المصدر الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 100

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة.

و منها ما رفعه السياري عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن السفلة فقال:

من يشرب الخمر و يضرب بالطنبور «1» و هذه الرواية ضعيفة بالرفع و لا دلالة فيها.

و منها ما رواه نوف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال يا نوف اياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة

و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل فان نبي اللّه خرج ذات ليلة فنظر الي السماء فقال: أما انها الساعة التي لا ترد فيها دعوة الا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة «2» و هذه الرواية ضعيفة بالربيع و لا دلالة فيها علي المدعي.

و منها ما رواه و رام بن ابي فراس في كتابه قال: قال عليه السلام لا تدخل الملائكة بيتا فيه خمر أو دف أو طنبور أو نرد و لا تستجاب دعائهم و ترفع عنهم البركة «3» و هذه الرواية ضعيفة بورام مضافا الي ضعف الدلالة.

و منها ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن اللعب بأربعة عشر و شبهها قال: لا يستحب شيأ من اللعب غير الرهان و الرمي «4» و هذه الرواية لا تدل علي المدعي.

و منها ما رواه عبد اللّه بن علي عن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11.

(2) نفس المصدر الحديث 12.

(3) نفس المصدر الحديث: 13.

(4) نفس المصدر الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 101

______________________________

السلام قال: كل ما الهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «1» و هذه الرواية ضعيفة بجعفر بن محمد بن عيسي.

و منها ما رواه معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: خرجت و أنا أريد داود بن عيسي بن علي و كان ينزل بئر ميمون و علي ثوبان غليظان فلقيت امرأة عجوزا و معها جاريتان فقلت: يا عجوز اتباع هاتان الجاريتان فقالت نعم و لكن لا يشتريها مثلك قلت: و لم؟ قالت: لان احداهما مغنية

و الاخري زامرة «2» و هذه الرواية لا تدل علي المدعي فان امساك الامام عليه السلام عن أمر لا يدل علي حرمته.

و منها ما رواه عون بن محمد الكاتب عن محمد بن أبي عباد- و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ- قال: سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال: لأهل الحجاز (العراق خ ل) فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو، اما سمعت اللّه عز و جل يقول: و اذا مروا باللغو مروا كراما «3» و هذه الرواية ضعيفة بعون و لا دلالة فيها.

و منها ما رواه الحسن بن محمد الديلمي في الارشاد قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: يظهر في أمتي الخسف و القذف قالوا: متي ذلك؟ قال:

اذا ظهرت المعازف و القينات و شربت الخمور و اللّه ليبيتن أناس من أمتي علي أشر و بطر و لعب فيصبحون قردة و خنازير لاستحلالهم الحرام و اتخاذهم القينات

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 15.

(2) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4.

(3) نفس المصدر الحديث 19.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 102

______________________________

و شربهم الخمور و اكلهم الربا و لبسهم الحرير «1» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال و لا دلالة فيها.

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللعب بالنرد و الشطرنج و الكوبة و العرطبة و هي الطنبور و العود و نهي عن بيع النرد «2» و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق الي شعيب.

و منها ما رواه ابن عباس عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال في حجة الوداع ان من

اشراط القيامة اضاعة الصلاة و اتباع الشهوات الي أن قال: ثم قال: و عندها تظهر القينات و المعازف «3» و هذه الرواية ضعيفة بسليمان بن مسلم و لا دلالة فيها.

و منها ما رواه الفضل «4» و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق اليه.

و منها ما رواه الاعمش «5» و هذه الرواية ضعيفة بالاعمش.

فالنتيجة انه ليس في المقام حديث تاما سندا و دلالة.

و ربما يقال: بأن رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح قال: لا بأس ما لم يزمر به «6» تدل

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 30.

(2) الوسائل الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6.

(3) الوسائل الباب 49 من أبواب جهاد النفس الحديث: 22.

(4) لاحظ ص: 88.

(5) لاحظ ص: 91.

(6) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به ذيل الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 103

و الاصرار علي الذنوب الصغائر (1) و الغيبة (2)

______________________________

علي المدعي بتقريب ان المستفاد منها ان الغناء في حد نفسه جائز الا أن يقرء في المزمار و لكن يمكن ان يكون المراد به- كما في كلام الاستاد- ان الغناء انما يحرم اذا قرء بنحو يكون صوتا مزماريا و هذا لا يدل علي حرمة المزمار بل يدل علي حرمة الغناء في صورة خاصة لكن مع ذلك كله الانصاف انه لا اشكال في حرمة استعمال آلات اللهو و التشكيك في حرمته شبهة في مقابل البديهة.

و أما كونه من الكبائر فلا اشكال في انه كذلك في الجملة و أما علي نحو الاطلاق فاللّه العالم بحقائق الاشياء.

(1) كما في رواية الاعمش المتقدم ذكرها. «1».

(2) أفاد الشيخ الانصاري قدس

سره في بحث الغيبة: «انها من الكبائر» و أفاد سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- «بأن الكبيرة ليست لها حقيقة شرعية».

و الامر كما افاده لكن لا اشكال في ان المراد من الكبائر معاص خاصة و بعبارة اخري: لا اشكال في ان المعاصي في الشرع الاقدس علي نحوين: كبيرة و صغيرة

و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «2» فان هذه الاية تدل علي ان السيئة علي قسمين

و اما النصوص فمنها ما يدل علي عد جملة من المعاصي من الكبائر:

منها ما رواه ابن محبوب قال: كتب معي بعض اصحابنا الي ابي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائر كم هي؟ و ما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النار كفر عنه سيئاته اذا كان مؤمنا و السبع الموجبات: قتل النفس الحرام

______________________________

(1) لاحظ ص: 91.

(2) النساء 35.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 104

______________________________

و عقوق الوالدين و اكل الربا و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و اكل مال اليتيم و الفرار من الزحف «1».

و منها ما رواه عبد العظيم «2».

و منها ما رواه عبيد بن زرارة «3».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال. الكبائر سبع:

قتل المؤمن متعمدا و قذف المحصنة و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و كل ما اوجب اللّه عليه النار «4» و الروايات الدالة علي هذا المعني كثيرة مذكورة في الوسائل في الباب 46 من ابواب جهاد النفس فراجع.

و لا ينافي ما ذكر كون كل ذنب عظيم كما في خبر الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه

السلام في القنوت في الوتر الي ان قال و استغفر لذنبك العظيم ثم قال: كل ذنب عظيم «5» اذ لا تنافي بين كون ذنب عظيما مع عدم كونه من الكبائر.

و الحاصل انه لا اشكال في الفرق بين الكبيرة و الصغيرة موضوعا و اثرا.

ثم انه لا ريب في كون الغيبة من الكبائر و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الاول: قوله تعالي: وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ «6» فان المستفاد من الاية ان الغيبة في حكم اكل لحم الاخ ميتا هذا

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

(2) لاحظ ص: 86.

(3) لاحظ: 90.

(4) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 6.

(5) نفس المصدر الحديث 5.

(6) الحجرات 12.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 105

و هي ان يذكر المؤمن (1).

______________________________

من ناحية و من ناحية اخري قد عد اكل الميتة في حديث الفضل و الاعمش «1» من الكبائر فاذا كان اكل الميتة من الكبائر تكون الغيبة كبيرة أيضا لأنها في حكمه الا ان السند في الروايتين مخدوش.

الثاني: ان ترك الصلاة قد عد في حديث عبد العظيم «2» من الكبائر و علل بقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: «بان من ترك الصلاة متعمدا فقد برئي من ذمة اللّه و رسوله» فيعلم من هذه الجملة ان التوعيد علي ذنب و لو من رسول اللّه يدل علي كون ذلك الذنب كبيرة و لا اشكال في ان الغيبة ما توعد عليها النار في النصوص.

الثالث: كونها كبيرة عند اهل الشرع و الدين و هذا الارتكاز ليس الا بلحاظ استفادة كونها كبيرة عند الشارع و هل يمكن تحقق هذا الارتكاز بلا تلقيه من صاحب الشرع.

(1)

يظهر من العبارة ان حرمة الغيبة خاصة بالمؤمن و حكي عن الأردبيلي حرمة غيبة المخالفين و لكن لم ينقل في وجه المدعي ما تركن اليه النفس و الحق ما ذكر، في المتن- موافقا للمشهور- و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الاول: ان الآية الشريفة المذكورة «3» دلت علي حرمة غيبة الاخ و المقصود بالاخوة في المقام الاخوة الايمانية و من الظاهر انقطاع العصمة بيننا و بينهم اذ لا ايمان لهم.

و لا يحفي ان الاية صدرت بقوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فلا اشكال في ان المراد الاخوة الايمانية.

______________________________

(1) لاحظ ص: 88- 91.

(2) لاحظ ص 86.

(3) راجع ص: 104.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 106

______________________________

اضف الي ذلك ان المناسبة بين الحكم و الموضوع يقتضي اختصاص الحرمة بالمؤمن مضافا الي انه قيل: ان المستفاد من اخبار تفسير الغيبه تقييدها بالمؤمن فعلي فرض الاطلاق تقيد بتلك المقيدات فانتظر.

و لا فرق من هذه الجهة بين المقصر منهم و قاصرهم اذ موضوع الغيبة حسب الاية الشريفة خصوص المؤمن و لا ايمان للمخالف فيكون القاصر كالمقصر.

الوجه الثاني: انه قد دلت جملة من الاخبار علي كفر المخالفين و من الظاهر ان الكافر لا حرمة له:

منها: ما رواه الفضيل بن يسار عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل نصيب عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من انكره كان كافرا و من جهله كان ضالا و من نصب معه شيأ كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنة «1».

و منها: ما رواه ابو حمزة قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: ان عليا عليه السلام باب فتحه اللّه فمن دخله كان مؤمنا و من

خرج منه كان كافرا و من لم يدخل فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال اللّه تبارك و تعالي: لي فيهم المشيئة «2».

و منها: ما رواه أبو سلمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

نحن الذين فرض اللّه طاعتنا لا يسع الناس الا معرفتنا و لا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا حتي يرجع الي الهدي الذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة فان يمت علي

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 437 الحديث 7.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 107

______________________________

ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء «1».

و منها: ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أهل الشام شر من أهل الروم و أهل المدينة شر من أهل مكة و أهل مكة يكفرون باللّه جهرة «2».

و منها ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليها السلام قال: ان أهل مكة ليكفرون باللّه جهرة و ان أهل المدينة اخبث من أهل مكة أخبث منهم سبعين ضعفا «3».

و منها ما رواه الحسين بن نعيم الصحاف قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل «فَمِنْكُمْ كٰافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» فقال: عرف اللّه ايمانهم بولايتنا و كفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم عليه السلام و هم ذر «4».

و منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من اشرك مع امام امامته من عند اللّه من ليست امامته من اللّه كان مشركا باللّه «5».

و منها ما رواه جابر قال: سألت أبا

جعفر عليه السلام عن قول اللّه عز و جل «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَنْدٰاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّٰهِ» قال هم و اللّه أولياء فلان و فلان اتخذوهم أئمة دون الامام الذي جعله اللّه للناس اماما فلذلك قال:

«وَ لَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذٰابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّٰهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعَذٰابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذٰابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبٰابُ و قال

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 187 ح 11.

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 409 ح 3.

(3) نفس المصدر ص 410 ح 4.

(4) الاصول من الكافي ج 1 ص 413 ح 4.

(5) الاصول من الكافي ج 1 ص 373 ح 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 108

______________________________

الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنٰا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمٰا تَبَرَّءُوا مِنّٰا كَذٰلِكَ يُرِيهِمُ اللّٰهُ أَعْمٰالَهُمْ حَسَرٰاتٍ عَلَيْهِمْ وَ مٰا هُمْ بِخٰارِجِينَ مِنَ النّٰارِ» ثم قال أبو جعفر عليه السلام: هم و اللّه يا جابر أئمة الظلمة و اشياعهم «1».

و مما يدل علي كونهم كافرين ما دل من النصوص علي ان من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية، فروي الفضيل بن يسار قال: ابتدأنا أبو عبد اللّه عليه السلام يوما و قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من مات و ليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية فقلت: قال ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقال: أي و اللّه قد قال قلت: فكل من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية؟ قال نعم «2».

و روي ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول رسول اللّه صلي

اللّه عليه و آله: من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: قلت:

ميتة كفر؟ قال: ميتة ضلال قلت: فمن مات اليوم و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية؟

فقال: نعم «3».

و روي الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم قلت:

جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف امامه؟ قال: جاهلية كفر و نفاق «4».

و الاخبار الدالة علي المطلوب أو المؤيدة الي ما شاء اللّه:

______________________________

(1) نفس المصدر ص 374 ح 11.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 376 ح 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

(4) نفس المصدر ص 377 ح 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 109

______________________________

منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لم تجد رجلا يقول: انا أبغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا «1».

و منها: ما رواه أبو حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: منا الامام المفروض طاعته من جحده مات يهوديا أو نصرانيا و اللّه ما ترك الارض منذ قبض اللّه عز و جل آدم عليه السلام الا و فيها امام يهتدي به الي اللّه حجة علي العباد من تركه هلك و من لزمه نجا حقا علي اللّه «2».

و مما يدل علي المطلوب ما رواه عمار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و أنا جالس: اني منذ عرفت هذا الامر اصلي في كل يوم صلاتين اقضي ما فاتني قبل معرفتي

قال: لا تفعل فان الحال التي كنت عليها اعظم من ترك ما تركت من الصلاة «3».

و منها ما رواه المفضل بن عمر قال: دخلت علي أبي الحسن موسي ابن جعفر عليه السلام و علي ابنه في حجره و هو يقبله و يمص لسانه و يضعه علي عاتقه و يضمه اليه و يقول: بأبي أنت ما أطيب ريحك و اطهر خلقك و أبين فضلك الي أن قال: قلت: هو صاحب هذا الامر من بعدك؟ قال: نعم من اطاعه رشد و من عصاه كفر «4».

______________________________

(1) عقاب الاعمال للصدوق ص 247 ح 4.

(2) نفس المصدر ص 245 ح 2.

(3) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 4.

(4) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 110

______________________________

و منها ما رواه محمد بن حسان عن محمد بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: علي عليه السلام باب هدي من خالفه كان كافرا و من انكره دخل النار «1».

و منها ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ان اللّه جعل عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه ليس بينه و بينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا «2».

و منها ما رواه مروان بن مسلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الامام علم فيما بين اللّه عز و جل و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا «3».

و منها ما رواه سدير قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: ان العلم الذي وضعه رسول اللّه صلي اللّه

عليه و آله عند علي عليه السلام من عرفه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا ثم كان من بعده الحسن عليه السلام بتلك المنزلة «4».

و منها ما رواه في الاعتقادات قال: قال الصادق عليه السلام: من شك في كفر أعدائنا و الظالمين لنا فهو كافر «5».

و منها ما رواه صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لما نزلت الولاية لعلي عليه السلام قام رجل من جانب الناس فقال: لقد عقد هذا الرسول

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 14.

(2) نفس المصدر الحديث: 13.

(3) نفس المصدر الحديث: 18.

(4) نفس المصدر الحديث: 19.

(5) نفس المصدر الحديث: 20.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 111

______________________________

لهذا الرجل عقدة لا يحلها الا كافر الي أن قال: فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: هذا جبرئيل عليه السلام «1». و هذه الرواية تامه سندا.

و منها ما رواه يحيي بن القاسم عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الائمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم الي ان قال: المقرّ بهم مؤمن و المنكر لهم كافر «2».

و منها ما رواه موسي بن عبد ربه عن الحسين بن علي عليهما السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: من زعم انه يحب النبي صلي اللّه عليه و آله و لا يحب الوصي فقد كذب و من زعم انه يعرف النبي صلي اللّه عليه و آله و لا يعرف الوصي فقد كفر «3».

و منها ما رواه أبو خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:

قلت له: كم الائمة بعدك؟ قال: ثمانية لان الائمة بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه

و آله اثنا عشر الي أن قال و من أبغضنا و ردنا أورد واحدا منا فهو كافر باللّه و بآياته «4».

و منها ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه قيام قائمنا فمن شك فيما أقول لقي اللّه و هو به كافر و له جاحد «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 25.

(2) نفس المصدر الحديث: 27.

(3) نفس المصدر الحديث: 28.

(4) نفس المصدر الحديث: 29.

(5) نفس المصدر الحديث: 32.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 112

______________________________

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:

من أصبح من هذه الامة لا امام له من اللّه أصبح تائها متحيرا ضالا ان مات علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق «1».

و منها ما رواه أحمد بن محمد بن مطهر قال: كتب بعض أصحابنا الي أبي محمد عليه السلام يسأله عمن وقف علي أبي الحسن موسي عليه السلام فكتب:

لا تترحم علي عمك و تبرأ منه أنا الي اللّه منه بري ء فلا تتولهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم وَ لٰا تُصَلِّ عَليٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً من جحد اماما من اللّه أو زاد اما ما ليست امامته من اللّه كان كمن قال: ان اللّه ثالث ثلاثة ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا «2».

و مما يدل علي كفرهم بالصراحة ما ورد في الزيارة الجامعة و هو قوله عليه السلام و من جحدكم كافر فيترتب عليهم جميع الاحكام المترتبة علي الكفار فعلي القول بنجاسة الكافر يكون المخالف نجسا لأنه كافر بمقتضي جملة من الاخبار تقدم ذكرها لكن نقطع بعدم نجاستهم فانهم طاهرون في ظاهر الشرع و

ذبائحهم محللة فالحق ان يقال: انهم كافروا الآخرة و مسلموا الدنيا.

الوجه الثالث: ما دل من النصوص علي جواز الوقيعة في المخالفين أي غيبتهم بل الامر ببهتانهم:

منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 37.

(2) نفس المصدر الحديث: 40.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 113

بعيب في غيبته (1).

______________________________

في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

الوجه الرابع: انهم متجاهرون بالفسق فانه أي فسق أعظم من انكار الولاية لكن تمامية هذا الوجه تتوقف علي جواز غيبة المتجاهر حتي في غير ما تجاهر به و سيجي ء تحقيقه.

الوجه الخامس: السيرة العملية من المتشرعة فانها جارية علي عدم المبالات من غيبتهم و سبهم و الوقيعة فيهم بلا نكير و هذا أدل دليل علي الجواز فلاحظ.

(1) عن الصحاح و مجمع البحرين: «الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فان كان صدقا سمي غيبة و ان كان كذبا سمي بهتانا».

و الظاهر من هذا التفسير: ان موضوع الغيبة عبارة عن ذكر شخص بأمر لو اطلع عليه يغمه و لازمه انه لو ذكر شخص بمحاسنه يكون غيبة اذا لا يرضي بافشاء تلك المحاسن و الحال انه ليس غيبة كما انه ليس بهتانا.

و عن المصباح: «اغتابه اذا ذكره بما يكره من العيوب و هو حق» فان لازم هذا التعريف انه لو ذكره بعيب كان تقول: فلان يلوط

و لا يكره ذلك الشخص ان لا يكون غيبة و من الظاهر انه غيبة بلا اشكال.

و قال سيدنا الاستاد: ان المروي عن الخاصة و العامة و المعروف بيننا و بين الجماعة و بعض أهل اللغة: ان الغيبة ذكر انسان بما يكره و هو حق.

و هذا التعريف كتعريف المصباح غير تام اذ المقصود من الموصول ان كان هو الذكر بحيث يكون الغيبة ذكر الغير ذكرا لا يرضي به فلازمه انه لو ذكر

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الامر بالمعروف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 114

______________________________

انسانا بفضائل لا يرضي ذلك الانسان، يكون غيبة و من الظاهر انه ليس كذلك و ان كان المراد من الموصول القبائح فلازمه انه لو ذكر أحد باقبح القبائح لكن الطرف لا يكره لا يكون غيبة و هذا فاسد أيضا.

و قد وردت في تفسير الغيبة عدة نصوص:

منها ما أرسله ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته اذناه فهو من الذين قال اللّه عز و جل «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ» «1».

و هذه الرواية في مقام بيان مصداق من مصاديق حب تشييع الفاحشة لا في مقام تفسير الغيبة.

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: قال: ان من الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه و ان من البهتان ان تقول في أخيك ما ليس فيه «2» و هذه الرواية ضعيفة بعبد الرحمن.

و منها ما في تفسير العياشي عن عبد اللّه بن حماد الانصاري عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه

السلام: الغيبة ان تقول في أخيك: ما قد ستره اللّه عليه فأما اذا قلت ما ليس فيه فذلك قول اللّه عز و جل: «فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «3».

و هذه الرواية ضعيفة بالارسال مضافا الي ان عبد اللّه بن حماد الانصاري لم يوثق.

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 6.

(2) نفس المصدر الحديث 14.

(3) نفس المصدر الحديث: 22.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 115

سواء أ كان بقصد الانتقاص أم لم يكن و سواء أ كان العيب في بدنه أم في نسبه أم في خلقه أم في فعله أم في قوله أم في دينه أم في

______________________________

و منها ما رواه داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغيبة قال: هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و ثبت «تبث خ ل» عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «1». و هذه الرواية ضعيفة بمعلي بن محمد.

و منها ما رواه عبد الرحمن بن سيابة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه و أما الامر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه «2». و هذه الرواية ضعيفة بعبد الرحمن.

و منها ما رواه أبان عن رجل لا نعلمه الا يحيي الأزرق قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته «3».

و الرواية مرسلة اذ علم شخص لا يترتب عليه

أثر بالنسبة الي الغير و انما المفيد الشهادة مضافا الي انه في يحيي الأزرق اشكال فان يحيي بن عبد الرحمن ثقة و يحيي بن حسان لم يوثق و يحيي الأزرق مجهول و مع الاشتراك بهذا النحو لا تكون الرواية معتبرة فلا بد من الاقتصار علي المتيقن و عليه كلما يحتمل دخله في صدق الموضوع يلزم اعتباره و الا يكون مقتضي القاعدة عدم الحرمة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 154 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 116

دنياه أم في غير ذلك مما يكون عيبا مستورا عن الناس كما لا فرق في الذكر بين ان يكون بالقول أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب (1) و الظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد افهامه و أعلامه (2).

كما ان الظاهر انه لا بد من تعيين المغتاب فلو قال: واحد من أهل البلد جبان لا يكون غيبة و كذا لو قال: أحد أولاد زيد جبان (3)

______________________________

(1) كل ذلك للإطلاق فان مقتضي اطلاق دليل المنع عدم الفرق بين العيوب المستورة من البدني و الديني و غيرهما كما انه لا فرق بحسب الاطلاق بين قصد الانتقاص و عدمه كما ان مقتضي الاطلاق و المناسبة بين الموضوع و الحكم عدم الفرق بين انحاء الاخبار فان العرف يفهم- مضافا الي ما ذكر- ان المناط مطلق الاعلام و كشف ما ستره اللّه و ما ذكرناه لا يتم علي القول بعدم دليل مطلق مضافا الي أن ما ورد في خبر داود بن سرحان «1» يقتضي تقييد الموضوع بخصوص العيب الديني فالنتيجة انه لا بد من اعتبار كل قيد محتمل في الموضوع و الاقتصار علي القدر المتيقن.

(2) فان المستفاد

من مجموع ما ورد في المقام: ان المنهي عنه كشف مما هو مستور و الكشف لا يتحقق بدون سامع يفهم المراد و هذا ظاهر.

(3) لعدم صدق الموضوع فانه لا ينكشف مع عدم المعرفة و الترديد فان مقتضي الاية الشريفة «2» ان يكون الطرف مشخصا كي يصلح ان يقال:

زيد اغتاب فلانا و مع الترديد لا يصدق و بعبارة أخري: انه بعد معلومية حدود الموضوع لا بد من الاكتفاء علي القدر المتيقن.

______________________________

(1) لاحظ ص 115.

(2) لاحظ ص: 104.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 117

نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الاهانة و الانتقاص لا من جهة الغيبة (1) و يجب عند وقوع الغيبة التوبة و الندم (2).

و الاحوط استحبابا الاستحلال من الشخص المغتاب اذا لم تترتب علي ذلك مفسدة أو الاستغفار له (3).

______________________________

(1) هذا أمر آخر فانه ربما يكون أمر جائزا معنونا بعنوان حرام بالعنوان الثانوي و هذا خارج عن موضوع البحث.

(2) كبقية المحرمات و قد ذكرنا في بحث التوبة عدم وجوب التوبة وجوبا شرعيا بل وجوبها عقلي فراجع ما ذكرناه هناك و لا يخفي ان ما حققناه في بحث التوبة كتبه المقرر و طبعه.

(3) ربما يقال: بأنه ما لم يتحقق الاستحلال و لم يرتفع الحق يحكم ببقائه بالاستصحاب.

و فيه: أولا: انه لا دليل علي الثبوت كي يحتاج الي السقوط و ثانيا: ان الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلي.

و ربما يستدل بجملة من الروايات:

منها ما رواه الشيخ في المجالس و الاخبار باسناده عن أبي ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في وصية له قال: يا أبا ذر اياك و الغيبة فان الغيبة أشد من الزنا قلت: و لم ذاك يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و

آله؟ قال: لان الرجل يزني فيتوب الي اللّه فيتوب اللّه عليه و الغيبة لا تغفر حتي يغفرها صاحبها «1».

و منها ما رواه اسباط بن محمد يرفعه الي النبي صلي اللّه عليه و آله قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 118

______________________________

الغيبة أشد من الزنا فقيل: يا رسول اللّه و لم ذلك؟ قال: أما صاحب الزنا فيتوب فيتوب اللّه عليه و أما صاحب الغيبة فيتوب فلا يتوب اللّه عليه حتي يكون صاحبه الذي يحله «1».

و منها ما رواه جابر عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: اياكم و الغيبة فان الغيبة أشد من الزنا ثم ذكر نحو الحديث السابق «2».

و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا أما الاولي فبوهب بن عبد اللّه و أما الثانية و الثالثة فبالرفع.

و مما يمكن ان يستدل به علي المدعي، ما رواه القاسم بن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها الا بالاداء أو العفو: يغفر زلته و يرحم عبرته و يستر عورته الي ان قال ثم قال عليه السلام: سمعت رسول اللّه يقول: ان أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له و عليه «3».

و فيه: أولا: انها ضعيفة سندا و ثانيا: لا دلالة فيها علي وجوب الاستحلال و ملخص الكلام انه ليس في الباب ما يكون تاما سندا و دلالة.

و أما وجوب الاستغفار فقد دل عليه ما رواه حفص بن عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل النبي صلي اللّه عليه و آله:

ما كفارة الاغتياب؟ قال:

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 18.

(2) نفس المصدر ذيل الحديث 18.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 118

(3) الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 24.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 119

و قد تجوز الغيبة في موارد: منها المتجاهر بالفسق فيجوز اغتيابه (1).

______________________________

تستغفر اللّه لمن اغتبته كلما ذكرته «1».

و فيه: ان الرواية ضعيفة بحفص بن عمير.

(1) قال سيدنا الاستاد: «المتجاهر بالفسق يجوز اغتيابه بلا خلاف بين الشيعة و السنة». و الانصاف انه لو كان الامر كذلك و كان جوازه متفقا عليه بين المسلمين كفي دليلا للجواز فان النفس تطمئن بالحكم الشرعي.

أضف الي ذلك انه لا يبعد قيام سيرة المتشرعة علي جوازها في الجملة.

و قد دلت علي المدعي جملة من النصوص: منها ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته «2».

فان هذه الرواية تدل بالمفهوم علي ان من عامل الناس فظلمهم أو حدث الناس فكذبهم بحيث يكون واضح الظلم أو الكذب عند الناس يجوز اغتيابه.

و الظاهر ان الرواية تامة سندا و دلالة و لا اشكال في السند من جهة عثمان ابن عيسي الواقفي المستبد بمال أبي الحسن الرضا عليه السلام فان سيدنا الاستاد اختار وثاقته في رجاله و الامر كما أفاده فان الشيخ و ابن شهر آشوب وثّقاه.

مضافا الي انه من أصحاب الاجماع علي ما نقل و أنا حققنا ان كون الشخص من أصحاب الاجماع دليل

علي وثاقته اذ الاجماع بلحاظ جلالة الشخص فلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 155 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 120

و لو بذكر العيب المستتر به (1).

______________________________

اشكال في انه توثيق اياه من قبل المجمعين.

و تؤيد المدعي طائفة من النصوص: منها ما رواه هارون بن الجهم عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «1».

و منها: ما رواه أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي متبدع و الامام الجائر و الفاسق المعلن بالفسق 2.

بل يمكن ان يقال: ان ذكر الغير بأمر تجاهر فيه خارج عن الغيبة موضوعا اذ موضوعها اعلان ما ستره اللّه و علي تقدير التجاهر لا يكون مستورا.

و في المقام رواية رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا غيبة الا لمن صلي في بيته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمين وجب علي المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه و اذا رفع الي امام المسلمين انذره و حذره فان حضر جماعة المسلمين و الا أحرق عليه بيته و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته بينهم 3.

و مقتضي اطلاقها جواز الغيبة بمجرد ترك الجماعة.

و يرد عليه: أولا ان الجماعة ليست واجبة و ثانيا: ان مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين التجاهر و عدمه فالعمل بالرواية مشكل و علي فرض العمل بها يختص الحكم بمورده.

(1) لإطلاق رواية سماعة 4 فان مقتضي اطلاق قوله عليه السلام

______________________________

(1) (1 و

2) الوسائل الباب 154 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 4 و 5.

(2) (3) الوسائل الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث: 2.

(3) (4) لاحظ ص 119.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 121

و منها: الظالم لغيره فيجوز للمظلوم غيبته (1).

______________________________

فيها سقوط حرمة الغيبة بالنسبة الي المتجاهر بالفسق علي الاطلاق.

(1) قال سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير-: «انه ذكر الشيعة و السنة من مستثنيات الغيبة تظلم المظلوم و اظهار ما أصابه من الظالم و ان كان مستترا في ظلمه اياه».

و ما يمكن ان يقال في وجه جوازه أمور:

الاول: قوله تعالي: «لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ «1» فانه لو ظلم أحد أحدا بضربه مثلا خفية كان الجهر به من قبل المظلوم و نقله جائزا بمقتضي الاية الشريفة و قد فسر الجهر بالشتم في بعض الروايات لاحظ ما رواه الطبرسي قال: لا يحب اللّه الشتم في الانتصار الا من ظلم فلا بأس له ان ينتصر ممن ظلم مما يجوز الانتصار في الدين قال: و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام «2» لكن الرواية ضعيفة سندا.

و يؤيد المدعي ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه ان يذكر سوء ما فعله «3» و أيضا يؤيد المدعي ما عن علي بن ابراهيم قال: أي لا يحب اللّه ان يجهر الرجل بالظلم و السوء و لا يظلم الا من ظلم فقد أطلق له ان يعارضه بالظلم «4».

الثاني: قوله تعالي: «وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا «5» و قوله تعالي أيضا: وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ

______________________________

(1) النساء 148.

(2) البرهان

ج 1 ص 425.

(3) الوسائل الباب 154 من أبواب أحكام العشرة الحديث 7.

(4) البرهان ج 1 ص 425.

(5) الشعراء 227.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 122

و الاحوط استحبابا الاقتصار علي ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقا (1).

______________________________

الظّٰالِمِينَ وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «1».

بتقريب: ان المستفاد من هذه الآيات ان الانتصار، و الانتقام من الظالم جائز، و الغيبة نحو من الانتقام فيجوز للمظلوم.

و يرد عليه: أولا ان الآيات المذكورة ليست في مقام بيان الانتقام و انه بأي نحو يحصل بل في مقام بيان ان الانتقام من الظالم ليس ممنوعا.

و ثانيا: لا يمكن الالتزام بالاطلاق و الا يلزم جواز الانتقام بأي محرم كالزنا و اللواط و اني لنا بذلك.

و ثالثا: قد علم بدليل آخر ان الانتقام يلزم ان يكون مسانخا لظلم الظالم لاحظ قوله تعالي: فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ «2» و قوله تعالي: وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا «3».

الثالث: ان منع المظلوم من التكلم حرجي و الحرج يرفع التكاليف.

و فيه: ان الدليل أخص من المدعي فانه ربما لا يكون حرجيا و اماما في كلام الاستاد من انه خلاف الامتنان بالنسبة الي المغتاب بالفتح فقد بينا ما فيه في بحث لا ضرر و لا حرج.

(1) الامر كما أفاده فانه لا اشكال في حسن الاحتياط و أما اللزوم، فلا فان مقتضي الاطلاق عدم التقييد.

______________________________

(1) الشوري 37/ 38.

(2) البقرة 190.

(3) الشوري 39.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 123

و منها نصح المؤمن فتجوز الغيبة بقصد النصح كما لو استشار شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه و لو لزم اظهار عيبها (1).

بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء بدون استشارة اذا علم بترتب

______________________________

(1)

الذي يمكن ان يجعل دليلا لما ذكر طوائف من الروايات:

الطائفة الاولي ما دل علي حرمة خيانة المؤمن لأخيه، مثل ما رواه أبو المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يخونه «1».

و ما رواه الحرث بن مغيرة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: المسلم أخو المسلم هو عينه و مرآته و دليله لا يخونه «2».

فان المستفاد من هذه الروايات ان من جملة حقوق المسلم علي أخيه المسلم ان لا يخونه. و فيه: انه لا اشكال في حرمة الخيانة ببعض مراتبها و لكن عدم النصح ليس خيانة بلا اشكال و هذا اظهر من ان يخفي.

الطائفة الثانية: ما دل علي وجوب نصح المؤمن و حرمة تركه مثل ما رواه عيسي بن أبي منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يجب للمؤمن علي المؤمن ان يناصحه «3».

و ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يجب للمؤمن علي المؤمن النصيحة له في المشهد و المغيب «4».

و ما رواه أبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجب للمؤمن

______________________________

(1) الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

(3) الوسائل الباب 35 من أبواب فعل المعروف الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب فعل المعروف الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 124

______________________________

علي المؤمن النصيحة «1».

و ما رواه سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ايما مؤمن مشي في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه و رسوله «2».

و هذه الروايات تدل علي وجوب نصح المؤمن ابتداء و لا مجال للمناقشة فيها سندا فانها كثيرة مذكورة في الوسائل

في الباب 21 و 35 و 36 من أبواب فعل المعروف و في المعتبرة منها كفاية، لكن لا يجب النصح بلا اشكال و السيرة القطعية المتشرعية الجارية علي الترك أكبر شاهد علي عدم الوجوب.

أضف الي ذلك ان النسبة بين دليل حرمة الغيبة و دليل وجوب النصح عموم من وجه فيقع التعارض بين الدليلين في مورد الاجتماع و لا وجه لترجيح دليل وجوب النصح بل لا بد اما من القول بالتساقط و اما من ترجيح أحدهما بالمرجحات السندية فلاحظ.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي جواز نصح المستشير مثل ما رواه حسين بن عمر ابن يزيد عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه اللّه عز و جل رأيه «3».

و لاحظ الباب 22 من أبواب أحكام العشرة من مستدرك الوسائل.

و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا مضافا الي قصور الدلالة في بعضها و لكن في المقام رواية، و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: جئتك مستشيرا ان الحسن و الحسين

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب فعل المعروف الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 125

______________________________

و عبد اللّه بن جعفر خطبوا الي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام المستشار مؤتمن أما الحسن فانه مطلاق للنساء و لكن زوجها الحسين فانه خير لا بنتك «1» و الظاهر انها لا بأس بالاستدلال بها علي المطلوب الا ان يقال: بأنه يمكن ان كون الحسن عليه السلام مطلاقا لم يكن أمرا مستورا مضافا الي انه لم يكن عيبا و

نقصا فيه و كيف يمكن ان يكون عيبا و نقصا؟ و الحال انه أحد المعصومين و هو السبط الاكبر روحي له الفداء.

و ملخص الكلام: ان المطلاقية ان كانت عيبا فيلزم رد الرواية و غمض العين عنها و ان لم تكن فلا تكون دليلا كما هو ظاهر.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي وجوب كشف الكرب عن المؤمن و قضاء حاجته مثل ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان من حق المؤمن علي أخيه المؤمن ان يشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في أهله و ولده «2».

و ما رواه المعلي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: ما حق المسلم علي المسلم قال: له سبع حقوق واجبات ما منهن حق الا و هو عليه واجب ان ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته الي ان قال و اذا علمت ان له حاجة تبادره الي قضائها و لا تلجئه الي ان يسألكها و لكن تبادره مبادرة فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك «3».

و لا شبهة في ان نصح المؤمن و ارشاده من أظهر أنواع الاعانة و الاحسان

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 5.

(3) نفس المصدر الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 126

مفسدة عظيمة علي ترك النصيحة (1).

و منها ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر فيما اذا لم يمكن الردع بغيرها (2).

______________________________

اليه فيجب.

و فيه: أولا انه لا اشكال في عدم وجوب اعانة المؤمن و الضرورة قائمة علي خلافه و الا يلزم ان يكون جميع المؤمنين

الا القليل النادر فساقا.

و ثانيا انه لا اشكال في عدم استحباب الاعانة بفعل الحرام و المفروض ان الغيبة حرام.

(1) المفسدة المترتبة علي ترك النصح ان كانت مفسدة يجب دفعها علي كل أحد كما لو فرض ترتب قتل مؤمن علي ترك النصح، فلا اشكال في وجوب النصح و في غير هذه الصورة لا وجه للجواز اذا فرضنا حرمة الغيبة و تمامية دليل حرمتها علي الاطلاق.

(2) استدل عليه بوجهين: الاول: انه احسان اذ يوجب نجاته من العذاب الالهي. و فيه: انه لا يجوز الاحسان بالفعل المنكر و إلا لجاز أعظم المحرمات الالهية احيانا بلحاظ ادخال السرور في قلب المؤمن أو المؤمنة حاشا.

الثاني: ان النهي عن المنكر واجب. و فيه أولا: انه علي هذا الفرض تجب الغيبة.

و ثانيا: ان أدلة النهي عن المنكر تنصرف عن النهي بالحرام و لذا لا يجوز النهي عن الزنا بالزنا أو اللواط.

و ثالثا: تقع المعارضة بين دليل النهي عن المنكر و دليل حرمة الغيبة نعم اذا كان الحرام الذي يرتكبه يجوز بل يجب علي كل أحد ردعه و منعه بأي نحو

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 127

و منها: ما لو خيف علي الدين من الشخص المغتاب فتجوز غيبته لئلا يترتب الضرر الديني (1).

و منها جرح الشهود (2).

______________________________

كان تجوز الغيبة مع انحصار السبب فيها لكن هذا فرض خارج عن محل الكلام.

(1) ذكر في وجه الجواز وجوه: الاول: انه علم من الشرع ان مصلحة دفعه أولي من الستر عليه بل ربما يجب ردعه بما هو أعظم من الغيبة كالإهانة امام الناس و هتكه.

الثاني: انه دلت جملة من النصوص علي وجوب سب المبدع و الوقيعة فيه و بهتانه:

منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه

عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام «و يحذرهم الناس» و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

الثالث: ما دل علي جواز غيبة المبدع مثل ما رواه أبو البختري عن جعفر ابن محمد عن أبيه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة، صاحب هوي مبتدع و الامام الجائر و الفاسق المعلن بالفسق «2».

(2) قال سيدنا الاستاد: «اتفق الاصحاب علي جواز جرحهم و هذا لعله من الواضحات اذ لو لم يجز جرح الشاهد الفاسق و حرمت اشاعة ما ستره لزم الهرج و المرج و لضاع كثير من الحقوق المالية و العرضية و قس عليه جرح الرواة

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 154 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 128

و منها ما لو خيف علي المغتاب الوقوع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه (1) و منها القدح في المقالات الباطلة و ان أدي ذلك الي نقص في قائلها و قد صدر من جماعة كثيرة من العلماء القدح في القائل بقلة التدبير و التأمل و سوء الفهم و نحو ذلك و كان صدور ذلك منهم لئلا يحصل التهاون في تحقيق الحقائق عصمنا اللّه تعالي من الزلل و وفقنا للعلم و العمل انه حسبنا و نعم الوكيل (2)

و قد يظهر من الروايات عن النّبيّ و الائمه عليهم أفضل الصلاة و السلام: انه

يجب علي سامع الغيبة ان ينصر المغتاب و يرد عنه و انه اذا لم يرد خذ له اللّه تعالي في الدنيا و الآخرة و انه كان عليه كوزر من اغتاب (3).

______________________________

الضعفاء اذ لولاه لضاع الحكم الشرعي» فتأمل.

(1) فانه في هذا الفرض تجوز الغيبة بل تجب كما لو توقف حفظ نفسه علي غيبته.

(2) الانصاف ان الجزم بالجواز مشكل فان بيان الحقائق لا يتوقف علي سوء التعبير كما هو ظاهر.

(3) فمن تلك الروايات ما رواه انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام، يا علي من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذ له اللّه في الدنيا و الآخرة «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 156 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 129

و من الكبائر: البهتان علي المؤمن و هو ذكره بما يعيبه و ليس هو فيه (1).

______________________________

و منها ما رواه أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام قال: من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره و اعانه نصره اللّه و اعانه في الدنيا و الآخرة و من لم ينصره و لم يعنه و لم يدفع عنه و هو يقدر علي نصرته و عونه الا خفضه اللّه في الدنيا و الآخرة «1».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من رد عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة البتة «2».

الي غيرها من الروايات الواردة في الباب 156 من أبواب أحكام العشرة من الوسائل و الظاهر ان هذه الروايات غير نقية سندا.

(1) البهتان من مصاديق الكذب فعلي تقدير

كون الكذب من الكبائر يكون البهتان معصية كبيرة بلا اشكال اذ البهتان كذب مع الاضافة لكن الاشكال في كون الكذب من الكبائر اذ ليس علي كونه من الكبائر دليل صحيح نعم لا اشكال في تأكد حرمة البهتان بل لا يبعد ان يستفاد من بعض النصوص كونه كبيرا لاحظ ما رواه ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء «3»، فان البهتان بمقتضي هذه الرواية يوجب زوال الايمان.

لكن سند الرواية لا يخلو من خدش فان الاقوال في ابراهيم بن عمر اليماني متعارضة و لا يبعد ان يثبت كون البهتان من الكبائر ارتكازه كذلك في اذهان

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 161 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 130

و منها: سب المؤمن و اهانته و اذلاله (1) و منها: النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم (2).

______________________________

المتشرعة فانا ذكرنا في رسالة العدالة انه من طرق اثبات كون المعصية كبيرة و اللّه العالم.

(1) لم أظفر علي دليل يدل علي كون المذكورات من الكبائر لكن لا يبعد ان يستفاد المدعي من النصوص الكثيرة الدالة علي احترام المؤمن و حرمة هتكه و اذلاله و اهانته.

(2) قال سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير: «النميمة من الكبائر المهلكة» و لا يبعد ان تكون كذلك في ارتكاز المتشرعة و قد عقد في الوسائل بابا لحرمتها و أورد فيها أربعة عشر رواية:

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أنبئكم بشراركم؟ قالوا بلي يا رسول

اللّه قال: المشاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة الباغون للبراء المعايب «1».

و لا بأس بالاستدلال بقوله تعالي: وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ «2» علي المدعي.

ان قلت: لا تكون الفتنة مطلقا أشد من القتل قلت: يفهم من الاية كون الفتنة في مرتبة شديدة من الحرمة.

و بعبارة أخري: لا ريب انه يفهم من الاية ان الفتنة من المحرمات الموبقة المهلكة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 164 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.

(2) البقرة 191.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 131

و منها القيادة و هي السعي بين اثنين لجمعهما علي الوطء المحرم (1) و منها الغش للمسلمين (2) و منها: استحقار الذنب فان أشد الذنوب ما يستهان به صاحبه (3).

و منها الرياء (4) و غير ذلك مما يضيق الوقت عن بيانه.

______________________________

(1) قال سيدنا الاستاد: «هي من الكبائر الموبقة و الجرائم المهلكة و لا اشكال ظاهرا في حرمتها».

و الظاهر انه لا خلاف في حرمتها و أما الجزم بكونها من الكبائر فمحل تامل.

(2) قال سيدنا الاستاد: «ان حرمة الغش من ضروريات مذهب المسلمين».

لكن لا يدل ما ذكره علي كونه من الكبائر و الاخبار الدالة علي حرمته متعددة:

منها ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس منا من غشنا «1».

و منها ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر: يا فلان أما علمت انه ليس من المسلمين من غشهم «2».

(3) لا يبعد دخوله في الا من من مكر اللّه مع الاهانة بمقام الكبرياء.

(4) لا يبعد ان يستفاد المدعي من جملة من النصوص.

منها ما رواه زرارة و حمران عن ابي جعفر عليه السلام قال: لو ان عبدا

______________________________

(1) الوسائل الباب

86 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 132

[مسألة 30: ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية و تعود بالتوبة و الندم]

(مسألة 30) ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية (1) و تعود بالتوبة و الندم (2) و قد مر انه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة و الكبيرة (3).

______________________________

عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و ادخل فيه رضا احد من الناس كان مشركا و قال ابو عبد اللّه عليه السلام من عمل للناس كان ثوابه علي الناس يا زرارة كل رياء شرك و قال عليه السلام: قال اللّه عز و جل: من عمل لي و لغيري فهو لمن عمل له «1».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي ابن جعفر عن ابيه عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: يؤمر برجال الي النار الي ان قال: فيقول لهم خازن النار: يا اشقياء ما كان حالكم؟ قالوا كنا نعمل لغير اللّه فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له «2».

و الروايات كثيرة مذكورة في الوسائل في الابواب: 11 و 12 و 14 من مقدمات العبادات فلاحظ.

(1) فان العدالة عبارة عن الكون علي الجادة و بارتكاب الفسق يحصل الانحراف فتزول العدالة كما هو ظاهر.

(2) بل تعود بالعزم علي الترك و الكون علي الجادة و قد ذكرنا في رسالة التوبة: انه لا دليل علي وجوب التوبة بل العقل من باب دفع الضرر المحتمل يحكم باللزوم.

(3) و قد مر ان الصغيرة توجب زوال العدالة اذ لا تنافي بين رفع العدالة و تكفير الذنب و بعبارة اخري: المرتكب للذنب يخرج به عن سلسلة العدول

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب مقدمات العبادات الحديث:

11.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 133

[مسألة 31: الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة ان كان مسبوقا بالفتوي أو ملحوقا بها فهو استحبابي]

(مسألة 31): الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة ان كان مسبوقا بالفتوي أو ملحوقا بها فهو استحبابي يجوز تركه و الا تخير العامي بين العمل بالاحتياط و الرجوع الي مجتهد آخر الاعلم فالاعلم و كذلك موارد الاشكال و التأمل فاذا قلنا: يجوز علي اشكال أو علي تأمل فالاحتياط في مثله استحبابي و ان قلنا: يجب علي اشكال أو علي تأمل فانه فتوي بالوجوب و ان قلنا: المشهور كذا أو قيل كذا و فيه تأمل أو فيه اشكال فاللازم العمل بالاحتياط أو الرجوع الي مجتهد آخر.

[مسألة 32: ان كثيرا من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها علي قاعدة التسامح في أدلة السنن]

(مسألة 32): ان كثيرا من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها علي قاعدة التسامح في أدلة السنن و لما لم تثبت عندنا فيتعين الاتيان بها برجاء المطلوبية و كذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية (1) و ما توفيقي الا باللّه عليه توكلت و اليه أنيب.

______________________________

و ان كان ذلك الذنب صغيرا فلاحظ.

تذكرة: لا يخفي علي الطالب انا باحثنا الابحاث المرتبطة بالعدالة في بحث صلاة الجماعة و قد كتب ما حققناه المقرر و جعل تلك الابحاث رسالة خاصة و طبعها منضمة الي رسالتي التوبة و اللاضرر فمن اراد الاطلاع عليها فليراجع تلك الرسالة.

(1) اعلم انه قد دلت جملة من الاخبار علي ان من بلغه ثواب علي عمل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 134

______________________________

فعمل به التماس ذلك الثواب اوتيه و ان لم يكن الحديث كما بلغه فمن تلك الروايات ما رواه صفوان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من بلغه شي ء من الثواب علي شي ء من الخير فعمل (فعمله) به كان له اجر ذلك و ان كان (و ان لم يكن علي ما بلغه خ ل) رسول اللّه صلي اللّه

عليه و آله و سلم لم يقله «1».

و منها ما رواه هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من بلغه عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم شي ء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له و ان كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم لم يقله «2».

و منها ما رواه محمد بن مروان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من بلغه عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله شي ء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النّبيّ صلي اللّه و آله و سلم كان له ذلك و ان كان النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم لم يقله «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن القاسم الجعفري عن ابي عبد اللّه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من وعده اللّه علي عمل ثوابا فهو منجزه له و من اوعده علي عمل عقابا فهو فيه بالخيار «4».

و منها ما رواه هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من سمع شيأ من الثواب علي شي ء فصنعه كان له و ان لم يكن علي ما بلغه «5».

و منها ما رواه محمد بن مروان قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 4.

(4) نفس المصدر الحديث: 5.

(5) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 135

______________________________

من بلغه ثواب من اللّه علي عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه و ان لم يكن الحديث كما بلغه «1».

و منها ما رواه الصدوق عن محمد

بن يعقوب بطرقه الي الائمة عليهم السلام ان من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و ان لم يكن الامر كما نقل اليه «2».

و منها ما رواه علي بن موسي بن جعفر بن طاوس في كتاب الاقبال عن الصادق عليه السلام قال: من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له ذلك و ان لم يكن الامر كما بلغه «3».

و لا مجال للتكلم و المناقشة في هذه الاخبار من حيث السند فان فيها ما يكون معتبرا سندا كالحديث الثالث.

و الوجوه المحتملة المذكورة في معني الجملة ثلاثة:

الاول: ان يكون المراد بها اثبات اعتبار السند و لو لم يكن معتبرا، و بعبارة اخري يكون مفادها التسامح في ادلة السنن و لا يبعد ان لا ينسبق هذا المعني الي الذهن.

و ان شئت قلت: ان لسان جعل الحجية الغاء احتمال الخلاف.

و بعبارة أخري: فرض كون المؤدي مطابقا للواقع و في هذه الروايات فرض عدم التطابق و ان ابيت فلا أقلّ من عدم ظهورها فيه.

الثاني: ان يكون المراد منها الاخبار عن تفضل اللّه تعالي بانه تبارك و تعالي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7.

(2) نفس المصدر الحديث: 8.

(3) نفس المصدر الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 136

______________________________

يعطي الثواب الموعود و لو لم يكن الخبر مطابقا للواقع و ليس فيها تعرض لاستحباب العمل.

و الانصاف: ان خبري هشام «1» ظاهران بل صريحان في هذا المعني فلا ترتبط الروايات بالتسامح في ادلة السنن.

الثالث: ان يكون مفادها جعل الاستحباب للعمل المعنون بعنوان بلوغ الثواب عليه و يكون عنوان البلوغ عنوانا ثانويا يوجب استحباب العمل كإجابة التماس المؤمن او ايجاد السرور في قلب الشيعي و امثالهما.

و الانصاف: انه لا يستفاد منها

هذا المعني و لا يمكن الجزم به.

فالحق: ان المستفاد منها المعني الوسط الذي هو خير الامور و ان شئت قلت: ان المستفاد من هذه الاخبار تحريص المكلف علي الاتيان بما يحتمل كونه مستحبا بشرط بلوغ الشواب عليه فتكون نظير الاوامر الطريقية لإيصال الواقعيات الي المكلف فلاحظ.

ثم انه لا يبعد ان يستفاد من حديث هشاء «2» بلحاظ التفريع المذكور في الحديث: ان مورد الرواية و موضوعها العمل الذي يكون الداعي الي اتيانه بلوغ الثواب.

و بعبارة اخري: يكون الداعي طلب ذلك الثواب فان قوله عليه السلام:

«من بلغه شي ء من الثواب فعمله» ظاهر في هذا المعني و كذا قوله عليه السلام في الحديث السابع من الباب «3».

______________________________

(1) لاحظ ص 134.

(2) لاحظ ص 134 الحديث الرقم: 2 في الهامش.

(3) لاحظ ص 134.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 137

[كتاب الطهارة]

اشارة

كتاب الطهارة و فيه مباحث:

[المبحث الأول أقسام المياه و أحكامها]

اشارة

المبحث الاول أقسام المياه و أحكامها و فيه فصول:

[الفصل الأول: ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء الي قسمين]

الفصل الاول:

ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء الي قسمين:

الاول: ماء مطلق و هو ما يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف اليه كالماء الذي يكون في البحر أو النهر أو البئر أو غير ذلك فانه يصح ان يقال له ماء و اضافته الي البحر- مثلا- للتعيين لا لتصحيح الاستعمال.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 138

الثاني: ماء مضاف و هو ما لا يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف اليه كماء الرمان و ماء الورد فانه لا يقال له ماء الا مجازا و لذا يصح سلب الماء عنه (1).

[الفصل الثاني: انقسام الماء المطلق إلي أقسام]

[الأول ما لا مادة له]
اشارة

الفصل الثاني:

الماء المطلق اما لا مادة له أو له مادة و الاول أما قليل لا يبلع

______________________________

(1) المائع علي أقسام: منها ما لا يصح اطلاق الماء عليه كالزيت و نحوه و لا يطلق علي مثله الماء و لا يبعد ان يكون اطلاق الماء عليه غلطا. و منها ما يطلق عليه الماء مع الاضافة كالمضافات فانه يصح ان يطلق علي ما يعصر من الرمان ماء الرمان و لا يطلق عليه الماء بلا اضافة الا علي نحو المجاز. و منها ما يصح اطلاق الماء عليه بلا اضافة و هو الماء المطلق.

و مما ذكرنا علم ان تقسيم الماء الي المطلق و المضاف انما هو تقسيم للمعني الجامع بين نوعين حقيقيين- خلافا لما أفاده سيدنا الاستاد- حيث قال: «انما هو تقسيم للجامع بين المعني الحقيقي و المجازي نظير تقسيم الصلاة الي الصحيحة و الفاسدة بناء علي وضعها لخصوص الصحيحة» اذ لا شبهة في ان اطلاق الماء مع الاضافة علي المضاف اطلاق حقيقي فلو قلنا: بأن قول الفقهاء: «الماء اما مطلق أو مضاف» يراد منه ان الماء تارة يطلق مع الاضافة، و أخري يطلق

بلا اضافة، يكون المقسم مقسما لمعنيين حقيقيين الا ان يقال: بأن المراد في قولهم:

«الماء اما مطلق أو مضاف» الجامع بين المطلق و المضاف و حيث ان اطلاق الماء علي المضاف يكون مجازيا، يكون التقسيم باعتبار الجامع بين المعني

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 139

مقداره الكر أو كثير يبلغ مقداره الكر و القليل ينفعل بملاقاة النجس أو المتنجس علي الاقوي (1).

______________________________

الحقيقي و المجازي و الظاهر هو هذا المعني الثاني، لا الاول فما أفاده صحيح.

[تنجس الماء القليل بملاقاة النجس أو المتنجس و عدمه و ذكر النصوص الواردة في المقام و بيان الأدلة من الطرفين]
اشارة

(1) لا اشكال في عدم انفعال الكر و ما فوقه الا بالتغير بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة كما انه لا ريب في انفعال القليل بالتغير انما الكلام في انفعال القليل مطلقا و عدمه و المشهور هو الاول بل قيل: انه أدعي عليه الاجماع في كلام كثير من الاعلام و نسب الي ابن أبي عقيل: القول بعدم الانفعال و نسب هذا القول الي الفيض و السيد الجزائري و الشيخ الفتوني و السيد عبد اللّه الشوشتري و يقع البحث في مواضع:

[الموضع الاول: في الانفعال في الجملة و بنحو الموجبة الجزئية
اشارة

و في هذا الموضع يقع البحث تارة من حيث المقتضي و أخري في بيان ما يتوهم كونه دليلا علي عدمه.

فنقول: الاخبار التي يمكن الاستدلال بها علي المدعي علي طوائف:
الطائفة الاولي: الاخبار الناهية عن الوضوء و الشرب من الاناء الذي وقع فيه قطرة دم أو شرب منه طير علي منقاره دم أو قذر

بتقريب: ان المستفاد من هذه الروايات ان العلة لحرمة الشرب كون الماء نجسا و ليس لحرمته ملاك آخر غير النجاسة كما ان النهي عن الوضوء ارشاد الي نجاسته و لا يحتمل فساد الوضوء مستندا الي وجه آخر.

و من تلك الطائفة ما رواه علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب انائه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: ان لم يكن شيأ

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 140

______________________________

يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه و قال: و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا «1».

و منها ما رواه أيضا عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و اشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟

قال: لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء «2».

و منها ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عما تشرب منه الحمامة فقال: كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان تري في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب «3».

الطائفة الثانية: الاخبار الدالة بالمفهوم شرطا أو قيدا علي نجاسة ما دون الكر أو الرواية:

منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام و سئل عن الماء تبول فيه الدواب و نلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب. قال: اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه

شي ء «4».

و منها: ما رواه زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام: اذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ الا ان يجئ له ريح تغلب علي ريح الماء «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

(4) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(5) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 141

______________________________

و منها ما رواه اسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر و سعة (سعته) «1».

و منها ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ فقال: كر. قلت و ما الكر؟ قال: ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار «2».

الطائفة الثالثة: ما يدل علي اراقة الاناء الذي أدخل فيه اليد القذرة

من نجاسة البول أو المني أو غيرهما أو وقع فيه قذر و في بعضها الامر بالتيمم بعد الامر بالاهراق و ليس هذا بحسب الفهم العرفي الا للنجاسة كي لا يستعمل الماء النجس فيما يشترط فيه الطهارة كالوضوء و الشرب و احتمال وجوب الاراقة تعبدا من غير جهة النجاسة بعيد عن الفهم العرفي، فمن تلك الطائفة ما رواه أحمد ابن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الاناء و هي قذرة قال: يكفي الاناء «3».

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل ان يفرغ علي كفيه؟ قال: يهريق من الماء ثلاث جفنات و

ان لم يفعل فلا بأس و ان كانت أصابته جنابة فادخل يده في الماء فلا بأس به ان لم يكن أصاب يده شي ء من المني و ان كان أصاب يده فادخل يده في الماء قبل ان يفرغ علي كفيه فليهرق الماء كله «4».

و منها ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل معه اناءان

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 7.

(3) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 7.

(4) نفس المصدر الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 142

______________________________

فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو و ليس يقدر علي ماء غيره قال:

يهريقهما جميعا و يتيمم «1».

و منها ما رواه محمد يعني ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال: أغسل الاناء «2».

و منها ما رواه الفضل أبو العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انه سأله عن الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء «3».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر قال: و سألته عن خنزير يشرب من أناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات «4»، الي غيرها من الروايات الواردة في المقام الدالة علي انفعال الماء القليل.

و عن شيخنا الانصاري انه قدس سره نقل في طهارته عن بعضهم: ان هذه الروايات تبلغ ثلاثمائة رواية و الانصاف انها و ان لم تبلغ هذا المبلغ لكن لا يشك الشخص العادي: ان بعضها مطابق للواقع و صادر عن المعصوم عليهم السلام و

ان شئت قلت: انها متواترة اجمالا بلا اشكال هذا كله من حيث المقتضي

و اما ما يمكن ان يستدل به علي قول ابن أبي عقيل و اتباعه من عدم الانفعال فوجوه:
الوجه الاول: ما استدل به الكاشاني- علي ما نقل عنه-

و هو ما أرسله المحقق في المعتبر قال: قال عليه السلام: خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 1 من الأسآر الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 143

______________________________

الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه «1» و من الظاهر ان المرسل لا اعتبار به.

الوجه الثاني: الروايات الدالة علي ان الميزان في نجاسة الماء تغيره فما دام لم يتغير لا ينفعل.

و من تلك الروايات ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب «2» و تقريب الاستدلال: ان مقتضي اطلاق تلك الروايات عدم الفرق بين القليل و الكثير فانهم عليهم السلام لم يفصلوا بين القسمين.

و الجواب: ان غاية ما في الباب اطلاق تلك الروايات كما ذكر في التقريب لكن المستفاد من جملة من الروايات الدالة علي التنجيس، انفعال القليل و لو مع عدم التغير اذ من الظاهر: ان الماء الذي يشرب منه الكلب أو الخنزير أو أصابته يد قذرة لا يتغير و مع ذلك حكم عليه السلام بالانفعال فيكون مقتضي القاعدة تقييد تلك المطلقات بهذه الروايات فان النسبة بينهما عموم و خصوص بالاطلاق.

و مما يؤيد المدعي- بل يدل عليه- ما رواه صفوان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض التي ما بين مكة الي (و خ ل) المدينة تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منها الحمير و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها قال:

و كم قدر الماء؟ قال: الي نصف الساق و الي

الركبة فقال: توضأ منه «3»

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب الماء المطلق الحديث: 9.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 12.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 144

______________________________

اذ لو كان الميزان في الانفعال و عدمه بالتغير و عدمه لما كان وجه لسؤاله عليه السلام عن مقدار الماء و بعد ما اجاب الراوي بأنه الي نصف الساق أجاب عليه السلام بالجواز و الوجه في هذه الاستفادة: ان الصحاري مسطحة و ليست مرتفعة الاطراف فالماء الموجود فيها اذا بلغ نصف الساق أو الركبة يكون أكثر من مقدار الكر.

الوجه الثالث: ما رواه محمد بن ميسر

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي الي الماء القليل في الطريق و يريد ان يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه قذرتان قال: يضع يده ثم (و خ ل) يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال اللّه عز و جل: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» فان مورد السؤال في الرواية الماء القليل و حكم عليه السلام بعدم انفعاله بملاقاة يده القذرة.

و فيه: ان القليل ليس في مقابل الكر في لسان الاخبار بل القليل يراد منه ما يكون مقابلا للكثير كماء النهر و البحر و انما القليل اصطلاح عند الفقهاء يراد منه ما يكون أقل من الكر و عليه تكون الرواية مطلقة من هذه الجهة نعم اطلاقها يقتضي الحكم بعدم انفعال القليل بملاقاة النجاسة لكن تقيد بما دل من النصوص المتقدمة الدالة علي انفعال الماء الاقل من الكر و يمكن ان تكون الرواية ناظرة الي عدم تنجيس المتنجس فلا ترتبط بالمقام.

الوجه الرابع: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقي به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 145

______________________________

قال: لا بأس «1» و تقريب الاستدلال: ان شعر الخنزير نجس و الغالب تقاطر الماء من الحبل علي الماء الموجود في الدلو فيفهم من حكمه عليه السلام بعدم انفعال ماء الدلو ان الماء القليل لا ينفعل بملاقاة النجس.

و فيه: انه من الممكن ان تكون الرواية ناظرة الي عدم نجاسة شعر الخنزير كما ذهب اليه سيد المرتضي علي ما نقل عنه كما انه يمكن ان تكون ناظرة الي عدم تنجيس المتنجس.

و أفاد سيدنا الاستاد في

المقام: انه من الجائز ان يكون الحبل المفروض من شعر الخنزير غير متصل بالدلو و وجه السؤال احتمال ان استعمال شعر الخنزير مبغوض شرعا و يفسد الوضوء من ذلك الماء و الامام عليه السلام أجاب بأنه لا بأس و لا يوجب الحرمة الوضعية.

و ما أفاده خلاف الظاهر فان الظاهر من الرواية ان الحبل بتمامه شعر الخنزير و كان مورد السؤال الشعر المتصل بالدلو فلاحظ.

الوجه الخامس: ما رواه أبو مريم الانصاري

قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فاكفا رأسه و توضأ بالباقي «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا فانه لم تثبت وثاقة بشير فلاحظ حاله في الرجال.

و اما الجواب عن دلالة الرواية تارة بأنه يمكن كون الدلو المذكور في الرواية مقدار الكر، و أخري بأنه يمكن ان يكون المراد من العذرة مدفوع الحيوان المأكول لحمه و ثالثة بأنه يمكن ان يكون المراد بالباقي، الباقي في

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 12.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 146

______________________________

البئر لا يرجع الي محصل فانه أي دلو يسع هذا المقدار من الماء و العذرة ظاهرة في عذرة الانسان و السباع و مدفوع المحلل اكله يطلق عليه الروث و الظاهر من الباقي الباقي في الدلو.

الوجه السادس ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام

قال: قلت له راوية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة قال: اذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة اذا أخرجتها طرية و كذلك الجرة و حب الماء و القربة و اشباه ذلك من أوعية الماء «1».

و فيه ان الرواية ضعيفة سندا بعلي بن حديد.

الوجه السابع: ما رواه عبد اللّه بن سنان

قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- و انا حاضر- عن غدير أتوه و فيه جيفة؟ فقال: ان كان الماء قاهرا و لا توجد منه الريح فتوضأ «2».

و فيه: أولا انها ضعيفة سندا بالعبيدي و ثانيا: ان غاية ما في الباب الدلالة علي المدعي بالاطلاق فيرفع اليد عنه بتلك الروايات الدالة علي انفعال القليل.

الوجه الثامن: ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد انتنت قال: اذا كان النتن الغالب علي الماء فلا تتوضأ و لا تشرب «3».

و فيه: ان دلالتها علي المدعي علي فرض التسليم بالاطلاق فتقيد بتلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 8.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 11.

(3) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 147

______________________________

الادلة مضافا الي ان الظاهر ان مورد السؤال لم يكن ماء قليلا.

الوجه التاسع: ما رواه عثمان بن زياد

قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أكون في السفر فآتي الماء النقيع و يدي قذرة فاغمسها في الماء قال: لا بأس «1».

و هذه الرواية ضعيفة بعثمان بل و بغيره و من حيث الدلالة الكلام فيها هو الكلام في سابقتها فلاحظ.

الوجه العاشر: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام

انه سأل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال: ان تغير الماء فلا تتوضأ و ان لم تغيره أبوالها فتوضأ منه و كذلك الدم اذا سال في الماء و اشباهه «2».

و هذه الرواية ضعيفة بياسين الضرير بل و بغيره و من حيث الدلالة الكلام فيها هو الكلام.

الوجه الحادي عشر: ما رواه أبو خالد القماط

انه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه و ان لم يتغير ريحه و طعمه فاشرب و توضأ «3».

و الكلام في دلالة الرواية هو الكلام.

الوجه الثاني عشر: ما رواه العلاء بن الفضيل

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض يبال فيها قال: لا بأس اذا غلب لون الماء لون البول «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 16.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 4.

(4) نفس المصدر الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 148

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان و الجواب عن الدلالة هو الجواب.

الوجه الثالث عشر: ما رواه ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال:

سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه و السنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أ يتوضأ منه؟ أو يغتسل؟ قال: نعم الا ان تجد غيره فتنزه عنه «1».

و الجواب عن دلالتها هو الجواب.

الوجه الرابع عشر: ما أرسله الصدوق

قال: و أتي أهل البادية رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقالوا: يا رسول اللّه ان حياضنا هذه تردها السباع و الكلاب و البهائم فقال لهم صلي اللّه عليه و آله و سلم: لها ما أخذت أفواهها و لكم سائر ذلك «2».

و ضعفه سندا واضح و الجواب من حيث الدلالة هو الجواب.

الوجه الخامس عشر: ما رواه أبو بصير

قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الي جانب القرية فيكون فيه العذرة و يبول فيه الصبي و تبول فيه الدابة و تروث. فقال: ان عرض في قلبك منه شي ء فقل هكذا يعني افرج الماء بيدك ثم توضأ فان الدين ليس بمضيق فان اللّه يقول:

مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3».

و الجواب هو الجواب.

الوجه السادس عشر: ما رواه شهاب بن عبد ربه

قال: أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام أسأله فابتدأني فقال: ان شئت فسل يا شهاب و ان شئت أخبرناك بما

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الأسآر الحديث: 6.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 10.

(3) نفس المصدر الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 149

______________________________

جئت له قلت: أخبرني قال: جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أولا؟ قال: نعم قال: توضأ من الجانب الاخر الا ان يغلب الماء الريح فينتن و جئت تسأل عن الماء الراكد من الكر مما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة قلت: فما التغير؟ قال: الصفرة فتوضأ منه و كلما غلب كثرة الماء فهو طاهر «1».

و الجواب هو الجواب. ان قلت: ان التقابل بين الغدير و الكر يقتضي ان يكون الغدير أقل من الكر و مع ذلك حكم عليه السلام بعدم انفعاله. قلت:

الغدير أعم من الكر و ليس ظاهرا في خصوص القليل المقابل للكر و يمكن ان السائل كان في مقام السؤال عن حكم الغدران بنحو مطلق و عن الكر بالخصوص.

أضف الي ذلك كله انه لو وصلت النوبة الي المعارضة يكون الترجيح مع تلك الطائفة الدالة علي الانفعال فانها- كما سبق- متواترة و لا اشكال في صدورها اجمالا عن المعصوم فيكون المعارض له مصداقا

لقوله: كل حديث مردود الي الكتاب و السنة «2» بدعوي: ان السنة أعم من حديث مروي عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و أوصيائه. لكن الرواية لضعفها بالارسال ليست قابلة للاعتماد و قريب من هذه المرسلة ما رواه عمر بن حنظلة و أرسلها في الاحتجاج عنه قال فيه: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال:

ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة «3» فان الرواية ضعيفة بالارسال و بعمر بن حنظلة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11.

(2) جامع أحاديث الشيعة باب ما يعالج به تعارض الروايات الحديث: 9.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 150

الوجه السابع عشر: ان القليل لو قلنا بانفعاله بالملاقات لما أمكن تطهير شي ء من المتنجسات

______________________________

و هذا مقطوع البطلان و لهذا الاستدلال تقريبان:

الاول: ان الجزء المتصل بالمتنجس من الماء ينجس بالملاقات فلا تحصل الطهارة اذ يشترط ان يكون المطهر طاهرا.

الثاني: ان الجزء المتصل بالمتنجس اذا انفعل بالملاقاة فهو يوجب تنجس المغسول به ثانيا لأنه نجس فينجس ما يلاقيه. ان قلت: الطهارة تحصل بانفصال الماء عن المغسول. قلت: فرضنا ان الامر كذلك لكن لا اشكال في بقاء قطرات علي المحل و هو يوجب الانفعال و القول بأن الانفصال ليس من المطهرات كما في كلام سيدنا الاستاد مدفوع بأنه موافق للحكم العرفي فان اليد القذرة اذا غسلت بالماء القليل فلا بد من انفصال ذلك الماء كي يحكم عليها بالنظافة.

و الجواب عن التقريب الاول: ان الدليل قائم علي اشتراط طهارة الماء قبل غسل المتنجس و أما النجاسة الحادثة في الماء بالغسل فلا دليل علي قدحها بل الدليل قائم علي عدمه

فان الادلة الدالة علي جواز تطهير المتنجس بالماء القليل تدل علي عدم الاشتراط.

و ان شئت قلت: لو بني علي انفعال القليل علي الاطلاق- حتي في محل الكلام- نبني علي عدم قدح انفعال المطهر فيما يكون انفعاله بالتطهير و لا يتوجه اشكال و هذا أمر موافق مع حكم العرف فان الشي ء القذر لو نظف بالماء فلا بد من كون المغسول به نظيفا و بالغسل تنتقل القذارة العرفية الي الماء و لكن اليد يحكم عليها بالنظافة.

و الجواب عن التقريب الثاني: انه لو قلنا بنجاسة الغسالة فنقول: بأن الماء الباقي علي المحل المغسول لا ينجس المحل لأدلة جواز التطهير بالقليل اذ لا

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 151

______________________________

يعقل ان يجتمع جواز التطهير به مع تنجس المحل به أيضا فالجمع بين الادلة يقتضي الالتزام بالانفعال و عدم تنجيسه المحل المغسول ثانيا.

الوجه الثامن عشر: ان دلالة أدلة انفعال الماء القليل بالمفهوم و دلالة أدلة عدم الانفعال بالمنطوق

و الدلالة المنطوقية تتقدم علي ما بالمفهوم.

و فيه: أولا: انه ليس دليل الانفعال منحصرا بالدلالة المفهومية بل في الادلة ما يدل عليه بالمنطوق.

و ثانيا: انه ليس من المرجحات في باب التعارض كون أحد الطرفين دالا بالمنطوق بل ربما يتقدم ما بالمفهوم علي ما يدل بالمنطوق كما لو كان المفهوم أخص من المنطوق.

و ثالثا: ان المفهوم تابع للمنطوق و التصرف في المفهوم تصرف في المنطوق.

و رابعا: قد تقدم عدم تمامية أدلة عدم الانفعال اما سندا و اما دلالة فلاحظ.

الوجه التاسع عشر: ان أدلة الكر مختلفة من حيث الدلالة علي مقدار الكر

فنكشف من هذا الاختلاف ان اشتراط مقدار الكر في الاعتصام استحبابي و ان الشارع لم يهتم بهذا الامر. و فيه: ان الاختلاف لا يكشف عن عدم الاهتمام بل لا بد من ملاحظتها فاما تكون قابلة للجمع العرفي فيجمع بينها و يؤخذ بالنتيجة و اما لا تكون قابلة للجمع فتدخل في موضوع التعارض و لا بد من اعمال قانونه.

الوجه العشرون: ان الماء القليل لو كان قابلا للانفعال لبين الشارع كيفية التحفظ عليه

و أمر بحفظه عن ملاقاة النجاسات و المتنجسات كأيدي الاطفال و المجانين المتقذرة علي الاغلب و حيث لم يرد في هذا الباب أمر من الشارع و لا توجد رواية تدل علي هذا المعني نكشف عدم انفعاله.

و هذا الاستدلال من الغرائب فان الشارع الاقدس شأنه بيان الاحكام و قد

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 152

______________________________

حكم بانفعال الماء القليل بالادلة المتقدمة و أما بيان حفظ الموضوعات الخارجية فليس من شئون الشارع.

الوجه الواحد و العشرون: انه يلزم نجاسة جميع مياه مكة و المدينة

لانحصار مياههما في القليل غالبا و تصل الي المياه أيدي الاطفال و المجانين و معه كيف يصنع أهل البلدتين بل يلزم جعل أحكام الماء في حقهم لغوا.

و فيه: ان مقتضي قاعدة الطهارة و استصحابها طهارة كل ما يشك في طهارته هذا من ناحية و من ناحية أخري لقائل ان يقول: بأن المتنجس لا ينجس مطلقا أو مع الواسطة لا ينجس أو يفصل بين الماء و غيره بأن يقول: ينجس الماء و لا ينجس غيره فاذا التزمنا بأحد هذه الوجوه و لاحظنا مفاد القاعدة فلا يحصل القطع بالنجاسة نعم لو قلنا: بانفعال الماء القليل و قلنا: بأن المتنجس منجس علي الاطلاق لكان هذا المحذور متوجها اذ يحصل القطع بنجاسة جميع مياه البلدين بل لو ادعي أحد انه تلزم نجاسة جميع ما في العالم لم يكن مجازفا في قوله.

فانقدح مما تقدم: ان الحق ما ذهب اليه المشهور من انفعال القليل بملاقاة النجاسة.

الموضع الثاني: ان الحق انفعال الماء القليل بكل نجاسة

بلا فرق بين أقسامها و يمكن الاستدلال عليه بجملة من النصوص:

منها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» فان الموضوع في هذه الرواية عبارة عن اليد القذرة و حيث ان اليد تصير قذرة باصابة كل نجاسة و لم تفصل في الرواية، يعلم عدم الفرق بين النجاسات.

______________________________

(1) لاحظ ص 141.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 153

______________________________

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجنب يحمل (يجعل خ ل) الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه قال: ان كانت يده قذرة فاهرقه و ان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال اللّه تعالي: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1».

و منها ما رواه شهاب بن عبد ربه

عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الاناء قبل ان يغسلها، انه لا بأس اذا لم يكن أصاب يده شي ء «2»، فان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين أقسام النجاسات.

و منها ما رواه عمار قال: و سئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال: ان كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب و ان لم يعلم ان في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب «3»، الي غيرها من النصوص مضافا الي ان العرف يفهم من الحكم بالنجاسة في موارد مختلفة انه لا خصوصية لنجاسة دون أخري و ان الماء ينفعل بملاقات النجاسة خصوصا مع ملاحظة أدلة اعتصام الكر حيث يستفاد من تلك الادلة ان الميزان في اعتصام الماء بلوغه هذا المقدار.

أضف الي ذلك التسالم فيما بين القوم علي اتحاد حكم النجاسات من هذه الجهة و ان وقع الخلاف في بعض الخصوصيات كالتفصيل المنسوب الي الشيخ الطوسي قدس سره في الدم الملاقي مع الماء القليل بأنه ان كان بمقدار لا يدركه الطرف لا ينجس الماء.

فالنتيجة: ان الحق عدم الفرق بين أقسام النجاسات و الماء القليل ينفعل

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 11.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 154

______________________________

بملاقاة كل من الاعيان النجسة.

الموضع الثالث: ان ما ذكر من انفعال الماء القليل بالملاقات هل يختص بالاعيان النجسة أو يعم المتنجسات؟

نسب الي صاحب الكفاية قدس سره: ان الماء القليل لا ينفعل بملاقاة المتنجس و استدل عليه: بأن الدليل علي الانفعال اما الاجماع و اما أخبار الكر و اما الروايات الخاصة اما الاجماع فحيث انه دليل لبي يكون القدر المتيقن منه انفعاله بالاعيان و اما أخبار الكر فمفهومها موجبة جزئية و بعدم القول بالفصل

و بالاخبار الخاصة نلتزم بانفعاله بكل عين نجسة و أما الروايات الخاصة فهي مختصة بالاعيان كما ان المنسبق من لفظ الشي ء في الاخبار العامة هي الاعيان فلا دليل علي انفعاله بالمتنجس هذا ملخص ما أفيد في المقام.

و لكن يرد عليه: ان مقتضي جملة من الروايات عدم الفرق:

منها: ما رواه أبو بصير عنهم عليهم السلام قال: اذا أدخلت يدك في الاناء قبل ان تغسلها فلا بأس الا ان يكون أصابها قذر بول أو جنابة فان أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فاهرق ذلك الماء «1» فان مقتضي اطلاق هذه الرواية ان اليد اذا أصابه بول أو مني ينجس الماء المصاب به و ان لم يكن عند الاصابة عين النجاسة موجودة الا ان يقال: انه يفهم من ذيل الرواية ان الميزان ملاقاة عين المني أو البول مع الماء.

و منها ما رواه شهاب «2» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه أحمد ابن محمد بن أبي نصر «3» و التقريب هو التقريب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(2) لاحظ ص 153.

(3) انظرها في ص: 141.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 155

______________________________

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا أصاب الرجل جنابة فادخل يده في الاناء فلا بأس اذا لم يكن أصاب يده شي ء من المني «1» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه أبو بصير «2» و التقريب هو التقريب.

و يمكن ان يقال: ان مقتضي رواية أبي بصير «3»، عدم انفعال الماء القليل الذي لاقاه المتنجس بتقريب: ان المستفاد من الرواية ان انفعال الماء القليل باصابة اليد مشروط بوجود شي ء من البول أو المني في اليد

و الا لا ينفعل الماء باصابة اليد و لو مع نجاسة اليد بل صرح به في قوله عليه السلام «الا ان يكون أصابها قذر بول أو جنابة» و بهذه الرواية يقيد اطلاق الروايات الدالة بالاطلاق علي انفعاله بملاقاة المتنجس.

و يجاب عن هذا التقريب: بأن القذر علي ما يستفاد من اللغة تارة يطلق و يراد منه المعني الوصفي أي ذات ثبت له المبدأ و أخري يطلق و يراد منه المعني المصدري فعلي الاول تكون اضافة لفظ القذر الي البول اضافة بيانية فالقذر يكون نفس البول و علي الثاني تكون الاضافة نشوية أي قذارة ناشئة من البول و الاستدلال انما يتم علي الفرض الاول كما هو ظاهر و اما علي التقدير الثاني فلا اذ اليد القذرة يكون فيها قذر بول و لو مع ازالة العين و حيث انه لا قرينة في الرواية تعين أحد الاحتمالين يكون المستفاد من هذه الجملة مجملة فتكون تلك الاطلاقات محكمة.

و ربما يستدل علي عدم الانفعال بالمتنجس بما رواه علي بن جعفر عن أخيه

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 9.

(2) أنظرها في ص 153.

(3) لاحظ ص 154.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 156

______________________________

موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن جنب أصابت يده جنابة فمسحها بخرقة ثم ادخل يده في غسله هل يجزيه ان يغتسل من ذلك الماء؟ قال: ان وجد ماء غيره فلا يجزيه ان يغتسل و ان لم يجد غيره أجزأه «1».

و فيه مضافا الي الشذوذ و التفصيل الذي لم يلتزموا به- و لعله لا قائل به- ان مفادها مطلق من حيث القلة و الكثرة، و يقيد اطلاقها بتلك الروايات الدالة علي الانفعال.

الموضع الرابع: انه علي القول بانفعال القليل هل ينفعل بملاقاة المتنجس مطلقا

بلا فرق بين ما لاقي النجس

بلا واسطة و ما لاقاه مع الواسطة أو يختص الانفعال بالمتنجس الملاقي لعين النجس.

و الذي يمكن ان يكون مستندا للعموم أحد أمور:

الاول: ما رواه الفضل أبو العباس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم أترك شيأ الا سألته عنه فقال: لا بأس به حتي انتهيت الي الكلب فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء «2».

و تقريب الاستدلال بالرواية: ان المستفاد من الحديث ان الواجب الاجتناب عن الملاقي مع النجس و النجس بماله من المفهوم كما انه يطلق علي عين النجاسة يطلق علي المتنجس.

و فيه: انه عليه السلام رتب الحكم علي كون الكلب رجسا نجسا كليهما فلا بد في التسرية التحفظ علي كلا العنوانين و صدق الرجس علي المتنجس أول الكلام

______________________________

(1) قرب الاسناد ص 84.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب الأسآر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 157

______________________________

فان المستفاد من موارد استعماله ان الرجاسة خباثة ذاتية و قذارة معنوية و يشهد له قوله تعالي: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «1».

و عن الزجاج: «ان الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل» و لو شك في انه لغة يعم مطلق النجس أم لا لكان مقتضي القاعدة الاقتصار علي المقدار المعلوم اذ مع الشك لا يمكن ترتيب الحكم بل مقتضي القاعدة عدم العموم و استعماله في العين النجسة كما في قوله تعالي: قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَليٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً

أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «2» بناء علي عود الضمير الي المجموع لا خصوص الخنزير، لا يكون دليلا علي انه حقيقة في العموم فان جريان اصالة الحقيقة يتوقف علي الشك في المستعمل فيه و اما مع احرازه و الشك في انه حقيقة أو مجاز فلا موقع لأصالة الحقيقة و لو تنزلنا و قلنا بأنه اسم للأعم و سلمنا اطلاقه علي الاعيان النجسة، لكن لا نسلم اطلاقه علي المتنجس أيضا.

و بعبارة أخري: بأي دليل و مستند نستند و نقول: بأن الماء القليل النظيف عن الاوساخ الملاقي مع اليد القذرة التي ليست فيها عين النجاسة، رجس بل لنا ان نقول: بأن صحة سلب هذا العنوان عنه يدل علي عدم كونه حقيقة فيه.

أضف الي ذلك ان استفادة الكبري الكلية من الحديث ليست واضحة و لذا لا يترتب حكم التعفير علي غير الكلب من الاعيان و الحال انه لو كان المستفاد من الرواية العلية و عمومية الحكم لكان اللازم تسرية وجوب التعفير الا ان يقال:

______________________________

(1) المائدة 90.

(2) الانعام 145.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 158

______________________________

بأنه علم من الخارج بالضرورة عدم وجوبه بالنسبة الي غيره فلاحظ.

الثاني: ما رواه معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السلام و انا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه أو يتوضأ منه؟ فقال: نعم اشرب منه و توضأ منه. قال:

قلت له: الكلب؟ قال: لا. قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّه انه نجس لا و اللّه انه نجس «1».

بتقريب ان المستفاد من الرواية: ان النجس يؤثر فيما يلاقيه و حيث ان المتنجس يصدق عليه

عنوان النجس فيؤثر فيما يلاقيه.

و فيه: أولا: ان الرواية ضعيفة سندا بمعاوية و ثانيا: ان الرواية لا يستفاد منها العلية و العموم بل الامام في صدد ردع السائل و بيان الفرق بين الكلب و غيره فتأمل.

الثالث: ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم؟ فقلنا: بلي فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني ثم قال:

هكذا اذا كانت الكف طاهرة «2».

بتقريب ان المستفاد من الرواية ان اليد اذا لم تكن طاهرة ينجس الماء و لا يجوز الوضوء من الملاقي لليد القذرة فلو فرضنا ان اليد صارت قذرة بملاقاة العين فهذه اليد القذرة تنجس الماء بهذه الرواية فاذا بنينا علي ان الماء ينفعل بها فيلزم ان اليد القذرة تنجس اليد الاخري بالملاقاة أيضا فيصح ان يقال:

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من الأسآر الحديث: 6.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 159

______________________________

بأن اليد الاخري ليست طاهرة فعند الملاقاة مع الماء تنجس الماء بمقتضي الرواية و هكذا.

و الجواب عن هذا الاستدلال: ان هذا التقريب يتوقف علي كون السبب لعدم جواز الوضوء انفعال الماء القليل بملاقاة اليد القذرة و الحال انه من الممكن ان يكون السبب لعدم الجواز بعد وضع اليد غير الطاهرة في الماء، صيرورته مستعملا في الخبث اذ بمجرد وضع اليد في الماء و لو مع عدم القصد يصدق علي الماء انه غسالة الخبث و مع هذا الاحتمال كيف يمكن الاستدلال.

ان قلت: لو علم اجمالا بأن المنشأ في عدم الجواز أحد هذين الامرين و بمقتضي تنجيز العلم الإجمالي

لا بد من الالتزام بكليهما.

قلت: هذا العلم منحل لأنا نقطع بأن الماء القليل المستعمل في الخبث لا يجوز معه الوضوء.

و بعبارة أخري: تنجيز العلم الإجمالي يتوقف علي تعارض الاصول في الاطراف و اصالة الطهارة الجارية في الماء لا يعارضها أصل آخر اذ مع العلم التفصيلي بعدم جواز الوضوء لا مجال لأصالة البراءة عن الاشتراط.

مضافا الي ان غاية ما يستفاد من الرواية انفعال الماء بالمتنجس و لو مع الواسطة و لكن أي دليل دل علي مساواة الماء مع غيره في هذا الحكم فمن الممكن ان الماء ينفعل و غير الماء لا ينفعل و علي هذا الاساس يمكن ان يقال:

بأن جملة من الاطلاقات المتقدمة تقتضي انفعال القليل بملاقاة المتنجس بعين النجاسة و أما الزائد عليه فلا و تفصيل الكلام بالنحو التام موكول الي بحث تنجيس المتنجس فانتظر.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 160

[في انفعال القليل يشترط عدم التدافع]

الا اذا كان متدافعا بقوة فالنجاسة تختص حينئذ بموضع الملاقاة و لا تسري الي غيره (1).

سواء أ كان جاريا من الاعلي الي الاسفل كالماء المنصب من الميزاب الي الموضع النجس فانه لا تسري النجاسة الي أجزاء العمود المنصب فضلا عن المقدار الجاري علي السطح، أم كان متدافعا من الاسفل الي الاعلي كالماء الخارج من الفوارة الملاقي للسقف النجس فانه لا تسري النجاسة الي العمود و لا الي ما في داخل

______________________________

(1) و الوجه فيه: ان السيلان و الاندفاع يجعلان الماء متعددا بالنظر العرفي فاذا كان الماء متعددا بالنظر العرفي يترتب علي كل من الفردين حكمه.

و ملخص الكلام ان الدفع يوجب عدم تقوي أحد الطرفين بالاخر فلا تسري النجاسة من أحد الطرفين الي الاخر لان الطرفين لا يصدق عليهما عنوان الوحدة في نظر العرف فلا يتقوي العالي

بالسافل كما انه لا يتقوي السافل بالعالي و لذا لا يكون الماء الموجود في الحياض الصغار في الحمامات متقو بالماء الجاري فيها من المادة الجعلية نعم بالتعبد الشرعي نحكم عليها بالطهارة عند اتصالها بما في المادة كما ان العالي لا يتقوم بالسافل و من هنا اذا صببنا ماء ابريق علي ماء سافل منه و هو كر ثم وقعت نجاسة علي الابريق فلا نحكم بطهارة ما فيها كما انه لو صب ماء من الابريق علي يد كافر مثلا لا يحكم بنجاسة ما في الابريق و كذا في الفوارات اذا تنجس اعلاها بشي ء لا نحكم بنجاسة اسفلها فالميزان في السراية و عدمها صدق الوحدة العرفية و عدمها بلا فرق بين ان يكون الدفع من العالي الي السافل أو من السافل الي العالي أو من اليمين الي اليسار.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 161

[عدم انفعال الكر إلا بالتغير بأحد الأوصاف الثلاثة]
اشارة

الفوارة و كذا اذا كان متدافعا من أحد الجانبين الي الآخر (1) و اما الكثير الذي يبلغ الكر فلا ينفعل بملاقاة النجس فضلا عن المتنجس (2) الا اذا تغير بلون النجاسة (3).

______________________________

(1) قد ظهر الوجه فيما ذكر.

(2) كما هو المعروف المشهور بين الاصحاب و تدل عليه جملة من النصوص:

منها ما رواه علي بن جعفر «1» و منها ما رواه شهاب بن عبد ربه «2».

(3) قد استشكل في الحاق اللون باخويه بأنه لم يذكر في شي ء من نصوص الباب و الحال انه ليس الامر كذلك اذ دلت جملة من الروايات علي الحاقه بهما منها ما رواه العلاء بن الفضيل «3».

و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان و منها ما رواه أبو بصير «4» و هذه الرواية ضعيفة بياسين و منها ما رواه شهاب «5».

و هذه الرواية

تامة سندا مضافا الي ان الظاهر ان الحاقه بهما متفق عليه بينهم.

اضف الي ذلك: انه لا يبعد ان يقال: ان التغير باللون في النجاسات يلازم التغير بالطعم أو الريح و لا يوجد التغير باللون الا و التغير بالطعم أو الريح موجود معه و لا تقاس النجاسات الخارجية بالاصباغ فان التغير بالاصباغ لا يلازم التغير بالطعم أو الريح بخلاف التغير بالنجاسات كالميتة و العذرة و البول و غيرها و لعله لهذه الجهة لم يذكر اللون في قبال أخويه في أكثر النصوص.

______________________________

(1) لاحظ ص: 139.

(2) لاحظ ص: 148.

(3) قد مر في ص 147.

(4) قد مر في ص 147.

(5) قد مر في ص 148.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 162

أو طعمها أو ريحها (1).

______________________________

(1) قد ذكر بأن الروايات الواردة من طرقنا في المقام من الكثرة بمكان ربما يدعي تواترها.

و الاخبار الواردة في هذا الباب علي طوائف:

منها: ما دل علي انفعال الماء بالتغير علي الاطلاق و من تلك الطائفة مما رواه أبو خالد القماط «1».

الطائفة الثانية: ما ورد في ان الماء البالغ قدر كر ينجس بالتغير كما وردت في رواية شهاب «2».

الطائفة الثالثة: ما ورد في البئر و منها ما رواه محمد بن اسماعيل عن الرضا عليه السلام قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتي يذهب الريح و يطيب طعمه لان له مادة «3».

فالنتيجة: ان الماء علي الاطلاق حتي الكر ينفعل بالتغير بالنجاسة.

ان قلت: النسبة بين أدلة اعتصام الكر و أدلة الانفعال بالتغير عموم من وجه فلا بد من اعمال قانون التعارض.

قلت: أولا: ان الامر مسلم بين القوم و مورد الاتفاق ظاهرا.

و ثانيا: انه لو وقع التعارض بالعموم من وجه بين العموم

الوضعي و الاطلاقي يقدم ما بالوضع علي ما بالاطلاق و المقام كذلك لاحظ حديث حريز «4».

______________________________

(1) لاحظ ص 147.

(2) مرت في ص 148.

(3) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث: 6.

(4) قد مر في ص 143.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 163

تغيرا فعليا (1).

______________________________

الا ان يقال: بأن الانفعال بالتغير يفهم من الشرطية الواقعة في ذيل الحديث و يكون بالاطلاق لكن يكفي في المقام حديث شهاب «1» فان قوله عليه السلام في ذيل الحديث «و كلما غلب كثرة الماء فهو طاهر» يدل علي المدعي لان مفهوم الشرطية كلما لم يغلب فهو نجس فيكون عمومه بالوضع.

و ثالثا: ان الكر بنفسه ورد فيه الدليل لاحظ حديث شهاب «2» فان المستفاد من هذا الحديث ان الماء الكر ينفعل بالتغير فلاحظ.

و رابعا: لو دار الامر في المتعارضين بالعموم من وجه بأنه لو عمل بأحدهما دون الاخر يبقي موضوع للمتروك و لو عكس لما بقي للمتروك مورد، فالترجيح مع الاول اذ به يعمل بكلا الدليلين و المقام كذلك فانه لا اشكال في ان القليل ينجس بالملاقاة و لو مع عدم التغير فلو لم ينفعل الكر بالتغير لا يبقي موضوع للتغير فلاحظ.

(1) التغير الموضوع للحكم في لسان الادلة يلزم ان يكون فعليا كما في المتن أو يكفي الاعم منه و من التقديري؟ و ان شئت قلت: هل التغير المذكور في النصوص طريق الي كم خاص من النجاسة في الماء فلو احرز ذلك المقدار و لم يحصل تغير فعلي في الماء ينجس؟ فيكون التقديري كافيا أو ان التغير لا بد ان يكون فعليا فلا يكفي التقديري؟

الحق هو الثاني فان الظاهر من الدليل ان الموضوع للحكم هو التغير الفعلي و التقديري خلاف ظاهر الادلة

و بعيد عن الفهم العرفي مضافا الي ان لازمه عدم

______________________________

(1) قد مر في ص 148.

(2) قد مر في ص 148.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 164

______________________________

الانفعال فيما تكون النجاسة قليلا من حيث الكم و شديدا من حيث الوصف.

اضف الي ذلك: ان لازم ما ذكر ان التغير لو حصل في الماء و لكن نشك في ذلك المقدار ان نحكم بالطهارة بمقتضي الاستصحاب الا ان يقال:

بأن التغير طريق شرعي ظاهري و معه لا مجال للاستصحاب و لكن بطلان هذا كله من الواضحات فالميزان بالتغير الفعلي و ان نسب الي العلامة في القواعد و بعض من تأخر عنه كفاية التقديري و العرف ببابك.

و ربما يقال- كما في كلام سيدنا الاستاد-: بأن عدم الفعلية تارة من باب القصور في المقتضي كما اذا وقع مقدار من الدم الاصفر في الماء بحيث لو كان أحمر لكان مغيرا للماء و لكن لضعف لونه لم يؤثر في الماء، و أخري من باب القصور في الشرط كما اذا وقعت ميتة في الماء في أيام الشتاء بحيث لو كان في الصيف لكانت مؤثرة في تغير الماء و لكن في أيام الشتاء لا تؤثر لانجماد الميتة و سد خلله و فرجه، و ثالثة من باب وجود المانع كما اذا صب في الماء مقدار من الصبغ الاحمر ثم وقع فيه الدم بحيث لو لم يكن مقرونا بالصبغ لكان مغيرا للون الماء فان كان التقدير من القسم الاول أو الثاني لم يحكم بالنجاسة و الانفعال و ان كان من القسم الثالث يحكم بها اذ الفرض ان التغير حاصل غاية الامر المانع يمنع عن ادراكه و نظيره ما اذا جعل احد علي عينيه نظارة حمراء أو جعل الماء في آنية

حمراء فانه لا يري تغير الماء بالدم في هذا الحال و نسب هذا القول الي البيان و جامع المقاصد بل نسب الي قطع المتأخرين بتقريب:

ان التغير حقيقي و لكن مستور.

و الانصاف انه لا يمكن المساعدة عليه فانه يمتنع اجتماع المثلين كاجتماع الضدين و تنظير سيدنا الاستاد ليس في محله اذ الماء في الصورتين المفروضتين

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 165

[مسألة 1 اذ كانت النجاسة لا وصف لها أو كان وصفها يوافق وصف الماء لم ينجس الماء بوقوعها فيه]

(مسألة 1) اذ كانت النجاسة لا وصف لها أو كان وصفها يوافق وصف الماء لم ينجس الماء بوقوعها فيه و ان كان بمقدار بحيث لو كان علي خلاف وصف الماء لغيره (1).

[مسألة 2 إذا تغير الماء بغير اللون و الطعم و الريح بل بالثقل أو الثخانة أو نحوهما لم ينجس أيضا]

(مسألة 2) اذا تغير الماء بغير اللون و الطعم و الريح بل بالثقل او الثخانة او نحوهما لم ينجس أيضا (2).

______________________________

متغير اللون باللون الاحمر غاية الامر ان القصور في الناظر و لا يمكنه الادراك للمانع كما لو غمض عينه فان وضع النظارة المانعة عن ادراك الالوان كالتغميض بلا فرق من هذه الجهة فكم فرق بين ما لو تغير الماء و لا يدرك تغيره و بين عدم تغيره للاستحالة العقلية كما ذكرنا.

(1) قد ظهر الوجه مما تقدم، فان الميزان التغير الفعلي و التقديري منه لا أثر له و لا يخفي ان ما افاده في هذا الفرع ينافي ما تقدم منه آنفا من التفصيل في التقدير بين الاقسام فلاحظ.

(2) لعدم الدليل فان الدليل مختص بالثلاثة المذكورة و مقتضي الاصل الطهارة بل الدليل قائم علي عدم الانفعال لاحظ خبر محمد بن اسماعيل «1»، و مثله رواية القماط «2»، فان مقتضي هذين الحديثين بل غيرهما انه لا ينفعل الماء الا في صورة تغير الطعم أو الريح و قد مر الحاق اللون بهما و بالدليل المقيد يرفع اليد عن اطلاق بعض النصوص كرواية أبي بصير «3».

______________________________

(1) مر في ص 162.

(2) مرت في ص 147.

(3) مرت في ص 147.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 166

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 166

[مسألة 3 إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالمجاورة للنجاسة لم ينجس أيضا]

(مسألة 3) اذا تغير لونه او طعمه او ريحه بالمجاورة للنجاسة لم ينجس أيضا (1).

[مسألة 4 إذا تغير الماء بوقوع المتنجس لم ينجس إلا أن تغير بوصف النجاسة]

(مسألة 4) اذا تغير الماء بوقوع المتنجس لم ينجس الا ان تغير بوصف النجاسة التي تكون للمتنجس كالماء المتغير بالدم يقع في الكر فيغير لونه و يكون اصفر فانه ينجس (2).

______________________________

(1) و ذلك لان النصوص الدالة علي الانفعال بالتغير اما واردة في خصوص ملاقاة الماء و اما تكون محفوفة بقرينة تعين المقصود اما القسم الاول فمثل رواية القماط «1» و أبي بصير 2، و اشباههما و اما القسم الثاني فمثل رواية ابن بزيع 3، فانه يفهم من الرواية ان الافساد فرع الملاقاة.

و تقريب المدعي انه عليه السلام قال: لا يفسده شي ء و من الظاهر ان المراد بالشي ء ما يقتضي التنجيس لا مطلق الشي ء و اقتضاء التنجيس حسب المعهود مخصوص بما يلاقي النجس.

فالنتيجة: ان سراية أوصاف العين المجاورة الي الماء بلا تحقق الملاقاة لا توجب الانفعال.

(2) المتنجس تارة يكون حاملا لأجزاء النجس، فيقع في الماء فيحصل التغير بنفس أجزاء النجس. كما لو مزج مقدار من الدم بالماء ثم القي في كر من الماء فتغير بلون الدم- ففي هذه الصورة ينجس الكر اذ المفروض ان التغير بعين الدم فان الاجزاء الدموية المنتشرة في الماء غيرت لون الماء.

و بعبارة أخري: الدم لو غير وصف الماء و أثر فيه ينجسه بلا فرق بين ان

______________________________

(1) (1- 2) لاحظ ص 147.

(2) (3) لاحظ ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 167

______________________________

ألقي في الماء وحده و بين ان ألقي فيه ممزوجا مع غيره، و أخري يكون موجبا لتغير أوصاف الماء بأوصاف نفسه لا بوصف النجس- كما لو لاقي الصبغ البول و تنجس ثم ألقي في الكر فتغير لون

الكر بلون الصبغ- فالظاهر انه لا وجه لانفعال الماء في هذا الفرض و الوجه فيه قصور المقتضي اذ أكثر نصوص الباب موردها وقوع عين النجاسة كالميتة و العذرة و البول في الماء.

لكن ربما يقال: بأن مقتضي حديث ابن بزيع «1» انفعال الماء بتقريب:

ان الشي ء عبارة عما يكون قابلا و مقتضيا للتأثير في الانفعال و المتنجس مما يقتضي التأثير في نجاسة ملاقيه.

و فيه: أولا: ان كون المتنجس مقتضيا للتأثير أول الكلام نعم قد استفيد مما رواه عمار بن موسي الساباطي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يجد في انائه فأرة و قد توضأ من ذلك الاناء مرارا أو اغتسل منه أو غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلخة فقال: ان كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و ان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من ذلك الماء شيئا، و ليس عليه شي ء لأنه لا يعلم متي سقطت فيه ثم قال: لعله ان يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها «2»، ان الماء المتنجس ينجس ملاقيه و اما بقية المتنجسات ففي كونها منجسة اشكال.

______________________________

(1) مر في ص 162.

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 168

______________________________

و ثانيا: ان القرينة الداخلية الموجودة في رواية ابن بزيع «1» تقتضي اختصاص الحكم بمورد تغير الماء بأوصاف نفس النجس و المراد بالقرينة قوله عليه السلام: حتي يذهب الريح و يطيب طعمه» و من الظاهر ان

المتنجس بما هو متنجس ليس خبيث الطعم و الرائحة، و اما حديث «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه «2»، فهو باطلاقه يقتضي الانفعال لكن الحديث مرسل لا اعتبار بسنده مضافا الي ان اطلاقه يقيد برواية ابن بزيع «3».

و ثالثة يكون مكتسبا وصف النجس فيغير الماء و يتصف الماء بوصف عين النجاسة كما لو اكتسب الماء رائحة الميتة فالقي في الكر فتغير ريح الماء بريح الميتة.

و ما يمكن ان يستدل به علي النجاسة في هذا الفرض وجوه:

الاول: ان الغالب ان التغير في الماء يحصل بملاقاة المتنجس و التغير بملاقاة عين النجاسة قليل و يكون فردا نادرا لأفراد التغير مثلا لو وقعت ميتة في الكر تغير تلك الميتة المقدار المجاور لها و بقية الكر تتأثر من المياه المتنجسة فلو اشتملت أدلة الانفعال بالتغير تلك الموارد تشمل المقام أيضا لعدم الفرق.

و فيه: ان المستفاد من الادلة الانفعال بعين النجاسة فلا بد من تحقق الموضوع

______________________________

(1) لاحظ ص 162.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب الماء المطلق الحديث 9.

(3) مرت في ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 169

______________________________

و الا فيكفي التغير بالمجاورة و هو كما تري.

و الحاصل: انه لا مناص من التحفظ علي قيود الموضوع.

و ملخص الكلام: ان المستفاد من الادلة انه يلزم وقوع عين النجس في الماء.

الثاني: انه لو فرض امتزاج كر من الماء بالماء المتغير الحامل لا وصاف النجس و بعد الامتزاج حصل التغير في المجموع فلا يخلو حكم هذا الماء عن أحد الوجوه الثلاثة: اما يحكم عليه بالطهارة و اما يحكم عليه بالطهارة و النجاسة و أما يحكم عليه بالنجاسة لا سبيل الي الاول لأنه يلزم ان يحكم علي

المتغير بالطهارة مع بقاء التغير، كما انه لا سبيل الي الثاني اذ الماء الواحد محكوم بحكم واحد فينحصر الامر في الثالث و هو المطلوب.

و فيه: انه لو فرض الامتزاج فاما يستهلك المتغير في الكر و اما يكون بالعكس و اما لا هذا و لا ذاك اما الصورة الاولي فيحكم عليه بالطهارة بلا اشكال لعدم ما يقتضي الالتزام بالانفعال و أما الصورة الثانية فلا اشكال في ان حكمها النجاسة و اما الصورة الثالثة فلا بد من اعمال قانون التعارض بين دليل اعتصام الكر و دليل نجاسة المتغير فلو قلنا: بأن نتيجة التعارض التساقط تصل النوبة الي الاصل العملي و مقتضاه الطهارة بلا فرق بين عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي و بين جريانه فيه اما علي الاول فواضح و اما علي الثاني فبعد تعارض الاستصحابين و تساقطهما تصل النوبة الي قاعدة الطهارة فلاحظ.

الا ان يقال: الترجيح مع نصوص الانفعال بالتغير و ذلك لان بعض نصوص ذلك الباب صادر عن الرضا عليه السلام كرواية ابن بزيع «1» و إلا حديثة

______________________________

(1) مرت في ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 170

______________________________

من المرجحات.

الثالث: انه يمكن ان يستفاد المدعي من حديث ابن بزيع «1» بتقريب ان النزح يوجب قلة الماء و قلته لا توجب طهارته و لذا تقليل الماء القليل المنفعل لا يوجب طهارته بل السبب اتصاله بالمادة فلا بد من النزح حتي يطيب الطعم و عليه كلما يخرج الماء من المادة ينجس بالمتغير و هذا هو المدعي.

و فيه: ان انفعال ما يخرج من المادة قبل زوال التغير بلحاظ استهلاكه في المتغير فلا يرتبط بمحل البحث.

الرابع: ان مقتضي حديث ابن بزيع «2» ان ماء البئر يفسد بمطلق ملاقاة ما يوجب تغيره

لكن حيث ان مناسبة الحكم و الموضوع اختصاص الحكم بما يترقب منه التنجيس نرفع اليد عن اطلاق الرواية بالنسبة الي الاعيان الطاهرة كما ان قوله عليه السلام «حتي يطيب طعمه» يكون قرينة علي كون المراد بالتغير عروض وصف النجاسة و أما وصف المتنجس كرائحة العطر الملاقي للنجس فلا تكون الطباع متنفرة منها، لكن يبقي تحت الدليل المتنجس الحامل لأوصاف الاعيان النجسة كالماء الحامل لرائحة الجيفة و هذا الوجه أحسن وجه في المقام.

و يمكن ان يقال: بأن المستفاد من الدليل ان المفسد للماء ما يكون معهودا تنجيسه عند المتشرعة و كون المتنجس الحامل لوصف النجاسة من هذا القسم أول الكلام و الاشكال و اللّه العالم.

______________________________

(1) مرت في ص 162.

(2) مر في ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 171

[مسألة 5 يكفي في حصول النجاسة التغير بوصف النجس في الجملة]

(مسألة 5) يكفي في حصول النجاسة التغير بوصف النجس في الجملة و لو لم يكن متحدا معه فاذا اصفر الماء بملاقاة الدم تنجس (1).

______________________________

(1) هل يكون المراد من التغير، التغير بوصف العين، أو التغير بسنخ وصفها مثل التغير بالصفرة من وقوع الدم الاحمر أو التغير بوصف النجس في الجملة و لو كان وصفا لها بعد ملاقاة الماء نظير الحناء التي وصفها الخضرة فاذا لاقت الماء صار وصف الحمرة؟ أو يكون المراد منه التغير علي الاطلاق و لو بوصف أجنبي عن وصفها النجاسة مطلقا؟

يمكن ان يقال: بأن مقتضي الادلة هو الاخير لإطلاق بعض النصوص لاحظ خبر القماط «1» فان مقتضي هذا الخبر ان التغير يوجب الانفعال، كما ان مقتضي الاطلاق في خبر ابن بزيع «2» كذلك فان مقتضي اطلاق التغير عدم الفرق بين أقسامه فلو تغير بوصف آخر غير وصف النجاسة لكفي في الحكم بالانفعال.

لا يقال: ان الذيل و

هو قوله عليه السلام: «حتي يذهب الريح و يطيب طعمه» قرينة علي اشتراط كون التغير بوصف النجاسة، فانه يقال: ما ذكر في الذيل بلحاظ الغلبة حيث ان الغالب في نجاسة الآبار وقوع الميتة فيها و التغير فيها بأوصافها.

و يؤيد المدعي ما رواه العلاء «3» فان مفهوم الرواية انه لو لم يغلب لون

______________________________

(1) لاحظ ص 147.

(2) لاحظ ص 162.

(3) لاحظ ص 147.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 172

[الثاني: و هو ما له مادة لا ينجس بملاقاة النجاسة]
اشارة

و الثاني: و هو ما له مادة لا ينجس بملاقاة النجاسة (1) الا اذا تغير علي النهج السابق.

______________________________

الماء لون البول ينجس و لو بأن يتلون بلون غير لون البلول.

و مما ذكرنا يعلم الجواب عن حديث شهاب «1»، حيث انه يمكن ان يقال: بأن الميزان في الانفعال ظهور النتن في الماء فانه يقال: بأن الغالب في مورد وقوع الميتة في الماء كذلك فالمعيار بما أفاده في الذيل بقوله: كلما غلب كثرة الماء» فان مفهومه انه لو لم يغلب فهو نجس و مقتضي الاطلاق بل العموم الانفعال و لو بحصول وصف آخر في الماء غير وصف النجس بل يمكن ان يقال:

بأن المستفاد من الرواية ان الامر كذلك من ناحية قوله عليه السلام: «الصفرة» في جواب السائل حيث سأل: «فما التغير» بدعوي: ان الصفرة ليست من أوصاف الميتة لكن الانصاف: ان الجزم بالاطلاق في غاية الاشكال و حمل كلامه عليه السلام في حديثي شهاب و ابن بزيع «2» علي الغلبة اشكل فعليه يقيد الحكم بما لو تغير وصف الماء بوصف النجاسة في الجملة كما ذكر في المتن.

(1) بلا اشكال و لا كلام، و المادة اما مادة طبيعية كمادة ماء البئر و الجاري و اما مادة جعلية كمادة ماء الحمام و الدليل علي

اعتصام القسم الاول ما ورد في ماء البئر كرواية ابن بزيع «3»، فان مقتضي عموم العلة سريان الحكم الي كل مورد تكون العلة فيه موجودة و عليه يكون كل ماء ذي مادة و لو لم يكن ماء البئر عاصما و الدليل علي اعتصام القسم الثاني ما ورد في عدم انفعال ماء الحمام.

______________________________

(1) مر في ص 148.

(2) لاحظ ص 148- 162.

(3) لاحظ ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 173

فيما لا مادة له (1) من دون فرق بين ماء الانهار و ماء البئر و ماء العيون و الثمد و غيرها مما كان له مادة (2) و لا بد في المادة من ان تبلغ الكر و لو بضميمة ماله المادة اليها فاذا بلغ ما في الحياض في الحمام مع مادته كرا لم ينجس بالملاقاة علي الاظهر (3).

______________________________

و من النصوص الدالة علي المقصود ما رواه داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الجاري «1».

(1) و قد مر الكلام في انفعال الماء علي الاطلاق بالتغير علي التفصيل فراجع.

(2) لاشتراك الجميع في علة الاعتصام و هي المادة مضافا الي وضوح الحكم في المذكورات.

(3) ما أفاده من الاشتراط مخصوص بالمادة الجعلية و الا فلا اشكال في عدم هذا الشرط بالنسبة الي المادة الطبيعية كمادة البئر و الجاري، و اما ماء الحمام فالاقوال فيه مختلفة:

الاول: ما نسب الي المشهور من اشتراط الكرية في المادة.

الثاني: ما نسب الي صاحب الحدائق و نسب الي المحقق في المعتبر و الي جملة من المتأخرين من عدم اشتراطها في دفع النجاسة عما في الحياض مطلقا لا في المادة و لا في المجموع منها و مما في الحياض

فذهبوا الي خصوصية في ماء الحمام تمتاز بها عن مطلق الماء القليل.

الثالث: التفصيل بين بلوغ المجموع كرا و عدمه.

الرابع: التفصيل بين تساوي السطوح و عدمه ففي الاول يكفي بلوغ المجموع

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 174

______________________________

كرا و في الثاني يشترط كرية المادة وحدها.

و لا بد من تحقيق ما هو الحق في المقام من تقديم مقدمات:

الاولي: ان السافل هل يتقوي بالعالي أم لا؟ و الظاهر انه لا يتقوي اذ التقوي يتوقف علي الوحدة و حيث ان العرف لا يري الوحدة و لا يري الماء العالي و السافل فيما يكون الماء جاريا من العالي الي السافل ماء واحدا فلا يكون ما في الحياض الصغار متقوما بما في المادة.

الثانية: ان النصوص الدالة علي اعتصام ماء الحمام هل تكون ناظرة الي القضية الحقيقية أو تكون ناظرة الي القضية الخارجية؟ الظاهر هو الثاني فان المستفاد منها حسب الفهم العرفي انها في مقام بيان حكم الحمامات الموجودة المتداولة في ذلك العصر.

الثالثة: ان العرف بحسب المناسبة بين الحكم و الموضوع لا يري خصوصية للحمام بحيث يكون لهذا الاسم و العنوان خصوصية بل له و لا مثاله حكم عام.

اذا عرفت هذه المقدمات فاعلم: انه لا يكفي كون ما في الحوض الصغير مع الماء الموجود في المادة كرا لعدم تقوي السافل بالعالي كما ذكرنا و لا يمكن التمسك بأدلة ماء الحمام لان تلك الادلة ناظرة الي الحمامات الموجودة في ذلك العصر و لا اشكال في ان المياه التي كانت موجودة في خزائن تلك الحمامات كانت تبلغ اكرارا من الماء.

فالحق: هو القول الرابع، اذ مع تساوي السطوح يتقوي كل جزء بالجزء الاخر لكن بشرط ان لا يكون

من أحد الطرفين جاريا بالدفع و الا فقد مر ان

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 175

[مسألة 6: يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة]

(مسألة 6): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر فان كان دون الكر ينجس (1).

نعم اذا لاقي محل الرشح للنجاسة لا ينجس (2).

______________________________

الدفع ينافي الوحدة العرفية و ان الاتصال يساوقها في نظر العقل.

فيظهر مما ذكرنا عدم تمامية القول المشهور لأنه مع تساوي السطوح و عدم الدفع من طرف الاخر يكون المجموع واحدا عرفيا كما انه واحد عقلا فيكفي بلوغ المجموع كرا كما انه ظهر مما بينا عدم تمامية القول الثاني لما ذكرنا من عدم خصوصية للحمام كي يقال: بأن مقتضي عموم المنزلة في رواية داود ابن سرحان «1» عدم الفرق و مقتضي الاطلاق عمومية الحكم حتي لمورد لا يكون المجموع كرا اذ لا اطلاق في الرواية حيث ذكرنا ان القضية خارجية.

و بهذا البيان يظهر انه لا يمكن الاستناد علي ما رواه بكر بن حبيب عن أبي جعفر عليه السلام قال: ماء الحمام لا بأس به اذا كانت له مادة «2». و أيضا ظهر فساد القول الثالث و هي كفاية بلوغ المجموع كرا علي الاطلاق بل لا بد من التفصيل بين عدم تساوي السطوح و بين تساويها بأن نقول: يشترط الكرية في المادة في الاول و كفاية بلوغ المجموع في الثاني فلاحظ.

(1) اذ مجرد وجود المادة لا يكفي و لو مع عدم الاتصال فانه مع عدم الاتصال يكون كالأجنبي و هذا مما لا شبهة فيه و لا يمكن انكار فهم الاشتراط بحسب الفهم العرفي فعليه لو لم يكن متصلا فان كان قليلا ينجس بالملاقاة و ان كان كرا لا ينجس.

(2) اذ الاتصال محفوظ.

______________________________

(1)

مرت في ص 173.

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 176

[مسألة 7: الراكد المتصل بالجاري كالجاري في عدم انفعاله بملاقاة النجس و المتنجس]

(مسألة 7): الراكد المتصل بالجاري كالجاري في عدم انفعاله بملاقاة النجس و المتنجس فالحوض المتصل بالنهر بساقية لا ينجس بالملاقاة و كذا اطراف النهر و ان كان مائها راكدا (1).

[مسألة 8: إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر]

(مسألة 8): اذا تغير بعض الجاري دون بعضه الاخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة و ان كان قليلا (2) و الطرف الاخر حكمه حكم الراكد ان تغير تمام قطر ذلك البعض و الا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط لاتصال ما عداه بالمادة (3).

[مسألة 9: إذا شك في أن للجاري مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقاة]

(مسألة 9): اذا شك في ان للجاري مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقاة (4).

______________________________

(1) و الوجه فيه: انه يصدق ان لها مادة و المفروض بمقتضي حديث ابن بزيع «1» ان ماله مادة لا يفسده شي ء.

(2) لان المفروض ان له مادة فلا ينجس.

(3) الامر كما أفاده و الوجه فيه ظاهر اذ الفصل بالمتغير كالفصل بعين النجس أو بالحائل في كونه قاطعا عن المادة و الاتصال بها شرط في الاعتصام.

(4) اذا شك في نجاسة الماء القليل بالملاقاة للشك في اتصاله بالمادة فمقتضي قاعدتي الاستصحاب و الطهارة، عدم انفعاله لكن الاقوي ان يحكم عليه بالنجاسة.

و ما يمكن ان يقال: في وجهه أمور:

الاول: انه قد دل الدليل علي ان القليل ينفعل بالملاقاة و المفروض قلة الماء فينجس بالملاقاة.

______________________________

(1) مر في ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 177

______________________________

و فيه: انه قد ثبت في الاصول انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و المقام كذلك فان المخصص و ان كان منفصلا لكن يوجب تعنون العام بعدم ذلك الخاص و المفروض ان دليل انفعال القليل خصص بدليل اعتصام ماله المادة و الكر و مع الشك في المصداق كيف يمكن التمسك و التوسل بالعام و الحال ان صدقة علي مورد الكلام محل الاشكال و يمكن ان يكون أجنبيا عنه.

الثاني: قاعدة المقتضي و المانع بدعوي انه لو تحقق المقتضي و شك في المانع يحكم بتحقق المقتضي بالفتح.

و

فيه: انه لا دليل علي اعتبار هذه القاعدة.

الثالث: ما أفاده الميرزا قدس سره: من أن العام لو اقتضي حكما الزاميا أو ما في حكمه و خصص العام بعنوان وجودي يفهم العرف أنه لا بد في رفع اليد عن الدليل العام احراز المخصص مثلا لو قال المولي: لا تدخل علي الا أصدقائي لا يجوز للعبد ادخال أحد الا بعد احراز كونه صديقا للمولي و مع الشك يكون عدم الجواز المستفاد من العام محكما.

و فيه: انه لا فرق بين الموارد و الاحراز لا دخل له في المخصص بل الخارج الصديق بما هو نعم ربما يمكن احراز المصداق بالاصل كما في المثال فان مقتضي الاستصحاب عدم حصول علقة الصداقة بين مورد الشك و المولي فلا يجوز ادخاله و الحاصل ان هذا البيان لإثبات المدعي أيضا غير صحيح.

الرابع: استصحاب العدم الازلي فان موضوع الانفعال يحرز به اذ قد دل الدليل علي انفعال القليل بالملاقاة و قد خصص هذا الدليل بما دل علي عدم انفعال ماله المادة و بعد التخصيص يتعنون موضوع العام و يكون موضوع الانفعال بعد التخصيص القليل الذي لا مادة له فلو لاقاه النجس يحكم عليه

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 178

______________________________

بالانفعال اذ القلة محرزة بالوجدان و عدم المادة يحرز بالاصل فيتم موضوع الانفعال بلا كلام.

و توضيح المقام: هو انه تارة يشك في بقاء اتصال القليل بالمادة مع العلم السابق به و لا اشكال في انه يحكم عليه بالاعتصام لاستصحاب بقاء الاتصال و أخري يشك في الاتصال مع العلم السابق بعدمه و فيه يجري استصحاب العدم بلا اشكال، و ثالثة يشك في المتأخر من الاتصال و عدمه لتوارد الحالتين علي الماء، و رابعة يشك في مقارنته للمادة من

اول وجوده نظير المرأة القرشية.

و قد وقع الكلام في جريان الاصل و عدمه فذهب صاحب الكفاية الي انه يجري و انكره المحقق النائيني و اسس ما افاده علي مقدمات:

الاولي: أن تخصيص العام بامر وجودي او عدمي سواء كان بمتصل او منفصل يوجب تقييد موضوع العام بغير ذلك فان كان التخصيص بأمر وجودي يتقيد موضوع العام بعدم ذلك الامر الوجودي فلو قال: أكرم العلماء الا الفساق يتقيد موضوع العام و يكون الموضوع بعد التقييد العالم غير الفاسق و الوجه فيه: ان الاهمال محال في الواقع و عليه لو كان الفسق دخيلا فيه يلزم التنافي مع التخصيص و عدم دخله لا وجودا و لا عدما يستلزم التناقض اذ نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية فلا اشكال في أن الموضوع يقيد بعدم الفسق.

الثانية: انه لو كان الموضوع مركبا من العرض و محله لكان التقييد علي نحو التوصيف به لا مجرد المقارنة بين العرض و المعروض اذ انقسام الشي ء باعتبار نعوته سابق علي انقسامه باعتبار مقارناته فاذا قيد العام بوجود العرض

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 179

______________________________

أو بعدمه فلا بد أن يكون علي نحو مفاد كان أو ليس الناقصتين المعبر عنهما بالوجود و العدم النعتين.

و الوجه فيه: هو أنه اذا قيد بالوجود أو العدم علي نحو المحمولي و بنحو المقارنة فاما يكون بالاضافة الي الاتصاف بوجود العرض أو عدمه باقيا علي اطلاقه أو مقيدا و كلاهما باطل أما الاول فللتدافع و أما الثاني فمن جهة اللغوية.

الثالثة: انه لا بد في العدم النعتي من وجود الموضوع خارجا كالوجود النعتي اذ هو عبارة عن اتصاف شي ء بعدم العرض و في الاتصاف لا بد من وجود الموضوع بخلاف العدم المحمولي اذ هو عبارة عن

عدم الماهية.

اذا عرفت هذه المقدمات فنقول: ان استصحاب العدم المحمولي و ان كان جاريا لكن لا يمكن اثبات العدم النعتي به الا علي المثبت لان العدم المحمولي لا يكون عدما نعتيا الا بعد وجود الموضوع فما يجري فيه الاصل لا يكون موضوعا للحكم و لا يترتب الاثر عليه و ما يكون موضوعا للحكم لا يكون موردا للأصل لعدم احراز الحالة السابقة.

و يرد عليه: انه لا اشكال في المقدمة الاولي كما انه لا اشكال في المقدمة الثالثة و انما الاشكال في المقدمة الثانية و ذلك لان العرض وجوده في الخارج عين وجوده لموضوعه فلو قيد الموضوع بالعرض معناه كون الموضوع متصفا بالعرض و اما لو قيد بعدم العرض يكون الموضوع عبارة عن الموضوع و عدم ذلك العرض اذا لعدم لا يحتاج الي الموضوع فالموضوع لا يكون متصفا بذلك العدم الا بالعناية و الاعتبار فعليه لو خصص العام بعنوان وجودي يكون الباقي تحت العام ما ليس بذلك الخاص لا ما يكون متصفا بعدمه و كم فرق بين الامرين

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 180

______________________________

و لنا ان نقلب الدليل الذي اقامه بان نقول: لو قيد بالعدم بالنحو النعتي نقول:

اما يكون بالنسبة الي عدم الاتصاف باقيا علي اطلاقه و اما يكون مقيدا به اما علي الاول فيلزم التهافت و اما علي الثاني فيلزم اللغوية.

و حل هذه العويصة: ان احدهما يغني عن الاخر و ملخص الكلام: ان الجوهر اما متصف بالعرض و اما لا يكون متصفا و هذا امر واقعي و لا يحتاج الي عناية و لحاظ و اعتبار بخلاف الاتصاف بالعدم فانه يحتاج الي اعمال مؤنة زائدة فزيد مثلا اما عالم و اما لا يكون عالما و اما اتصافه بعدم

العلم فيحتاج الي اعمال نظر.

فالنتيجة: انه دل الدليل علي انفعال القليل بملاقاة النجاسة و قد دل الدليل علي ان ماله مادة لا ينجس و بعد التخصيص يكون الحاصل ان الماء القليل الذي لا يكون ذا مادة ينجس فلو شك في المادة يحكم عليه بالانفعال لان القلة محرزة بالوجدان و عدم المادة له يحرز بالاستصحاب اذ يصح ان يقال: بانه قبل وجوده لم يكن ذا مادة بالعدم المحمولي اي هذا الماء قبل وجوده لم يكن و لم يكن ذا مادة و بعد وجوده صار كائنا لكن نشك في المادة و عدمها و الاصل عدمها.

و بعبارة اخري: لم تكن لهذا الماء قبل وجوده مادة و الان كما كان بلا اشكال نعم لا يصح ان يقال: بانه كان متصفا بالعدم لعدم الحالة السابقة لكن موضوع العام أي الانفعال ليس بنحو العدم النعتي بل الموضوع مركب من ذات الموضوع و من عدم الوصف فلاحظ.

و ملخص الاستدلال علي عدم جريان الاستصحاب: انه لو خصص العام بامر وجودي لكان الموضوع مقيدا بعدم ذلك الشي ء اذ الاهمال غير معقول

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 181

______________________________

و الاطلاق ينافي التقييد و أيضا: ان انقسام الموضوع بالنسبة الي اعراضه و عدمها في رتبة سابقة علي انقسامه بالنسبة الي مقارناته و يكون تقييده بوجود العرض او عدمه بنحو النعت المعبر عنه بكان او ليس ناقصتين و من ناحية اخري الاتصاف بوجود العرض او بعدمه يتوقف علي وجود الموضوع و بدون الموضوع لا يتحقق الاتصاف فعليه لو قيد الانفعال بعدم كون الماء ذا مادة لا يمكن استصحاب عدم المادة اذ الماء الذي ينفعل يقيد بعدم المادة بنحو الاتصاف و الاتصاف فرع وجود الموضوع و حيث ان الحالة السابقة

غير معلومة فلا يمكن الجزم بكونه متصفا بعدمها و اما استصحاب عدم المادة بنحو العدم المحمولي فلا يثبت الاتصاف بالعدم لعدم وجود الموضوع الاعلي القول بالمثبت.

و الجواب عن الاستدلال: ان الاتصاف بالعدم و اخذ الموضوع كذلك يحتاج الي عناية خاصة و لحاظ مخصوص و حيث لا دليل عليه فلا وجه للتحفظ به و بدون اللحاظ لا يكون الموضوع متصفا بالعدم بل ما هو في الواقع عبارة عن عدم الاتصاف و عدم الاتصاف يصدق و لو مع عدم الموضوع اذ مرجعه الي السالبة بانتفاء الموضوع و لا اشكال في صحتها.

فنقول: الماء القليل المشكوك فيه قبل وجوده لم يكن ذا مادة بالعدم المحمولي و بعد وجوده نشك في تحقق المادة و مقتضي الاستصحاب عدم تحققها فالموضوع للانفعال يتم بالوجدان و الاصل.

و اما في صورة توارد الحالتين بان عرض علي الماء وصف القلة و الاتصال بالمادة لكن لا نعلم المتأخر و المتقدم فاذا لاقاه نجس فلا نحكم عليه بالانفعال اذ

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 182

[مسألة 10: ماء المطر بحكم ذي المادة لا ينجس بملاقاة النجاسة في حال نزوله]

(مسألة 10): ماء المطر بحكم ذي المادة لا ينجس بملاقاة النجاسة في حال نزوله (1).

______________________________

استصحاب بقاء المادة الي زمان الملاقاة يقتضي عدم الانفعال و استصحاب بقاء انقلة الي زمانها يقتضي الانفعال و بعد تعارض الاستصحابين تصل النوبة الي قاعدة الطهارة فلاحظ.

(1) بلا اشكال و لا كلام ظاهرا و تدل علي المقصود جملة من النصوص:

منها ما رواه هشام ابن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السلام في ميزا بين سالا احدهما بول و الاخر ماء المطر فاختلطا فاصاب ثوب رجل لم يضره ذلك «1».

و دلالة الرواية علي المدعي ظاهرة اذ مدلولها عدم انفعال ماء المطر باختلاطه بالبول لكن لا بد من حمل الرواية علي

مورد لا يكون البول غالبا علي الماء بحيث يستهلك الماء في البول او يؤثر البول فيه بان يغير وصف الماء فان المتغير بعين النجس ينجس كما مر فمن هذه الرواية يستفادان ماء المطر الملاقي لعين النجاسة لا ينفعل اذ لا اشكال في انه لو انفعل بملاقاة البول لكان منجسا لما يلاقيه و وجب غسل كل ما اصابه الماء بمقتضي موثق عمار «2».

و منها: ما رواه هشام بن سالم أنه سأل ابا عبد اللّه عليه السلام عن السطح يبال عليه فتصيبه الماء فيكف فيصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به ما اصابه من الماء اكثر منه «3» فان المستفاد من الرواية ان ماء المطر اذا لم يتغير بالبول لكونه اكثر من البول لا ينجس و لا ينجس.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(2) مر في ص 167.

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 183

______________________________

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلي فيه قبل ان يغسل؟

قال: اذا جري به المطر فلا بأس «1».

و دلالة الرواية علي اعتصام ماء المطر لا ينكر اذ فرض في السؤال ملاقاة ماء المطر مع العذرة.

و منها: ما رواه ابو بصير قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر علي القطرة قال: ليس به بأس «2» الي غيرها من الروايات.

ثم ان المشهور ذهبوا الي كون ماء المطر كالجاري و لم يشترطوا فيه جريانه من الميزاب- كما نسب الي الشيخ- او جريانه علي مطلق وجه الارض- كما نسب الي ابن حمزة- او

جريانه التقديري كما نسب الي الأردبيلي و لا اشكال في عدم اعتبار الجريان من الميزاب و لذا قيل: بان مراد الشيخ مطلق الجريان و ذكر الميزاب من باب المثال كما ان اعتبار الجريان الفعلي مما لا يمكن الالتزام به و الا يلزم عدم ترتب الحكم فيما لم يحصل هذا الوصف كما اذا نزل علي ارض رميلة او وقع في البحر بل يلزم التفكيك في ارض واحدة يكون بعضها صلبة و بعضها الاخر رخوة و اما الجريان التقديري فلا دليل عليه اذ الجريان المذكور في النصوص ظاهر في الفعلية.

و المنشأ لهذه الاقوال و الاختلاف جملة من النصوص و قبل الخوض في

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 184

______________________________

الروايات نقول: ربما يقال: ان صدق مفهوم المطر عرفا يتوقف علي بلوغ القطرات النازلة من السماء حدا يكون قابلا للجريان علي وجه الارض و ان لم يجر بالفعل و في غير هذه الصورة لا يصدق المفهوم فالاطلاقات الاولية كافية لإثبات المدعي و لا نحتاج الي دليل آخر.

و فيه: انه ليس الامر كذلك فان صدق المفهوم لا يتوقف علي قابلية الجريان و العرف ببابك فالعمدة ملاحظة النصوص الخاصة.

و من تلك النصوص ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال:

سألته عن البيت يبال علي ظهره و يغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال اذا جري فلا بأس به قال: و سأله عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فاصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل ان يغسله؟

فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلي فيه و

لا بأس (به خ ل) «1».

بتقريب: ان المستفاد من الرواية ان جواز الوضوء بماء المطر قد علق علي الجريان و مع عدم الجريان لا يجوز فيعلم انه في فرض عدم الجريان ينفعل بالملاقاة و لذا لا يجوز الوضوء منه.

و يمكن ان يرد علي الاستدلال امور:

الاول: ما افاد الاستاذ و هو ان اشتراط الجريان لخصوصية في المورد و هو انه فرض انه يبال علي ظهر البيت و مع عدم الجريان يتغير الماء بالآثار الموجودة من البول الباقية علي ظهر البيت فلا ينافي الاطلاق المستفاد من بقية النصوص، و هذا الايراد غير تام اذ مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 185

______________________________

صورة تغير الماء بالنجاسة و عدمه.

الثاني: ما افاده سيد المستمسك و هو انه يقع التعارض بين هذه الرواية «1»، و ما رواه هشام بن سالم «2»، فان المستفاد من تلك الرواية ان الميزان في عدم انفعال ماء المطر اكثرية الماء و غلبته علي النجاسة.

و فيه: ان النسبة بين الروايتين عموم من وجه اذ يمكن فرض الغلبة بلا جريان و يمكن فرض الجريان بلا غلبة و يمكن اجتماعهما فيكون المورد داخلا في كبري اتحاد الجزاء و تعدد الشرط و مقتضي القاعدة في مثله الاخذ بكلا الدليلين و تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الاخر و الوجه فيه ان نسبة كل من المنطوقين الي مفهوم الاخر نسبة الخاص الي العام فيخصص به.

لا يقال: كما يمكن الجمع بين الدليلين بهذا النحو يمكن الجمع بينهما بوجه آخر و هو جعل الشرط مجموع الامرين و تكون النتيجة العطف ب «الواو» لا ب «او».

فانه يقال: اولا: ينقض ما افيد بانه اذا

وجب اكرام العلماء بايجاب المولي اكرامهم و قال في دليل آخر لا يجب اكرام زيد العالم هل يمكن رفع التعارض بحمل الامر بوجوب الاكرام علي الاستحباب؟ كلا، بل يتعين تخصيص العام بزيد مع ان ظهور المحلي باللام بالوضع و ظهور الصيغة في الوجوب بالاطلاق.

و ثانيا: نجيب بالحل و هو ان محل التعارض في زيد العالم بلحاظ وجوب

______________________________

(1) أي رواية ابن جعفر.

(2) مر في ص 182.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 186

______________________________

اكرام العلماء و عدم وجوب اكرام زيد و لا بد من العلاج و مجرد رفع التعارض باي نحو كان ليس جمعا عرفيا و الا يمكن الجمع بين المتباينات بوجه من الوجوه.

الثالث: ما عن المحقق الهمداني قدس سره: بان المراد من الجريان التقاطر من السماء في مقابل وقوفه اذ لو لم يتقاطر لكان المجتمع منه في مكان بمنزلة الراكد ينفعل بالملاقاة.

و الحق عدم تمامية هذا لكونه خلاف الظاهر من الرواية.

الرابع: ما افاد في مصباح الهدي و هو احتمال كون الشرط المذكور في القضية شرط سيق لبيان الموضوع نظير قوله: ان رزقت ولدا فأختنه اذ المفروض الاخذ من ماء المطر للوضوء و الاخذ منه يتوقف علي الجريان و مع عدمه لا موضوع للأخذ.

و بعبارة اخري: الاخذ من ماء المطر لا يمكن بدون الجريان فلا مفهوم للشرطية. و الانصاف: ان هذا الايراد قوي و لا دافع له.

الخامس: ان غاية ما يستفاد من الرواية عدم جواز الوضوء لكن عدم جواز الوضوء ليس مستلزما لانفعال الماء فانه يمكن ان يكون من باب عدم جواز رفع الحدث بما يزال به الخبث.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه لو لم تتم دلالة الحديث علي المدعي فهو، و ان تمت فمقتضي القاعدة ان يقال: ان

المانع عن الانفعال احد الامرين اما الاكثرية و لو لم يكن جاريا و اما الجريان.

لكن يرد عليه: ان لازم ذلك انه مع فرض الجريان و عدم الغلبة نلتزم بعدم الانفعال و هو كما تري فالتعارض باق بين الدليلين نعم بناء علي القول

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 187

______________________________

بانقلاب النسبة يمكن ان يقال. بأن دليل الجريان بعد خروج الجاري المتغير عن تحته يكون خاصا بالنسبة الي دليل الاكثرية فيخصصه لكن لا نلتزم بالانقلاب و عليه يقع التعارض فيما يكون الماء اكثر و لم يكن جاريا

و من الايرادات الواردة علي الرواية. ان الظاهر من الجريان الفعلي و حمله علي التقديري لا دليل عليه فيلزم التفكيك بين ما يكون جاريا و عدمه بالفعل و هو كما تري لا يمكن الالتزام به فيدور الامر بين ان نحمل الرواية علي التقديري و بين ان نحمل علي خصوصية المورد بأن نقول: انما فرض الجريان للتحفظ علي اكثرية الماء فيطابق مع رواية هشام.

و من تلك النصوص ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال:

سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلي فيه قبل ان يغسل؟ قال: اذا جري به المطر فلا بأس «1».

و لا يبعد ان تدل هذه الرواية علي اشتراط الجريان اذ مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين كون العذرة رطبة او يابسة.

و افاد سيدنا الاستاد بان الوجه في اشتراط الجريان انه لولاه يحصل التغير في الماء بواسطة العذرة.

و لكن يرد عليه: انه لا وجه لرفع اليد عن الاطلاق و العرف ببابك.

و منها ما رواه، أيضا عن اخيه قال: و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أ يصلي فيها قبل ان

تغسل؟ قال: اذا جري من ماء المطر فلا بأس «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 9.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 188

اما لو وقع علي شي ء كورق الشجر او ظهر الخيمة او نحوهما ثم وقع علي النجس تنجس (1).

______________________________

و قد مر الاشكال في الدلالة بان الشرطية سيقت لبيان الموضوع فلاحظ.

فالنتيجة: اشتراط الجريان في اعتصام ماء المطر بلحاظ حديث علي بن جعفر الذي تقدم آنفا و لكن مع ذلك كله في النفس شي ء و لا يبعد ان يكون الوجه في التوقف ان المركوز في اذهان المتشرعة ملازمة ماء المطر مع العصمة و عدم الانفعال ما دام لا يكون متغيرا و اللّه العالم بحقائق الامور.

بقي ان الماتن قيد عدم الانفعال بحال نزول المطر من السماء كبقية المتون الفقهية و الوجه فيه: انه لو قطع النزول لكان الماء النازل بعد القطع منفعلا بملاقاة النجس لان الماء القليل حكمه الانفعال الا ان يكون كرا و لا مجال لان يقال:

بان الماء المجتمع من المطر يصدق عليه المطر و يصدق انه ماء المطر فلا ينفعل اذ المراد بالاضافة البيان لا النشو و لو كان النشو كافيا لكان لازمه عدم انفعال اي ماء من مياه العالم لما قيل بان اصل المياه هو المطر.

و ملخص الكلام: انه لا ريب في ان المراد بماء المطر الماء النازل من السماء حين نزوله.

(1) و الوجه فيه عنده عدم صدق ماء المطر عليه و لا بد من التفصيل، فتارة لا يصدق عليه ماء المطر و اخري يصدق فعلي الاول ينجس بالملاقاة كما لو وقع المطر علي عتبة الباب ثم ترشحت منها الي داخل الغرفة فان صدق العنوان عليه مشكل و مع

الشك في الصدق ينفعل لأدلة انفعال الماء القليل.

ان قلت: دليل عصمة ماء المطر يقتضي عدم الانفعال قلت: المفروض اجمال مفهوم ماء المطر بين الاقل و الاكثر و اجماله لا يوجب اجمال دليل انفعال القليل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 189

[مسألة 11: اذا اجتمع ماء المطر في مكان و كان قليلا]

(مسألة 11) اذا اجتمع ماء المطر في مكان و كان قليلا فان كان يتقاطر عليه المطر فهو معتصم كالكر (1).

و ان انقطع عنه التقاطر كان بحكم القليل (2).

______________________________

مضافا الي انه يمكن احراز عدم الصدق باستصحاب العدم الازلي لما ذكرناه مرارا من صحة جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميه.

و اما القسم الثاني فلا ينفعل كما لو اصاب ورق الشجر و وقع عليه ثم اصاب الارض او رأس انسان قاعد تحت الشجرة فانه يصدق عليه أنه اصاب رأسه المطر فالحكم بالانفعال و عدمه تابع لعدم صدق العنوان و صدقه.

(1) يمكن ان يستدل عليه بوجوه:

الاول انه يصدق عليه ماء المطر حال التقاطر.

الثاني: انه يصدق عليه كونه ذا مادة فيشمله عموم التعليل الوارد في صحيح ابن بزيع «1» و هو قوله عليه السلام «لان له مادة» فانه يصدق علي ماء المطر المجتمع اذا كان يتقاطر عليه انه له مادة و هي اتصاله بما يجي ء من السماء.

الثالث: ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال: و سأله عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فاصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل ان يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلي فيه و لا بأس (به خ ل) «2» فان هذه الرواية تدل علي ان الخمر المنصب في الماء المجتمع من ماء المطر لا ينجسه.

(2) اذ المفروض انه ماء قليل و قد تقدم ان القليل

ينفعل بملاقاة النجس

______________________________

(1) مر في ص 162.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 190

[مسألة 12: الماء النجس اذا وقع عليه ماء المطر بمقدار معتد به]

(مسألة 12): الماء النجس اذا وقع عليه ماء المطر بمقدار معتد به لا مثل القطرة او القطرات طهر (1).

______________________________

و توهم انه يصدق عليه ماء المطر باعتبار اصله قد مر آنفا فساده مضافا الي انه لا يبعد ان جملة من نصوص انفعال القليل موردها الحياض و الغدران التي اصلها من المطر و لا مجال لتوهم المعارضة بين هذه الادلة و بين ادلة اعتصام ماء المطر اذ قلنا بان ماء المطر بماله من المفهوم لا يصدق علي الماء الموجود في الارض بعد قطع التقاطر و يتضح ما ذكرنا بانه لو كان الامر كما توهم لكان اللازم ترتب حكم ماء البئر علي ماء اخذ من البئر فوضع في خابية و ترك في بيت فان حكم الامثال واحد و اني لنا بذلك فما عن صاحب الجواهر: «من ترتيب حكم ماء المطر علي المجتمع منه و لو مع عدم التقاطر عليه بالفعل فيما يكون متهيأ للتقاطر عليه لكن لا يتقاطر عليه و بعد لم يقطع التقاطر»، ليس سديدا و اللّه العالم.

(1) ما يمكن ان يستدل به علي المدعي امور:

منها: الاجماعات المحكية علي اختلافها في المفاد اذ ربما يدعي الاجماع علي انه بحكم الجاري، و اخري ان الماء النجس يطهر بتقاطر المطر عليه، و ثالثة: ان الماء الواحد له حكم واحد و بما ان السطح الفوقاني يطهر بالملاقاة و يلزم طهارة بقية السطوح و الا يلزم الاختلاف في الحكم.

و لا يخفي: ان هذه الاجماعات لا ترجع الي محصل و قد ثبت في محله ان الاجماع المنقول ليس حجة و المحصل

منه علي فرض تحققه مدركي و لا أقلّ من احتماله مضافا الي ان طهارة السطح الفوقاني اول الكلام و الاشكال اذ كل قطرة تصل الي السطح الفوقاني تستهلك في الماء المنفعل فكيف يطهر السطح الفوقاني فتأمل.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 191

______________________________

و منها: ما رواه الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت: يسيل علي من ماء المطر أري فيه التغير و أري فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي و ينتضح علي منه و البيت يتوضأ علي سطحه فيكف علي ثيابنا قال:

ما بذا بأس لا تغسله كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر «1».

و فيه: اولا: انه لا اعتبار به لإرساله و ثانيا: انه لا يصدق الرؤية الا مع السطح الفوقاني و لو كان كافيا لكان اللازم القول بطهارة المضاف النجس اذا اصابه المطر و اني لنا بذلك.

و منها ما رواه هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السلام في ميزابين سالا احدهما بول و الاخر ماء المطر فاختلطا فاصاب ثوب رجل لم يضره ذلك «2».

توضيح الاستدلال: ان الاختلاط بين ميزابي المطر و البول الذي هو مورد الصحيحة و استهلاك البول فيه لا يمكن حصوله دفعة بل تكون هناك آنات ثلاثة ففي الان الاول تحصل طبيعة ثالثة لا يصدق عليه لا عنوان الماء و لا عنوان البول و بعد غلبة الماء يصدق عليه المتغير و في الان الثالث يزول التغير و يصدق عليه الماء لكن لا يكون طاهرا فان زوال التغير لا يوجب طهارة المتغير فيكون الوجه في الطهارة اتصاله بالمطر.

و منها: رواية ابن بزيع «3» فان المستفاد من تلك الرواية ان الاتصال بالمادة يكفي في حصول الطهارة و حيث

ان ماء المطر ماء عاصم ناش عن المادة يكفي وصوله بالماء النجس لتحصل الطهارة و تزول عنه النجاسة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

(3) لاحظ ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 192

و كذا ظرفه كالإناء و الكوز و نحوهما (1).

[(مسألة 13: يعتبر في جريان حكم ماء المطر ان يصدق عرفا ان النازل من السماء ماء مطر]

(مسألة 13): يعتبر في جريان حكم ماء المطر ان يصدق عرفا ان النازل من السماء ماء مطر و ان كان الواقع علي النجس قطرات منه و اما اذا كان مجموع ما نزل من السماء قطرات قليلة فلا يجري عليه الحكم (2).

______________________________

ثم ان المناسب للمقام التعرض لعدة فروع:

الاول: انه هل يشترط في حصول الطهارة و زوال الانفعال وقوع المطر علي الماء بمقدار معتد به أم يكفي وصوله و لو كانت قطرة واحدة كما نسب الي بعض لا يبعد الاكتفاء بمجرد صدق وصول المطر اليه و ان شئت قلت:

الاتصال بالمادة يوجب التطهير و المفروض انه يحصل الاتصال بوصول قطرة اليه.

الثاني: هل يشترط الامتزاج فيه أم لا؟ الظاهر هو الثاني لعدم الدليل عليه بل مقتضي رواية هشام «1» و تعليل حديث ابن بزيع «2» عدم الاشتراط فلاحظ.

الثالث: هل يلزم وصوله الي جميع السطح الاعلي أم لا؟ الظاهر هو الثاني و قد ظهر وجهه فان مقتضي حديث هشام عدم الاشتراط كما ان مقتضي كفاية المادة المستفادة من حديث ابن بزيع كذلك.

(1) اذ بعد فرض طهارة المظروف بالمطر يطهر الظرف بالمظروف.

(2) المستفاد مما ذكره ان المطر بما له من المفهوم لا يصدق علي القطرات

______________________________

(1) مرت في ص 191.

(2) مر في ص 162.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 193

[مسألة 14: الثوب أو الفراش النجس اذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه طهر الجميع]

(مسألة 14) الثوب أو الفراش النجس اذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه طهر الجميع (1).

______________________________

النازلة القليلة و مع الشك في الصدق أيضا لا يترتب حكمه بل مقتضي الاصل عدم الصدق.

لكن الانصاف: ان توقف الصدق علي الكثرة محل اشكال فاذا فرض نزول قطرات قليلة من السماء و لم يصدق عليه عنوان المطر فالعنوان المنطبق عليه ما هو؟

و الذي يختلج ببالي: انه يصدق

عليه و لا يتقوم صدقه عليه بالكثرة فلاحظ و العرف ببابك.

(1) استدل علي المدعي بمرسلة الكاهلي «1» و لا اعتبار بالمرسلات و عمل المشهور علي فرض تحققه ليس جابرا، لكن يكفي لإثبات المدعي ما رواه هشام بن سالم أنه سأل ابا عبد اللّه عليه السلام عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به ما اصابه من الماء اكثر منه «2».

تقريب الاستدلال به ان الظهور اللفظي يقتضي اتحاد مرجع الضمير المجرور و الضمير الواقع في كلمة اصابه فلا بد من فرض وحدة محل مورد لإصابة البول و اصابة المطر كي يصح ان يقال: بان الماء اكثر من البول و ذلك المحل هو السطح فانه مجمع العنوانين فلا يرجع الضمير الي الثوب اذ الثوب لم يصبه البول بل اصابه ماء المطر فعليه يكون المراد من قوله عليه السلام: «لا بأس به» نفي البأس عن السطح الذي يبال عليه و معني عدم البأس بالسطح طهارته

______________________________

(1) لاحظ ص 191.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 194

و لا يحتاج الي العصر (1).

______________________________

بوصول ماء المطر به و اكثريته و وقوعه عليه و حيث انه لا فرق بين البول و بقية النجاسات من هذه الجهة و كذلك لا فرق بين السطح و بقية الاشياء يحكم بالنحو الكلي علي ان ماء المطر يطهر ما اصابه و يمكن تقريب الاستدلال بعموم العلة المستفاد من الرواية.

(1) افاد سيد المستمسك في هذا المقام: بأن مقتضي مرسلة الكاهلي «1»، كفاية الرؤية و عدم الاحتياج الي العصر مع ان عمدة دليل العصر هو ارتكاز العرف حيث يرون انفعال القليل بالملاقاة و مع اعتصام الماء لا يبقي

مجال لهذا البيان.

و فيه: ان المرسلة لا اعتبار بها و اما ما افاده اخيرا في العصر فليس الامر كذلك بل اشتراط العصر من باب توقف صدق الغسل عليه و لذا نشترط العصر حتي فيما يغسل الثوب بالكثير فانه ما دام لم يخرج الغسالة من الثوب لا يصدق غسله فعليه لا بد من الاعتماد علي وجه آخر

و الذي يمكن ان يقال في هذا المقام: ان المدرك حديث هشام «2» حيث علل طهارة السطح بكون الماء اكثر فالمستفاد منه ان الملاك اكثرية الماء.

ان قلت: النسبة بين هذا الدليل و دليل وجوب الغسل عموم من وجه فيقع التعارض في مثل تطهير الثوب و الفرش.

قلت: لو طرح دليل مطهرية المطر و اخذ بدليل وجوب الغسل لم يبق لعنوان مطهرية المطر موضوعية و يكون العنوان المذكور في حديث هشام لغوا

______________________________

(1) لاحظ ص 191.

(2) لاحظ ص: 193.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 195

أو التعدد (1) و اذا وصل الي بعضه دون بعض طهر ما وصل اليه دون غيره (2) هذا اذا لم يكن فيه عين النجاسة و الا فلا يطهر الا اذا تقاطر عليه بعد زوال عينها (3).

[مسألة 15: الارض النجسة تطهر بوصول المطر اليها]

(مسألة 15): الارض النجسة تطهر بوصول المطر اليها بشرط أن يكون من السماء و لو باعانة الريح و أما لو وصل اليها بعد الوقوع علي محل آخر كما اذا ترشح بعد الوقوع علي مكان فوصل مكانا نجسا لا يطهر (4) نعم لو جري علي وجه الارض فوصل الي مكان مسقف طهر (5).

[مسألة 16: اذا تقاطر علي عين النجس فترشح منها علي شي ء آخر لم ينجس ما دام متصلا بماء السماء]

(مسألة 16): اذا تقاطر علي عين النجس فترشح منها علي شي ء آخر لم ينجس ما دام متصلا بماء السماء بتوالي تقاطره عليه (6).

______________________________

بخلاف العكس و هذا احد وجوه تقديم احد المتعارضين علي الاخر فلا تغفل.

(1) قد ظهر الوجه فيه مما ذكرناه في عدم اشتراط تطهيره بالعصر فلا نعيد.

(2) كما هو ظاهر.

(3) و الوجه فيه ظاهر واضح.

(4) لعدم صدق العنوان كما مر.

(5) لصدق العنوان.

(6) هذا من فروع عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجاسة و مقتضي القاعدة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 196

[مسألة 17: مقدار الكر وزنا بحقة الاسلامبول التي هي مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا]

(مسألة 17): مقدار الكر وزنا بحقة الاسلامبول التي هي مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا «مائتان و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة» و بحسب وزنة النجف التي هي ثمانون حقة اسلامبول «ثلاث وزنات و نصف و ثلاث حقق و ثلاث أواق» و بالكيلو «ثلاثمائة و سبعة و سبعون كيلوا» تقريبا، و مقداره في المساحة ما بلغ مكسره سبعة و عشرون شبرا (1).

______________________________

عدم انفعال آخر قطرة نازلة من السماء واقعة علي النجاسة و عليه فلا وجه للتقييد بتوالي تقاطره عليه كما في المتن فلاحظ لكن الظاهر ان المراد من توالي تقاطره اصل التقاطر فلا اشكال.

(1) المذكور في كلمات الفقهاء حدان للكر تبعا للنصوص فقد حدد تارة بالوزن و اخري بالمساحة و المشهور ان حده بالوزن (1200) رطل بالعراقي و قد فسر بعض الاصحاب هذا المقدار بالمدني و الرطل المدني يزيد علي العراقي بالنصف و عليه يكون وزنه بالعراقي (1800) رطل و عليه لا يكون الاختلاف بينهم في العدد بل الاختلاف في المراد من الرطل.

اذا عرفت هذا فاعلم ان الروايات الواردة في بيان حد الكر بالوزن عدة نصوص:

فمنها ما رواه ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا

عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الكر من الماء الذي لا ينجسه شي ء الف و مأتا رطل «1».

و حيث ان مرسلات ابن ابي عمير كبقية المراسيل في عدم الاعتبار فلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 197

______________________________

تكون الرواية حجة.

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

و الكر ستمائة رطل «1».

و لا بد من حمل العدد في هذه الرواية علي الرطل المكي كي يطابق (1200 بالعراقي اذ الرطل المكي ضعف الرطل العراقي و الوجه في لزوم حمل الرطل في هذه الرواية علي المكي ان مقتضي ادلة انفعال الماء القليل نجاسته عند ملاقاته مع النجس و حيث ان تلك الادلة خصصت بدليل اعتصام الماء الكر و المخصص المنفصل المردد بين الاقل و الاكثر لا يعمل به الا في المقدار المعلوم القطعي من دليل التخصيص و المقدار المعلوم من الدليل هذا المقدار اذ الرطل في هذه الرواية مردد بين كونه مكيا او مدنيا او عراقيا و القدر المعلوم من الخروج ما لو كان هذا الوزن بالرطل المكي الذي يكون ضعف العراقي و الباقي يبقي تحت دليل الانفعال لعدم دليل علي عدمه و لا يتوقف هذا التقريب علي القول بانقلاب النسبة الذي لا نقول به اذ لا اشكال في ان جملة من ادلة انفعال الماء القليل وردت في الماء القليل الذي لا مادة له و لم يتغير بالنجاسة و الامام عليه السلام قد حكم بالنجاسة.

لاحظ ما رواه، شهاب بن عبد ربه قال: اتيت ابا عبد اللّه عليه السلام اسأله فابتدأني فقال، ان شئت فاسأل يا شهاب و ان شئت اخبرناك بما جئت له

قال: قلت له: اخبرني جعلت فداك قال: جئت تسألني عن الجنب يسهو فيغمر يده في الماء قبل ان يغسلها؟ قلت: نعم قال: اذا لم يكن اصاب يده

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 198

______________________________

شي ء فلا بأس و ان شئت سل و ان شئت اخبرناك قلت: اخبرني جعلت فداك قال: جئت تسألني عن الجنب يغرف الماء من الحب فيصيب يده الماء؟ قلت:

نعم قال: لا بأس «1»، الي غيره من الروايات الواردة الدالة علي انفعال الماء القليل فانه لا اشكال في تقدم دليل الانفعال علي دليل عدم الانفعال الا بالغلبة لان النسبة بينهما بالعموم و الخصوص و ان دليل الانفعال اخص فلا تصل النوبة الي ما افاده سيدنا الاستاد في هذا المقام:

بأن النسبة بين دليل الانفعال و الغلبة نسبة التباين لكن نخصص دليل الانفعال بدليل عاصمية ذي المادة فتنقلب النسبة من التباين الي العموم و الخصوص المطلقين ثم يخصص دليل الانفعال بدليل الكر لكن بالمقدار المتيقن»، فانه لا تصل النوبة الي هذا التقريب مضافا الي ان انقلاب النسبة مردود عندنا.

فالنتيجة علي كلا التقديرين الالتزام بالانفعال الا اذا كان (1200) رطل عراقي.

بقي شي ء و هو ان المشهور و الاكثر استعمالا في تلك العصور ان لفظ الرطل كان يستعمل في العراقي فما الحيلة؟

و الجواب عنه: ان الامام عليه السلام يمكن ان راعي عرف السائل اي محمد بن مسلم الذي قيل في حقه: انه من أهل الطائف مضافا الي ان الاجماع لو كان قائما علي عدم عصمة الماء الاقل من هذا المقدار فكيف يمكن الاكتفاء ب (600) رطل عراقي اضف الي ذلك انه لو قلنا بان القاعدة تقتضي الاخذ بما يدل علي (27) شبرا من حيث المساحة لزم

ان يراد من هذه الرواية الرطل

______________________________

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الجنابة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 199

______________________________

المكي اذ علي ما ذكره سيدنا الاستاد انه وزن الماء و كان (1200) رطل من من الوزن مطابقا مع (27) شبرا من حيث المساحة لكن الذي يختلج بالبال ان الميزان بعرف المتكلم فلا بد من حمل الرطل علي المدني فليكن هذا بذكرك.

و اما الروايات الواردة في تحديدها بالمساحة، فمنها ما رواه اسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال:

ذراعان عمقه في ذراع و شبر و سعة (سعته) «1».

و يظهر من الرواية ان الماء المفروض الذي حدده عليه السلام سطحه علي نحو الدائرة اذ حدد سعة السطح ببعد واحد و هذا يناسب الدائرة فيناسب ان هذا المقدار المعين سعة السطح من جميع الاطراف و هذا ينطبق علي الدائرة فان جميع الخطوط الممتدة من محيطها الي المركز واحدة بخلاف بقية السطوح حتي المربع المتساوي الاضلاع فان اضلاعها و ان كانت متساوية لكن الخط الممتد من احدي الزاويتين الي الاخري اطول من بقية الاضلاع.

اذا عرفت ذلك نقول: كل ذراع شبران فتكون المساحة بحسب السطح ثلاثة اشبار و يكون العمق المفروض اربعة اشبار و الميزان في معرفة المجموع في الدائرة ان يضرب نصف القطر في نصف المحيط و المحيط ثلاثة أمثال القطر فيكون مجموع القطر تسعة اشبار فنصفها اربعة اشبار و نصف، و نصف الدائرة شبران و نتيجة ضرب احدهما في الاخر تصير ستة اشبار و ثلاثة ارباع شبر و نتيجة ضرب هذا المقدار في العمق سبعة و عشرين شبرا فتكون مطابقا

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين،

ج 1، ص: 200

______________________________

للتحديد الوزني الذي مر الكلام فيه.

و منها: ما رواه اسماعيل بن جابر أيضا قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: كسر، قلت: و ما الكر؟ قال: ثلاثة اشبار في ثلاثة أشبار «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بمحمد بن خالد فان توثيق الشيخ يعارضه تضعيف النجاشي و اما وقوعه في اسناد كامل الزيارة فلا يترتب عليه اثر لما حققناه و بينّا ما عندنا في هذا المقام في مستدركات كتاب مصباح الناسك فراجع و علي فرض الاغماض يعارضه تضعيف النجاشي أيضا.

و اما من حيث الدلالة فلم يذكر فيها البعد الثالث و هو بعده من حيث العمق و حيث ان الاقل من ثلاثة اشبار خلاف الاجماع مضافا الي منافاته لتلك الرواية يتعين ان تحمل عليها و النتيجة متحدة.

و ان شئت قلت: ان هذه الرواية مطلقة من حيث البعد الثالث و بمقتضي حمل المطلق علي المقيد تحمل عليها.

و ان ابيت عن ذلك و قلت: انها ناظرة الي العمق و السعة فالنتيجة كما ذكر أيضا لما ذكرناه من ان امثال هذه التحديدات ناظرة الي ما يكون السطح بنحو الدائرة فمقتضي اطلاقها ان تكون سعته كذلك من جميع الاطراف فالنتيجة بلوغ المجموع (27) شبرا و لكن الظاهر انها ناظرة الي العرض و الطول فلاحظ.

و منها ما رواه الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

اذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي ء قلت: و كم الكر؟ قال: ثلاثة

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 201

______________________________

اشبار و نصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالحسن بن صالح

فانه لم يوثق.

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال: اذا كان الماء ثلاثة اشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الارض فذلك الكر من الماء «2».

و الظاهر: ان الرواية معتبرة سندا فانه نوقش في سندها تارة باحمد بن محمد بن يحيي المذكور في رواية الشيخ و اخري بعثمان بن عيسي و ثالثة بأبي بصير اما الاشكال الاول فيدفع بان المذكور في كتاب الكافي احمد بن ابن محمد و حيث ان الراوي عنه العطار و المروي عنه عثمان يعلم ان المراد به ابن عيسي و لا اشكال في وثاقته.

و اما الطعن من جهة عثمان بانه واقفي فيجاب عنه بان الوقف لا ينافي الوثاقة و حكي عن الشيخ في العدة نقل الاتفاق علي العمل برواياته و رواية امثاله من ثقاة الواقفية و الفطحية و عن الكشي عن بعضهم ان عثمان بن عيسي ممن اجمع العصابة علي تصحيح ما يصح عنه و نقل عنه أيضا: بانه تاب و رجع من الوقف.

و اما من جهة أبي بصير فالظاهر ان المراد منه يحيي بن القاسم أو ابن أبي القاسم بقرينة رواية ابن مسكان و هو عبد اللّه عنه قال في الحدائق: الراوي عن أبي بصير هنا ابن مسكان و لا يخفي علي الممارس انه عبد اللّه و هو قرينة ليث المرادي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الماء المطلق الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 202

______________________________

لتكرر روايته عنه في غير موضع.

و العجب من الاستاد حيث اورد علي صاحب الحدائق: «بانا لا يمكننا المساعدة علي ذلك اذ مجرد الظن

لا يغني ما لم يثبت بطريق معتبر» فانه دام ظله قبل اسطر استدل بقول صاحب الحدائق في امثال المقام.

فالانصاف: ان الخدشة في سند هذه الرواية من جهة اشتراك أبي بصير بين الثقة و الضعيف غير قابلة للقبول فلا ايراد فيها من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فالظاهر أنها ناظرة الي السطح المدور حيث لم يذكر فيها الا بعد ان، العمق و العرض اي السعة و لا دليل علي تقدير البعد الثالث و تكون نتيجة ضرب نصف القطر في نصف المحيط و ضرب نتيجتها في العمق (32) شبرا و شيئا كما في كلام سيدنا الاستاد أو تكون النتيجة ثلاثة و ثلاثين و خمسة أثمان أشبار و نصف الثمن- كما في كلام السيد الحكم-.

و أورد سيدنا الاستاد علي الرواية بأنه لا قائل بهذا القول.

و هذا ليس محذورا فان العجب من سيدنا الاستاد كيف يجعل هذا اشكالا مع أنه لا يعمل بالإجماعات.

و الحاصل: أنه لا وجه لرفع اليد عن الرواية و حمل الاكثر عن (27) شبرا علي الاستحباب او الاحتياط فهذه الرواية طرف للمعارضة و لا بد من العلاج و حيث انه لا مرجح لا من الكتاب و لا من حيث المخالفة مع العامة و لا من حيث الاحدثية تتعارضان و تسقطان عن الاعتبار فلا بد من الرجوع الي العموم الفوق أو الاطلاق ان كان فنقول: يمكن جعل رواية زرارة مرجعا و هي: قال:

و قال أبو جعفر عليه السلام: اذا كان الماء اكثر من راوية لم ينجسه شي ء تفسخ

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 203

______________________________

فيه او لم يتفسخ الا ان يجي ء له ريح تغلب علي ريح الماء «1».

فان متقضي هذه الرواية أن الماء اذا كان أكثر من رواية

لم ينجسه شي ء و اطلاق هذه الرواية يقتضي أن الماء اذا كان أكثر من هذا المقدار و لو بقليل لم ينجسه شي ء و تلك الروايات الخاصة لا تكون طرفا للمعارضة مع هذه الرواية لان مفادها خاص و الخاص لا يعارضه العام لكن الروايتين تتعارضان فتساقطان و المرجع اطلاق هذه الرواية فبالمقدار المعلوم ترفع اليد عنها و في مورد الشك يعمل بها و عليه يمكن أن نلتزم بان الماء البالغ (27) شبرا عاصم لا ينجسه شي ء كما عليه القميون و ما ذكرناه جار بالنسبة الي النص الدال علي أن الكر بحسب الوزن (600) رطل فان هذا التقدير طرف للمعارضة و بالتعارض تسقط الرواية الدالة عليه و المرجع رواية زرارة.

و تؤيد المدعي مرسلتا عبد اللّه بن مغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الكر من الماء نحو حبي هذا و أشار الي حب من تلك الحباب التي تكون بالمدينة و عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي ء و القلتان جرتان «2».

قال في الوسائل: و نقل المحقق في المعتبر عن ابن الجنيد أنه قال:

«الكر قلتان و مبلغ وزنه الف و ماتا رطل».

فانقدح من مجموع ما تقدم: أن قول القميين أرجح و أما القول بأن الكر بحسب المساحة ما يكون مجموع تكسير أبعاده (100) شبر فلا دليل عليه و هذا

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 9.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الماء المطلق الحديث: 7 و 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 204

______________________________

القول منسوب الي ابن الجنيد.

و أما ما نسب الي الراوندي من أن الكر ما بلغ مجموع ابعاده عشرة اشبار و

نصف من دون ضرب بعضها في البعض فهو مردود بأن المستفاد من الروايات خلافه كما مر.

و أما القول المنسوب الي المحقق في المعتبر و هو القول بأن الكر ما يكون مجموع تكسير ابعاده (36) شبرا، فمستنده ما رواه اسماعيل بن جابر «1».

بدعوي أن السعة في الرواية اريد منها كل من جهتي الطول و العرض و نتيجة ضرب إحداهما في الاخري تسعة و نتيجة ضرب العمق في التسعة تكون (36) شبرا، لكن قد عرفت أن الظاهر أن المراد من الرواية بيان مساحة الكر في السطح المدور.

و أما مستند المشهور القائلين بأن مساحة الكر اثنان و اربعون شبرا و سبعة اثمان الشبر، فهو حديثا الحسن بن صالح و أبي بصير «2» بدعوي: أن البعد الثالث مقدر في الكلام و يكون تكسير المجموع هذا المقدار.

و فيه أن الرواية الاولي ضعيفة سندا كما مر و الرواية الثانية لا دلالة فيها علي التقدير فتحمل علي المدور كما مر الكلام فيها.

فالنتيجة: أن قول القميين أقرب الي ما يستفاد من الادلة و اللّه العالم بحقائق الاشياء و الاحكام و عليه التكلان.

تتمة: و هي أنه لو فرضنا الاجمال في رواية الوزن و لم نعلم المراد بالرطل

______________________________

(1) مر في ص 199.

(2) لاحظ ص 200 و 201.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 205

______________________________

الواقع في كلام الامام عليه السلام و قلنا: بأنه مردد بين المكي و المدني و العراقي بل حتي لو قلنا بأنه مردد بين ما يوزن و ما يكال أو قلنا بأن الظاهر منه الرطل العراقي كما قيل فعلي جميع التقادير يكون طرفا للمعارضة و بعد التساقط تصل النوبة الي العمل باطلاق رواية زرارة و الكلام هو الكلام بلا فرق فلا تغفل.

و لقائل أن يقول:

أن حديث زرارة لا يكون مرجعا بعد المعارضة بل بنفسه طرف التعارض مضافا الي أنه ينافيه اخبار الكر فان مفهوم تلك الاخبار أن الماء الذي لم يبلغ قدر كر ينجسه شي ء و كون الاكثر من الراوية بمقدار الكر أول الكلام و الاشكال.

فالذي يمكن أن يقال و يختلج بالبال القاصر أن يقال: أن المرجع بعد التعارض و التساقط أخبار الكر فان الكر له مفهوم لغوي و هو الميزان و حيث ان القاعدة تقتضي حمل الكلام علي عرف المتكلم فلا بد من حمل الكر علي معناه اللغوي بحسب العرف المتكلم و الكر بحسب المعني اللغوي يساوي (4320) رطل مدني و حيث لا يمكن الالتزام به يصير الدليل مجملا فنقول: القدر المتيقن من العاصم ما ذهب اليه المشهور اذ الزائد علي هذا المقدار خلاف الاجماع المتسالم عليه و ان شئت قلت: الجمع بين دليل انفعال الماء القليل و دليل الكر و التسالم و الاجماع أن الماء البالغ مقداره اثنان و أربعون شبرا و سبعة أثمان شبر هو العاصم و في الاقل عن هذا المقدار نلتزم بالانفعال و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

فلا بد في الحكم بالاعتصام أن تكون مساحة الماء هذا المقدار و أما الوزن فلا بد أن يفرض مقدارا ينطبق عليه هذا التحديد و الظاهر- و اللّه العالم- أن الماء

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 206

[مسألة 18: لا فرق في اعتصام الكر بين تساوي سطوحه و اختلافها]

(مسألة 18): لا فرق في اعتصام الكر بين تساوي سطوحه و اختلافها (1) و لا بين وقوف الماء و ركوده و جريانه (2) نعم اذا كان الماء متدافعا لا تكفي كرية المجموع في اعتصامه و لا كرية المتدافع اليه في اعتصام المتدافع منه (3) نعم تكفي كرية المتدافع منه في اعتصام المتدافع اليه

(4).

[مسألة 19: لا فرق بين ماء الحمام و غيره في الأحكام]

(مسألة 19): لا فرق بين ماء الحمام و غيره في الاحكام فما في الحياض الصغيرة اذا كان متصلا بالمادة و كانت وحدها أو بضميمة ما في الحياض اليها كرا اعتصم (5).

______________________________

من حيث الوزن يختلف بل هذا من الواضحات بعد التدبر في اختلاف المياه من حيث المواد الممزوجة مع بعض اقسامه و مجرد كون ماء الفرات من حيث الوزن مطابقا لمساحة لا يكون دليلا و طريقا علي الكليه كما هو ظاهر.

(1) للإطلاق و عدم دليل علي التقييد فلو كان الماء ساكنا كما لو عمل ظرف من نحاس علي هيئة المنبر فالظاهر أنه لا اشكال في تقوي كل من الاعلي و الاسفل بالاخر و هذا ظاهر.

(2) لما تقدم من الاطلاق لوحدة الماء عرفا و تقوي كل جزء منه بالاخر.

(3) لعدم الوحدة العرفية و قد مر الكلام فيه و قلنا بأنه لو صب الماء في ابريق علي الكر لم يتقو ما في الابريق بالكر المتصل به كما أنه لو انصب من الابريق علي العين النجسة لا ينجس ما في الابريق بل المنفعل المقدار الملاقي للنجاسة.

(4) للنصوص الواردة في ماء الحمام و قد مر الكلام فيه فراجع.

(5) لأنه لا فرق بين ماء الحمام و غيره و لذا لو انهدم الحمام و انتفي هذا

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 207

و ان لم يكن متصلا بالمادة أو لم تكن المادة و لو بضميمة ما في الحياض اليها كرا لم يعتصم (1).

[مسألة 20: الماء الموجود في الانابيب المتعارفة في زماننا بمنزلة المادة]

(مسألة 20): الماء الموجود في الانابيب المتعارفة في زماننا

______________________________

العنوان فهل يشك احد في بقاء الحكم؟ و العمدة و الملاك في التعميم أن العرف لا يري تقوي السافل بالعالي فيسأل عن ماء الحمام و حيث ان الملاك واحد يكون الحكم عاما.

و هذا

هو الملاك لا ما عن شذرات صاحب الكفاية قدس سره: بأن التعدي بلحاظ عموم العلة و هو قوله: «لان له مادة» «1» اذ ليس في أخبار الحمام ما يكون تعليلا و أن الوارد في حديث بكر بن حبيب عن أبي جعفر عليه السلام قال: ماء الحمام لا بأس به اذا كانت له مادة «2» عنوان الشرط و عن الفقه الرضوي: ماء الحمام سبيله سبيل الجاري اذا كانت له مادة «3».

فالوجه ما ذكرنا لكن لا يخفي أنه قد مر منا أنه لا يكفي في اعتصام ما في الحوض كون مجموع ما في المادة مع ما في الحوض كرا بل لا بد من كون المادة وحدها بمقدار الكر و ذكرنا هناك أن الروايات ناظرة الي الحمامات الخارجية و من الظاهر أنها كذلك فلا اطلاق فيها من هذه الجهة فلاحظ.

(1) لان القليل ينفعل بالملاقاة كما مر و قد تقدم قريبا أن اللازم كرية المادة وحدها و الضمية لا تفيد فلا تغفل.

______________________________

(1) لاحظ ص 162.

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(3) فقه الرضا: ص 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 208

بمنزلة المادة فاذا كان الماء الموضوع في اجانة و نحوها من الظروف نجسا و جري عليه ماء الانبوب طهر (1).

بل يكون ذلك الماء أيضا معتصما ما دام ماء الانبوب جاريا عليه (2) و يجري عليه حكم ماء الكر في التطهير به (3) و هكذا الحال في كل ماء نجس فانه اذا اتصل بالمادة طهر اذا كانت المادة كرا (4).

______________________________

(1) يمكن أن يستدل عليه بنصوص ماء الحمام فان تلك الاخبار تدل علي اعتصام ما في الحياض كما أنها تدل علي طهارته بالاتصال بالخزانة و احتمال عدم انقطاع ما

في الخزانة عن الحياض فلا تدل علي الرفع، احتمال بعيد.

و أيضا يدل علي المقصود التعليل الوارد في رواية ابن بزيع «1» بتقريب:

أن المستفاد من تلك الرواية أن العلة لارتفاع النجاسة و طهارة الماء بعد زوال التغير كون الماء ذا مادة معتصمه و هذه العلة موجودة في المقام علي الفرض.

(2) كما هو أوضح من أن يخفي فانه مفاد أدلة ماء الحمام.

(3) اذ بعد فرض حكم الشارع بتقويه بالاتصال بالمادة يجري عليه الحكم ترتب الحكم علي الموضوع لاحظ ما رواه داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري «2».

(4) لعين الملاك و وحدة العلة فلاحظ.

______________________________

(1) مرت في ص 162.

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 209

[الفصل الثالث الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الاصغر طاهر و مطهر من الحدث و الخبث]

الفصل الثالث الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الاصغر طاهر و مطهر من الحدث و الخبث (1).

______________________________

(1) بلا خلاف بين أصحابنا في طهارته و طهوريته، حكاه غير واحد منهم هكذا في الحدائق، و في بعض الكلمات أنه لا اشكال و لا خلاف بيننا في كونه طاهرا و مطهرا من الحدث و الخبث بل ادعي ضرورة المذهب علي طهارته و الاجماع علي طهوريته فلا اشكال فيه بحسب الفتوي، نعم نقل عن المفيد- علي ما في الحدائق- بأنه يستحب التنزه عن الماء المستعمل في الوضوء.

و كيف كان الامر ظاهر و يدل علي المدعي قوله تعالي: وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» اذ لم يقيد في الاية طهوريته بعدم الاستعمال في الوضوء كما أنه يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من الروايات.

منها: ما رواه داود بن فرقد قال: كان بنو اسرائيل اذا أصاب أحدهم قطرة

بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «2».

مضافا الي جملة من النصوص الخاصة الدالة علي المطلوب:

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده

______________________________

(1) الفرقان: 49.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 210

و المستعمل في رفع الحدث الاكبر طاهر و مطهر من الخبث (1).

و الاحوط استحبابا عدم استعماله في رفع الحدث اذا تمكن من ماء آخر و الا جمع بين الغسل أو الوضوء به و التيمم (2).

______________________________

في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

و منها: ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: كان النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم اذا توضأ اخذ ما يسقط من وضوئه فيتوضون به «2» و عليه لا نحتاج الي التوسل بذيل قاعدة الطهارة اذ لا وجه لاحتمال عروض النجاسة للماء مع عدم ملاقاته للنجاسة كما أنه لا وجه للأخذ باستصحاب طهوريته كي يقال: بأنه من الاستصحاب التعليقي مضافا الي أنه من الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي المعارض بغيره فالنتيجة: أن الامر ظاهر لا غبار عليه.

(1) الظاهر أنه لا اشكال في طهارته و لا وجه لانفعاله بعد فرض عدم ملاقاته الا مع البدن الطاهر و بعد فرض طهارته لا وجه للتوقف في كونه رافعا للخبث و يدل عليه دليل كون

الماء طهورا فانه باطلاقه يشمل المقام مضافا الي أنه ادعي عليه الاجماع و عدم الخلاف نعم نقل عن الوسيلة بأنه صرح بعدم كونه رافعا للحدث و الخبث بل قيل: ان ظاهر عبارتها يفيد القول بنجاسته و ما افيد غريب غايته و اللّه العالم.

(2) الذي يظهر من كلمات القوم في هذا المقام أنه وقع الكلام بين الاعلام في هذه المسألة و وقع الخلاف بينهم بحيث أصبحت المسألة ذات قولين معروفين، فعن الصدوقين و المفيد و الطوسي و جمع آخر المنع و المشهور بين

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 13.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 211

______________________________

المتأخرين الجواز و القاعده الاولية تقتضي الجواز اذ مقتضي اطلاق كون الماء طاهرا و طهورا جواز استعماله مكررا في ازالة الخبث و الحدث و لا وجه للالتزام بعدم جواز المستعمل في رفع الحدث الاكبر، ثانيا. و ما أوجب هذا الاختلاف في المقام عدة روايات:

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا باحمد بن هلال و لم يثبت كون الراوي عنه ابن فضال كي يقال بأنه ورد في بني فضال الاخذ بروايتهم «2».

و علي فرض تسليم كون الحسن الواقع في السند هو ابن فضال لا يكون ما ورد في حقهم دالا علي المدعي فان المستفاد من هذا الخبر أن انحرافهم لا يضر بوثاقهم.

و بعبارة اخري: هذه الرواية الواردة عن العسكري عليه السلام تدل علي عدم التوقف في رواية من جهة بني فضال لا أن المراد العمل برواياتهم علي الاطلاق بحيث يكون مقامهم أعلي و أرفع من زرارة و اضرابه.

و ان شئت قلت: هذه الرواية انما تقتضي عدم

التوقف في العمل برواية في طريقها من بني فضال و لكن لا تدل علي توثيق كل من يروي بنو فضال عنه فلاحظ

فالرواية ساقطة عن الاعتبار فلا تصل النوبة الي النظر في دلالتها و ان كانت لا تخلو عن خدش.

______________________________

(1) لاحظ ص 209.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث: 79.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 212

______________________________

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن ماء الحمام فقال: ادخله بازار و لا تغتسل من ماء آخر الا أن يكون فيهم (فيه خ ل) جنب أو يكثر أهله فلا يدري فيهم جنب أم لا «1».

بتقريب: انه عليه السلام نهي عن الاغتسال بماء آخر غير ماء الحمام الا مع وجود الجنب في الحمام او احتمال وجوده و لا وجه للمنع الا من جهة عدم جواز الاغتسال بغسالة الجنب.

و أجاب عنه صاحب المعالم- علي ما نقل عنه- بأن النهي عن الاغتسال بغسالة الجنب انما استفيد من الاستثناء عن النهي عن الاغتسال بماء آخر.

و بعبارة اخري: المستفاد من الرواية حرمة الاغتسال بماء آخر الا مع وجود الجنب لكن الاستثناء من الحرمة يجتمع مع الوجوب و مع الاباحة.

فالنتيجة: أنه مع عدم وجود الجنب يحرم الغسل بماء آخر و أما مع وجوده فلا يحرم و عدمه كما أنه يجتمع مع الوجوب يجتمع مع الاباحة فلا دلالة في الرواية علي وجوب الاحتراز.

و اجاب عنه صاحب الحدائق- علي ما نقل عنه- بأن الاستثناء من النهي دال علي الوجوب كقولنا: لا تضرب أحدا الا زيدا و الاستثناء من الوجوب يدل علي الحرمة كما في قول القائل: «اقتلوا المشركين الا اهل الذمة» فان الاول يدل علي وجوب ضرب زيد و الثاني علي حرمة

قتل اهل الذمة و استشهد بكلام نجم الائمة حيث قال: «الاستثناء من الاثبات نفي و بالعكس».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 213

______________________________

و هذا الجواب ليس تاما فان كلام نجم الائمة متين لكن لا يتم كلام صاحب الحدائق و الا يلزم أنه لو قال المولي: «لا تأكل مال احد الا برضاه» لكان أكل ماله برضاه واجبا و هو كما تري فانه يكفي في الاستثناء أن يكون حكم ما بعد حرف الاستثناء مخالفا لما قبله فلا يرد كلام صاحب المعالم بهذا الجواب.

و الذي يخطر بالبال: أنه لا شبهه في عدم محذور في الاغتسال بماء آخر غير ماء الحمام فلا يكون النهي عنه لا تحريميا و لا تنزيهيا فالمراد من النهي عنه الاذن في تركه و عدم وجوبه الا مع وجود الجنب أو احتمال وجوده فانه لا يجوز ترك الاغتسال بماء آخر بل يجب.

و بعبارة اخري: لا يجوز الاغتسال من ماء الحمام في هذا الحال فنقول:

ما المراد من ماء الحمام الذي نهي عن الاغتسال به فان في المقام في بدو النظر احتمالات ثلاثة: اما يكون المراد من ماء الحمام، الماء الموجود في الخزانة التي نعبر عنها بالمادة، و اما الماء الموجود في الحياض الصغار، و اما الماء المجتمع في البالوعة أما الاحتمال الاول فمدفوع بأن الاغتسال من الخزانة لم يكن أمرا متعارفا في تلك العصور و علي تقدير كون المراد من المنهي عنه الماء الموجود في الخزانة لا يمكن الالتزام به اذ لا اشكال في كون ما في الخزانة أكرارا من الماء و لا اشكال في الجواز بالنسبة الي الكر و انما الكلام في المستعمل القليل.

و أما الاحتمال الثاني فيدفع

بأن الماء الموجود في الحياض لا يصدق عليه الماء المستعمل الذي يكون موضوعا للحكم فان الاغتسال من ماء الحوض بالاخذ منه و لا يمكن الاغتسال في الحوض حتي يصدق العنوان.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 214

______________________________

ان قلت: ان وقوع القطرات الناضحة في الحوض يوجب صدق الماء المستعمل عليه.

قلت: كيف يصدق مع كون القطرة الناضحة مستهلكة في الماء الموجود مضافا الي أن اتصال ما في الحوض بالمادة يجعله عاصما و في حكم الكثير و الكلام في القليل المستعمل بل قد دلت جملة من الروايات علي عدم قدح وقوع القطرات في الاناء و من تلك النصوص ما رواه الفضيل قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الارض في الاناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالي: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1».

اضف الي ذلك أنه يلزم الحرج فانه كيف يمكن أن يكون الاغتسال من ماء الحياض ممنوعا مع ندرة العلم بعدم وجود الجنب في الحمام و مع الاغماض عن جميع ذلك تكون الرواية معارضة بروايات دالة علي الجواز و عدم البأس فمن تلك الروايات ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره أغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب «2».

و منها ما رواه أبو الحسن الهاشمي قال: سئل عن الرجال يقومون علي الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي من النصراني و لا الجنب من غير الجنب

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب

الماء المطلق الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 215

______________________________

قال: تغتسل منه و لا تغتسل من ماء آخر فانه طهور «1».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيبه الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة؟ اذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف ان يكون السباع قد شربت منه؟ فقال. ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا أمامه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده علي ذراعيه و رأسه و رجليه و ان كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه و الا اغتسل من هذا و من هذا و ان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن تغتسل و يرجع الماء فيه فان ذلك يجزيه «2» فان دلالة هذا الخبر مع عدم وجدان ماء آخر علي الجواز ظاهر فان قوله عليه السلام «فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه» يدل علي الجواز و عدم البأس برجوع الغسالة في الساقية أو المستنقع و هذه الرواية و ان كان الظاهر منها في بادي النظر الجواز مع عدم ماء آخر لكن يمكن أن يستفاد منها الجواز علي الاطلاق اذ الماء الذي يغسل به بعض الاعضاء و يرجع الي الساقية مما يكفي في تحصيل مسمي الغسل بالنسبة الي جميع البدن

بأن يأخذ قليلا قليلا و يمسح البدن فالمراد من عدم الكفاية، عدم الكفاية علي نحو الصب علي الاعضاء علي ما هو المتعارف و علي هذا يكون قرينة علي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 216

______________________________

الجواز و لو مع رجوعه الي الموضع.

و الحاصل: أن المستفاد من الرواية أنه مع امكان الاغتسال بنحو لا يرجع الماء الي الموضع بأن يكون بنحو المسح و التدهين، يجوز الاغتسال و لو مع رجوع الماء الي الموضع و مع المعارضة يكون الترجيح مع دليل الجواز لأحدثيته و مخالفته للعامة علي ما يظهر من كلماتهم في هذا المقام حسب نقل الشيخ في كتاب الخلاف «1».

و مع الاغماض عن جميع ما تقدم يرد علي الاستدلال بالرواية بأنه ان كان المنع بلحاظ الاغتسال كان المناسب أن يجعل موضوع المنع غسل الجنب لا وجوده أو احتمال وجوده مع أن استصحاب العدم محكم عند الشك.

بقي الاحتمال الثالث و هو أن يكون المراد بماء الحمام الغسالة المجتمعة في البالوعة علي ما هو المتعارف.

و ربما يقال بأن ارادة ما في البالوعة بعيد اذ الطبع يتنفر من استعماله و الاخذ منه.

و فيه: أنه و ان كان بعيدا و الطبع متنفر منه لكن قد وردت في جملة من الروايات حكمها و السؤال عنها:

منها ما رواه حمزة بن احمد عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال:

سألته أو سأله غيري عن الحمام قال: ادخله بمئزر و غض بصرك و لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم «2».

______________________________

(1) الخلاف ج 1 ص

46.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 217

______________________________

و منها: ما رواه محمد بن علي بن جعفر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن الا نفسه فقلت لأبي الحسن عليه السلام: ان اهل المدينة يقولون: ان فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين؟ «1».

و منها ما رواه علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه السلام في حديث أنه قال: لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فانه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم «2».

و منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر الي سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما ان اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و أن الناصب أهون علي اللّه من الكلب «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: اياك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فهو شرهم فان اللّه تبارك و تعالي لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و أن الناصب لنا اهل البيت لا نجس منه «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر

الحديث: 4.

(4) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 218

______________________________

و علي فرض أن يكون المقصود النهي عن ما في البالوعة يكون المراد بغير ذلك الماء، ماء الحياض الصغار فلا يتوجه الايراد بأنه كيف أمر عليه السلام بالاغتسال من ماء آخر لأنه يمكن أن يكون المراد من المنهي عنه الماء الموجود في البالوعة و لا يمكن أن يكون الوجه فيه كونه غسالة الجنب و ذلك لوجهين:

أحدهما: أنه لم يفرض غسل الجنب بل فرض وجوده او احتمال وجوده فالموضوع غير محرز.

ثانيهما: أن الغسالة المجتمعة في البالوعة مجموعة من المياه المختلفة و فيها غسالة غسل الجنب و بحسب الطبع يستهلك في المجموع فالوجه فيه ليس هذا بل الوجه نجاسة ما في البالوعة احتمالا و لا اشكال في طهارة غسالة الحمام ما لم يعلم نجاستها كما دلت عليه جملة من الروايات:

منها ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب «1».

فيكون النهي نهيا تنزيهيا لعدم وجه للمنع مع فرض كونها طاهرة لعدم العلم.

فالنتيجة: أن الجنب اذا كان في الحمام أو احتمل وجوده أمكن كون بدنه نجسا و بملاقاته الماء ينفعل فنهي نهيا تنزيهيا عن الاغتسال منه فلاحظ.

و منها: ما دل علي المنع عن الاغتسال بالماء القليل الذي اغتسل فيه الجنب مثل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام و سئل عن الماء تبول

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 219

______________________________

فيه

الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء «1».

و لا يخفي: أن المستفاد من هذه الرواية أن جواب الامام عليه السلام ناظر الي بيان حكم الماء من حيث الطهارة و النجاسة لا من حيث غسالة الجنب مع فرض الطهارة كما هو محل الكلام في المقام فلا بد اما أن نلتزم بأن الامام عليه السلام لم يجب سؤال السائل من حيث الغسالة و اما أن نلتزم بنجاسة الماء بواسطة الاغتسال و اما أن نلتزم بأن النظر في السؤال الي كون بدن الجنب بلحاظ تلوثه بالمني ينجس الماء و السؤال و الجواب ناظران الي انفعال الماء و عدمه و علي جميع التقادير لا تدل الرواية علي المدعي.

و منها: ما رواه ابن مسكان قال: حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينتهي الي الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل و ليس معه اناء و الماء في وهدة فان اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله ثم يغتسل «2».

و تقريب الاستدلال: أن المستفاد من الرواية أن المركوز في نظر السائل أن رجوع الماء الي الوهدة يوجب عدم جواز الاغتسال و الامام عليه السلام قرره علي ما في ذهنه من عدم جواز الاغتسال بغسالة الجنب و علمه طريق التخلص.

و يرد عليه: أولا: أنه ليس في الرواية قرينة علي كون الغسل غسل الجنابة و عليه يمكن أن يكون النضح من آداب الغسل بالماء القليل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 10 من

أبواب الماء المضاف الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 220

______________________________

و ثانيا: أن نضح الماء علي الارض لا يمنع عن رجوعه الي الوهدة بل ربما يوجب سرعة الجريان نعم في الارض الرخوة يمكن أن يمنع النضح عن الجريان و لكن الجواب مطلق و عليه لقائل أن يقول: بأن الرواية علي خلاف الخصم ادل.

اضف الي ذلك أن الرواية علي تقدير تمامية دلالتها علي المدعي معارضة بما رواه علي بن جعفر عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيبه الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة؟ اذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه؟ فقال: ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا أمامه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده علي ذراعيه و رأسه و رجليه و ان كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه و الا اغتسل من هذا و من هذا و ان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه فان ذلك يجزيه «1».

ان قلت: ما رواه علي بن جعفر مخصوص بصورة الاضطرار حيث ذكر فيها عدم وجدان ماء غيره.

قلت: اما أولا: فان رواية ابن مسكان أيضا موردها الاضطرار اذ الظاهر من الرواية أن الامر منحصر في الاغتسال عن الماء المفروض و أما

ثانيا: فلان

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 221

و المستعمل في رفع الخبث نجس عدا ما يتعقب استعماله طهارة المحل (1).

______________________________

مقتضي الدقه كما مر منا عدم الاضطرار في مورد رواية ابن جعفر و لا في مورد رواية ابن مسكان اذ يمكن الاغتسال بنحو لا يرجع الماء بأن يغتسل بنحو التدهين و مع ذلك أجاز الامام عليه السلام بالاغتسال فيقع التعارض بين الخبرين و الترجيح مع رواية ابن جعفر لمخالفته لفتاوي العامة و كونها أحدث و اللّه العالم.

فالنتيجة: عدم دليل علي المنع حيث ان الماء طاهر كما هو مورد التسالم مع الخصم و ادعاء أن ادلة الاغتسال منصرفة عن الاغتسال بمثل هذا الماء المستعمل، لا وجه له بل مقتضي الاطلاق جواز الاغتسال لكن لا ينافي حسن الاحتياط كما في المتن و لا يختص حسن الاحتياط بوجود ماء آخر- كما في العروة- بل مقتضي الاحتياط الاجتناب عنه مع وجود ماء آخر و الجمع بين الترابية و المائية مع الانحصار فلا تغفل.

(1) يقع الكلام في المستعمل في الخبث غير الاستنجاء المعبر عنه بالغسالة في مقامين:

أحدهما: في جواز رفع الخبث و الحدث به.

الثاني في طهارته و نجاسته.

أما المقام الاول فنقول: علي القول بنجاسة الغسالة فلا اشكال في عدم جواز استعماله لا في رفع الحدث و لا في رفع الخبث اذ يشترط في المطهر أن يكون طاهرا فالعمدة الكلام في الجواز و عدمه في فرض القول بطهارته و في هذه الصورة تارة نتكلم في مقتضي القواعد الاولية و اخري فيما تقتضيه الادلة الخاصة أما مقتضي القواعد الاولية فلا مانع من استعماله علي نحو الاطلاق فان مقتضي جواز

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 222

______________________________

غسل المتنجس بالماء جواز رفع الخبث به

كما أن مقتضي دليل الغسل و الوضوء جواز الاتيان بهما بلا اشكال.

و أما الادلة الخاصة فما يمكن أن يكون وجها لعدم الجواز أمور:

الاول: الاجماع بأن يقال: نقل الاجماع علي عدم جواز رفع الحدث بمطلق الغسالة.

و فيه: أنه اجماع منقول و لا يخرج عن هذا العنوان و لو بنقل جملة من الاعيان.

و بعبارة اخري: الاجماع المنقول لا يخرج عن عنوانه الا بأن ينقل متواترا فيكون اجماعا محصلا مضافا الي أنه لا يفيد و لو مع فرض كونه حاصلا اذ مدرك المجمعين معلوم و لا أقل من احتمال استنادهم الي خبر ابن سنان الذي سنذكره إن شاء اللّه تعالي او غيره و مع هذا القطع او الاحتمال لا يكون اجماعا تعبد يا كاشفا عن رأي المعصوم.

الثاني: ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال: الماء الذي يغسل به الثوب او يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

فان المستفاد من الرواية أن الماء الذي غسل به الثوب لا يجوز الوضوء به و من الظاهر أن الوجه في المنع كون الثوب نجسا و حيث لا فرق بين الثوب و غيره تكون النتيجة عدم جواز الوضوء بماء الغسالة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 13.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 223

______________________________

و فيه: أن الرواية ضعيفة سندا بأحمد بن هلال كما مر في بعض الفروع السابقة و عمل المشهور بها علي تقدير ثبوته لا يجبر ضعفها.

الثالث: ما رواه زرارة قال:

قال أبو جعفر عليه السلام ألا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقلنا: بلي فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني ثم قال: هكذا اذا كانت الكف طاهرة «1».

حيث ان المستفاد من الرواية أن ادخال اليد في القعب للوضوء يشترط بكونها طاهرة و أما لو كانت نجسة لم يكن الوضوء جائزا بهذا النحو.

و ان شئت قلت: لو التزمنا بطهارة الغسالة و لم نقل بانفعال الماء بادخال اليد فيه يجب أن نلتزم بعدم جواز استعماله في الوضوء.

و العجب من سيدنا الاستاد أنه جزم في بحث انفعال القليل بالمتنجس و لو مع الواسطة و عدمه بأنه لا يستفاد من هذه الروايه انفعال الماء لا مكان أن يكون الوجه في المنع أن الماء غسالة الخبث و في باب حكم الماء المستعمل في رفع الخبث التزم بأنه علي القول بطهارة الغسالة لا وجه للمنع فراجع.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 223

فالنتيجة: أنه لو قام دليل علي طهارة الغسالة لم يمكن الالتزام بجواز استعمالها في الوضوء اذ المستفاد من الرواية عدم الجواز و حيث لا فرق بين الوضوء و الغسل نلتزم بعدم الجواز علي الاطلاق بل يمكن أن يقال: بأن المستفاد من الرواية عدم الجواز حتي فيما لا يكون الوضوء و الغسل رافعا للحدث كالوضوء التجديدي و ذلك لإطلاق كلام الامام عليه السلام فان المستفاد من

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 224

______________________________

كلامه أنه لا يجوز الوضوء بالماء المستعمل في الخبث.

و

أما المقام الثاني: فيظهر من مراجعة كلام القوم أن للأصحاب في المقام اقوالا:

أحدها: القول بنجاسة الغسالة علي الاطلاق.

ثانيها: القول بطهارتها كذلك.

ثالثها: التفصيل بين الغسلة المزيلة للعين و غير المزيلة بالنجاسة في الاولي دون الثانية.

رابعها: التفصيل بين الغسلة المطهرة و غيرها بالطهارة في الاولي و النجاسة في الثانية.

و لا يخفي أن النزاع في المقام بعد الفراغ عن انفعال الماء القليل أما بناء علي عدم انفعاله فلا مجال للبحث اذ لا شبهة في أن المقام ليس له خصوصية بلا كلام و لذا نسبة القول بالطهارة الي مثل العماني أو السيد القائلين بعدم الانفعال في غير محلها كما لا يخفي.

و يمكن الالتزام بقول خامس و هو الاقتصار في نجاسة الغسالة بالمقدار المستفاد من أدلة انفعال الماء القليل بلا خصوصية للمورد لعدم الدليل علي الاختصاص لكن هذا ليس قولا بالتفصيل بل موافق للقول بالانفعال مطلقا.

و الحق: هو القول بالانفعال علي الاطلاق و بعبارة اخري: لا نفرق بين المقام و غيره.

فنقول: حيث انه لا فرق في الانفعال بين أن يكون الماء واردا علي النحاسة و بين أن يكون مورودا لها و من ناحية اخري قلنا بأنه لا خصوصية للمورد يكون

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 225

______________________________

مقتضي القاعدة أن نقول: بأن الغسالة ان كانت مزيلة للعين كانت نجسة اذ المفروض ملاقاة النجاسة للماء و ان لم تكن مزيلة فان كان المغسول بالماء متنجسا بعين النجاسة كما لو أصاب اليد البول و بعد زواله بالماء تنجس الماء المغسول به اذ ثبت في محله ان العين الملاقية لعين النجس تنجس الماء القليل و أما لو فرض أن اليد تنجست بالماء الملاقي لعين النجاسة ثم تجففت ثم غسلت بالماء القليل لم تنجس الغسالة لعدم الدليل

علي الانفعال بهذا المقدار.

فالميزان تحقق موضوع انفعال الماء فمع تحققه تتحقق النجاسة و مع عدمه فلا، بلا فرق بين الغسلة المزيلة و غيرها و بلا فرق بين الغسلة المتعقبة للطهارة و غيرها.

و اختار سيدنا الاستاذ القول الرابع و استدل علي طهارة الغسلة المتعقبة للطهارة بأن القول بالنجاسة يستلزم أحد الامرين: اما نجاسة الغسالة بعد الانفصال و اما استمرار النجاسة الي حين الانفصال و كلاهما باطل اذ لا موجب للانفعال بعد الانفصال فلا بد من الالتزام بنجاسته قبل الانفصال و عليه يلزم الالتزام بنجاسة المتخلف في المغسول كالثوب مثلا فلو كانت الغسالة المنفصلة نجسة كان المتخلف أيضا نجسا و لم يقل به احد اذ لازمه تأثير تجفيف المتنجس في حصول التطهير.

و بعبارة اخري: ان قلنا بأن الجزء المتخلف طاهر قبل انفصال الغسالة لزم اختلاف حكم الماء الواحد و ان قلنا بطهارته بعده لزم الحكم بطهارته من دون مطهر.

و ثانيا: أن القول بنجاسة الغسالة قبل الانفصال يستلزم بقاء المحل علي النجاسة و عدم امكان تطهيره الي الابد اذ الماء الموجود في المغسول نجس فيكف يؤثر في طهارة المحل و بعد الانفصال لا مطهر للمحل علي الفرض و لذا

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 226

______________________________

قال سيد العروة: «ان خروج الغسالة من المطهرات» و لا يمكن الالتزام به لبعده عن الاذهان العرفية.

و ثالثا: أن الالتزام بما ذكر قد يوجب تنجس جميع الجسم المغسول المتنجس بعضه و ذلك فيما لو فرضنا تنجس بعض أطراف الثوب مثلا فصب عليه الماء لأجل التطهير فلا محالة تجري غسالته الي غير الموضع المتنجس فاذا أردنا تطهيره تنجس موضع آخر و هكذا و كيف يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

فيجب الالتزام بطهارة الغسالة المتعقبة للطهارة هذا ملخص ما

أفاده في هذا المقام.

و نقول- في جواب هذا الاستدلال مستمدين من الملك العلام-: ان ماء الغسالة ينفعل بمجرد ملاقاة ما يوجب انفعاله و يكون مجموع الماء المصاب للمغسول نجسا و لا مانع من كونه مطهرا للثوب لكن يشترط انفصاله عن المغسول و ليس هذا بعيدا عن الذهن العرفي بل الاذهان العرفية تساعده و لذا نري أنه لو غسل شي ء غير نظيف بالماء فما دام لم تنفصل الغسالة عن ذلك الشي ء لا يحكم بنظافته فلم يلزم بقاء المتنجس علي نجاسة الي الابد بل يطهر بانفصال الغسالة.

و أما الماء الموجود الباقي في الثوب أو غيره لا ينجس المغسول لعدم دليل علي تنجيسه بل الدليل قائم علي خلافه و هو دليل التطهير بالغسل بل نلتزم بطهارة الباقي بعد انفصال الغسالة كما هو الحال في التطهيرات العرفية الخارجية اذ العرف لا يتنفر من الغسالة الباقية في المغسول و وزان الشرع وزان العرف في هذا الباب كما هو مسلم عند سيدنا الاستاد فلا يلزم المحذور الاول و هو نجاسة الجزء المتخلف اذ قلنا بأنه تبعا للمغسول يطهر و أيضا ظهر عدم بقاء نجاسة المغسول الي الابد و هو المحذور الثاني اذ قلنا بان المحل يطهر بانفصال الغسالة.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 227

______________________________

و أما المحذور الثالث و هو لزوم نجاسة جميع الثوب الذي تنجس جزء منه فلا يلزم أيضا اذ يمكننا بأن نقول كما أن المتخلف في الثوب يطهر بالتبع يطهر ما تنجس من الثوب من سراية الغسالة أيضا.

و ملخص الكلام: أن الجمع بين أدلة انفعال القليل بالمقدار المستفاد منها و أدلة جواز غسل المتنجس و تطهيره بالقليل ما ذكرنا فانه لا دليل علي طهارة الغسالة المنفصلة في مورد انفعالها حسب

القواعد كما أنه لا اشكال في حصول الطهارة بالغسل و عدم نجاسة المتخلف و عدم نجاسة غير الموضع النجس من الثوب فان الضرورات تقدر بقدرها لا الزائد عليها و هذا القول عين القول الاول غاية الأمر يكون الاختلاف في انفعال القليل سعة و ضيقا فانه لو قلنا بأن الماء القليل ينجس بملاقاة المتنجس و لو مع الوسائط تكون الغسالة نجسة مطلقا و الا فلا، فلا تغفل.

و ربما يقال: في مقام اثبات طهارة الغسلة المتعقبة للطهارة بأنه يلزم من القول بالنجاسة خرق قواعد ثلاث: الاولي: أن النجس لا يطهر، الثانية: الماء الواحد لا يكون محكوما بحكمين، الثالثة: أن المتنجس منجس و الوجه فيما ذكر أنه علي القول بالنجاسة يلزم أن يكون الماء النجس مطهرا و الحال أنه يشترط في المطهر أن يكون طاهرا و حيث ان المتخلف من الغسالة طاهر بلا كلام يلزم أن يكون الماء الواحد مقداره نجسا و هو المنفصل و مقداره طاهرا و هو المتخلف و أيضا يلزم أن لا يكون المتنجس منجسا و الا يلزم تسرية النجاسة الي جميع الثوب الذي تنجس جانب منه فانه بعد ما صب عليه الماء تسري الغسالة الي الي المحل الطاهر فينجس و هكذا و مع دوران الامر بين تخصيص قاعدة واحدة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 228

______________________________

و هي انفعال الماء القليل و بين تخصيص قواعد ثلاث الترجيح مع الاول و لا أقل من التساقط و الرجوع الي الاستصحاب أو القاعدة.

و يجاب عن هذا الاشكال أولا: بأن القواعد الثلاث لا تكون حجة في المقام لخروج المقام عن تحتها اما بالتخصيص أو بالتخصص اذ الماء المفروض اما طاهر فيكون خارجا عن تحتها بالتخصص و اما نجس فتكون القواعد مخصصه

بلا كلام فلا دوران و لا تعارض كي تصل النوبة إلي التقديم أو الي التساقط و الاخذ بقاعدة اخري كالاستصحاب و قاعدة الطهارة.

و ثانيا: يمكن لنا أن نقول: بأن القواعد الثلاث لم تخصص و لم تخرق اذ لا مانع من القول بكون النجس مطهرا في المقام فان الماء النجس لا يمكن أن يكون مطهرا فيما تكون نجاسته عارضة عليه من غير ناحية التطهير و أما النجاسة الحاصلة بالتطهير فلا دليل علي منعها عن التطهير بل الارتكاز العرفي علي خلافه كما أن مقتضي الدليل الشرعي كذلك و أما الماء الواحد فلا يكون حكمه متعددا بل نقول: بأنه نجس غاية الامر الباقي يطهر بالانفصال.

و ان شئت عبر: بأنه يطهر بالتبعية و عدم كون التبعية من المطهرات كلام لا يرجع الي محصل فانه لا مانع عنها ثبوتا و مقتضي الدليل اثباتا كذلك.

و بهذا البيان يجاب عن الاشكال الثالث و هو تخصيص تنجيس المتنجس اذ نلتزم بطهارة ما وصلت اليه الغسالة بالتبع و لا مانع منه و اللّه العالم.

ان قلت: ربما يحصل الطهارة في المحل و لا يمكن الالتزام بطهارة المتخلف اذ لم ينفصل ماء الغسالة فالمحذور باق و هذا يتصور فيما تنجس أعلي الكف فصب عليه الماء و جري عليه حتي انفصل من أطراف الاصابع فهذا

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 229

______________________________

الانفصال من أعلي الكف يتقدم علي الانفصال من أطراف الاصابع و طهارة المحل مقارنة للأول و طهارة المتخلف مقارنة للثاني فأين التبعية؟.

قلت: بعد انفصال الماء من أعلي الكف يبقي مقدار من الغسالة في المحل و ذلك المقدار يطهر بمجرد الانفصال و ليس فيه ذلك المحذور المذكور اذ الباقي بعد الانفصال غير ما انفصل من الا علي و ينفصل

بعد ذلك من الاصابع.

و ان شئت فقل: لا يعقل حصول الانفصال من الاعلي و بقاء مقدار من الغسالة علي المحل و مع ذلك تكون الوحدة بين أجزاء الغسالة محفوظة كي يتحقق المحذور المذكور.

نعم يمكن فرض استمرار الجريان كما لو غسل الاعلي من الكف بماء الابريق بأن يصب الماء بالابريق علي الاعلي و يستمر الصب فانه يطهر الاعلي بمرور الجزء الاول من الماء و الجزء الثاني يكون طاهرا و لا محذور اذ لا يلزم صدق الوحدة كي يتوجه المحذور و مع عدم الوحدة العرفية و عدم تقوي الاجزاء عرفا لا مانع من اختلاف احكام الاجزاء فلاحظ.

و ملخص الكلام: أنه لا وجه لرفع اليد عن قاعدة انفعال الماء القليل نعم كما قلنا لا بد من الاقتصار علي مقدار دلالة الادلة في ذلك و الذي يستفاد من تلك الادلة- كما مر البحث فيها- أن الماء القليل ينفعل بملاقاة عين النجاسة و ينفعل أيضا بملاقاة ما لاقي عين النجس فلو قلنا بأن المتنجس لا يكون منجسا و فرضنا نجاسة اليد مثلا بملاقاة الماء الملاقي للنجاسة فاردنا تطهير اليد بعد تجفيفها لا تكون الغسالة في مفروض الكلام نجسا لعدم المقتضي للنجاسة.

و ربما يستدل علي المدعي بجملة من النصوص:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 230

______________________________

منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال:

الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

بتقريب: أن النهي عن الوضوء بماء الغسالة لأجل النجاسة.

و فيه: أولا: أن السند مخدوش

بأحمد بن هلال و ثانيا: أنه لا ملازمة بين الامرين و يمكن الالتزام بعدم جواز الوضوء من جهة أن المستعمل في الخبث لا يمكن رفع الحدث به.

و منها ما رواه العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: ان كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالارسال اذ الشيخ رواها في الخلاف عن العيص و حيث انه لا يمكن روايته عنه بلا واسطة لاختلاف الطبقة، تكون مرسلة و لا دليل علي كون روايته من كتابه كي يقال: بأن طريقه اليه صحيح، و يؤيد ذلك أنه لم يذكر الرواية في كتابي الحديث: التهذيب و الاستبصار و مجرد نسبة الشيخ الرواية الي العيص لا تدل علي كون الرواية من الكتاب- كما في الحدائق- اذ يمكن أن يكون بواسطة اخري اضف اليه ان طريق الشيخ الي كتاب العيص مخدوش مضافا الي أن دلالة الرواية مخدوشة اذ لا يبعد أن يكون المراد من الرواية فرض وجود البول أو غيره من الاعيان النجسة في الطشت لكنه خلاف الاطلاق و ليس هذا اشكالا تاما.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 13.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 231

______________________________

و منها: ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل، و كم مرة يغسل، قال: يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر

«1».

بتقريب: أن الامر بالافراغ يدل علي نجاسة الغسالة و لو لا ذلك لم يكن وجه للإفراغ.

و فيه: أن الافراغ مقوم لصدق الغسل بالماء القليل بخلاف الكثير فان انفصال الماء عن المغسول لا يشترط في صدق الغسل به فهذه الرواية أيضا لا تكون دليلا.

و منها: النصوص الدالة علي النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام المذكورة في الوسائل في الباب 11 من ابواب الماء المضاف.

منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

و اياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا اهل البيت فهو شرهم فان اللّه تبارك و تعالي لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و أن الناصب لنا أهل البيت لا نجس منه «2».

و هذه الروايات المذكورة في الباب المشار اليه مضافا الي أن اكثرها ضعيفة سندا، لا تدل علي المدعي اذ غسالة الحمام تجتمع من مختلف الغسالات الكثيرة التي يكون بعضها نجسا بلا اشكال و مع الامتزاج يصير المجموع نجسا فالدليل

______________________________

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 232

______________________________

علي نجاستها لا يكون دليلا علي نجاسة الغسالة علي نحو الاطلاق.

بالاضافة الي أنه قد علل في تلك الاخبار بأنه يغتسل فيها ولد الزنا و الحال أنه لا اشكال في عدم نجاسته و أما الاجماع المدعي في المقام علي نجاسة الغسالة علي الاطلاق فحاله في الاشكال واضح كبقية الاجماعات المنقولة.

و ربما يستدل علي طهارة الغسالة بجملة من الروايات:

منها ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن الغير أو عن الاحول أنه قال لأبي عبد اللّه عليه

السلام في حديث: الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجي به؟ فقال: لا بأس فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال:

قلت: لا و اللّه فقال: ان الماء أكثر من القذر «1».

و فيه: أولا: أن الرواية لا اعتبار بها سندا للإرسال.

و ثانيا: أن هذه الرواية بهذا التقريب تقتضي عدم انفعال الماء القليل و الكلام في المقام بعد الفراغ عن انفعاله.

و منها: ما رواه عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة فيقع في الاناء ما ينزو من الارض فقال:

لا بأس به «2».

و فيه: أولا أنها ضعيفة سندا بمعلي بن محمد، و ثانيا: أنه حكم خاص في مورد خاص و مع التعدي يلزم القول بعدم انفعال الماء القليل و هو خلاف المفروض.

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الماء المضاف الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف: الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 233

______________________________

و منها ما رواه أبو هريرة: أن اعرابيا بال في المسجد فقال النّبيّ صلي اللّه عليه و آله: صبوا عليه سجالا من ماء أو قال: ذنوبا من ماء «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بأبي هريرة مضافا الي أن دلالتها علي المدعي غير تام فيمكن النقاش في دلالتها.

و منها: ما رواه محمد بن النعمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له:

أستنجي ثم يقع ثوبي فيه و أنا جنب؟ فقال: لا بأس به «2».

بتقريب: أن الاستنجاء من المني و مع ذلك حكم بعدم تنجس الثوب الواقع فيه.

و فيه: أولا: أنه يمكن أن يكون الوجه في السؤال احتمال خصوصية في حال الجنابة لا أن يكون المقصود الاستنجاء من المني.

لكن

الانصاف أن هذا الاحتمال غير معتد به و خلاف الظهور العرفي.

و ثانيا: أنه حكم وارد في مورد خاص و لا وجه للتعدي.

و ثالثا: أن عدم تنجس الثوب لا يدل علي طهارة الماء بل يدل علي عدم تنجيس الماء المستعمل الا أن يقال: بأن المستفاد من بعض أدلة انفعال الماء القليل أن الماء القليل المنفعل بعين النجاسة ينجس ملاقيه.

لاحظ ما رواه عمار بن موسي الساباطي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يجد في انائه فارة و قد توضأ من ذلك الاناء مرارا أو اغتسل منه أو غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلخة فقال: ان كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو

______________________________

(1) المستدرك الباب 52 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الماء المضاف الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 234

______________________________

يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و ان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من ذلك الماء شيئا و ليس عليه شي ء لأنه لا يعلم متي سقطت فيه ثم قال: لعله أن يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها «1».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة «2».

و غاية ما يستفاد من هذه الرواية عدم تنجس الثوب بماء الغسالة و هذا لا يدل علي المدعي.

و بعبارة اخري: لو التزمنا بجواز غسل الثوب في المركن بأن نضع الثوب في

المركن و نصب عليه الماء يمكننا أن نلتزم بعدم تنجس الثوب بالغسالة بل يمكن أن يقال: بأنه لا وجه لنجاسة الغسالة كي يلزم هذا المحذور و ذلك لأنه لو افرغ المركن من الماء المغسول به أولا و جعل فيه ماء آخر فما الوجه في نجاسة الماء الجديد فان المتنجس لا ينجس علي الاطلاق.

و ربما يقال: بأن ادلة انفعال الماء القليل لا تشمل الغسلة المطهرة لان الماء مزيل للنجاسة فلا يكون مغلوبا في قبالها.

و فيه: أن الامر بحسب الارتكاز عكس هذه الدعوي فان الماء كأنه ينقل النجاسة و القذارة من المغسول الي نفسه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 235

و عد ماء الاستنجاء و سيأتي حكمه (1).

[الفصل الرابع إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين و طهارة الآخر]

الفصل الرابع اذا علم اجمالا بنجاسة أحد الإناءين و طهارة الاخر لم يجز رفع الخبث بأحدهما و لا رفع الحدث (2).

______________________________

و ان شئت قلت: كأنه تتحقق معاملة بين المغسول و المغسول به فان الماء يبدل طهارتها بنجاسة المغسول و يتعاطيان.

و ربما يستدل علي المدعي بالاصل.

و من الظاهر أن الاصل لا مجري له مع وجود الدليل كما هو الظاهر.

و صفوة القول: أن الغسالة أحد افراد الماء القليل و حكمها حكمه.

(1) و سيأتي شرح ما في المتن إن شاء اللّه تعالي.

(2) لتنجز العلم الإجمالي بتعارض الاصول في الاطراف كما هو المقرر في محله فانه بعد التعارض لا دليل علي طهارة الإناءين و مع عدم ثبوت الطهارة لا يجوز استعماله لا في رفع الحدث و لا في رفع الخبث بل كاستصحاب محكم.

و لا يخفي: أن ما ذكرنا علي مسلك القوم من عدم جريان الاصل في شي ء من

اطراف العلم الإجمالي و أما علي ما سلكناه في الدورة الاخيرة فلا مانع من جريان الاصل في بعض الاطراف و قد ذكرنا هناك أنه لا مانع من شمول دليل الاصل الاطراف تخييرا.

و لتوضيح الحال لا بد من بيان أقسام التخيير.

فاعلم: أن التخيير علي اقسام:

القسم الاول: التخيير الشرعي الجاري في المسألة الاصولية كالتخيير الوارد

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 236

______________________________

في الاخبار المتعارضة و هذا التخيير في المقام يتصور لكن لا دليل عليه.

القسم الثاني: التخيير الجاري في المسألة الفقهية، و جعله لا يمكن في المقام لا و له الي الترخيص في المعصية.

القسم الثالث: التخيير بحكم العقل في مورد تزاحم واجبين و عدم المرجح في أحد الاطراف و هذا أيضا لا يمكن انطباقه في المقام اذ التزاحم متصور فيما لا يمكن للمكلف امتثال كلا الحكمين كمثال الغريقين و المفروض في المقام امكان امتثال الحكم الواقعي.

القسم الرابع: التخيير العقلي بانضمام الحكم الشرعي كما لو ورد دليل دال علي وجوب اكرام كل عالم بلا اشتراط وجوب اكرام كل منهم بعدم اكرام الاخر ثم علم بعدم وجوب فردين من افراد العام كإكرام زيد و خالد العالمين معا بأن يعلم من الدليل أن اكرام كليهما غير واجب فبحكم العقل نقول: يكون المكلف مخيرا بين اكرام أحدهما و ترك اكرام الاخر اذ اكرامهما معا غير واجب و لكن هل يجب اكرام كل منهما مع ترك اكرام الاخر أم لا؟.

مقتضي اطلاق دليل الوجوب، وجوب الاكرام بالنسبة الي كل منهما مع ترك اكرام الاخر.

و بعبارة اخري: يدور الامر بين رفع اليد عن أصل الدليل و رفع اليد عن اطلاقه فبحكم العقل نرفع اليد عن الاطلاق و النتيجة هو التخيير ففي المقام نقول: لا يمكن الاخذ باطلاق

دليل الاصل لمحذور الوقوع في المعصية و لكن أي مانع من الاخذ به بنحو التخيير و الامر دائر بين رفع اليد عن الاطلاق و عن أصل الدليل و المتعين هو الاول.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 237

______________________________

و عن المحقق النائيني: أن التقابل بين الاطلاق و التقييد تقابل العدم و الملكة فاذا استحال الاطلاق استحال التقييد فلا مجال للتقييد كما أنه لا مجال للإطلاق.

و أورد عليه سيدنا الاستاد: بأنا ذكرنا مرارا أن الاهمال محال في الواقع فاذا استحال الاطلاق وجب التقييد و كون التقابل بينهما بالعدم و الملكة لا يقتضي الالتزام بالاستحالة كما ذهب اليه شيخه قدس سره، فان التقابل بين العلم و الجهل بالعدم و الملكة و الحال أنا نري أن جهل ذاته تعالي بالممكنات محال و علمه بها واجب، و من ناحية اخري نري أن علمنا بذاته محال و الحال أن جهلنا به واجب.

و أيضا التقابل بين الفقر و الغني بالعدم و الملكة و الحال أنا نري فقر ذاته تعالي الي الممكن محال و الحال أن غناه عنه واجب و فقرنا اليه واجب و الحال أن غنانا عنه محال هذا ما اورد عليه.

و لكن يمكن أن يقال ان الكبري الكلية التي ذكرها سيدنا الاستاد و ان كانت تامة لكن يمكن عدم انطباقها علي المورد اذ الاهمال في الواقع و ان كان محالا لكن يتوقف وجود واحد من الاطلاق و التقييد علي الجعل و أما مع عدم جعل الحكم فلا موضوع للإطلاق و التقييد.

و ان شئت قلت انه سالبة بانتفاء الموضوع، فللمحقق المذكور أن يقول:

ان دليل الاصل لا يشمل المقام.

و كيف ما كان الحق ما افاده سيدنا الاستاد من حيث الكبري.

ثم ان سيدنا الاستاد تصدي للجواب

عن هذا التقريب بوجوه:

الوجه الاول: أنه لو كان المانع في المقام الترخيص في الجمع لا يرتفع بما ذكر من التقييد لكن المانع هو الجمع في الترخيص و هذا المانع موجود بعد

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 238

______________________________

لأنا اذا فرضنا أن المكلف تارك لكلا الطرفين كان ارتكاب كل واحد منهما جائزا له لحصول قيده و الحال ان المحرم المنهي عنه موجود فيهما.

و يرد عليه: أن ما ذكر من المحذور ليس محذورا و ذلك لان المانع و المحذور في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، اما من ناحية المبدأ و اما من ناحية المنتهي، اما من ناحية المبدأ فلا محذور اذ الاحكام من الاعتباريات و لا تنافي بينها و اما من ناحية المنتهي فلا يتخير المكلف في مقام العمل اذ علي فرض ارتكاب احد الطرفين لا يجوز له ارتكاب الطرف الاخر لفقدان شرطه و علي فرض عدم ارتكاب شي ء من الطرفين لا يلزم الجمع بين المنع و الترخيص في المعلوم كما هو ظاهر.

و ان شئت قلت: القضية الشرطية لا تنقلب الي المطلقه و يتضح ما ذكرنا بملاحظة الخطاب الترتبي في باب المتزاحمين فان وجوب الاتيان بكل من الطرفين مشروط بترك الطرف الاخر فلو فرض أن المكلف ترك كلا الطرفين لا ينقلب الوجوب المشروط الي الوجوب المطلق.

نعم يمكن أن يقال: أنه يستحق عقا بين لصدق تركه الواجبين لإمكان صرف قدرته في كل من الطرفين علي البدل مثلا في مثال الغريقين اذا وقف المكلف و امتنع عن الانقاذ و لم ينقذ حتي الواحد منهما يصح أن يقال: أنه ترك انقاذ زيد بلا عذر و أيضا يصدق أنه ترك انقاذ عمرو لا عن عذر فيستحق عقابين مع أن المشروط لم ينقلب

الي المطلق.

الوجه الثاني: أن حرمة الفرد المعلوم بالاجمال مطلقة بلا تقيد كما أن حلية الفرد الاخر كذلك فكيف يمكن جعل الترخيص المقيد؟ فان الحكم الظاهري لا بد أن يطابق الحكم الواقعي احتمالا و في المقام لا يحتمل التطابق أما مع

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 239

______________________________

فرض كون المختار للمكلف هو الحرام فواضح و أما مع فرض كونه هو الحلال فأيضا التطابق غير محتمل، اذا الحلية الواقعية مطلقة و الحلية الظاهرية مقيدة فلاحظ.

و يرد عليه: أن هذا المدعي لا دليل عليه فان المسلم أن الحكم الظاهري يشترط فيه احتمال تطابقه مع الواقع من حيث السنخية مثلا في مورد احتمال الحل لا بد من احتمال كون الحكم الواقعي الحلية و السرّ فيه أنه مع عدم الاحتمال و القطع بالخلاف يكون مرجع الحكم الظاهري الي القطع بحكمين متخالفين و هذا لا يمكن للإشكال المتحقق في مورد العبد المعبر عنه بمقام الانتهاء و أما الزائد علي هذا المقدار فلا دليل عليه بل المحكم اطلاق دليل الحل.

الوجه الثالث: أن لازم هذا القول شمول دليل الاصل لجميع الاطراف من أول الامر فيما كان بين تلك الأطراف تضاد لا يمكن الجمع بينها و الحال أنه ليس الامر كذلك.

و يرد عليه: أن هذا أهون من سابقيه اذ ما ذكر بعنوان الاشكال و النقض من مصاديق الكبري الواقعة في محل الكلام غاية الامر في بقية الموارد يمكن الاطلاق و لا بد من التقييد و في المثال الاطلاق غير متصور.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم: أن الحق في المقام أن يقال: ان مقتضي القاعده الالتزام بالجواز في أحد الطرفين مع ترك الطرف الاخر لتمامية المقتضي و عدم المانع أما الاول فلا طلاق دليل الاصل و أما الثاني

فلان المحذور منحصر في ناحية المنتهي و المفروض أن هذا المحذور غير متوجه في المقام كما علم مما تقدم.

و لسنا منفردين في هذه المقالة فان المحقق التنكابني نقل في كتابه (شرح الفرائد) أنه التزم به المقدس الأردبيلي و تلميذه صاحب المدارك و جماعة من

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 240

و لكن لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما (1) الا اذا كانت الحالة السابقة فيهما النجاسة (2).

و اذا اشتبه المطلق بالمضاف جاز رفع الخبث بالغسل بأحدهما ثم الغسل بالاخر و كذلك رفع الحدث (3) و اذا اشتبه المباح بالمغصوب حرم التصرف بكل منهما (4) و لكن لو غسل نجس بأحدهما طهر (5)

______________________________

الاعلام- علي ما في الدرر النجفية-.

(1) لاستصحاب بقاء الطهارة في الملاقي كما ثبت في محله من طهارة ملاقي الشبهة المحصورة.

(2) اذ في هذه الصورة يكون استصحاب النجاسة في الملاقي بالفتح مقتضيا لإثبات النجاسة في الملاقي بالكسر.

و ان شئت قلت: ان الشك في نجاسة الملاقي بالكسر مسبب عن الشك في نجاسة الملاقي بالفتح و مع جريان الاصل في السبب لا تصل النوبة الي جريانه في المسبب كما هو المقرر في الاصول.

(3) و الوجه فيه: أنه يحصل العلم بالطهارة في كلتا الصورتين.

و بعبارة اخري: يعلم المكلف بأن التطهير و الاغتسال تحققا بالماء المطلق فلا وجه للفساد بوجه و هذا ظاهر.

(4) حتي بالرش علي الارض و ذلك لتنجر العلم الإجمالي بتعارض الاصول في الاطراف.

(5) و الوجه فيه ظاهر اذ لا يشترط في ارتفاع الخبث الاباحة بل تحصل الطهارة بالغسل بالماء الطاهر بأي وجه كان.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 241

و لا يرفع بأحدهما الحدث (1).

و اذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة جاز الاستعمال مطلقا (2) و ضابط غير المحصورة أن تبلغ

كثرة الاطراف حدا يوجب خروج بعضها عن مورد التكليف (3).

______________________________

(1) اذ يعتبر في الماء الذي يغتسل أو يتوضأ به أن يكون مباحا و يشترط في الطهارات الثلاث قصد القربة و مع عدم جواز التصرف كيف يمكن تحصيل الطهارة بالماء المحتمل كونه غصبا نعم لو قلنا: بأنه يمكن قصد القربة بالمباح المردد في البين و يمكن اجتماع رجاء المطلوبية مع تنجز الحرمة فتوضأ بكليهما يرتفع الحدث و لكن يتوقف علي صحة الصغري في الشرطية.

(2) بلا فرق بين الموارد لعدم تنجز العلم الإجمالي و عدم مانع من جريان الاصل في بعض الاطراف و مع جريان الاصل يتحقق الموضوع و لا مجال للتأمل في ترتب الحكم عليه.

(3) الظاهر أن الميزان الذي أفاده هو الصحيح فان السر في تنجز العلم الإجمالي عبارة عن العلم بأصل التكليف و الشك في انطباقه علي الاطراف فلو خرج بعض الاطراف عن محل الابتلاء بحيث لو كان موضوع التكليف ذلك الطرف لم يكن التكليف متوجها الي المكلف كما لو علم بنجاسة انائه في الدار او اناء زيد في الهند، لم يكن مثل هذا العلم منجزا فانه لو علم تفصيلا بنجاسة الاناء الهندي لم يكن منجزا في حقه فكيف مع الاجمال و عليه لا يكون جريان الاصل بالنسبة الي الطرف الاخر الذي هو محل الابتلاء ممنوعا بل يجري فيه الاصل بلا معارض.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 242

و لو شك في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة فالاحوط استحبابا اجراء حكم المحصورة (1).

[الفصل الخامس الماء المضاف كماء الورد و نحوه و كذا سائر المائعات ينجس القليل و الكثير منها بمجرد الملاقاة للنجاسة]

اشارة

الفصل الخامس الماء المضاف كماء الورد و نحوه و كذا سائر المائعات ينجس القليل و الكثير منها بمجرد الملاقاة للنجاسة (2).

______________________________

(1) بأن يجتنب من جميع الاطراف فان الاحتياط حسن و لعله مستحب و

أما الوجوب فلا، اذ مناط التنجيز و هو العلم بالتكليف مع الشك مفقود و بعبارة اخري ليس للمكلف علم بالتكليف فلا تغفل.

(2) يقع الكلام في هذا الفرع في مقامين:

أحدهما: في أصل انفعال المضاف بملاقاه النجاسة.

ثانيهما: بعد ثبوت الانفعال هل يفرق بين القليل و الكثير أو الانفعال حكم لكل من القليل و الكثير أما المقام الاول فما يظهر في المقام من بعض كلمات القوم أنهم متسالمون علي أصل الحكم و لم يستشكل فيه أحد.

و يمكن أن يستدل عليه بما ورد من الاخبار في نجاسة الزيت و السمن و المرق و نحوها بملاقاة النجاسة، فمن تلك الروايات ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك «1».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتاه رجل فقال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 243

______________________________

وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما تري في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله فقال له الرجل: الفارة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام، انك لم تستخف بالفارة و انما استخففت بدينك ان اللّه حرم الميتة من كل شي ء «1».

و منها: ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام سئل عن قدر طبخت و اذا في القدر فأرة قال: يهرق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «2».

و منها: ما رواه زكريا بن آدم

قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر او نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه اهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله و كله قلت: فانه قطر فيه الدم قال: الدم تأكله النار ان شاء اللّه قلت: فخمر او نبيذ قطر في عجين أو دم قال: فقال:

فسد. قلت: أبيعه من اليهودي و النصاري و ابين لهم؟ قال: نعم فانهم يستحلون شربه قلت: و الفقاع هو بتلك المنزلة اذا قطر في شي ء من ذلك؟ قال: فقال:

اكره أنا أن آكله اذا قطر في شي ء من طعامي «3».

فان موارد هذه النصوص و ان لم تكن من المضاف الا أنها مثله في الميعان الموجب لسراية النجاسة بل يستفاد الحكم الكلي من قوله عليه السلام في رواية جابر فانه لا يبعد أن يستفيد العرف من هذه الرواية أن الميعان يوجب

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 244

______________________________

السراية فلا فرق بين افراده.

و أما المقام الثاني: فلا يبعد شمول معاقد الاجماعات له مضافا الي امكان ادعاء الاطلاق في بعض النصوص فان قوله عليه السلام في حديث زرارة «و ان كان ذائبا فلا تأكله» يشمل باطلاقه أي مقدار من السمن و لا يفرق فيه بحسب هذا الاطلاق بين مصاديقه.

و مما يمكن أن يستدل به ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس «1».

فان مفهوم كلامه

عليه السلام يشمل باطلاقه كل مورد يفرض فيه ما فرضه السائل بلا فرق بين انواع المائع و بلا فرق بين افراده من حيث الكمية و لا مجال لان يقال: بأن الدليل منصرف عن الكثير لقلة وجوده اذ الانصراف عن الفرد الذي يكون قليلا لا وجه له و لا سيما علي مسلك من يري أن الاطلاق عبارة عن رفض القيود، فعليه لا مجال لان يقال: بأن المضاف اذا كان بمقدار اكرار و لقي مقدار منه مع النجاسة يشكل الحكم بنجاسة الجميع لعدم السراية عرفا و عدم وفاء الادلة شرعا.

و عليه يسهل الحكم بطهارة عيون النفط المعلوم غالبا مباشرة الكافر لها فان الحكم بالطهارة لأجل عدم السراية العرفية أشكل لمنافاته للأدلة كما ذكرنا و ملاقاة يد الكافر اذا كان كتابيا لا توجب النجاسة علي القول بطهارة الكتابي.

فالنتيجة: أن المضاف الملاقي مع النجاسة ينجس و لو كان كثيرا بلحاظ

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 245

الا اذا كان متدافعا علي النجاسة بقوة كالجاري من العالي و الخارج من الفوارة فتختص النجاسة حينئذ بالجزء الملاقي للنجاسة و لا تسري الي العمود (1).

و اذا تنجس المضاف لا يطهر أصلا و ان اتصل بالماء المعتصم كماء المطر أو الكر (2).

______________________________

هذه الاطلاقات.

و لسيدنا الاستاذ بيان في المقام و هو: أن الالتزام بعدم انفعال المضاف بالمرة ينافي الادلة الدالة علي الانفعال و القول بالانفعال بنحو الموجبة الجزئية لا يمكن اذ نسأل بأن المضاف الذي لاقاه النجس في بعض نواحيه بأي مقدار ينجس بمقدار شبر أو شبرين أو الثلاثة و هكذا و حيث لا طريق الي التعيين يلزم القول بانفعال الكل.

و يرد عليه: أن هذا منوط بالنظر العرفي

بمعني أن العرف بأي مقدار يحكم بالسراية ففي المقدار الذي لا شك فيه نحكم بالنجاسة و في المقدار الذي يحكم فيه بالعدم نحكم بالطهارة و في مقدار يكون محل الشك و الترديد نتمسك بقاعدة الطهارة أو استصحابها علي القول المشهور.

(1) كما مر في الماء حيث ان العرف لا يري المجموع واحدا.

(2) اذ الدليل الدال علي طهارة الملاقي بالعاصم مخصوص بالماء المطلق و لا يشمل المضاف و من ناحية اخري المتنجس لا يطهر الا بالغسل و من الظاهر أنه لا يمكن تحقق هذا المعني في المضاف الا بارتفاع الاضافة و تغير الموضوع.

و بعبارة اخري: ما دام لا يصل الماء الي اجزاء المضاف لا يصدق الغسل و بعد

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 246

______________________________

تحقق الغسل لا يبقي موضوع لعنوان المضاف.

و نقل عن العلامة: «أن المضاف النجس كما يطهر بالاستهلاك و التصعيد كذلك يطهر بالاتصال بالعاصم من المياه كالكر» و لم يعلم له موافق في هذه المقالة كما أن الظاهر أنه لا دليل علي مقالته اذ ما يمكن أن يكون دليلا علي هذا المدعي امور:

منها: قوله تعالي: «وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1»» بدعوي أن المستفاد من الاية أن الماء مطهر لغيره من الاشياء و المضاف النجس من جملتها.

و فيه: أنه لا دليل علي كون المراد بالآية التطهير من الخبث الشرعي اذ يمكن أن وقت نزول الاية لم يكن حكم النجاسة و الطهارة مجعولا.

مضافا الي أنه علي فرض التسليم ليس في الاية اطلاق يستفاد منه الكيفية و أنه بأي نحو يحصل الطهارة و بأي شرط من الشرائط.

اضف الي جميع ذلك أن التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضي وصول المطهر الي ما يتطهر به و من الظاهر أن وصول

الماء بكل جزء من المضاف يخرجه عن هذا العنوان.

و منها: قوله تعالي: «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ» «2».

و تقريب الاستدلال و الجواب عنه يعرف مما ذكرنا في الاية السابقة فلا نعيد.

و منها: ما رواه داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان بنو اسرائيل اذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع

______________________________

(1) الفرقان: 46.

(2) الانفال: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 247

______________________________

اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية طهارة كل نجس بالماء علي الاطلاق.

و يرد عليه: أن هذه الروية في مقام بيان اصل النعمة و أما أنه بأي نحو و أي شرط فليست الرواية في مقام بيانهما مضافا الي أن التناسب العرفي بين الحكم و الموضوع يقتضي ما ذكرنا في ذيل الجواب عن الاستدلال بالآية.

و منها ما رواه الصدوق قال: و قال عليه السلام الماء يطهر و لا يطهر «2».

و الكلام فيه هو الكلام مضافا الي أنه مرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت: يسيل علي من ماء المطر أري فيه التغير و أري فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي و ينتضح علي منه و البيت يتوضأ علي سطحه فيكف علي ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر «3».

و مثله ما أرسله العلامة في المختلف عن أبي جعفر عليه السلام حيث أنه اشار الي غدير من الماء و قال: ان هذا لا يصيب شيئا الا و طهره.

و تقريب الاستدلال بهما أنه لو اتصل

المضاف بالكر يصدق أنه أصابه الكر كما أنه لو أمطر عليه يصدق أنه يراه المطر.

و فيه: أولا أنهما لا اعتبار بهما لإرسالهما و ثانيا: لو تم هذا التقريب يلزم أن الفرش النجس لو أصاب المطر بأحد جوانبه أن يتطهر و كذلك لو أصاب

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب الماء المطلق الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 248

نعم اذا استهلك في الماء المعتصم كالكر فقد ذهبت عينه (1) و مثل المضاف في الحكم المذكور سائر المائعات (2).

______________________________

الكر موضعا منه و اني لنا بذلك.

فالتناسب بين الحكم و الموضوع يقتضي أن يكون الوصول أو الرؤية بنفس الموضع النجس و تحقق هذا المعني في المضاف يلازم انعدام الموضوع كما هو واضح.

ان قلت: فعليه يلزم أن الماء المتنجس لا يطهر الا بالاستهلاك في العاصم و اللازم باطل فالملزوم مثله.

قلت: انما نخرج في الماء بأحد امور: اما الاجماع و لا اجماع في المقام و اما بحديث محمد بن اسماعيل عن الرضا عليه السلام قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتي يذهب الريح و يطيب طعمه لان له مادة «1».

و اما باخبار طهارة ماء الحمام فانه يستفاد من رواية ابن بزيع بعموم التعليل ان الاتصال بالعاصم يوجب طهارة الماء المتنجس كما أن المستفاد من روايات ماء الحمام طهارة ما في الحياض بالاتصال بالمادة و هذا التقريب لا يتم بالنسبة الي المضاف كما أنه لا اجماع في المقام بل الامر بالعكس و مقتضي الاصل عدم مطهرية شي ء للمضاف فلاحظ.

(1) و ينهدم الموضوع.

(2) لوحدة الملاك.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14

من أبواب الماء المطلق الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 249

[مسألة 21: الماء المضاف لا يرفع الخبث]

(مسألة 21): الماء المضاف لا يرفع الخبث (1).

______________________________

(1) المشهور فيما بين القوم أنه لا يطهر المتنجس بالمضاف و يلزم في حصول الطهارة الغسل بالماء الا فيما دل عليه الدليل الشرعي في موارد خاصة.

و في قبال القول المعروف قولان.

أحدهما للمحدث الكاشاني حيث ذهب الي أن النجاسة لا تسري الي الاجسام الصيقلية كالزجاج و نحوه نعم في بعض الموارد تسري النجاسة اليه اذا لاقاه النجس كالثوب و البدن و أما في غيره فيكفي في طهارته إزالة العين فتكون الاجسام كباطن الانسان حيث لا ينجس و لو تنجس تطهر بزوال النجاسة.

ثانيهما: ما نسب الي المفيد و السيد حيث ذهبا الي أن الغسل لا يلزم ان يكون بالماء المطلق بل الغسل بالمضاف أيضا يكفي.

و بعبارة اخري: يشترط في التطهير حصول عنوان الغسل أعم من أن يكون ما يغسل به ماء أو مضافا أو شيئا آخر كالنفط و أشباهه غاية الامر يشترط فيه أن يكون طاهرا.

أما القول الاول ففيه: أن العرف يفهم مما ورد في باب الثوب و البدن و الاواني و أشباهها أن حصول الطهارة يتوقف علي طهور من ماء أو غيره و لا تحصل الطهارة بمجرد زوال النجاسة، كما أن النظافة العرفية لا تحصل الا بالتنظيف بشي ء كالماء مثلا مضافا الي أنه لا يمكن المساعدة معه فان بقاء النجاسة في المتنجس و توقف زوالها علي المطهر مما لا اشكال فيه و من الامور المركوزة في الاذهان و لو كان كما قال لشاع و ذاع.

اضف الي ذلك: أن استصحاب بقاء النجاسة ما دام لم يتحقق المطهر في الخارج يقتضي بقائها لكن هذا علي مذهب المشهور القائلين بجريان الاستصحاب

مباني

منهاج الصالحين، ج 1، ص: 250

______________________________

في الحكم الكلي لا علي مسلك سيدنا الاستاد و هو المسلك المنصور فلا تغفل.

و مضافا الي ما تقدم يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه عمار «1» فان مقتضي هذه الرواية وجوب غسل كل ما أصابه ذلك الماء المتنجس فلا مجال لما أفاده الكاشاني.

و ما يمكن أن يستدل به علي مدعي المفيد و السيد أمور:

الاول: الاجماع. و فيه: أنه اجماع علي الصغري أو اجماع علي الكبري؟

و بعبارة اخري: تارة يدعي بأنه قام الاجماع علي كفاية غسل المتنجس بالمضاف، و اخري يدعي أنه قام الاجماع علي طهارة ما يشك في طهارته و اباحته فمع الشك في النجاسة تكون القاعدة محكمة كما أن شربه او أكله جائز لقاعدة الحل فان كان المراد بالإجماع، الاجماع علي الصغري ففساده أوضح من أن يخفي، اذ كيف يمكن ادعاء الاجماع مع عدم القول به الا من هذين العلمين؟ و ان كان المراد به الاجماع علي الكبري فصحيح، لكن يتوقف الاخذ بالاصل علي عدم الدليل فعلي تقدير تمامية الادلة و اثبات أن المستفاد منها اشتراط الطهاره بالغسل بالماء لا بالاعم منه، لا يمكن الاخذ بالاصل و القاعدة كما أنه لو ثبت استصحاب بقاء النجاسة بالاصل الحاكم علي القاعدة لا يبقي مجال للتمسك بها و مقتضي الاصل الحاكم، النجاسة فان مقتضي الاستصحاب عدم جعل الشارع المضاف مطهرا.

و بعبارة اخري: نشك في أنه هل جعل الشارع المضاف مطهرا للمتنجس أم لا؟ فيكون مقتضي الاستصحاب عدمه فلا تصل النوبة الي قاعدة الطهارة فلا نحتاج

______________________________

(1) لاحظ ص 233.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 251

______________________________

الي استصحاب النجاسة كي يقال: بأنه معاوض بعدم الجعل الزائد بل نجري الاصل في ناحية عدم جعل الشارع المطهرية للمضاف.

الثاني: تنقيح

المناط: بأن يقال: أن الغرض من الغسل بالماء ازالة النجاسة فليس للماء خصوصية.

و فيه: أولا: انه يلزم تمامية ما أفاده الكاشاني فان الازالة اذا حصلت بالدلك كان اللازم القول بالطهارة لوحدة الملاك.

و ثانيا: علي تقدير ثبوت الدليل علي وجوب الغسل لا يبقي مجال لهذه المقالة و تنقيح المناط أمر لا يمكن في الامور التعبدية التي لا طريق اليها بل لنا أن نقول:

بأنه لا يمكن التعدي عن مقتضي الادلة و لو بعد تنقيح المناط اذا الطهارة و النجاسة أمران اعتباريان، لا يتحققان بدون اعتبار الشارع و مع تنقيح المناط لو لم يعتبر الشارع الطهارة لا يمكن ترتيب آثارها كما هو ظاهر فتأمل.

الثالث: قوله تعالي: وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ «1» بتقريب: أن مقتضي اطلاق الاية حصول التطهير بأي شي ء و منه المضاف.

و فيه: أولا: أن التفسير الوارد في مورد الاية يقتضي أن يكون المراد بالتطهير التشمير أي قصر الثوب لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالي: «وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ» فشمر «2».

و ثانيا: أنه علي فرض التنزل لا يكون في الاية اطلاق و المفهوم منها مجرد التطهير و لكن بأي نحو و أي شي ء فليس في الاية تعرض له و الا يلزم القول بمقالة الكاشاني.

______________________________

(1) المدثر: 4.

(2) البرهان ج 4 ص 399.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 252

______________________________

الرابع: اطلاق الامر بالغسل فان الغسل كما يصدق اذا كان بالماء كذلك يصدق فيما يكون بالمضاف بل بغيره من المائعات.

و الانصاف: أن دعوي الاطلاق ليست جزافية فانه لو غسل أحد يده بالاسبرتو يصدق عنوان الغسل بلا كلام و يرتب العرف آثار النظافة علي النظافة الحاصلة بالغسل بأمثاله و ليس هذا الا من جهة صدق

هذا العنوان.

نعم يمكن أن يدعي أحد بأن الامر و ان كان كذلك، لكن كثرة افراد الغسل بالماء تقتضي انصراف اللفظ الي الفرد الكثير.

لكن يرد عليه: أن ندرة الافراد لا توجب الانصراف اليها لا أنها تقتضي الانصراف عنها.

و ملخص الكلام: أن الانصراف اذا كان بحد يوجب ظهور اللفظ في نوع خاص بحيث لا يصدق علي غيره و لو بعد التأمل و النظر، لا يتحقق الاطلاق و الا فلا و اثبات الظهور في مقامنا هذا مشكل.

لكن يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر و هو: أن المركوز في الاذهان من الباب الي المحراب أن الغسل الشرعي يتوقف علي الغسل بالماء و السيرة جارية عليه و لو كان الغسل بغيره أمرا شرعيا لذاع و شاع و لم يكن باقيا تحت الستار بحيث لا يكون به قائلا الا العلمان.

و يؤيد المدعي بل يدل عليه ما ورد في الامر بالغسل في موارد خاصة:

منها: ما ورد من الامر بالاستنجاء بالاحجار، فروي بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي من البول الا الماء «1» فانه يستفاد من هذه الرواية أنه لا بد في تطهير المحل من

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 253

______________________________

غسله بالماء.

و منها ما ورد في كيفية غسل الكوز مثل ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه

ثم يفرغ منه و قد طهر الي أن قال: اغسل الاناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات «1».

فانه لو كان مجرد الغسل كافيا لم يكن وجه لذكر خصوص الماء.

و منها: ما ورد في غسل الثوب مثل ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المر كن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة «2».

و منها: ما ورد في تعفير الاناء ثم غسله بالماء مثل ما رواه الفضل أبو العباس في حديث أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء «3».

و منها ما ورد في غسل الجسد بالماء مثل ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(4) الوسائل الباب الاول من أبواب النجاسات الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 254

______________________________

اضف الي جميع ذلك أن المدعي يستفاد من رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان بنو اسرائيل اذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «1» فانه يستفاد من هذه الرواية حصر المطهر في الماء فانه لو كان غيره مطهرا كان المناسب أن

يذكر في مقام الامتنان.

الخامس: جملة من الروايات:

الاولي: ما أرسله المفيد فانه نقل عنه بأنه بعد ما حكم بجواز الغسل بالمضاف قال: ان ذلك مروي عن الائمة «2».

و عدم اعتبار هذا الحديث أوضح من ان تخفي.

الثانية: ما رواه غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عن علي عليه السلام قال: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق «3».

و هذه الرواية علي تقدير تمامية سندها تكون أخص من المدعي اذ وردت في مورد خاص و هو جواز غسل الدم بالبصاق و لا عموم في مدلولها بل وردت رواية اخري عن غياث عن أبي عبد اللّه عن ابيه عليهما السلام قال: لا يغسل بالبصاق (البزاق خ ل) غير الدم «4»، تدل علي الاختصاص و أنه لا يغسل بالبصاق

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب الماء المطلق الحديث: 4

(2) الحدائق ج 1 ص 402.

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الماء المضاف الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 255

و لا الحدث (1).

______________________________

الا الدم و الظاهر أنه لا اشكال في الرواية سندا و تضعيف المحقق غياث بن ابراهيم لا اثر له حيث انه من المتأخرين.

الثالثة: ما أرسله الكليني قال: روي أنه لا يغسل بالريق شي ء الا الدم «1» و الظاهر أنه ناظر الي رواية غياث و ليست رواية اخري مضافا الي ارسالها.

الرابعة: ما رواه حكم بن حكيم ابن أخي خلاد أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: أبول فلا اصيب الماء و قد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط و بالتراب ثم تعرق يدي فأمسح (فأمس) به وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال: لا بأس به «2».

و هذه الرواية لا ترتبط بما نحن فيه

فانها بعد تمامية سندها تكون من أدلة عدم تنجيس المتنجس كما هو ظاهر لمن أمعن النظر فيها.

فالنتيجة: أنه لا دليل علي جواز رفع الخبث بالمضاف فلاحظ.

(1) ما يمكن أن يستدل به عليه أو استدل أمور:

الاول: الاجماع. و فيه: أنه علي تقدير تحققه ليس اجماعا تعبديا اذ لو لم يكن مقطوعا فلا أقل من احتمال استناد المجمعين الي أحد الوجوه المذكورة في المقام.

الثاني: ما عن الفقه الرضوي من عدم جواز رفع الحدث بالمضاف.

و فيه: أنه ضعيف و لا اعتبار بهذا الكتاب.

الثالث: قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 256

______________________________

وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» فان مقتضي الاية الشريفة عدم جواز الوضوء أو الغسل بغير الماء.

و بعبارة اخري: لا اشكال في انه يفهم من الاية أن أمر المكلف دائر بين تحصيل الطهارة بالماء اما بالاغتسال و اما بالتوضي و مع فقدانه، بالتراب بلا فرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار.

و في قبال هذا القول قولان:

أحدهما: للصدوق حيث نقل عنه جواز رفع الحدث بماء الورد و وافقه الكاشاني.

ثانيهما: ما نسب الي ابن أبي عقيل بأنه يجوز الوضوء بالنبيذ.

و استدل علي مدعي الصدوق بما رواه يونس عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك «2».

و هذه الرواية ضعيفة بسهل و بالعبيدي و مع سقوط

سند الرواية عن الاعتبار لا وجه لملاحظة متنها.

و أما مستند ابن أبي عقيل فهو ما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن بعض الصادقين قال: اذا كان الرجل لا يقدر علي الماء و هو يقدر علي اللبن فلا

______________________________

(1) المائدة: 7.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب المضاف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 257

[مسألة 23: الأسآر كلها طاهرة]

(مسألة 23): الأسآر كلها طاهرة (1).

______________________________

يتوضأ باللبن انما هو الماء أو التيمم فان لم يقدر علي الماء و كان نبيذ فاني سمعت حريزا يذكر في حديث أن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قد توضأ بنبيذ و لم يقدر علي الماء «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا اذ لا ندري أنه ما المراد ببعض الصادقين.

الا أن يقال: بأن قول ابن المغيرة سمعت بعض الصادقين شهادة بصدق المخبر و توثيق اياه.

مضافا الي أن حريزا ينقل ممن و من يكون منقولا عنه له فلا اعتبار بها اضف الي ذلك أنه كيف يمكن الالتزام بمفاد الرواية و يضاف الي ذلك كله أنه ما المراد بالنبيذ؟ فالحق هو القول المشهور.

(1) يظهر من مجمع البحرين: أن السؤر عبارة عن الباقي من الشراب بعد الشرب في الاناء أو الحوض ثم استعير لبقية الطعام و قد يقال في تعريفه:

«السؤر ما باشره جسم حيوان الي أن قال: و لعله اصطلاح انتهي».

و عليه حملت الأسآر كسؤر اليهودي و النصراني.

و كيف كان لا وجه لنجاسة سؤر الحيوان الطاهر لعدم المقتضي للنجاسة بل الدليل قائم علي الطهارة فان رواية البقباق تدل علي المدعي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم أترك شيئا الا

سألته عنه فقال: لا بأس به حتي انتهيت الي الكلب فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 258

______________________________

و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء «1».

و لا فرق فيما ذكرنا بين المحرم أكله و غيره و لا بين المسوخ و غيرها و لا بين الجلال و غيره.

و نقل عن الشيخ في المبسوط وجوب الاجتناب عن سؤر الحيوانات الطاهرة التي لا يؤكل لحمها عدا الانسان و الطيور و ما لا يمكن التحرز عن سؤره كالفأرة و الحيه و الهرة.

و نسب الي الحلي في السرائر: الحكم بنجاسة أسئارها و لا ملازمة بين طهارة الحيوان نفسه و عدم نجاسة سؤره.

و ما يمكن أن يكون وجها للقول بالنجاسة حديثان: أحدهما ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عما تشرب منه الحمامة فقال:

كل ما اكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا أن تري في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه و لا تشرب «2».

ثانيهما ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس أن تتوضأ مما شرب منه ما يؤكل لحمه «3».

و تقريب الاستدلال بالحديثين: أن ظاهرهما في مقام التحديد و لا اشكال في أن الحد له المفهوم فبمفهومهما يدلان علي نجاسة سؤر الحيوان غير ما خرج و عليه لا مجال لان يقال: بأن الروايتين مشتملتان علي العقد الاثباتي

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب الأسآر الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب

4 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الأسآر الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 259

______________________________

و ليس فيهما تعرض للعقد السلبي.

و ملخص الكلام: أن الوصف و ان لم يكن ذا مفهوم لكن لا شبهة في ظهور التحديد في المفهوم بل يمكن تقريب المفهوم بنحو آخر تعرض له سيدنا الاستاد و هو أنه لا اشكال في أن الوصف المذكور في الكلام بظاهره يدل علي دخله في الموضوع و ترتب الحكم عليه و الا يكون ذكره لغوا الا أن تقوم قرينة تدل علي أن ذكره لفائدة، فعليه يدل الوصف علي انتفاء الحكم بانتفائه نعم لا يدل علي انحصار العلة فيه بحيث لو قام دليل علي ثبوت الحكم بعلة اخري يعارضه كما أن الامر كذلك في الشرط و لذا لا يتوجه الاشكال بأنه لو كان الوصف دالا علي المفهوم لم يكن موقع لسؤال الراوي عن ماء شرب منه باز أو صقر فان تعليق حكمه عليه السلام بالجواز علي حلية الا كل يدل علي انتفاء الجواز بانتفائه و وجه عدم توجه الاشكال ما ذكرنا من عدم دلالة ذكر الوصف علي انحصار العلية فيه فينبغي أن يسئل من أنه هل يكون هناك علة اخري للجواز أم لا؟ هذا ما أفاده في هذا المقام.

و الذي يختلج ببالي: أن ما أفاده لا يرجع الي محصل صحيح اذ ما يترتب علي هذا البيان أن الوصف يدل علي اختصاص الحكم بمورده و لا يعم غيره و لكن لا ينفي الحكم عن غير مورده و هذا المقدار موجود في اللقب اذ لا اشكال في ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه و لا اشكال في أن الكلام المقيد لا يدل علي الاطلاق و هذا المقدار

لا يكون دليلا علي المدعي ففي المقام لو شك في طهارة غير المأكول أو غير الطير نرجع الي اصالة الطهارة أو استصحاب العدم الازلي اذا لم يكن عموم أو اطلاق دال علي الطهارة و لكن يكفي للدلالة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 260

______________________________

علي المفهوم كون الكلام مسوقا للتحديد.

الا أنه يعارضهما في موردهما ما يدل علي الطهارة و مما يدل علي طهارة مطلق الحيوان الا الكلب ما رواه البقباق «1».

و مثله في الدلالة علي أن ميزان وجوب الاجتناب عن السؤر نجاسة الحيوان ما رواه معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه أو يتوضأ منه؟ فقال: نعم اشرب منه و توضأ منه قال: قلت له: الكلب؟

قال: لا. قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّه انه نجس، لا و اللّه انه نجس «2»

فيقع التعارض بين الطرفين فان قلنا بمقالة المشهور في مثل هذه الموارد من عدم التعارض العرفي نقول بكراهة الاستعمال و نحمل النهي علي الكراهة و ان قلنا بأنهما متعارضان و لا جمع عرفي بينهما فاللازم اعمال قانون التعارض.

و لا يبعد أن يكون الترجيح مع رواية الجواز اذ يظهر مما ذكر في كتاب «الفقه علي المذاهب الخمسة» ص 26 لمغنية: ان جماعة من العامة قائلون بحرمة الاستعمال فان الحنابلة علي حسب ما في الكتاب المشار اليه قالوا: «بأنه لا يتوضأ بسؤر كل بهيمة لا يؤكل لحمها الا السنور فما دونها في الخلقة».

بل لا يبعد أن يقال: بأن ما دل علي الطهارة موافق للكتاب فان قوله تعالي:

«وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً

طَهُوراً «3»» يدل باطلاقه علي طهارة الماء و لو باشره

______________________________

(1) لاحظ ص 257.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب الأسآر الحديث: 6.

(3) الفرقان: 48.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 261

______________________________

جسم حيوان غير مأكول لحمه و علي فرض عدم الترجيح يتساقطان فتصل النوبة الي الاصل و مقتضاه الطهارة كما أن مقتضي الاصل الحكمي البراءة فلاحظ.

أضف الي ذلك كله أنه لا مجال لهذا التوهم فانه لو كان الامر كما ذكر لشاع و ذاع لم يبق تحت الستار مع كثرة الابتلاء و لعله ظاهر لا يحتاج الي اقامة برهان و مزيد بيان.

و أما المسوخ فمنشأ الخلاف في سؤرها الاختلاف في كونها نجسا كالكلب أم لا و البحث فيه من هذه الجهة موكول الي بحث النجاسات.

و أما الاختلاف في سؤر الجلال فايضا ناش من كونه نجسا أم لا و الا فلا وجه لنجاسة سؤره.

و ربما يذكر لتوجيه القول بالنجاسة وجهان:

الاول: أن رطوبة فمه نشأ من النجاسة فتكون نجسا.

و فيه: أن هذا الاستدلال من الغرائب اذ يرد عليه: أولا: أنه لو استمر انسان علي اكل الميتة كان اللازم أن يكون لعاب فمه نجسا.

و ثانيا: أن الاستحالة من المطهرات.

الثاني: أن لعاب فمه باشر النجاسة فينجس ما يلاقيه.

و فيه: أولا. أنه لا يختص بالجلال بل يعم كل حيوان آكل لأي نجاسة.

و ثانيا: أن هذا يختص بما باشر شيئا بفمه و الكلام في السؤر في مطلق ما باشره جسم حيوان و لو بغير فمه.

و ثالثا: أنه لا دليل علي نجاسة ما في الباطن فلعاب فمه لا يتنجس كي ينجس.

و رابعا: أن زوال العين من بدن الحيوان يكون مطهرا فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 262

الا سؤر الكلب (1).

و الخنزير (2) و الكافر غير الكتابي بل الكتابي

أيضا علي الاحوط وجوبا (3) نعم يكره سؤر غير مأكول اللحم (4).

______________________________

(1) كما صرح به في رواية البقباق «1» و علل فيها بأنه رجس نجس و قد تقدم أن الحق انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة فلو باشر جسم الكلب الماء القليل ينجس الماء و كذلك كل مائع يلاقيه بل ينجس كل جسم يلاقي مع الكلب مع الرطوبة نعم لا ينفعل العاصم كالكر و الجاري بمباشرة جسم الكلب كما هو ظاهر.

(2) لأنه من الاعيان النجسة بلا اشكال و يترتب عليه انفعال ما لاقاه بشرائطه.

(3) سيأتي إن شاء اللّه تعالي البحث عن نجاسة الكافر و قد وقع الخلاف في المسألة و تحقيق الحال موكول الي ذلك البحث و الميزان كون المباشر نجسا فكل قسم من اقسام الكافر تحققت نجاسته يترتب عليه الحكم.

(4) ذكر في بعض الكمات: «أنه ذهب الي القول بالكراهة جمهور الاصحاب».

و من الظاهر أن هذا المقدار لا يكفي للحكم بالكراهة و استدل عليها بمرسلة الوشاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنه كان يكره سؤر كل شي ء لا يوكل لحمه «2».

و هذه الرواية لا اعتبار بها للإرسال و عمل المشهور بها علي تقدير تحققه لا يجبر الضعف و دليل التسامح لا يشمل المكروه مضافا الي أنا ناقشنا في اثباته

______________________________

(1) لاحظ ص 257.

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 263

عدا الهرة (1).

______________________________

الاستحباب بل قلنا: بأن تلك الاخبار ترشد الي حكم العقل و التفصيل موكول الي ذلك البحث.

و استدل عليها أيضا بمفهوم موثقة عمار «1» بدعوي: أن الجمع بين الموثقة و الدليل الدال علي الجواز كرواية البقباق «2». يقتضي حمل الموثقة علي الكراهة.

و يشكل هذا الاستدلال بما قلناه كرارا من أن

العرف يري مثل هذه الموارد من التعارض فلا يكون الجمع بهذا النحو جمعا عرفيا بل لا بد من اعمال قانون التعارض لكن الظاهر بمقتضي السيرة جواز الشرب و الوضوء و غيرهما.

فالنتيجة: أن القول بالكراهة لا دليل عليه لكن الاحتراز برجاء كون الامر كذلك من مكملات العبودية كما هو ظاهر.

(1) كما هو المشهور و تدل علي المدعي جملة من النصوص.

منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الهرة: أنها من أهل البيت و يتوضأ من سؤرها «3».

و منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام: ان الهر سبع و لا بأس بسؤره و اني لأستحيي من اللّه أن أدع طعاما لان الهر اكل منه «4».

______________________________

(1) لاحظ ص: 258.

(2) لاحظ ص 257.

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الأسآر الحديث: 1.

(4) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 264

و أما المؤمن فان سؤره شفاء بل في بعض الروايات أنه شفاء من سبعين داء (1).

______________________________

(1) و قد عقد بهذا العنوان بابا في الوسائل ذكر فيها روايات:

منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء «1».

مضافا الي أنه يمكن أن يقال: بأن دليل النهي لا يشمله فان الماخوذ في ذلك الدليل عنوان ما لا يؤكل و المؤمن آكل لا مأكول.

اضف الي ذلك. أن المطلق قد ينصرف عن بعض الافراد لخسة ذلك الفرد أو لرفعته و المقام من القسم الثاني فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الاشربة المباحة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 265

[المبحث الثاني احكام الخلوة]

اشارة

المبحث الثاني احكام الخلوة و فيه فصول

[الفصل الأول يجب حال التخلي بل في سائر الاحوال ستر بشرة العورة]

اشارة

الفصل الاول يجب حال التخلي بل في سائر الاحوال ستر بشرة العورة (1).

______________________________

(1) وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم من الامور الواضحة القطعية في الجملة و لا مجال لإنكاره و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: اذا اغتسل احدكم في فضاء من الارض فليحاذر علي عورته و قال: لا يدخل أحدكم الحمام الا بمئزر و نهي أن ينظر الرجل الي عورة اخيه المسلم و قال: من تأمل عورة اخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك و نهي المرأة أن تنظر الي عورة المرأة و قال: من نظر الي عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمدا أدخله اللّه مع المنافقين الذين كانوا

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 266

______________________________

يبحثون عن عورات الناس و لم يخرج من الدنيا حتي يفضحه اللّه الا أن يتوب «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالحسين بن زيد فانه لم يوثق.

و منها مرسلة الصدوق قال: و سئل الصادق عليه السلام عن قول اللّه عز و جل:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكيٰ لَهُمْ، فقال:

كل ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا الا في هذا الموضع فانه للحفظ من أن ينظر اليه «2».

و هذه الرواية ضعيفة بالارسال و لكن للفقيه أن يستدل بقوله تعالي: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكيٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ «3» بلا احتياج الي التفسير فان من أنحاء حفظ الفرج أن

يستره عن أن ينظر اليه الغير.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الحمام فقال: ادخله بازار «4».

و الظاهر: أنه لا بأس بهذه الرواية سندا و دلالة.

و منها: ما رواه سدير قال: دخلت أنا و أبي و جدي و عمي حماما بالمدينة فاذا رجل في البيت المسلخ فقال لنا:؟ الي أن قال: ما يمنعكم من الازار فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: عورة المؤمن علي المؤمن حرام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب أحكام الخلوة الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) النور 31.

(4) الوسائل الباب 9 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 267

______________________________

فبعث أبي الي عمي كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها الي أن قال: فسألنا عن الرجل فاذا هو علي بن الحسين عليه السلام «1».

فانه صرح فيها بحرمة عورة المؤمن علي المؤمن و لا مجال للمناقشة في دلالته علي المطلوب كما هو ظاهر الي غيرها من النصوص المذكورة في الباب التاسع و الحادي عشر من أبواب آداب الحمام.

و ربما يقال: بأنه قد فسر العورة في بعض النصوص بالغيبة و من تلك النصوص ما رواه حذيفة بن منصور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: شي ء يقوله الناس: عورة المؤمن علي المؤمن حرام فقال: ليس حيث يذهبون انما عني عورة المؤمن أن يزل زلة أو يتكلم بشي ء يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره به به يوما ما «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن عورة المؤمن علي المؤمن حرام فقال: نعم: قلت: أعني سفليه فقال: ليس حيث

تذهب انما هو اذاعة سره «3»:

و منها: ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في عورة المؤمن علي المؤمن حرام قال: ليس أن ينكشف فيري منه شيئا انما هو أن يزري عليه أو يعيبه «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب آداب الحمام الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2.

(4) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 268

______________________________

و يجاب عن هذا الاشكال بأن هذا التفسير لا يقبل و لا يحتمل في رواية سدير «1» كما أشرنا اليه كما أنه لا مجال لان يقال: بأن ما يدل علي دخول الحمام بمئزر لا يدل علي المطلوب لاحتمال أن يكون من آداب الغسل و الحمام فانه يقال: قد صرح في رواية عبيد اللّه بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يغتسل بغير ازار حيث لا يراه أحد قال: لا بأس «2»، بعدم البأس بالاغتسال بغير ازار اذا لم يكن هناك ناظر مضافا الي أنه يكفي للمدعي ما يدل علي أن الايمان يقتضي حفظ الفرج عن النظر كرواية رفاعة بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر «3».

ان قلت: ان هذه الروايات و ان كانت دالة علي الحرمة لكن يرفع اليد عنها برواية ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أ يتجرد الرجل عند صب الماء تري عورته؟ أو يصب عليه الماء؟ أو يري هو عورة الناس؟

قال: كان أبي يكره ذلك من كل أحد «4» اذ دلت هذه الرواية علي الكراهة.

قلت:

ان الكراهة الواردة في النصوص ليست كراهة مصطلحة بل غايتها الاجمال فتكفي تلك الروايات مضافا الي أنه علي تقدير التنزل يقع التعارض بين الطرفين و الترجيح مع ما يدل علي الحرمة لموافقته الكتاب كما أنه يكفي

______________________________

(1) لاحظ ص 266.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب آداب الحمام الحديث: 5.

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 269

و هي القبل و الدبر و البيضتان (1).

______________________________

للمرجعية بعد التساقط نفس الاية الشريفة فلاحظ.

و ربما يستدل علي المدعي بما دل علي حرمة النظر و لكن هذا الاستدلال مخدوش اذ لا ملازمة بين حرمة النظر و وجوب الحفظ.

ان قلت: علي فرض ثبوت حرمة النظر يكون عدم الستر إعانة علي الاثم فتحرم.

قلت: كون الاعانة اثما أول الكلام.

(1) الوارد في الدليل عنوان الفرج و العورة و الفرج كما يظهر من اللغة عبارة عن القبل و الدبر و أيضا العورة فسرت في اللغة بهما مضافا الي أن المتبادر من لفظ الفرج و العورة، القبل و الدبر و البيضتان داخلتان في القبل بلا اشكال و أما الزائد علي ذلك فلا دليل علي وجوب ستره و مقتضي اصالة الحل و البراءة عدم وجوبه كما هو ظاهر نعم وردت في المقام جملة من الروايات يستفاد منها وجوب ستر أزيد من هذا المقدار فمن تلك الروايات ما رواه بشير النبال قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمام فقال: تريد الحمام؟ قلت نعم فأمر باسخان الماء ثم دخل فاتزر بازار فغطي ركبتيه و سرته الي أن قال: هكذا فافعل «1».

و منها ما رواه الصدوق في الخصال باسناده عن علي عليه السلام في حديث الاربعة

مأئة قال: اذا تعري أحدكم (الرجل) نظر اليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام الملابس الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 270

______________________________

و منها: ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: اذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن الي عورتها و العورة ما بين السرة و الركبة «1».

و الروايتان الاوليتان ضعيفتان سندا أما الاولي فبسهل و بغيره و أما الثانية فبضعف اسناد الصدوق في حديث الاربعة مأئة و أما الثالثة فالظاهر أنه لا باس بسندها لكن لا يمكن الالتزام بمفادها فانه لا اشكال في عدم وجوب ستر ما بين السرة و الركبة فان السيرة القطعية علي خلافها و ذهن المتشرعه يأباه فلاحظ.

مضافا الي جملة من النصوص الدالة علي خلاف تلك النصوص:

منها ما رواه محمد بن حكيم قال الميثمي: لا أعلمه الا قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أو من رآها متجردا و علي عورته ثوب فقال: ان الفخذ ليست من العورة «2».

و منها: ما رواه ابو يحيي الواسطي عن بعض اصحابه عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: العورة عورتان: القبل و الدبر و الدبر مستور بالاليتين فاذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة «3».

و منها: ما رواه الكليني قال: و قال في رواية اخري: فأما الدبر فقد سترته الأليتان و أما القبل فاستره بيدك «4».

لكن هذه النصوص كلها ضعيفة بالارسال.

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام نكاح العبيد و الاماء الحديث: 7.

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث:

2.

(4) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 271

عن كل ناظر مميز (1) عدا الزوج و الزوجة (2) و شبههما كالمالك و مملوكته (3).

______________________________

(1) بلا فرق فيه بين المسلم و الكافر و العاقل و المجنون و الرجل و المرأة و البالغ و الصبي و ذلك لإطلاق الاية الشريفة فان مقتضي عدم ذكر نوع خاص و حذف المتعلق عموم الحكم كما أن مقتضي اطلاق بعض نصوص الباب هو العموم لاحظ ما رواه رفاعة «1» فانها مطلقة و مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي العموم نعم يشترط التميز فان الدليل منصرف عن غير المميز اذ من لا يميز و لا يشعر يكون كالجدار و الحيوان و لذا لا يجب الستر عن المجنون الذي لا يميز و مثله الصبي غير المميز كابن ثلاث سنين، و علي فرض الشك في الانصراف و عدم الجزم بالاطلاق تكفي أصالة البراءة لعدم الوجوب.

(2) لا مجازفة في القول بأن هذا من الضروريات التي لا يعتريها ريب و التشكيك فيه يعد من الانحراف و يدل علي الجواز قوله تعالي: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَليٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «2».

و جواز اللمس و الوطء و غيرهما يدل علي جواز الكشف بالاولوية القطعية بل يمكن أن يقال: أن النظر الي الفرج من اللوازم العادية للوطي فلا معني لجواز الوطء و مع ذلك يحكم بحرمة الكشف.

(3) الكلام فيهما هو الكلام بلا فرق نعم الضرورة في الزوج و الزوجة لعلها أظهر فلاحظ.

______________________________

(1) لاحظ ص 268.

(2) المؤمنون 4 و 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 272

و الامة المحللة بالنسبة الي المحلل له (1) فانه يجوز لكل من هؤلاء أن ينظر الي عورة الاخر (2)

نعم اذا كانت الامة مشتركة (3) أو مزوجة (4) أو محللة (5).

______________________________

(1) اذ كما ذكرنا: أن النظر من لوازم الوطء مضافا الي الفحوي.

(2) كما ذكرنا و كان المناسب أن يفرع علي ما تقدم عدم وجوب الستر لا جواز النظر فانه قد مر أنه لا ملازمة بين الامرين من حيث الجواز و الحرمة لكن لا اشكال في أن المستفاد مما تقدم جواز الكشف و النظر فلاحظ.

(3) الامة المشتركة لا يصدق عليها عنوان ملك اليمين و لا يجوز وطيها فلا دليل علي الجواز و الادلة الاولية تقتضي وجوب الستر الا ما خرج فلا تغفل.

(4) للنص لاحظ ما رواه الحسين بن علوان «1» و قد عقد صاحب الوسائل بابا لحرمة الوطء و النظر بهذا العنوان.

(5) فان المسلم عند القوم أنه لا يجوز الوطء و حيث انه لا يجوز و طي المحللة فلا يجوز للمحلل النظر.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: عشر لا يحل نكاحهن و لا غشيانهن امتك امها امتك و امتك اختها امتك و امتك و هي عمتك من الرضاعة و امتك و هي خالتك من الرضاعة و امتك و هي اختك من الرضاعة و امتك و قد ارضعتك و امتك و قد وطيت حتي تستبرأ بحيضة و امتك و هي حبلي من غيرك و امتك و هي علي سوم

______________________________

(1) لاحظ ص: 270.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 273

أو معتدة لم يجز لمولاها النظر الي عورتها و كذا لا يجوز لها النظر الي عورته (1).

______________________________

من مشتر و امتك و لها زوج و هي تحته «1».

فانه يستفاد من هذه الرواية عدم جواز وطي المحللة

فانه يستفاد من قوله عليه السلام: و امتك و قد وطيت الخ، عدم جواز وطي المحللة.

(1) اذ المفروض عدم جواز وطيها كما تدل عليه ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يزوج جاريته من عبده فيريد أن يفرق بينهما فيفر العبد كيف يصنع؟ قال: يقول لها: اعتزلي فقد فرقت بينكما فاعتدي فتعتد خمسة و أربعين يوما ثم يجامعها مولاها ان شاء و ان لم يفر قال له:

مثل ذلك قلت: فان كان المملوك لم يجامعها قال: يقول لها: اعتزلي فقد فرقت بينكما ثم يجامعها مولاها من ساعته ان شاء و لا عدة عليها «2».

فانه يستفاد من هذه الرواية أنه لا يجوز وطي الامة في عدتها و مع فرض عدم جواز الوطء لا دليل علي جواز النظر.

و الانصاف أنه لا بد من اتمام الامر بالتسالم و الاجماع و الا فلقائل أن يقول:

أي ملازمة بين حرمة الوطء و حرمة النظر فلو فرضنا أن المستفاد من الاية الشريفة «3» أنه لا يجب حفظ الفرج عن المذكورين فالتقييد يحتاج الي الدليل.

ان قلت: لا يمكن الاخذ باطلاق الاية و الا تلزم المحاذير الكثيرة.

قلت نأخذ باطلاق الاية و نرفع اليد عنه بالمقدار المعلوم و نبقيه في مورد الشك.

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 45 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 3.

(3) قد مرت في ص 271.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 274

______________________________

و لكن الامر مسلم عند القوم و بنوا علي وجوب الستر و حرمة النظر الا في مورد جواز الوطي و مع قطع النظر عن التسالم و ضرورية الامر في الجملة يمكن النقاش في جملة من

فروع المسألة و حيث ان الماتن تعرض لحرمة النظر و الملازمة بين وجوب الستر و حرمة النظر يكون المناسب أن نذكر جملة من النصوص الدالة علي حرمة النظر بالمطابقة أو بالاستلزام.

فمن تلك الروايات ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينظر الرجل الي عورة اخيه «1».

و منها ما رواه حمزة بن احمد عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: سألته أو سأله غيري عن الحمام فقال: ادخله بمئزر و غض بصرك «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من دخل الحمام فغض طرفه عن النظر الي عورة اخيه آمنه اللّه من الحميم يوم القيامة «3».

و منها ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: يا علي اياك و دخول الحمام بغير ميزر ملعون ملعون الناظر و المنظور اليه «4».

و منها: ما رواه الحسين بن زيد «5».

و منها: ما رواه علي بن الحسين المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) لاحظ ص 265.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 275

و يحرم علي المتخلي استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي (1).

______________________________

نقلا من تفسير النعماني بسنده الآتي عن علي عليه السلام في قوله عز و جل:

«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكيٰ لَهُمْ» معناه:

لا ينظر أحدكم الي فرج اخيه المؤمن أو يمكنه من النظر الي فرجه ثم قال:

«قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ» أي ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج

فالنظر سبب ايقاع الفعل من الزنا و غيره «1».

و منها: ما رواه ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

النظر الي عورة من ليس بمسلم مثل النظر الي عورة الحمار «2» فتأمل.

و منها: ما رواه سدير «3».

و منها: ما رواه بشير النبال في حديث: أن أبا جعفر عليه السلام دخل الحمام فاتزر بازار و غطي ركبتيه و سرته ثم أمر صاحب الحمام فطلي ما كان خارجا من الازار ثم قال: اخرج عني ثم طلي هو ما تحته بيده ثم قال: هكذا فافعل «4».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 275

(1) المسألة محل الاشكال و الكلام و الاختلاف فالمشهور قائلون بالحرمة علي الاطلاق- علي ما في الحدائق- و عن المدارك: الكراهة علي الاطلاق و عن السلار: الحرمة في الصحراء و الكراهة في البنيان الي غيرها من الاقوال و وردت في المقام عدة روايات:

منها ما رفعه علي بن ابراهيم قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 5.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

(3) لاحظ ص 266.

(4) الوسائل الباب 31 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 276

______________________________

السلام و أبو الحسن موسي عليه السلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت «1».

و منها: ما رفعه

محمد بن يحيي قال: سئل أبو الحسن عليه السلام ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها «2».

و منها: ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله قال: في حديث المناهي اذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة «3».

و منها ما رواه عيسي بن عبد اللّه الهاشمي عن ابيه عن جده عن علي عليه السلام قال: قال النّبيّ صلي اللّه عليه و آله: اذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرقوا او غربوا «4».

و منها: ما رواه عبد الحميد بن أبي العلاء و غيره مرفوعا قال: سئل الحسن بن علي عليه السلام: ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) نفس المصدر الحديث: 5.

(5) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 277

و يجوز حال الاستبراء (1).

______________________________

و الانصاف: أن الروايات تفي بالمقصود من حيث الدلالة و تضمن بعضها بعض المكروهات لا يوجب رفع اليد عن النهي الظاهر في التحريم و لكن اسنادها غير تامة أما الاولي فهي مرفوعة و كذلك الثانية و السادسة و أما الرابعة فهي مرسلة و أما الثالثة فطريق الصدوق الي شعيب بن واقد ضعيف علي ما في كتاب الشيخ الحاجياني و أما الخامسة فبعيسي بن عبد اللّه و عمل المشهور بها علي فرض ثبوتها لا ينفع كما هو المقرر عندنا.

و في قبال هذه النصوص رواية ربما يتوهم منها الجواز و هي ما رواه

محمد ابن اسماعيل قال: دخلت علي أبي الحسن الرضا عليه السلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها اجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتي يغفر له «1».

و لكن الرواية لا دلالة فيها علي الجواز و ان كان المذكور و المحكي موهما بلا اشكال.

و الانصاف أن ظهور الرواية في الجواز لا ينكر فانه لو لم يكن جائزا كيف يمكن أن يكون الكنيف في منزله مستقبل القبلة الا أن سندها ضعيف بهيثم.

اذا عرفت ما ذكرنا فهل يمكن القول بالجواز استنادا الي البراءة؟ الانصاف أنه مشكل فان سيرة الشيعة علي الحرمة بنحو يكون القول بعدمها مستنكرا فلاحظ.

(1) لعدم الدليل علي الحرمة و ربما يقال: بأنه يمكن خروج قطرة بول عنده فيحرم.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 278

و الاستنجاء (1) و ان كان الاحوط استحبابا الترك (2) و لو اضطر الي أحدهما فالاقوي التخيير (3).

______________________________

و يرد عليه أنه لا يصدق علي مثله عنوان بال أو يبول مضافا الي ان الروايات ضعيفة و القدر المتيقن من السيرة غير المقام.

(1) الامر فيه أوضح و ربما يقال: أن المستفاد من رواية عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط «1»، الحرمة و هذه الرواية ضعيفة سندا بسهل.

(2) لا اشكال في حسن الاحتياط فانه المرتبة الراقية من التقوي بل يمكن أن يقال: بأن مقتضي النصوص الدالة علي الاحتياط استحبابه.

(3) اذا كان المدرك الاجماع و التسالم و السيرة فتارة نقول: بأن القدر المتيقن منها صورة الاختيار ففي صورة الاضطرار لا دليل علي الحرمة و

أصل البراءة يقتضي الجواز و أما لو قلنا بأن صورة الاضطرار أيضا مورد الاجماع فما هي الوظيفة؟.

أفاد سيدنا الاستاد في المقام: بأن الحرمة معلومة في الجملة لكن حيث ان الامر دائر بين التعيين و التخيير و حقق في محله أن النتيجة هو التخيير فنلتزم به هذا كلامه.

و فيه أنا لا نتصور التخيير في المقام اذ مع فرض الجواز في الجملة كما هو المفروض للاضطرار فالمكلف يختار أحد الطرفين لا محالة فالنتيجة أن المحرم هو الاستقبال.

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 279

و الاولي اجتناب الاستقبال (1).

[مسألة 23: لو اشتبهت القبلة لم يجز له التخلي إلا بعد اليأس عن معرفتها]

(مسألة 23): لو اشتبهت القبلة لم يجز له التخلي (2) الا بعد اليأس عن معرفتها و عدم امكان الانتظار أو كون الانتظار حرجيا أو ضرريا (3).

[مسألة 24 لا يجوز النظر الي عورة غيره من وراء الزجاجة و نحوها و لا في المرآة و لا في الماء الصافي]

(مسألة 24) لا يجوز النظر الي عورة غيره من وراء الزجاجة و نحوها و لا في المرآة و لا في الماء الصافي (4).

______________________________

و بعباره اخري: لا اشكال في جواز أحد الامرين و لا مجال لان يقال: بأن التخيير في المقام كالتخيير في المسألة الاصولية بحيث لو اختار أحد الطرفين يكون ملزما به لعدم الدليل فعليه نلتزم بحرمة الاستقبال و جواز الاستدبار لعدم احتمال العكس.

(1) بل الاحوط لو لم يكن أظهر فلاحظ.

(2) لتنجز العلم الإجمالي.

(3) فان التكليف مع عدم الامكان ساقط و مع فرض بقاء القدرة لا يصدق عنوان عدم الامكان الا بنحو المجاز و هي صورة الحرج و الضرر و أما رفع الحرمة في صورة الحرج فللقاعدة المقررة في الشريعة و أما رفعها للضرر فهو مبني علي مسلك القوم في باب قاعدة لا ضرر.

(4) ما أفاده من حرمة النظر من وراء الزجاجة تام فان النظر من ورائها كالنظر من وراء النظارة فانه نظر الي نفس العورة فيكون حراما لإطلاق الدليل و أما الجزم بالحرمة فيما ينظر اليها في المرآة أو في الماء الصافي فمشكل فانه قد وقع

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 280

______________________________

البحث في الفلسفة بأن المنظور في المرآة عينه أو صورة منبطعة و فيه اختلاف و عليه تكون الشبهة مصداقية و مقتضي الاستصحاب عدم الانطباع كما ان مقتضي البراءة الجواز.

يبقي في المقام أن يقال: أن النظر الي الصورة في المرآة يصدق عليه عرفا انه نظر الي ذي الصورة.

و هذه الدعوي عهدتها علي مدعيها، نعم يمكن الصدق مسامحة و من

الظاهر أن التسامح العرفي في الاطلاق لا أثر له.

و يؤيد المدعي ما ورد في مورد الخنثي كرواية موسي بن محمد أخي أبي الحسن الثالث عليه السلام: أن يحيي بن اكثم سأله في المسائل التي سأله عنها:

اخبرني عن الخنثي و قول علي عليه السلام: تورث الخنثي من المبال من ينظر اليه اذا بال؟ و شهادة الجار الي نفسه لا تقبل مع أنه عسي أن يكون امرأة و قد نظر اليه الرجال أو يكون رجلا و قد نظر اليه النساء و هذا مما لا يحل فاجاب أبو الحسن الثالث عليه السلام أما قول علي عليه السلام في الخنثي أنه يورث من المبال فهو كما قال و ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة و تقوم الخنثي خلفهم عريانة فينظرون في المرايا فيرون شبحا فيحكمون عليه «1».

و رواية محمد بن محمد المفيد قال روي بعض اهل النقل أنه لما ادعي الشخص ما ادعاه من الفرجين أمر أمير المؤمنين عليه السلام عدلين من المسلمين يحضرا بيتا خاليا و أمر بنصبة مرآتين احداهما مقابلة لفرج الشخص و الاخري مقابلة للمرآة الاخري و أمر الشخص بالكشف عن عورته في مقابلة المرآة

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب ميراث الخنثي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 281

[مسألة 25: لا يجوز التخلي في ملك غيره الا باذنه و لو بالفحوي]

(مسألة 25): لا يجوز التخلي في ملك غيره الا باذنه و لو بالفحوي (1).

______________________________

حيث لا يراه العدلان و أمر العدلين بالنظر في المرآة المقابلة لهما فلما تحقق العدلان صحة ما ادعاه الشخص من الفرجين اعتبر حاله بعد اضلاعه فلما الحقه بالرجال أهمل قوله في ادعاء الحمل و ألقاه و لم يعمل به و جعل حمل الجارية منه و الحقه به «1».

فانه لو كان الامر كذلك

و كان النظر حراما لما كان وجه للتثبث بهذه الوسيلة.

مضافا الي ما في جواب أبي الحسن عليه السلام ليحيي حين اورد بأن النظر الي العورة حرام فان جوابه في هذا المقام أدل دليل علي الجواز.

و انما عبرنا بالتأييد لما في سنديهما من الضعف أما في الاولي فبالاذربيجاني و ابن كيسان و أما في الثانية فبالارسال.

و الحق هو الجواز و لكن الاحتياط في مثل المقام لا يمكن تركه و اللّه العالم.

(1) اذ التصرف في ملك الغير حرام بالضرورة و النص دال عليه و من النصوص الدالة علي المدعي ما رواه سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرؤ مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفس منه «2» و يلحق بالمسلم من يكون محترما ما له.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 282

[مسألة 26: لا يجوز التخلي في المدارس و نحوها ما لم يعلم بعموم الوقف]

(مسألة 26): لا يجوز التخلي في المدارس و نحوها ما لم يعلم بعموم الوقف (1) و لو أخبر المتولي أو بعض أهل المدرسة بذلك كفي و كذا الحال في سائر التصرفات فيها (2).

[الفصل الثاني: يجب غسل موضع البول بالماء القليل مرتين]

اشارة

الفصل الثاني:

يجب غسل موضع البول بالماء القليل مرتين علي الاحوط وجوبا (3).

______________________________

(1) فان الوقوف علي ما حسب ما اوقفها اهلها فلا يجوز التصرف فيها لغير من وقف عليه و مع الشك في عموم الوقف و خصوصه يكون مقتضي عدم عمومه عدم الجواز و هذا الاستصحاب حاكم علي اصالة الحل و لا مجال لان يتوهم أحد بأن مقتضي الاستصحاب أيضا عدم الخصوصية اذ لا يثبت به العموم الا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به مضافا الي المعارضة فلاحظ.

(2) لحجية قول ذي اليد و هذا من أظهر مصاديقه.

(3) يقع الكلام في المقام في أنه هل يطهر مخرج البول بالمسح كمخرج الغائط أو ينحصر تطهيره بالغسل؟.

ربما يقول بأنه يستفاد من جملة من الروايات أنه يكفي فيه المسح:

منها ما رواه سماعة قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام: اني أبول ثم أتمسح بالاحجار فيجي ء مني البلل ما يفسد سراويلي قال: ليس به بأس «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 283

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة سندا بحكم بن مسكين و هيثم مضافا الي أنه لا تدل علي المدعي فان المستفاد منها عدم تنجيس المتنجس و لا تدل علي طهارة المخرج بالمسح.

و منها: ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال: كل شي ء يابس زكي «1».

و هذه الرواية لا تدل علي المدعي كما هو

ظاهر.

و منها ما رواه حنان بن سدير قال: سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال اني ربما بلت فلا اقدر علي الماء و يشتد ذلك علي فقال: اذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك «2».

و غاية ما يستفاد من هذه الرواية عدم تنجيس المتنجس.

و يدل علي وجوب الغسل بالماء جملة من النصوص:

منها: ما رواه بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي من البول الا الماء «3».

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلي اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 5.

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 7.

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 284

______________________________

عليه و آله و أما البول فانه لا بد من غسله «1».

و منها: ما رواه يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الوضوء الذي افترضه اللّه علي العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين «2».

و منها: ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يبول فينسي غسل ذكره ثم يتوضأ وضوء الصلاة قال: يغسل ذكره و لا يعيد الوضوء «3».

و منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يتوضأ فينسي غسل ذكره قال يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء «4».

و منها ما رواه أبو بصير قال: قال أبو عبد

اللّه عليه السلام: ان أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتي صليت فعليك اعادة الوضوء و غسل ذكرك «5».

و منها: ما رواه عمرو بن أبي نصر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبول فينسي أن يغسل ذكره و يتوضأ قال: يغسل ذكره و لا يعيد وضوئه «6»

و منها ما رواه ابن اذينة قال: ذكر أبو مريم الانصاري أن الحكم بن عتيبة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمدا فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

(3) الوسائل الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1.

(4) نفس المصدر الحديث: 9.

(5) عين المصدر الحديث: 8.

(6) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 285

______________________________

بئس ما صنع عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوئه «1».

و منها: ما رواه ابن بكير عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول و ينسي أن يغسل ذكره حتي يتوضأ و يصلي قال: يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء «2».

و منها: ما رواه عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

أبول و أتوضأ و انسي استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوئك «3».

و منها: ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا انقطعت درة البول فصب الماء «4».

فلا اشكال في وجوب غسل مخرج البول بالماء انما الكلام في أنه هل يكفي المرة أم يجب الغسل مرتين؟

ربما يقال: بأنه يستفاد من جملة من النصوص الاكتفاء بالمرة:

منها رواية يونس «5»

فان مقتضي اطلاق هذه الرواية كفاية الغسل مرة و لا بأس بهذا الاطلاق الا مع المقيد فلو لم يقيد بما يصلح للتقييد يعمل به كما هو ظاهر.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) الوسائل الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(5) لاحظ ص 284.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 286

______________________________

و منها ما رواه نشيط بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما علي الحشفة من البلل «1»

بدعوي: أن صب مثلي ما علي الحشفة اما يصب دفعة علي الحشفة أو دفعتين لا سبيل الي الثاني لان مثل البلل اذا صب علي الحشفة يتغير بالبول الموجود علي رأسها و ليس قابلا لان يطهر به اذا المضاف لا يطهر فيتعين الاول و يحصل به المقصود.

و فيه: أن الرواية ضعيفة بهيثم بل بغيره و ليست قابلة للاعتماد.

و منها ما رواه جميل بن دراج «2» و هذه الرواية لا تدل علي المدعي فان النظر فيها الي أن صب الماء بعد انقطاع درة البول.

فنقول لا بد من تقييد المطلقات بما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين «3»، و ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء «4».

و ربما يقال بأن هاتين الروايتين لا ترتبطان بالمقام فان الاصابة منصرفة عن مخرج البول فان ظاهر الاصابة، الاصابة للجسد من الخارج.

و هذه الدعوي غير تامة فانه لا اشكال في صدق اصابة الدم للجسد بخروج الدم

منه فلو ورد دليل بأنه يجب تطهير البدن من اصابة الدم أو المني لا يشك في شمول

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 5.

(2) لاحظ ص 285.

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1

(4) نفس المصدر الحديث 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 287

______________________________

الاطلاق للموضع الذي خرج منه الدم او المني فانه يجب تطهير مخرج الدم و كذلك المني.

و ملخص الكلام: أنه امر في جملة من النصوص بالغسل مرتين من البول:

منها ما رواه أبو اسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين «1».

و منها: ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين «2».

فعلي فرض وجود اطلاق في ادلة تطهير مخرج البول يقيد بهذه المقيدات و لقائل ان يقول: أنه يقع التعارض بين ما دل علي التعدد و بين ما دل علي وجوب غسل رأس الحشفة و بين الدليلين عموم من وجه و يجتمعان في تطهير مخرج البول فان مقتضي اطلاق الغسل كفاية المرة و مقتضي ما دل علي التعدد وجوبه فعلي القول بالتساقط يتساقطان فتصل النوبة الي الاخذ باطلاق وجوب الغسل من البول علي الاطلاق ان كان و الا تصل النوبة الي الاصل العملي و هو الاستصحاب علي مسلك القوم- و علي المسلك الحق بعد المعارضة تصل النوبة الي اصالة الطهارة و اما علي القول بالتعارض فلا بد من اعمال قانونه و حيث ان العامة لا يقولون بالتعدد يكون الترجيح مع ما دل عليه.

الا أن

يقال: بأن العرف بحسب فهمه لا يفرق بين رأس الحشفة و غيره من

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 288

و في الغسل بغير القليل يجزئ مرة واحدة علي الاظهر (1).

و لا يجزئ غير الماء (2).

و أما موضع الغائط فان تعدي المخرج تعين غسله بالماء كغيره من المتنجسات (3).

______________________________

مواضع البدن فلا تعارض بل لا بد من التقييد و اللّه العالم.

(1) يمكن الاستدلال علي ما افاده بتقريبين:

احدهما: أن مقتضي اطلاق بعض الاوامر الواردة في النصوص كحديث يونس «1» كفاية الغسل لكن يقيد بما اذا غسل بالقليل بما دل علي وجوب الغسل مرتين كما مر و أما بالنسبة الي غير القليل فيؤخذ باطلاق الغسل.

لا يقال: مقتضي اطلاق الامر بالصب مرتين عدم الفرق بين صب القليل و الكثير كما لو صب بالمزملة، فانه يقال: لا اشكال في ظهور الصب في القليل.

ثانيهما: أن دليل وجوب الغسل مرتين لا يشمل ما لو غسل بالكثير و بعد تحقق الغسل يشك في الطهارة و النجاسة و قاعدة الطهارة تقتضي الطهارة و لا مجال لاستصحاب النجاسة لعدم جريانه في الحكم الكلي للمعارضة.

(2) كما نص عليه في جملة من النصوص.

منها: ما رواه بريد بن معاوية «2» و منها ما رواه زرارة «3» و منها ما رواه يونس «4».

(3) قد يتعد الغائط الي جسم غير متصل بالمخرج كما اذا طفر و أصاب رجله

______________________________

(1) لاحظ ص 284.

(2) لاحظ ص 283.

(3) لاحظ ص 283.

(4) لاحظ ص 284.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 289

______________________________

أو فخذه فلا اشكال في الغسل لعدم الدليل علي كفاية المسح فكما أفاد في المتن لا بد من غسله و قد يتعدي الي ما هو متصل بالمخرج

زائدا علي المتعارف و في هذه الصورة أيضا يلزم تطهير المقدار الزائد بالماء لعين ما ذكرناه و في هذه الصورة هل يكفي المسح بالنسبة الي نفس المخرج أم لا؟

الحق هو الاول لإطلاق الدليل، و يتعدي ثالثا الي حواشي المخرج بالمقدار المتعارف و الحق: أنه يكفي المسح فانه لو فرض المقدار المعتاد المتعارف كما فرض يكون مقتضي الدليل كفايته فان الدليل وارد مع هذا التعارف فلو كان مضرا لكان عليهم بيانه و ليس ما يدل علي التقييد.

و بعبارة اخري: مقتضي اطلاق الدليل، و عدم البيان- مع كونهم في مقام البيان- اطلاق الحكم و لا وجه لحمل الدليل علي الفرد النادر.

و ما عن علي عليه السلام من قوله: كنتم تبعرون بعرا و انتم اليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء الاحجار «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية وجوب الغسل بالماء بعد المسح بالاحجار و أن الاكتفاء بالاحجار مخصوص بالصدر الاول.

فيرد عليه: أولا: أن السند مخدوش.

و ثانيا: علي فرض وروده معارض بما صدر عن الائمة عليهم السلام المتأخر زمانهم عن زمانه عليه السلام و في زمان صدور روايات المسح كان الناس في سعة و رخاء فلا دليل لرفع اليد عن الاطلاق الا الاجماع التعبدي الكاشف ان

______________________________

(1) المغني لابن قدامة ج 1 ص 159 و المستدرك الباب 25 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 290

و ان لم يتعد المخرج تخير بين غسله بالماء (1).

______________________________

تحقق و أني لنا بذلك.

و عن روض الجنان و المسالك و الروضة و غيرها: اعتبار التعدي عن حواشي الدبر و عن شرح المفاتيح: أن الفقهاء بأجمعهم صرحوا بأن الاستنجاء من الغائط غير منحصر بالماء الا أن يتعدي عن المحل المعتاد.

و ربما يستفاد من بعض النصوص

أن جواز المسح مقيد بصورة عدم التعدي عن المعتاد لاحظ ما رواه فخر المحققين عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يجزي من الغائط المسح بالاحجار اذا لم يتجاوز محل العادة «1».

لكن الرواية ضعيفة سندا لا اعتبار بها.

و يستفاد من مرسلة أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا رفعه الي أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع بالماء «2» أنه يجب الجمع بين المسح بالاحجار و الغسل بالماء.

و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا و معارضة بجملة من الروايات و مخالفة للضرورة فضلا عن الاجماع فانه لا يجب الجمع بالضرورة فلاحظ.

(1) أما وجوب الاستنجاء من الغائط في الجملة فلا اشكال فيه و لا ريب يعتريه.

مضافا الي أن المقعد يتنجس بها فيجب تطهيره و أما اجزاء الماء فأيضا مما لا خلاف فيه.

و يدل عليه ما رواه ابراهيم ابن أبي محمود قال: سمعت الرضا عليه السلام

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 25 الحديث: 7.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 291

حتي ينقي (1).

______________________________

يقول في الاستنجاء: يغسل ما ظهر منه علي الشرج و لا يدخل فيه الا نملة «1».

و ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال انما عليه أن يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة و ليس عليه أن يغسل باطنها «2».

و أما كفاية الاستنجاء مسحا فعليها نقل الاجماع مضافا الي النصوص الدالة عليه.

منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسح بالاحجار فقال: كان الحسين بن علي عليه السلام يمسح بثلاثة أحجار «3».

و منها: ما رواه بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام

أنه قال: يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي من البول الا الماء «4».

و منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسل و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما «5».

و منها: ما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا رفعه الي أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء «6».

(1) نقل عليه الاجماع من الخلاف و غيره.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(4) نفس المصدر الحديث: 2.

(5) نفس المصدر الحديث: 3.

(6) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 292

و مسحه بالاحجار أو الخرق (1) أو نحوها من الاجسام القالعة للنجاسة (2).

______________________________

و يدل عليه ما رواه ابن مغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له:

للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي ما ثمة قلت: ينقي ما ثمه و يبقي الريح قال:

الريح لا ينظر اليها «1».

و يدل عليه أيضا حديث يونس «2» فان المستفاد من الحديثين أن الميزان حصول النقاء و ذهاب الغائط.

(1) كما نص عليه في بعض النصوص لاحظ ما رواه زرارة قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق «3».

و ما رواه أيضا قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان الحسين بن علي عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل (يغسل خ ل) «4».

(2) هذا هو المشهور بين القوم و عن الخلاف و الغنية: «الاجماع عليه».

و ربما يستدل عليه بما رواه ليث المرادي عن أبي عبد

اللّه عليه السلام قال:

سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود قال: أما العظم و الروث فطعام الجن و ذلك مما اشترطوا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال:

لا يصلح بشي ء من ذلك «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 284.

(3) الوسائل الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 3.

(5) الوسائل الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 293

______________________________

بتقريب: أن المستفاد من الخبر عموم الحكم و انما الخارج بالخصوص ما ذكر في الرواية.

و هذه الرواية ضعيفة بمفضل بن صالح اذ أنه لم يوثق لكن لا يبعد أن يقال:

ان مقتضي اطلاق رواية يونس «1» الجواز بكل قالع كما عبر به في متن العروة.

فنقول: ان مقتضاها عموم الحكم لكل قالع و انما الخارج يحتاج الي الدليل بل لا يبعد أن يستفاد من التعبير بالكرسف تارة و بالحجر اخري و بالمدر ثالثة أن الحكم عام.

بل يمكن أن يستدل باطلاق حديث ابن المغيرة «2» فان المستفاد من الرواية أن الحد النقاء الا ان يقال: بأن سؤال الراوي عن الحد لا عن حد ما يستنجي به و كم فرق بين الامرين.

و لا يخفي: أنه لا دليل في المقام يلزمنا القول باشتراط خصوص الحجر فان المذكور في رواية زرارة «3» لفظة يجزي كما أن الواقع في حديث بريد معاوية «4» كذلك و لا جزاء بالحجر لا يدل علي نفيه عن غيره.

نعم ربما يستفاد من حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: جرت السنة في اثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله و يجوز أن يمسح

______________________________

(1)

مرت في ص 284.

(2) لاحظ ص: 292.

(3) لاحظ ص 283.

(4) لاحظ ص 283.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 294

و الماء أفضل (1) و الجمع أكمل (2).

______________________________

رجليه و لا يغسلهما «1»، أنه لا يجزي غيره لكن لا مفهوم للرواية فيكفي للعموم حديث يونس «2».

(1) لجملة من النصوص:

منها: ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» قال: كان الناس يستنجون بالكرسف و الاحجار ثم احدث الوضوء و هو خلق كريم فأمر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و صنعه فأنزل (له خ ل) اللّه في كتابه: «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» «3».

الي غيرها من الروايات الواردة في الباب (34) من أبواب أحكام الخلوة في الوسائل.

(2) لا دليل عليه نعم الاحتياط حسن علي كل حال.

و اما ما روي عن عليه السلام «4»: فانه ضعيف و لا يثبت الاستحباب بالرواية الضعيفة و مفاد حديث من بلغ ارشاد الي حكم العقل كما حقق في محله.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال في الاستدلال بمرفوعة أحمد بن محمد الي أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء «5».

______________________________

(1) التهذيب ج 1 ص 46 و لاحظ ص 291 من الكتاب.

(2) لاحظ ص: 284.

(3) الوسائل الباب 34 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 4.

(4) لاحظ ص: 289.

(5) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 295

[مسألة 27: الأحوط وجوبا اعتبار المسح بثلاثة أحجار أو نحوها إذا حصل النقاء بالأقل]

(مسألة 27): الاحوط وجوبا اعتبار المسح بثلاثة أحجار أو نحوها اذا حصل النقاء بالاقل (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في أنه هل لنا ما يقتضي الاكتفاء بالاقل في فرض حصول

النقاء به أم لا؟.

الحق أن بعض النصوص يقتضي ذلك كرواية يونس «1» و ابن المغيرة «2» فان المستفاد من هذين الحديثين جواز الاكتفاء بالاقل فان الميزان حسب المستفاد من الخبرين حصول الذهاب و النقاء و لذا لو فرضنا عدم النقاء بالمسح بثلاثة أحجار يلزم المسح حتي ينقي.

و عن الشيخ الانصاري قدس سره: «المناقشة في رواية يونس بأن ذكر الوضوء في صدر الرواية و ذكر غسل الذكر في الجواب قرينتان علي أن الامام عليه السلام ناظر الي الغسل بالماء و ليس ناظرا الي المسح و انما ترك ذكر الدبر للاستهجان».

و فيه: أن ذكر الذكر و الدبر في الاستهجان سواء مضافا الي أنه يمكن أن يعبر عنه بمخرج الغائط.

اضف الي ذلك أنه قد صرح بالعجان في رواية زرارة «3» فانه عبر بالعجان و لا استهجان فيه فلا وجه لرفع اليد عن الاطلاق نعم يمكن أن يناقش في رواية ابن المغيرة «4» بأن السؤال عن بقاء الريح قرينة علي أن الكلام في الغسل بالماء و الا كان الاولي ان يسئل عن بقاء أجزاء الغائط الباقية في المحل.

______________________________

(1) لاحظ ص: 284.

(2) لاحظ ص: 292.

(3) لاحظ ص: 291.

(4) لاحظ ص: 292.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 296

______________________________

و بعبارة اخري: أن الراوي يسئل عن بقاء الريح و لا يسأل عن بقاء اجزاء الصغار و الحال أن السؤال عنها أولي من السؤال عن الريح فيعلم انه فرض زوال الغائط بتمامه و هو لا يحصل غالبا الا بالماء و لكن مع ذلك كله لا أري وجها لرفع اليد عن الاطلاق.

و من الروايات التي يمكن أن يستدل بها علي الاطلاق ما رواه بريد «1».

بتقريب أن اللام في الاحجار للجنس و مقتضاه أن جنس الحجر كاف

في تطهير المحل أعم من أن يكون متعددا أو واحدا اذ لم يرد به الجمع كي يقال:

بأن اقله ثلاثة.

و الوجه في القول بان اللام للجنس أنه لا اشكال في أن اللام ليس للاستغراق اذ لا يعقل أن يأمر بالاستنجاء بجميع افراد الحجر في العالم و ليس للعهد لعدم قرينة و عدم معهودية عدد خاص في البين فتكون للجنس.

و يمكن أن يرد عليه بأنه لا منافاة بين كون اللام للجنس و بين الالتزام بوجوب التعدد، و حيث ان اللام ليست للعهد و لا للاستغراق و لا وجه لرفع اليد عن ظهور لفظ الجمع في معناه فلا بد من كون اللام لجنس الجمع فهذه الرواية تدل علي خلاف المدعي كما عرفت.

و مما استدل به علي المدعي مضمر زرارة قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق «2».

بتقريب: أن المدر و الخرق باطلاقهما يشمل الاقل و الاكثر.

______________________________

(1) لاحظ ص: 291.

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 297

______________________________

و اورد علي الرواية: أنها غير واردة في مقام بيان العدد بل واردة في مقام بيان فعل الامام عليه السلام بأنه كان يكتفي بالمسح اذ لم يكن الامام عليه السلام يستنجي بمرئي من الناس كي يشاهد فعله.

و يرد علي هذا الايراد: بأنه صرح في الرواية بأنه كان يستنجي من البول ثلاث مرات و ما الفرق بين الاستنجاء من البول و بين الاستنجاء من الغائط؟.

و الكلام في احدهما عين الكلام في الاخر و لكن لا يقيد الاطلاق الا مع ما يقيده و في المقام المقيد موجود لاحظ ما رواه زرارة «1»، فانه صرح في الرواية أن السنة جرت بالثلاثة.

و قد نوقشت

في الرواية بأمور:

الاول: أن ملاك الاستنجاء حصول النقاء و مع حصوله باقل من ثلاث يكون الزائد لغوا.

و فيه: أن ملاك الاحكام الشرعية ليس بايدينا ألا تري ان الانية يجب غسلها ثلاثا و الحال أنها لو كسرت و خرجت عن الهيئة الا نائية يكفي الغسل فيها مرة واحدة كما أن المتنجس بالبول يجب غسله بالقليل مرتين و الحال انه يمكن أن يزول العين و الاثر بالغسلة الاولي.

الثاني: أنه ذكر في الرواية: «بذلك جرت السنة» فيكون مستحبا.

و فيه: أن المراد بها ما سنه النّبيّ صلي اللّه عليه و آله في مقابل ما فرضه اللّه كما يقال: الختان من سنن ابراهيم الخليل عليه السلام.

______________________________

(1) لاحظ ص: 283.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 298

[مسألة 28: يجب أن تكون الأحجار أو نحوها طاهرة]

(مسألة 28): يجب أن تكون الاحجار أو نحوها طاهرة (1).

______________________________

الثالث: أن النقاء حيث لا يحصل غالبا الا بالثلات أمر به و لا مفهوم للقيد اذا ورد مورد الغالب كقوله تعالي «وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ».

و يرد عليه أنه يلزم التحفظ علي القيد بلا فرق بين الموارد و انما لا نلتزم بالقيد في الاية لدليل خارجي و لكن نلتزم باشتراط الدخول و الحال أنه هل يمكن عدم الدخول الا في أقل قليل.

اضف الي ذلك: ان الكلي غير منطبق علي المقام اذ لا يحصل النقاء غالبا بالثلاثة فانه قد يحصل بالثلاث و اخري بالاربعة و ثالثة بالخمس فلا غلبة في الثلاث.

فتحصل: أن مقتضي القاعدة الالتزام بالثلاثة و لا أدري ما الوجه في تعبير الماتن بالاحوط و لم يقل الاظهر و لعله ناظر الي وجه لم يخطر ببالي القاصر و اللّه العالم.

(1) ما يمكن أن يستدل به علي المدعي امور:

منها: الاجماع و في بعض الكمات عبّر بالإجماع المستفيض نقله

عن غير واحد من الاعيان.

و يرد عليه: الاشكال الساري في الاجماعات.

و منها: استصحاب النجاسة مع عدم رعاية الشرط.

و فيه: أولا: أنه لو تم الدليل علي كفاية الاستجمار بالنجس فلا مجال للأصل كما هو ظاهر و ثانيا: لا يجري الاستصحاب في الحكم الكلي.

و منها: النبوي المحكي: «فليستطب بثلاثة احجار أو اعواد أو ثلاث خشنات

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 299

[مسألة 29: يحرم الاستنجاء بالأجسام المحترمة]

(مسألة 29): يحرم الاستنجاء بالاجسام المحترمة (1) و أما العظم و الروث فلا يحرم الاستنجاء بهما (2).

______________________________

من تراب طاهر «1»» و حال النبوي المذكور معلوم.

و منها: الارتكاز المتشرعي بأن المطهر لا بد أن يكون طاهرا.

و هذا الارتكاز علي فرض ثبوته بحيث يكون هذا الاشتراط جليا عندهم يكون دليلا علي المدعي انما الكلام في ثبوته.

و منها: ما رواه زرارة «2» بتقريب ان الطهور المذكور في الرواية أعم من الطهارة الحدثية و الخبثية بقرينة ذكر الاستنجاء من الغائط و البول و الطهور ما يكون طاهرا بنفسه و مطهرا لغيره.

و يظهر من اللغة: أن الطهور عبارة عن الطاهر في نفسه و مطهر لغيره أو يكون عبارة عن المبالغة في الطهارة فعلي كلا التقديرين لا يصدق الا علي ما يكون طاهرا و اللّه العالم و طريق الاحتياط ظاهر.

(1) كأوراق القرآن الكريم فانه هتك بها و حرمته من الواضحات الاوليه.

(2) لعدم وجه للحرمة الا الاجماع المنقول عن جملة من الاعاظم و هذه الاجماعات حالها معلوم في الاشكال و اما حديث ليث «3» فيدل علي الحرمة الوضعية و مع ذلك يكون سنده ضعيفا و اما مرسلة الصدوق قال: ان وفد الجان (1) لجن خ ل) جاءوا الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقالوا يا رسول اللّه متعنا فاعطاهم الروث و العظم

فلذلك لا ينبغي أن يستنجي بهما «4» فلا يتم

______________________________

(1) مصباح الهدي للآملي ج 3 ص 47.

(2) مر في ص 283.

(3) لاحظ ص: 292.

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 300

و لكن لا يطهر المحل به علي الاظهر (1).

[مسألة 30: يجب في الغسل بالماء إزالة العين و الأثر]

(مسألة 30): يجب في الغسل بالماء ازالة العين و الاثر (2) و لا تجب ازالة اللون و الرائحة (3) و يجزي في المسح ازالة العين و لا تجب ازالة الاثر الذي لا يزول بالمسح بالاحجار عادة (4).

______________________________

لا سندا و لا دلالة و قس عليهما ما رواه في دعائم الإسلام قال: و نهوا عليهم السلام عن الاستنجاء بالعظام و البعر و كل طعام و أنه لا بأس بالاستنجاء بالحجارة و الخرق و القطن و اشباه ذلك «1».

(1) الظاهر أنه لا وجه له بعد عدم حجية الاجماعات و ضعف الروايات فالاظهر- كما في العروة- حصول الطهارة بهما الا أن يقال: بانصراف الدليل عنهما.

(2) فانه لا يصدق الغسل ما دام بقاء الاجزاء الصغار مضافا الي انها مصداق للغائط و لا معني لحصول الطهارة مع بقاء عين النجاسة.

(3) فانهما من الاعراض بالنظر العرفي الذي هو الميزان في الشرعيات اضف الي ذلك رواية ابن المغيرة «2» فانه قد صرح في هذه الرواية بأن الريح لا ينظر اليها.

مضافا الي جميع ذلك أن السيرة جارية علي عدم ترتيب الاثر علي اللون و الرائحة.

و ملخص الكلام: انه لا اشكال فيه.

(4) فان الامر بالمسح، أمر بالمسح المتعارف و في المسح المتعارف

______________________________

(1) المستدرك الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 292.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 301

[مسألة 31: إذا خرج مع الغائط أو قبله أو بعده نجاسة أخري مثل الدم و لاقت المحل لا يجزي في تطهيره إلا الماء]

(مسألة 31): اذا خرج مع الغائط أو قبله أو بعده نجاسة أخري مثل الدم و لاقت المحل لا يجزي في تطهيره الا الماء (1).

[الفصل الثالث في مستحبات التخلي]

اشارة

الفصل الثالث يستحب للمتخلي- علي ما ذكره العلماء رضوان اللّه تعالي عليهم- أن يكون بحيث لا يراه الناظر و لو بالابتعاد عنه (2) كما

______________________________

تبقي الاجزاء الصغار أو اللزوجة فلا يلزم إذهابهما و الظاهر أن هذا أيضا أمر واضح لا يحتاج الي تطويل البحث.

(1) ان قلنا: بان المتنجس يتنجس ثانيا فالوجه فيما أفاده ظاهر اذ المستفاد من دليل الاستجمار تطهير المحل المتنجس بالغائط بالحجر و شبهه فلا وجه لتطهيره غير الغائط.

و ان قلنا: بأن المتنجس لا يتنجس ثانيا فما أفاده صحيح أيضا اذ المحل و ان لم يتنجس ثانيا لكن قد لاقي نجاسة اخري و تبدل موضوع الحكم فلا بد من ترتيب اثر حكمه و لذا لو تنجس المحل بالدم ثم لاقي مع البول يجب مراعاة التعدد في غسله بالماء القليل مثلا.

و ملخص الكلام: ان اطلاق ادلة وجوب الغسل في النجاسات محكم الا مع قيام دليل علي الخلاف.

اضف الي ذلك كله أنه لو خرج الدم مثلا قبل خروج الغائط يصدق ان المحل تنجس بالدم فلاحظ.

(2) عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله انه لم ير علي بول و لا غائط «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 302

يستحب له تغطية الرأس (1) و التقنع و هو يجزئ عنها (2).

و التسمية عند التكشف (3) و الدعاء بالماثور (4) و تقديم الرجل

______________________________

و في المقام روايات اخر تدل علي المدعي مذكورة في الباب الرابع من أبواب أحكام الخلوة من الوسائل.

(1) يدل عليه ما رواه المفيد قال: ان تغطية

الرأس ان كان مكشوفا عند التخلي سنة من سنن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله «1».

(2) كما يستفاد من بعض النصوص: منها ما رواه علي بن اسباط أو رجل عنه عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه (كان يعمله) اذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه بسم اللّه و باللّه «2».

و منها: ما رواه أبو ذر عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في وصيته له قال:

يا أبا ذر استحي من اللّه فاني و الذي نفسي بيده لا ظل حين اذهب الي الغائط متقنعا بثوبي «3».

(3) كما يدل عليه ما رواه معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم اني اعوذ بك من الخبيث الخ «4».

(4) كما في جملة من النصوص منها: ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: اذا دخلت الغائط فقل: اعوذ باللّه من الرجس النجس

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 303

اليسري عند الدخول و اليمني عند الخروج (1) و الاستبراء (2).

و أن يتكي حال الجلوس علي رجله اليسري و يفرج اليمني (3) و يكره الجلوس في الشوارع و المشارع و مساقط الثمار و مواضع

______________________________

الخبيث المخبث الشيطان الرجيم و اذا فرغت فقل: الحمد اللّه الذي عافاني من البلاء و اماط عني الاذي «1».

(1) يظهر من كلام بعض الاصحاب أنه لا مستند له من النصوص بل هو المشهور بين القوم و عن الغنية الاجماع عليه و هو المستند.

(2) علي المشهور علي

ما في كلام بعض الاصحاب و اثبات الاستحباب بهذا المقدار يتوقف علي الالتزام بقاعدة التسامح و صدق البلوغ و قد انكرنا القاعدة في بحث الاصول و تقدم التعرض لها في بعضي المباحث السابقة في هذا الشرح فراجع.

و اما النصوص المتعرضة لكيفية الاستبراء فلا تدل علي المدعي فانها ارشاد الي طهارة البلل الخارج بعد البول فلاحظ.

(3) لم يوجد له مستند كما صرح في كلام القوم نعم ذكر في عداد المستحبات في جملة من كتبهم.

و قد نقل سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- عن سنن الكبري للبيهقي عن سراقة بن جشعم قال: علمنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اذا دخل أحدنا في الخلاء ان يعتمد اليسري و ينصب اليمني «2».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) التنقيح ج 1 ص 86- ج 3 ص 451.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 304

اللعن كأبواب الدور و نحوها من المواضع التي يكون المتخلي فيها عرضة للعن الناس و المواضع المعدة لنزول القوافل (1).

و استقبال قرص الشمس أو القمر بفرجه (2).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليه السلام: أين يتوضأ الغرباء؟ فقال: يتقي شطوط الانهار و الطرق النافذة و تحت الاشجار المثمرة و مواضع اللعن فقيل له: اين مواضع اللعن؟ قال: ابواب الدور «1».

و ما رواه علي بن ابراهيم مرفوعا قال: خرج ابو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السلام، و أبو الحسن موسي عليه السلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزال و لا تستقبل القبلة بغائط

و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت «2».

الي غيرهما من الروايات المذكورة في الباب 15 من ابواب احكام التخلي في الوسائل.

(2) لاحظ ما رواه السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال:

نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول «3»، و غيره من الروايات المذكورة في الباب 25 من ابواب احكام التخلي من الوسائل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 305

و استقبال الريح بالبول (1) و البول في الارض الصلبة (2) و في ثقوب الحيوان (3) و في الماء (4).

______________________________

(1) كما في مرفوعة محمد بن يحيي قال: سئل أبو الحسن عليه السلام ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها «1».

و غيرها من الروايات الواردة في الباب الثاني من أبواب أحكام الخلوة من الوسائل و المستدرك.

(2) لاحظ ما رواه ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اشد الناس توقيا للبول كان اذا اراد البول يعمد الي مكان مرتفع من الارض او الي مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية ان ينضح عليه البول «2».

(3) لما عن الباقر عليه السلام قال لبعض اصحابه: و قد اراد السفر و من جملة ما قال: و لا تبولن في نفق «3».

و عن النّبيّ صلي اللّه عليه لا يبولن احدكم في جحر «4».

(4) لجملة من النصوص: منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام

انه قال: لا تشرب و انت قائم و لا تبل في ماء نقيع «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

(3) المستدرك الباب 29 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(4) كنز العمال ج 5 ص 87.

(5) الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 306

خصوصا الراكد (1) و الاكل (2).

______________________________

و منها: ما رواه حكم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: يبول الرجل في الماء؟ قال: نعم و لكن يتخوف عليه من الشيطان «1».

(1) لاحظ ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: و قد روي أن البول في الماء الراكد يورث النسيان «2».

و ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق جعفر ابن محمد عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: و نهي أن يبول أحد في الماء الراكد فانه يكون منه ذهاب العقل «3».

و ما رواه الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري و كره أن يبول في الماء الراكد «4».

(2) استدل عليه بما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلا فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها و غسلها و دفعها الي مملوك معه فقال: تكون معك لأكلها اذا خرجت فلما خرج عليه السلام قال للملوك: اين اللقمة؟ فقال: اكلتها يا بن رسول اللّه.

فقال عليه السلام: انها ما استقرت في جوف احد الا وجبت له الجنة فاذهب فانت حرّ فإني اكره أن استخدم رجلا من اهل الجنة «5».

______________________________

(1) نفس المصدر

الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

(3) نفس المصدر الحديث: 5.

(4) الوسائل الباب 5 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(5) الوسائل الباب 39 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 307

و الشرب حال الجلوس للتخلي (1) و الكلام (2).

______________________________

و ما رواه أيضا باسانيده عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي عليه السلام انه دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة فدفعها الي غلام له و قال: يا غلام اذكرني بهذه اللقمة اذا خرجت فأكلها الغلام فلما خرج الحسين بن علي عليه السلام قال: يا غلام اللقمة؟ قال: اكلتها يا مولاي قال: انت حر لوجه اللّه فقال رجل: اعتقته؟.

قال: نعم سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: من وجد لقمة ملقاة فمسح منها أو غسل منها ثم أكلها لم تستقر في جوفه الا اعتقه اللّه من النار و لم اكن لاستعبد رجلا اعتقه اللّه من النار «1».

بتقريب: انه لو لم يكن الاكل مكروها في بيت الخلوة لما اخره الامام عليه السلام مع علمه بأن آكله من اهل الجنة.

(1) الحاقا له بالاكل و الجزم باللحوق مشكل.

(2) لما عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو علي الغائط او يكلمه حتي يفرغ «2».

و ما رواه أبو بصير قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تتكلم علي الخلا فإنه من تكلم علي الخلا لم تقض له حاجة «3».

فانه حمل النهي علي الكراهة اذ لا يحرم قطعا و ضرورة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 308

بغير

ذكر اللّه (1) الي غير ذلك مما ذكره العلماء رضوان اللّه تعالي عليهم.

[مسألة 32: ماء الاستنجاء طاهر علي الأقوي]

(مسألة 32): ماء الاستنجاء طاهر علي الاقوي (2).

______________________________

(1) لجملة من النصوص: منها ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسي سأل ربه فقال: الهي انه يأتي علي مجالس اعزك و اجلك ان اذكرك فيها فقال: يا موسي: ان ذكري حسن علي كل حال «1».

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بذكر اللّه و أنت تبول فان ذكر اللّه حسن علي كل حال فلا تسأم من ذكر اللّه «2».

(2) وقع الكلام بين الاعلام في أن ماء الاستنجاء طاهر، و قد خصص دليل انفعال الماء القليل أو نجس و لكن لا ينجس ما يلاقيه؟

و قد نقل النص علي الطهارة من جماعة كما أنه نقل عن جماعة: أنه لا بأس به.

و عن بعض. انه لا ينجس الثوب و عن آخر: انه معفو عنه.

و لا يظهر من هذه العبارات غير الاولي ان القائلين بها قائلون بالطهارة و قد نقل ادعاء الاجماع علي كل واحد من التعبيرات الثلاثة الاول.

و الذي يهمنا النظر في النصوص الواردة في المقام و استفادة ما هو الحق منها و النصوص الواردة متعددة:

منها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن الغير او عن الاحول انه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 309

______________________________

الذي استنجي به؟ فقال: لا بأس فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟

قال: قلت: لا و

اللّه فقال: ان الماء أكثر من القذر «1».

و هذه الرواية لإرسالها لا اعتبار بها و كون المرسل مثل يونس لا يقتضي الاعتبار فان غاية ما في الباب انه ادعي الاجماع علي العمل بمرسلات جماعة كما يعمل بمسنداتهم و لا اعتبار بهذه الاجماعات.

و منها: ما رواه الاحول قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اخرج من الخلا فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: لا بأس به «2».

و لا يستفاد من هذه الرواية غير عدم البأس بالثوب أو بوقوعه في ماء الاستنجاء و لا دلالة فيها علي طهارة ذلك الماء و ان شئت قلت: لا اشكال في عدم شمول تنجيس الماء الملاقي للنجس ما يلاقيه المقام اما من باب التخصيص او من باب التخصص.

و اما تخصيص دليل انفعال الماء القليل فلا دليل عليه و اصالة العموم و الاطلاق في ذلك الدليل يقتضي انفعال الماء بلا كلام.

و بتقريب آخر: ان الاخذ بعموم العام او اطلاق المطلق فيما شك في حال الفرد كما لو قال المولي: اكرم العلماء و نشك في وجوب اكرام زيد العالم يكون محكما و أما لو فهمنا عدم وجوب اكرام زيد و لا ندري ان زيدا عالم و قد

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الماء المضاف الحديث: 2.

(2) المصدر السابق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 310

______________________________

خرج بالتخصيص او جاهل و خروجه بالتخصص فلا يكون العام مرجعا في مثله.

و في المقام نعلم بان دليل تنجيس الماء المتنجس لما يلاقيه لا يشمل ماء الاستنجاء و انما الشك في التخصيص و التخصص فلا مجال للأخذ بالاطلاق او العموم فلاحظ.

ان قلت: في نظر العرف ملازمة بين طهارة ملاقي شي ء و طهارته و بهذا

الاعتبار نحكم بطهارة الماء لطهارة ملاقيه.

قلت: أولا لا نسلم هذه الملازمة و العرف اجنبي عن هذه الامور و ليس مرجعا في الاحكام الشرعية.

و يدل علي ما ذكرنا ان القائل بعدم تنجيس المتنجس ينكر هذه الملازمة نعم يمكن ان يقال: بانه لو حكم بطهارة الملاقي لشي ء يفهم ان ذلك الشي ء ليس من الاعيان النجسة لما علم من الشرع الاقدس أن الاعيان النجسة تنجس ما يلاقيها.

و ما في كلام سيدنا الاستاد من أن العرف يرون التسرية من لوازم النجاسة و مع عدم السراية يكشفون ان الملاقي بالفتح ليس نجسا، يعد من الغرائب، اذ العرف لا شأن له في هذه الامور.

و لقائل أن يقول: بانه لو حكم بنجاسة شي ء عند ملاقاة شي ء آخر يحكم بنجاسة الملاقي اذ لا وجه لنجاسة الملاقي الا سرايتها من ناحية الملاقي و اما لو حكم بطهارة شي ء عند ملاقاته لشي ء آخر لا تفهم طهارة الملاقي.

و ثانيا: علي فرض تسلم هذه الملازمة يكون مقتضاها تنجس الماء اذ المفروض انه لاقي عين النجاسة و الاخذ بالملازمة في ذلك الطرف ليس بأولي ان لم يكن العكس اولي.

ان قلت: ان قلنا بنجاسة الماء يلزم تخصيص جملة من العمومات اعني

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 311

و ان كان من البول (1).

______________________________

عموم حرمة شرب النجس و أكله و الوضوء و الصلاة و غيرها و أما لو قلنا بالطهارة لزم تخصيص واحد اي تخصيص عموم انفعال الماء القليل و لو دار الامر بين تخصيص واحد و متعدد قدم الاول.

قلت: أولا اي دليل علي تلك المذكورات و بأي مستند نقول بجواز الشرب و غيره.

و ثانيا: لو ثبت المدعي نقول: بأن تلك العمومات لا تشمل المقام قطعا اما للتخصيص أو للتخصص و لا

مجال للأخذ بالعموم و أما عموم انفعال الماء القليل فهو باق بحاله.

ان قلت ان الاخذ بهذا العموم يستلزم التخصيص في تلك الادلة.

قلت: لا دليل علي ترجيح التخصيص الواحد علي المتعدد و بعبارة اخري ليس هذا دليلا بل امر ذوقي.

ان قلت: نعلم اجمالا بأحد التخصيصين اما خصص دليل الانفعال و اما خصص دليل تنجس الملاقي فلا مجال للأخذ بعموم الانفعال فتصل النوبة الي قاعد الطهارة.

قلت: لا شبهة في سقوط عموم تنجس الملاقي اما بالتخصيص أو التخصص و يبقي عموم الانفعال بحاله.

(1) قال في الحدائق: «و اطلاق هذه الاخبار يقتضي عدم الفرق بين المخرجين لصدق الاستنجاء بالنسبة الي كل منهما و بذلك صرح الاصحاب أيضا انتهي» «1».

______________________________

(1) الحدائق ج 1 ص 469.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 312

______________________________

و يؤيد المدعي ما في بعض النصوص لاحظ ما رواه عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا قال: اذا بال فخرط.

ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجي فان سال حتي يبلغ السوق فلا يبالي «1».

و ما رواه زرارة قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق «2».

فانه يستفاد من الحديثين أنه يطلق الاستنجاء علي الاستنجاء من البول.

و لا يبعد ان يكون الاطلاق مقتضي المعني اللغوي اذ المستفاد من اللغة:

أن الاستنجاء من النجو، و النجو بمعني الخلاص و من الظاهر ان الخلاص يتحقق في كل من البول و الغائط فالقول بالاطلاق بهذا الاعتبار ليس بعيدا.

و ربما يقال: لا اطلاق من حيث اللغة و لا أقلّ من الانصراف الي خصوص الاستنجاء من الغائط خصوصا مع لحاظ أن النجو فسرت

في اقرب الموارد- حسب النقل- بما يخرج من البطن من ريح او غائط.

و الانصاف: ان ادعاء الانصراف- كما عن الشيخ الاعظم قدس سره- في محله اذ قد قوبل في جملة من الروايات الاستنجاء فيها بغسل مخرج البول:

منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و أما البول فانه لا بد من غسله «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 313

فلا يجب الاجتناب عنه و لا عن ملاقيه اذا لم يتغير بالنجاسة (1).

______________________________

و منها ما رواه سماعة قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام اذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم ترق (يرق) (تهرق) الماء ثم توضأت و نسيت ان تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الاعادة و ان كنت اهرقت الماء فنسيت ان تغسل ذكرك حتي صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك لان البول مثل البراز «1».

و لكن مع ذلك يمكن أن يستدل علي المدعي بوجه آخر و هو:

ان الغائط يستلزم البول غالبا فيكون الاستنجاء من الغائط ملازما للاستنجاء من البول و مع ذلك حكم عليه السلام بطهارة الماء فيفهم انه لا فرق في هذه الجهة بين الموردين.

و اما صورة كون الاستنجاء من البول وحده فحكمه حكم صورة الاجتماع لعدم الفرق قطعا.

و الانصاف ان الجزم بعدم الفرق مشكل.

(1) بلا خلاف ظاهرا و نقل عليه ادعاء الاجماع مضافا الي ان المعهود عن الشرع نجاسة الماء بالتغير

بلغ ما بلغ كالكر و الجاري و البئر فكيف بماء الاستنجاء.

بل يمكن ان يقال: بان المنصرف اليه من الأسئلة عن ماء الاستنجاء غير المتغير فان منشأ السؤال ملاقاته مع النجاسة خصوصا عدم تغيره بها الا نادرا فان الاغلب عدم حصول التغير.

و ان لم تقنع بهذا المقدار و قلت: ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه فانهما يفترقان في المتغير من غير ماء الاستنجاء و غير المتغير من الاستنجاء و في المتغير من الاستنجاء يقع التعارض بينهما.

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 314

و لم تتجاوز نجاسة الموضع عن المحل المعتاد (1).

______________________________

قلت: مع ذلك كله يكون الترجيح مع ما دل علي النجاسة لاحظ ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب «1».

اذ قد حقق في الاصول بأن أحد الطرفين في العموم من وجه اذا كان عمومه بالوضع و الطرف الاخر بالاطلاق يقدم ما يكون بالوضع علي الطرف الاخر.

اللهم الا أن يقال: العموم الوضعي في هذه الرواية في طرف المنطوق الدال علي طهارة الماء مع الغلبة و أما الدال علي النجاسة في صورة التغير يكون الدلالة فيه بالاطلاق فلا وجه للترجيح.

و لو وصلت النوبة الي هذا البيان فلنا ان نقول: غاية ما في الباب ان تكون نتيجة التعارض، التساقط فلا بد من الرجوع الي الدليل الفوق ان كان و الا تصل النوبة الي الاصل العملي و الدليل الفوقاني يقتضي النجاسة اذ دليل انفعال القليل مقتض لها.

لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن

أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟

قال: لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء «2».

هذا كله علي القول بطهارة ماء الاستنجاء و أما علي القول بالنجاسة فلا موضوع للتعارض كما هو ظاهر.

(1) اذ الاستنجاء عبارة عن غسل موضع النجواي الغائط و مع التعدي لا يصدق

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 315

و لم تصحبه أجزاء النجاسة متميزة (1) و لم تصبه نجاسة من الخارج أو من الداخل (2) فاذا اجتمعت هذه الشروط كان طاهرا (3) و لكن لا يجوز الوضوء به (4).

______________________________

العنوان المأخوذ في الموضوع ففي الحقيقة هذا شرط لبيان الموضوع.

و عليه لو فرض تعدي الغائط الي فخذه لا يكون غسالته طاهرة لعدم الدليل بل مقتضي انفعال الماء القليل نجاسته.

(1) قال في الحدائق: «فيه اشكال لإطلاق اخبار المسألة».

و تقريب المدعي: ان السؤال عن ماء الاستنجاء ناظر الي صورة ملاقاة الماء مع النجاسة في المحل و ليس السؤال عن الملاقاة بعد انفصال النجاسة عن المحل و عليه لا يمكن الالتزام بالطهارة اذ دليل الانفعال محكم بلا مخصص.

و لكن الانصاف أن ما افاده في الحدائق متين اذ قلما ينفك ماء الاستنجاء عن الاجزاء التي تغسل بالماء و لكن الالتزام بالاطلاق و الحكم بالطهارة جرأة و الاحتياط طريق النجاة و لا فرق فيما ذكر بين القول بطهارته و نجاسته فان الملاك واحد فلاحظ.

(2) و الوجه فيه: عدم اطلاق الادلة من هذه الجهة فان مقتضي دليل انفعال الماء القليل انفعاله بكل نجس أو متنجس

قابل للتنجيس بلا فرق بين ان يكون من الداخل أو من الخارج و بلا فرق بين السبق و اللحوق فتارة تكون الارض نجسة من قبل فيقع الماء عليه و اخري تصل النجاسة لاحقا كما لو كانت اليد قذرة و لاقت الماء و انما الدليل دل علي عدم انفعاله بملاقاة الغائط او البول في المحل المعهود و الزائد عليه بلا دليل.

(3) قد ظهر مما ذكرنا أن الاظهر نجاسة الماء.

(4) الذي يظهر من كلماتهم أن الاقوال في المقام ثلاثة:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 316

______________________________

الاول: القول بالنجاسة.

الثاني: القول بالطهارة و جواز رفع الخبث و الحدث به.

الثالث: القول بالطهارة و عدم جواز رفع الحدث به و حيث ان المختار عندنا النجاسة فلا تصل النوبة الي جواز رفع الحدث و الخبث به و عدمه و لكن تبعا للقوم نبحث عن مقتضي القاعده علي فرض القول بالطهارة فنقول:

لو قلنا: بطهارة ماء الغسالة فالقاعدة الاولية تقتضي ترتيب جميع الآثار عليه فيجوز شربه و رفع الخبث و الحدث به و لكن ذهب بعض الي طهارته و عدم جواز رفع الحدث به.

و الذي يمكن أن يكون وجها لهذا القول أمران:

الاول: الاجماع فانه نقل الاجماع تارة علي عدم جواز رفع الحدث بمطلق الغسالة و منه المقام و اخري علي عدم الجواز بماء الاستنجاء.

و الاجماع لا يكون حجة حتي المحصل منه ما دام لم يحصل الجزم برأي المعصوم عليه السلام و حيث انه يحتمل استناد المجمعين الي نجاسة ماء الاستنجاء كما انه يحتمل استنادهم الي رواية عبد اللّه بن سنان الآتية فلا يترتب عليه اثر.

الثاني ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال: الماء

الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بأحمد بن هلال فلا يترتب عليها الاثر أيضا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 317

[الفصل الرابع في كيفية الاستبراء من البول]

اشارة

الفصل الرابع كيفية الاستبراء من البول أن يمسح من المقعدة الي أصل القضيب ثلاثا ثم منه الي رأس الحشفة ثلاثا ثم ينترها ثلاثا (1).

______________________________

و العجب من سيدنا الاستاد كيف أفتي بعدم جواز الوضوء مع ذهابه الي الطهارة و عدم ترتيب الاثر علي الاجماعات المنقولة و عدم عمله بالرواية الضعيفة و عدم التزامه بانجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور الا ان يستند الي وجه آخر.

و لا يبعد أن يكون ناظرا الي ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام:

ألا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقلنا: بلي فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني ثم قال: هكذا اذا كانت الكف طاهرة «1».

لكنه دام ظله استدل بهذا الحديث علي تنجيس المتنجس.

(1) الاقوال المنقولة عن الاصحاب في كيفية الاستبراء مختلفة فعن المفيد قدس سره في المقنعة: «انه يمسح باصبعه الوسطي تحت انثييه الي اصل القضيب مرتين او ثلاثا ثم يضع مسبحته تحت القضيب و ابهامه فوقه و يمرها باعتماد قوي من اصله الي رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول».

و يظهر من هذه العبارة أن الميزان بنظره اخراج ما بقي من البول في

المجري بلا خصوصية في السبب.

و قد نقل اقوال اخر من جملة من الاعاظم و لا يبعد أن يكون الوجه في اختلاف الاقوال، اختلاف النصوص الواردة في المقام فالحري بالبحث النظر

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 318

______________________________

في نصوص الباب فنقول: الروايات الواردة في المقام ثلاثة:

الاولي: ما رواه عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا قال: اذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجي فان سال حتي يبلغ السوق فلا يبالي «1».

و هذه الرواية ضعيفة بعبد الملك فلا يترتب أثر عليها راجع رجال سيدنا الاستاد.

الثانية ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول قال: ينتره ثلاثا ثم ان سال حتي يبلغ السوق فلا يبالي «2».

و هذه الرواية أيضا لا اعتبار بها سندا فان وثاقة أحمد و والده المروي عنه لابنه لم تثبت.

الثالثة ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل بال و لم يكن معه ماء قال، يعصر أصل ذكره الي طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل «3».

و الظاهر أن هذه الرواية صحيحة سندا و مقتضي هذه الرواية: ان الاستبراء عبارة عن مسح القضيب من أصله الي رأسه ثلاثا و نتر رأسه.

هذا علي تقدير الاغماض عن الحديثين الاولين و أما مع ملاحظتهما فيكون مقتضي خبر حفص كفاية نتر الذكر ثلاثا و مقتضي خبر عبد الملك أن الاستبراء

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) نفس

المصدر الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 319

______________________________

عبارة عن مسح ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما و لا اشكال في لزوم تقييد رواية حفص بحديث محمد بن مسلم اذ المطلق يقيد بالمقيد.

و اما تقييد كل من الاخرين بالاخر فلا وجه له بل مقتضي القاعدة كفاية كل من الامرين بتقريب: أن مقتضي الشرطية في كل منهما انحصار العلة فيما ذكرت فيهما و بقانون تقييد المطلق بالمقيد، يقيد مفهوم كل من الخبرين بالاخر نظير ما نقول في قوله: «اذا خفي الاذان فقصر و اذا خفي الجدران فقصر» و تكون النتيجة كفاية خفاء أحد الامرين و اما لو قلنا: بانه يلزم تقييد كل بالاخر فيقيد خبر محمد بن مسلم بخبر عبد الملك و بالعكس و تكون النتيجة لزوم ثلاث خرطات من المقعدة الي أصل القضيب بمقتضي خبر عبد الملك و عصر الذكر من أصله الي رأسه ثلاث مرات بمقتضي حبر ابن مسلم و بهذا تتحقق ما ذكر في رواية حفص اي النتر ثلاث مرات اذ النتر عبارة عن الجذب بالشدة و هو يحصل بعصر الذكر من اصله الي طرفه الذي ذكر في رواية ابن مسلم.

نعم يلزم نتر رأس الذكر للأمر به في حديث ابن مسلم فعلي ما ذكرنا لا مجال لان يقال بأن النتر المذكور في رواية ابن مسلم يقيد بما في رواية حفص من التقييد بالثلاث فعلي هذا تكون النتيجة أن العدد المعتبر في الاستبراء سبعة: ثلاث من المقعدة الي اصل الذكر، و ثلاث من اصل الذكر الي رأسه و يعصر مرة رأس الذكر و اللّه العالم.

ثم انه لا دليل علي هذا الترتيب

بل مقتضي تقييد النصوص بعضها ببعض ان تتحقق علي ما هو المشهور تسع خرطات أعم من أن يكون المبتدأ به المسح من عند المقعدة أو غيره كما أن مقتضي الاطلاق جواز الاتيان به بما في المتن و غيره

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 320

و فائدته طهارة البلل الخارج بعده اذا احتمل أنه بول (1) و لا يجب الوضوء منه (2).

______________________________

من كلمات الاصحاب و جواز مسح ما بين المقعدة و اصل القضيب مرة و عصر القضيب بعده و نتر رأسه بعده ثم التكرار الي ثلاث مرات لكن مناسبة الموضوع مع الحكم تقتضي أن يبتدأ بالمقعدة و ينتهي بالنتر اذ ملاك الاستبراء نقاء المحل و هو يحصل بهذا الترتيب و مع فرض العكس بأن يعصر الذكر قبل عصر ما بين المقعدة و القضيب يجذب البول الباقي الي الذكر و يبقي فيه و هو خلاف المقصود.

(1) كما نص في جملة من النصوص و قد مر الكلام فيها و يمكن ان يقال:

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 320

بان مقتضي القاعدة الاولية طهارة ما يخرج من البلل فان مقتضي استصحاب عدم كونه بولا طهارته و احتمال نجاسته في حد نفسه مدفوع بقاعدة الطهارة.

لكن المستفاد من النص الخاص ان الشارع الاقدس ردع عن العمل بالاصل و قدم الظاهر فان مقتضي الظاهر أن الخارج هو البول.

(2) اذ حكم عليه من ناحية الشارع كما في رواية ابن مسلم بعدم كونه بولا و مع عدم كونه بولا لا يكون ناقضا اذ النواقض منحصرة في أمور خاصة مضافا الي نقل عدم الخلاف فيه عن السرائر و نقل الاتفاق

عليه من كشف اللثام.

و ملخص الكلام: أن مقتضي رواية محمد بن عيسي قال: كتب اليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب نعم «1» ناقضية البلل مطلقا و لكنها ساقطة عن الاعتبار سندا، و مقتضي النصوص الواردة في الاستبراء التفصيل في الناقضية بين أن يكون الخارج قبل الاستبراء او بعده لاحظ خبر

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 321

و لو خرج البلل المشتبه بالبول قبل الاستبراء و ان كان تركه لعدم التمكن منه أو كان المشتبه مرددا بين البول و المني بني علي كونه بولا فيجب التطهير منه و الوضوء (1).

______________________________

ابن مسلم «1».

اذ المستفاد من ذلك الحديث: ان الخارج قبل الاستبراء محكوم بالبولية فيكون ناقضا و اما الخارج بعده، فلا يكون ناقضا لكون الناقض منحصرا في امور خاصة.

(1) في هذا الفرع امور ثلاثة:

الاول: ان المشتبه لو كان مرددا بين البول و غيره و كان خارجا قبل الاستبراء يحكم عليه بالبولية و يجب تطهير ما لاقاه و يجب الوضوء.

و الامر كما افاده فان مقتضي الجمع بين النصوص الالتزام بكونه بولا في فرض خروجه قبل الاستبراء لاحظ ما رواه ابن مسلم «2» فان مفهوم الشرطية:

انه لو خرج قبل الاستبراء كان بولا و حكم البول من حيث الناقضية و النجاسة ظاهر.

الثاني: أنه لا فرق في هذا الحكم بين ترك الاستبراء اختيارا و بين تركه اضطرارا و الامر كما افاده لإطلاق الدليل و دليل رفع الاضطرار لا يقتضي طهارة النجس فان المستفاد منه رفع الحكم الالزامي عند الاضطرار و تفصيل الكلام موكول الي محله.

الثالث: أن الخارج لو تردد بين كونه بولا او منيا يحكم عليه بالبولية فانه صرح

به في حديث سماعة قال: سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول

______________________________

(1) لاحظ ص 318.

(2) مر في ص: 318.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 322

و يلحق بالاستبراء في الفائدة المذكورة طول المدة علي وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجري (1) و لا استبراء للنساء (2) و البلل المشتبه الخارج منهن طاهر لا يجب له الوضوء (3).

______________________________

فيجد بللا بعد ما يغتسل قال: يعيد الغسل فان كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله و لكن يتوضأ و يستنجي «1».

اذ قد صرح فيه بعدم وجوب الغسل و قد صرح أيضا بوجوب الوضوء فيعلم أنه محكوم بالبولية مضافا الي بقية النصوص.

الرابع: أنه يستفاد من كلامه أنه لو خرج بعد الاستبراء لا يحكم عليه بالبولية و لا يكون ناقضا و قد مر قريبا ان مقتضي الجمع بين النصوص كذلك فلاحظ.

(1) فانه يفهم من ادلة الاستبراء ان ملاك الحكم براءة المحل من البول فاذا حصل الملاك بوجه آخر يرتب عليه ذلك.

مضافا الي أن ما افاده علي القاعدة فان مقتضي قاعدة الطهارة، طهارة البلل المشتبه كما أن مقتضي عدم كون الخارج بولا بقاء الطهارة من الحدث فانه بعد فرض انحصار الناقض في أمور خاصة يكون مقتضي استصحاب عدم كون الخارج من تلك الامور بقاء الطهارة و عدم انتقاضها.

(2) لعدم الدليل عليه.

(3) أما طهارته فلقاعدتها و أما عدم ناقضيتها فلحصر الناقض في امور خاصة.

و بعبارة اخري: لا اشكال في عدم نقض الطهارة بغير الامور المعهودة فمع الشك يمكن الحكم ببقاء الطهارة بالاستصحاب و لجريانه تقريبان:

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 323

نعم الاولي أن تصبر قليلا و تتنحنح و تعصر فرجها عرضا (1).

[مسألة 33: فائدة الاستبراء تترتب عليه و لو كان بفعل غيره]

(مسألة

33): فائدة الاستبراء تترتب عليه و لو كان بفعل غيره (2).

[مسألة 34: إذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بني علي عدمه]

(مسألة 34): اذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بني علي عدمه (3) و ان كان من عادته فعله (4).

و اذا شك من لم يستبرئ في خروج رطوبة بني علي عدمها (5) و ان كان ظانا بالخروج (6).

______________________________

احدهما. استصحاب عدم كون الخارج بولا.

ثانيهما: استصحاب عدم خروج البول فلاحظ.

(1) الظاهر أنه ليس المراد من الاولوية استحباب هذا العمل للمرأة من حيث العمل نفسه اذ لا دليل عليه بل المراد التجنب من النجاسة الاحتمالية و الاجتناب عن نقض الطهارة من الحدث كذلك بالنسبة الي ما يشترط بالطهارة الحدثية أو الخبثية فلاحظ.

(2) للقطع بعدم الخصوصية و حصول الملاك.

و ان شئت قلت: ان الاستبراء ليس واجبا و لا مستحبا لعدم الدليل عليه و انما المستفاد من الدليل جعل الاستبراء وسيلة لتنقية المحل فالموضوع للحكم تحقق العمل المعهود و عليه لا فرق في تحققه بين أن يكون بفعله أو بفعل غيره.

(3) لاستصحاب العدم.

(4) لعدم دليل قبال الاصل.

(5) و هذا أيضا للاستصحاب.

(6) لعدم اعتبار الظن و أنه لا يغني عن الحق شيئا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 324

[مسألة 35): اذا علم أنه استبرأ أو استنجي و شك في كونه علي الوجه الصحيح بني علي الصحة]

(مسألة 35): اذا علم أنه استبرأ أو استنجي و شك في كونه علي الوجه الصحيح بني علي الصحة (1).

[مسألة 36: لو علم بخروج المذي و لم يعلم استصحابه لجزء من البول بني علي طهارته]

(مسألة 36): لو علم بخروج المذي و لم يعلم استصحابه لجزء من البول بني علي طهارته و ان كان لم يستبرئ (2).

______________________________

(1) لقاعدتها الجارية في المعاملة بالمعني الاعم.

(2) للاستصحاب، و الذي يختلج بالبال أن يقال: ما يخرج من المخرج علي فرض كونه مذيا كما فرض في كلام الماتن لا يحكم عليه بالنجاسة و لو مع العلم بدخول الاجزاء البولية فيه فلا نحتاج الي اثبات عدمه بالاصل مع الشك و الوجه فيه ان تلك الاجزاء تستهلك في المذي فلا يقتضي انفعال المستهلك فيه.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 325

[المبحث الثالث الوضوء]

اشارة

المبحث الثالث الوضوء و فيه فصول

[الفصل الأول: في أجزائه]

اشارة

الفصل الاول: في اجزائه و هي: غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين فهنا امور:

[الأول: يجب غسل الوجه]
اشارة

الاول: يجب غسل الوجه (1) ما بين قصاص الشعر الي طرف الذقن طولا و ما اشتملت عليه الاصبع الوسطي و الابهام عرضا (2).

______________________________

(1) لا اشكال في وجوب غسله و قد امر به صريحا في الكتاب في قوله تعالي: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ «1» و في جملة من الاخبار التي ادعي تواترها بل لا يبعد نظمه في سلك الضروريات.

(2) بلا خلاف فيه كما في بعض الكلمات- و عن المعتبر و المنتهي:

______________________________

(1) المائدة: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 326

______________________________

«انه مذهب اهل البيت» و عن جماعة ادعاء الاجماع عليه.

و يدل عليه ما رواه زرارة بن أعين أنه قال لأبي جعفر الباقر عليه السلام:

أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال اللّه عز و جل فقال:

الوجه الذي قال اللّه و أمر اللّه عز و جل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه ان زاد عليه لم يوجر و ان نقص منه اثم ما دارت عليه الوسطي و الابهام من قصاص شعر الرأس الي الذقن و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوي ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا «1».

و رواه الكليني الا أنه قال: و ما دارت عليه السبابة و الوسطي و الابهام «2».

و يمكن أن يكون الوجه في ذكره في كلامه عليه السلام، من باب جريان العادة في العمل الخارجي بل يمكن أن يقال: بأن ادارة

الاصبعين لا تنفك عن ادارة السبابة حيث انها واقعة بين الابهام و الوسطي.

و الحاصل: أن انضمام السبابة لا دخل له في الاتيان بالواجب.

و في المقام اشكال معروف من الشيخ البهائي قدس سره و هو أن المبدأ للغسل ان كان قصاص الشعر بعرض ما بين اصبعين لدخل النزعتان بذلك تحت الوجه الواجب غسله و هما البياضان فوق الجبين و ذلك لان سعة ما بين الاصبعين تشمل النزعتين قطعا مع أنهما خارجتان عن المحدود جزما بل و تدخل الصدغان فيه أيضا مع عدم وجوب غسلهما علي ما صرح في الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) نفس المصدر.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 327

______________________________

و لأجل هذا الاشكال لم يرتض بالتفسير المشهور و فسر الرواية بالمعني الاخر المناسب لمذهبه البعيد عن الفهم العرفي و هو: أن المقدار الواجب غسله انما هو ما تشتمل عليه الاصبعان علي وجه الدائرة الهندسية بأن توضع أحدهما علي القصاص و الاخر علي الذقن من دون أن يتحرك وسطهما بل يدار كل من الاصبعين علي الوجه أحدهما من طرف الفوق الي الاسفل و ثانيهما من الاسفل الي الاعلي و بهذا يتشكل شبه الدائرة الحقيقية و تخرج النزعتان عن المحدود الواجب غسله لان الاصبع الموضوع علي القصاص ينزل الي الاسفل شيئا فشيئا و النزعتان تقعان فوق ذلك و يكون ما زاد عليه خارجا عن الحد كما تخرج الصدغان.

و انما عبر بشبه الدائرة من جهة أن الوجه غير مسطح و لو كان مسطحا لكان الحاصل من أدارة الاصبعين دائرة حقيقة و لعل الموجب لهذا التفسير، أنه ذكر في الرواية لفظا «دارت و مستديرا» فتوهم أن المقصود تشكيل الدائرة و هي تحصل بالنحو المذكور.

و فيه: أن

المذكور في الرواية قصاص الشعر و المتفاهم العرفي من هذا اللفظ خصوص منبت الشعر من مقدم الرأس المتصل بالجبين و من الواضح أن وضع الاصبعين من القصاص بهذا المعني غير موجب لدخول النزعتين في الوجه لأنهما تبقيان فوق المحدود الذي يجب غسله.

و أما الصدغ فان فسر بما بين العين و الاذن- كما عن بعض اهل اللغة- و عن القاموس و المجمع: أنه احد معنييه فيدخل بعضه في الوجه اللازم غسله علي كلا التفسيرين و ان فسر بالشعر المتدلي علي ما بين العين و الاذن- كما نقل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 328

______________________________

عن الصحاح و النهاية-، فهو خارج عن الحد علي كلا التقديرين و عليه لا يكون التصريح في ذيل الرواية بخروجه دليلا علي ما رامه البهائي معينا لما ادعاه.

و أما ما ذكر في الخبر من قوله عليه السلام: «دارت» ليس المراد منه الدائرة الهندسية بل المراد الإطافة، كما أن المراد بقوله عليه السلام: «و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا» بمعني تحريك الاصبعين علي وجه الدائرة.

و الحق ما ذهب اليه المشهور فان الفهم العرفي ميزان الاستنباط و الدليل علي أن ذلك المعني خلاف الظاهر أن البهائي قدس سره منفرد بهذا القول ظاهرا- حتي قيل، و ذكر في بعض كلمات الاصحاب: انه لم يخطر ببال احد هذا المعني من لدن عصر النبي صلي اللّه عليه و آله الي زمان الصادقين و الفقهاء الي زمان الشيخ البهائي لم يفسروا الرواية بمثل تفسيره.

و مما يرد عليه أيضا: أنه لا اشكال في أن مقدارا من الجبين علي شكل الخط المستقيم و معه لا يمكن أن يراد من الرواية ما ذكره اذ كل جزء من الدائرة بشكل القوس فيخرج مقدار

من الجبين عن المحدود و لا اشكال في وجوب غسل الجبين.

و مما يرد عليه أيضا: انه لا يبعد أن يقال: بأن صريح الرواية أن المبدأ لكل من الاصبعين شي ء واحد كما أن المنتهي كذلك فيشرع بالغسل من القصاص و ينتهي الي الذقن بحيث يلتقي الاصبعان في الذقن و هذا لا ينطبق علي مختار البهائي.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 329

و الخارج عن ذلك ليس من الوجه (1) و ان وجب ادخال شي ء من الاطراف اذا لم يحصل الواجب الا بذلك (2) و يجب الابتداء بأعلي الوجه (3).

______________________________

و مما يرد عليه أيضا: ان المشاهدة الخارجية تشهد بأن الفصل ما بين الاصبعين أطول من الفصل بين القصاص و الذقن فاذا وضع احدهما علي القصاص تجاوز الاخر عن الذقن كما أنه لو وضع احدهما علي الذقن تجاوز الاخر عن القصاص فلا بد من الالتزام بوجوب غسل فوق القصاص أو وجوب غسل تحت الذقن.

و كيف يمكن الالتزام به؟ فلاحظ فالحق ما ذهب اليه المشهور.

(1) كما يستفاد من حديث زرارة «1» فان المقدار الذي يجب غسله قد حدد بهذا الحد كما مر.

(2) من باب وجوب المقدمة فان ما يتوقف عليه اتيان الواجب واجب بلا اشكال كما حقق في محله.

(3) هذا المشهور بين الاصحاب و نسب الي السيد المرتضي و الشهيد و صاحب المعالم و الشيخ البهائي و ابن ادريس و غيرهم، جواز النكس.

و ما يمكن أن يستدل به علي القول المشهور امور:

الامر الاول: أن ذلك مقتضي اصالة الاشتغال اذ لا اشكال في وجوب الوضوء و لا يحصل العلم بالبراءة الا بهذا النحو حيث يحتمل الاشتراط به دون العكس.

و هذا الاستدلال يتوقف علي مقدمتين:

______________________________

(1) لاحظ ص 326.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 330

______________________________

الاولي:

ان لا يكون دليل يدل باطلاقه علي جواز الغسل بأية كيفية كانت اذ مع وجود مثل هذا الدليل لا تصل النوبة الي الاصل العملي.

الثانية عدم جريان البراءة في الطهارات الثلاث بدعوي أن المأمور به تحصيل الطهارة علي ما يستفاد من النصوص.

لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الا بطهور «1».

و ما رواه أيضا قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت و الطهور و القبلة الخ «2».

و ما رواه الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السلام لا صلاة الا بطهور «3».

و ما رواه أيضا قال: و قال الصادق عليه السلام: الصلاة ثلاثة أثلاث:

ثلث طهور، و ثلث ركوع و ثلث سجود «4» و هو أمر معلوم انما الشك في المحصل فلا مجال للبراءة.

و يمكن أن يرد الاشكال في كلتيهما أما المقدمة الاولي فيمكن أن يقال: بأن مقتضي الاية المباركة «5» جواز الغسل باية كيفية و انكار الاطلاق فيها بدعوي:

انه ليس المولي في مقام البيان من هذه الجهة، لا وجه له و مثل الاية من حيث

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 6.

(4) نفس المصدر الحديث: 8.

(5) لاحظ ص 325.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 331

______________________________

الاطلاق بعض النصوص لاحظ ما رواه زرارة و بكير أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بطست او تور فيه ماء فغمس يده اليمني فغرف بها غرفة فصبها علي وجهه فغسل بها وجهه «1».

فان مقتضي قول الراوي: «فغسل بها وجهه» عدم تقييد الغسل بنحو خاص.

و أما المقدمة الثانية فنقول: ان المستفاد من النصوص أن الطهارة عبارة

عن الغسلتين و المسحتين لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت له الرجل ينام و هو علي وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن فاذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء قلت: فان حرك علي جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا حتي يستيقن انه قد نام، حتي يجئ من ذلك أمر بين و الا فانه علي يقين من وضوئه و لا تنقض اليقين ابدا بالشك و انما تنقضه بيقين آخر «2».

فان المستفاد من هذه الرواية أن هذه الافعال بنفسها لها بقاء و دوام في عالم الاعتبار.

و يؤيد المدعي عدة روايات: منها ما رواه سماعة بن مهران، قال: قال أبو الحسن موسي عليه السلام: من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضي من ذنوبه في ليلته الا الكبائر «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 8 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 332

______________________________

و منها ما رواه سماعة قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام فصلي الظهر و العصر بين يدي و جلست عنده حتي حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي: توض فقلت: جعلت فداك أنا علي وضوء فقال: و ان كنت علي وضوء ان من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضي من ذنوبه في يومه الا الكبائر و من توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضي من ذنوبه في ليلته الا الكبار «1».

و منها غيرهما المذكور في الباب الثامن من أبواب الوضوء من الوسائل فان المستفاد من

هذه الروايات أن الوضوء بنفسه محبوب و مندوب فيه.

بل يمكن الاستدلال علي المدعي بالآية المباركة «2» حيث ان المستفاد منها أن المطلوب نفس هذه الافعال لا المسبب منها، بل يمكن اثبات المدعي بما دل علي أن التيمم أحد الطهورين مثل ما رواه زرارة في حديث قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام ان أصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع و ان كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم أحد الطهورين «3».

و ما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج أنهما سألا أبا عبد اللّه عليه السلام عن امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟ فقال: لا، و لكن يتمم الجنب و يصلي بهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 325.

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 333

______________________________

فان اللّه عز و جل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «1».

و ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوئه للصلاة أ يتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال: يتيمم ألا تري أنه جعل عليه نصف الطهور «2».

و ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّه عز و جل جعلهما طهورا: الماء و الصعيد «3».

و ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه من الماء

قدر ما يكفيه لشربه أ يتيمم أو يتوضأ به؟ قال: يتيمم أفضل ألا تري أنه انما جعل عليه نصف الطهور «4».

فيستفاد من مجموع هذه الادلة أن الغسلات و المسحات بنفسها مأمور بها فلا يبقي مجال لهذا البيان.

اضف الي ذلك كله: أن الطهور اما مبالغة في الطهارة و اما عبارة عن الطاهر في نفسه و مطهر لغيره و علي كلا التقديرين يكون مصداقه هذه الافعال المعهودة:

و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب التيمم الحديث: 3.

(4) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 334

______________________________

عليه السلام: الرجل يقلم أظفاره و يجز شاربه و يأخذ من شعر لحيته و رأسه هل ينقض وضوؤه؟ فقال: يا زرارة كل هذا سنة و الوضوء فريضة و ليس شي ء من السنة ينقض الفريضة و ان ذلك ليزيده تطهيرا «1».

فان المستفاد من هذه الرواية و أمثالها أن النواقض للوضوء تنقضه فيعلم أن الوضوء بنفسه قابل للدوام و للانتقاض.

و صفوة القول: أنه لا دليل علي أن المأمور به في باب الوضوء هي الطهارة الحاصلة من الغسل و المسح بل الامر بالعكس.

و يدل عليه زيادة علي ما تقدم ما يدل علي ان افتتاح الصلاة الوضوء لاحظ ما رواه القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم «2».

و ما رواه الصدوق قال: و قال امير المؤمنين عليه السلام: افتتاح الصلاة الوضوء الخ «3».

و ما يدل علي أن الواجب هو الوضوء لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر

عليه السلام- في حديث- قال: يا زرارة الوضوء فريضة «4» و ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الوضوء شطر الايمان «5».

و لكن جميع ذلك مخدوش و التفصيل موكول الي بحث استحباب الوضوء

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب الاول من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(3) نفس المصدر الحديث: 7.

(4) نفس المصدر الحديث: 2.

(5) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 335

______________________________

نفسا.

الامر الثاني: ما رواه أبو جرير الرقاشي قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام: كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء و لكن اغسله من أعلي وجهك الي اسفله بالماء مسحا و كذلك فامسح الماء علي ذراعيك و رأسك و قدميك «1».

و تقريب الاستدلال علي المدعي ظاهر و لكن الرواية ضعيفة بالرقاشي فلا مجال لملاحظة دلالتها.

فالنتيجة: أنه يمكن اجراء البراءة بان نقول: القدر المعلوم من الادلة وجوب غسل الوجه لكن لا ندري بأية كيفية و مقتضي البراءة عن الزائد عدم وجوب رعاية الغسل من الاعلي فتأمل.

الامر الثالث: الروايات البيانية الواردة في حكاية وضوء النّبيّ صلي اللّه عليه و آله:

منها ما رواه زرارة بن أعين قال: حكي لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمني فأخذ كفا من ماء فأسدلها علي وجهه من اعلي الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسري في الاناء فأسدلها علي اليمين ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمن في الاناء ثم صبها علي اليسري فصنع بها كما صنع باليمني ثم مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدهما في

الاناء «2».

و تقريب الاستدلال ظاهر فانه صرح في الرواية بأنه صلي اللّه عليه و آله أسدلها

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 22.

(2) نفس المصدر الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 336

______________________________

علي وجهه من أعلي الوجه، لكن للمناقشة في دلالة الرواية مجال اذ من الممكن أن الغسل من الاعلي يكون راجحا و أنه صلي اللّه عليه و آله أتي بالراجح.

نعم نقل عن العلامة في المنتهي و عن الشهيد في الذكري: أنهما ذيلا الروايه بهذا القول: «روي عنه عليه السلام أنه صلي اللّه عليه و آله قال- بعد ما توضأ-: «ان هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة الا به» «1».

و لكن لم يثبت هذا الذيل نعم قد ورد هذا الذيل في رواية مرسلة رواها الصدوق قال: و توضأ النّبيّ صلي اللّه عليه و آله مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة الا به «2».

و هذه الرواية مرسلة مضافا الي انها لا ترتبط بالمقام فلاحظ.

و في المقام رواية اخري لزرارة قال: حكي لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأخذ كفا من ماء فأسدلها علي وجهه (من أعلي الوجه) ثم مسح (علي خ ل) وجهه من الجانبين جميعا ثم أعاد يده اليسري في الاناء فأسدلها علي يده اليمني ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمني في الاناء فصبها علي اليسري ثم صنع بها كما صنع باليمني ثم مسح بما بقي في يده رأسه و رجليه و لم يعدهما في الاناء «3» و تقريب الاستدلال بها و الايراد عليها كما تقدم.

و صفوة القول: أنه لا دليل علي أن الامام عليه السلام في مقام بيان حدود

______________________________

(1) الجواهر

ج 2 ص 149.

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 11.

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 337

الي الاسفل فالاسفل عرفا (1).

______________________________

الوضوء و شرائطه بل في مقام بيان وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فلا يستفاد منه الا الرجحان.

الامر الرابع: أن الامر بالغسل في الاية و النصوص منصرف الي ما هو المتعارف و المتعارف منه هو الغسل من الاعلي.

و فيه: أن التعارف الخارجي لا يوجب الانصراف بحيث يكون خلافه لا يعد امتثالا.

و بعبارة اخري: تارة يكون الانصراف مستقرا بحيث لا يعد غير ما هو المتعارف من مصاديق المأمور به، و اخري يكون انصرافا بدويا و لا اثر للثاني.

فتحصل: أنه لا يكون دليل علي الاشتراط نعم لا اشكال في التسالم و تحقق السيرة عليه بحيث يعد خلافه مستنكرا عند المتشرعة.

(1) علي القول بوجوب الغسل من الاعلي، يقع الكلام في كيفية غسل الوجه و ذكرت في المقام وجوه:

أحدها: أن الواجب وجوب الابتداء بالغسل من قصاص الشعر بحيث يصدق الشروع من الاعلي و اما بعده فلا يجب النحو الخاص بل يكفي مطلق الغسل بأي نحو كان.

و هذا الوجه باطل اذ علي تقدير تمامية تلك الادلة يكون مقتضاها رعاية الاعلي فالاعلي.

ثانيها: أن الواجب غسل الاجزاء العالية فالعالية بحسب الخطوط العرضية بحيث لا يجوز غسل شي ء من الاجزاء السافلة حتي الجزء السافل الذي لا يكون مسامتا للجزء الاعلي غير المغسول الا بعد غسل تمام الاجزاء الواقعة فوقها في

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 338

و لا يجوز النكس (1).

______________________________

خط عرضي دقيق و نقل الالتزام به عن المحقق التقي الميرزا محمد تقي الشيرازي قدس سره.

و قد استشكل في هذا الكلام بأن هذا خلاف المستفاد

من رواية زرارة «1».

الحاكية لوضوء النّبيّ صلي اللّه عليه و آله حيث ذكر فيها: أنه عليه السلام «أخذ كفا من الماء فاسد لها علي وجهه من أعلي الوجه ثم مسح بيده الجانبين» فان الماء اذا اسدل من أعلي الوجه نزل الي الاسفل منه فيغسل به الجزء السافل قبل بقية الاجزاء العالية و لذا كان عليه السلام يمسح الجانبين فوصول الماء اليهما كان متأخرا عن الاسدال فلا يمكن الالتزام بهذا الوجه.

مضافا الي أن السيرة جارية علي خلافه بالاضافة الي كونه حرجيا.

ثالثها: أن الواجب انما هو غسل الاجزاء العالية فالعالية بحسب الخطوط الطولية فلا بد من غسل الجزء العالي قبل الجزء السافل المسامت له.

و هذا القول أيضا مخدوش اذ الماء اذا صب من الاعلي لم ينزل الي الاسفل بالخط المستقيم و لا دليل علي اعتبار هذا القيد أيضا.

رابعها: وجوب الغسل من الاعلي الي الاسفل عرفا بأن يصدق عرفا أنه غسل وجهه من الاعلي الي الاسفل فانه لا دليل علي وجوب أزيد من ذلك اذ العمدة في الدليل الانصراف و السيرة الخارجية، و السيرة بأزيد من هذا المقدار لم تتحقق.

(1) و قد ظهر وجهه.

______________________________

(1) لاحظ ص 335.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 339

نعم لورد الماء منكوسا و نوي الوضوء بارجاعه الي الاسفل صح وضوؤه (1).

[مسألة 37: غير مستوي الخلقة- لطول الاصابع أو لقصرها يرجع الي متناسب الخلقة المتعارف]

(مسألة 37): غير مستوي الخلقة- لطول الاصابع أو لقصرها- يرجع الي متناسب الخلقة المتعارف (2).

و كذا لو كان أغم قد نبت الشعر علي جبهته أو كان أصلع قد انحسر الشعر عن مقدم رأسه فانه يرجع الي المتعارف (3).

______________________________

(1) اذ المطلوب- و هو الغسل من الاعلي الي الاسفل- يحصل بهذا النحو فلا وجه للفساد كما هو ظاهر.

(2) يعني من يكون أصابعه خارجة عن المتعارف طولا

أو قصرا يراعي في مقدار الغسل من الوجه الاصابع المتناسبة مع وجهه علي طبق المتعارف الخارجي و هكذا الكلام بالنسبة الي من يكون وجهه خارجا عن المتعارف.

و السر فيه: ان التحديد الشرعي ربما يكون عاما لجميع المكلفين كالتحديد في الكر و المسافة و أمثالهما و في هذا القسم لا فرق بين الافراد و لا يختلف التحديد و مع عدم البيان يحمل علي المتعارف فيقال: المراد بالشبر في الكر الشبر المتعارف و لا يختلف الحكم بل عام بالنسبة الي الجميع، و اخري يكون الحكم انحلاليا بالنسبة الي الافراد كالمقام و يختلف المعنون بحسب اختلاف الاشخاص و يلاحظ التعارف في كل مورد بالنسبة الي نفسه فالتعارف في المقام يختلف عن التعارف في ذلك الباب.

(3) الكلام فيهما هو الكلام بعين الملاك فانه يفهم عرفا من الدليل: أن الميزان بالنسبة الي كل أحد ملاحظة أصابعه و وجهه بالنسبة و رعاية المتعارف

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 340

و اما غير مستوي الخلقة- بكبر الوجه أو لصغره- فيجب عليه غسل ما دارت عليه الوسطي و الابهام المتناسبتان مع ذلك الوجه (1).

[مسألة 38: الشعر النابت فيما دخل في حد الوجه يجب غسل ظاهره]

(مسألة 38): الشعر النابت فيما دخل في حد الوجه يجب غسل ظاهره و لا يجب البحث عن الشعر المستور فضلا عن البشرة المستورة (2).

______________________________

مع رعاية النسبة.

(1) كما ظهر وجهه.

(2) لا يخفي أن مقتضي وجوب غسل الوجه المستفاد من الاية و النصوص وجوب غسل البشرة فان الوجه عبارة عن البشرة فلا بد من غسلها لكن لا يبعد أن يستفاد من الوضوءات البيانية كفاية غسل ظاهر الشعر و عدم وجوب التعميق و التبطين اذ الشعر صيقلي و لا ينفذ فيه الماء بلا علاج و حيث انه ليس في نقل وضوئه صلي اللّه عليه

و آله اشارة الي التعميق يكشف عن عدم الوجوب.

و يدل علي المدعي أيضا ما رواه زرارة قال: قلت له: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء «1».

و ما رواه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: كل ما أحاط به من الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء «2».

و أيضا يدل عليه ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 341

نعم ما لا يحتاج غسله الي بحث و طلب يجب غسله (1) و كذا الشعر الرقيق النابت في البشرة يغسل مع البشرة و مثله الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة علي الاحوط وجوبا (2).

______________________________

سألته عن الرجل يتوضأ أ يبطن لحية؟ قال: لا «1».

و يؤيد المدعي ما رواه الرقاشي «2» أضف الي ذلك كله السيرة العملية الخارجية فانها جارية علي غسل ظاهر الشعر بلا رعاية التعميق و التبطين.

(1) كما هو مقتضي القاعدة الاولية اذ الواجب بحسب الدليل وجوب غسل البشرة و العدول عنه يحتاج الي دليل و لا دليل عليه في مفروض الكلام.

(2) ما يمكن أن يقال في وجوب غسل الشعر في مفروض الكلام امور:

الاول: قاعدة الاشتغال بدعوي: أن الشك في المحصل و فيه: أنه قد تقدم أن المأمور به نفس الغسلات و المسحات مضافا الي أنه يكفي لعدم الوجوب الوضوءات البيانية فان بيان المحصل في المقام شأن المولي و مع عدم البيان في

مقامه يعلم عدم وجوبه.

الثاني: التبعية فانه يجب غسله بتبع البشرة و فيه أنه لا دليل علي التبعية.

لكن الانصاف: أن انكار التبعية مشكل و لذا يلتزمون بوجوب غسل اللحم الزائد النابت في الاعضاء الا أن يقال: بأن اللحم جزء من الوجه و الشعر ليس جزء منه فلاحظ.

الثالث: قوله عليه السلام «ما جرت عليه الاصبعان» في رواية زرارة أنه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 1.

(2) لاحظ ص 335.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 342

______________________________

قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال اللّه عز و جل فقال: الوجه الذي قال اللّه و أمر اللّه عز و جل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، ان زاد عليه لم يوجر و ان نقص منه اثم ما دارت عليه الوسطي و الابهام من قصاص شعر الرأس الي الذقن و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوي ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا «1».

بدعوي انهما تجريان علي الشعر أيضا فيجب غسله.

و فيه: أن الامام عليه السلام في مقام بيان تحديد الوجه و الشعر ليس جزء من الوجه فالحكم مبني علي الاحتياط، و لكن لا يبعد أن يقال: بأنه اذا وجب غسل الوجه يفهم عرفا أنه يجب غسل ما فيه و هذا الوجه يرجع الي التبعية و ليس وجها مستقلا.

بقي شي ء: و هو: أن في مورد الشعر الكثيف هل يكفي غسل الوجه بلا غسل الشعر؟ أم لا بد من غسل ظاهر الشعر؟.

الحق أن يقال: ان روايتي زرارة «2» ان كان الجار فيهما الداخل علي العباد (اللام)، يكون مقتضاها وجوب غسل ظاهر الشعر

و لا يجزي غسل البشرة اذ يستفاد منهما عدم الاجزاء كما هو ظاهر و أما ان كان الجار لفظ علي فربما يقال: الامر كذلك اذ يستفاد من الروايتين أن البشرة لا يجب غسلها و مع عدم تعلق الامر به لا دليل علي الاجزاء و لا يكفي اطلاق الاية و النصوص لأنه

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 340.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 343

[مسألة 39: لا يجب غسل باطن العين و الفم، و الانف، و مطبق الشفتين، و العينين]

(مسألة 39): لا يجب غسل باطن العين و الفم، و الانف، و مطبق الشفتين، و العينين (1).

______________________________

خصص بهذه الرواية.

لكن لا يبعد أن يقال: بأن العرف يفهم من الروايتين الترخيص في الترك و عدم التعيين.

و بعبارة اخري: يفهم التخيير و حيث ان الرواية نقلت بنحوين تصل النوبة الي الاصل العملي فانه لا يتعين غسل البشرة انما الكلام في ان الواجب الجامع أو خصوص غسل ظاهر الشعر و مقتضي البراءة عدم التعين فلاحظ.

(1) اتفاقا- كما في بعض الكلمات- و لا مقتضي للوجوب فان صب الماء من قصاص الشعر و اسداله لا يغسل البواطن.

و يمكن تقريب المدعي بأنه لا يستفاد من دليل وجوب الغسل أزيد من وجوب غسل ظاهر الوجه و أما وجوب غسل بواطنه كالمذكورات فيحتاج الي عناية و تنبيه.

مضافا الي أنه يستفاد عدم الوجوب من النص الخاص لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة انما عليك ان تغسل ما ظهر «1».

و ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس عليك مضمضة و لا استنشاق لأنهما من الجوف «2».

و ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنهما قالا:

المضمضة

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

(2) نفس المصدر الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 344

[مسألة 40: الشعر النابت في الخارج عن الحد اذا تدلي علي ما دخل في الحد لا يجب غسله]

(مسألة 40): الشعر النابت في الخارج عن الحد اذا تدلي علي ما دخل في الحد لا يجب غسله، و كذا المقدار الخارج عن الحد و ان كان نابتا في داخل الحد كمسترسل اللحية (1).

[مسألة 41: إذا بقي مما في الحد شي ء لم يغسل و لو بمقدار رأس ابرة لا يصح الوضوء]

(مسألة 41): اذا بقي مما في الحد شي ء لم يغسل و لو بمقدار رأس ابرة لا يصح الوضوء (2) فيجب أن يلاحظ آماق و أطراف عينيه لا يكون عليها شي ء من القبح أو الكحل المانع و كذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شي ء من الوسخ و أن لا يكون علي حاجب المرأة و سمة و خطاط له جرم مانع.

[مسألة 42: اذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته عن الغسل أو المسح يجب تحصيل اليقين بزواله]

(مسألة 42): اذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته عن الغسل أو المسح يجب تحصيل اليقين بزواله (3) و لو شك في أصل وجوده

______________________________

و الاستنشاق ليسا من الوضوء لأنهما من الجوف «1».

(1) الوجه فيهما ظاهر فانه لا مقتضي للوجوب أما في الاول فانه خارج عن الوجه و الظاهر من قوله عليه السلام: «كلما احاط به الشعر» الشعر النابت في الحد لا المتدلي و أما في الثاني فانه و ان كان نابتا في الحد لكن المقدار الخارج عن الحد طولا أو عرضا لا وجه لوجوب غسله فلاحظ.

(2) اذ الصحة تتفرع علي تحقق المأمور به و المفروض عدم تحققه فلا تتحقق الصحة.

(3) فان مقتضي تنجز التكليف الجزم بسقوطه بالامتثال و مع عدم حصول

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 12.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 345

يجب الفحص عنه- علي الاحوط وجوبا- الا مع الاطمئنان بعدمه (1).

[مسألة 43: الثقبة في الانف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها]

(مسألة 43): الثقبة في الانف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها بل يكفي غسل ظاهرها سواء كانت فيها الحلقة أم لا (2).

______________________________

اليقين بالزوال لا يحصل العلم بالامتثال.

(1) يظهر من بعض الكلمات أن المعروف عن الاصحاب انه لا اعتبار بالشك في وجود المانع و من القائلين بهذه المقالة صاحبا الجواهر و مصباح الفقيه و ما قيل في وجهه امور:

الاول: الاجماعات المنقولة. و فيه: أن الاجماع المنقول لا اعتبار به و المحصل منه غير حاصل و علي تقدير الحصول محتمل المدرك و ليس تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

الثاني: استصحاب عدمه. و فيه: أنه لا أثر لهذا الاصل فان الاثر يترتب علي وصول الماء و اثبات وصوله بالاصل يتوقف علي القول بالمثبت بل مقتضي الاستصحاب عدم الوصول و عدم تحقق الغسل.

الثالث: السيرة بدعوي أن سيرة المتشرعة

قائمة علي عدم الفحص.

و فيه: أن عدم الفحص ربما يستند الي الغفلة، و اخري الي القطع بعدم المانع، و ثالثة يستند الي عدم المبالات و رابعة الي الاجتهاد أو التقليد ممن يري عدم الوجوب و من الظاهر أنه لا أثر لمثل هذه السيرة.

و الانصاف أن السيرة من المتدينين مع التوجه و احتمال وجود المانع ممنوعة فلاحظ و مما ذكر ظهر وجه الاحتياط في كلام الماتن.

(2) لعدم وجوب غسل البواطن علي ما هو المعروف بين الاصحاب.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 346

[الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين الي أطراف الاصابع]
اشارة

الثاني: يجب غسل اليدين (1) من المرفقين الي أطراف الاصابع (2) و يجب الابتداء بالمرفقين (3).

______________________________

و يمكن الاستدلال عليه بالوضوءات البيانية فان اسدال الماء من قصاص الشعر لا يقتضي الوصول الي داخل الثقبة الا بعلاج فنفهم أن غسل داخلها لا يكون واجبا.

و بعبارة اخري: لو كان غسل داخل الثقبة واجبا لكان عليه. عليه السلام البيان.

(1) بلا اشكال و لا خلاف و يدل عليه الكتاب و السنة و الظاهر انه لم يخالف فيه أحد من المسلمين بل يمكن أن يقال: بأن وجوب غسل اليدين في الجملة من ضروريات الدين انما الاشكال و الخلاف في بعض الخصوصيات.

(2) بلا اشكال و لا خلاف في الجملة و الكتاب و السنة ناطقان به.

(3) الانصاف أن هذا من الواضحات و أنه من شعائر الشيعة و لا اشكال في التسالم عليه و عدم الخلاف و السيرة الجارية عليه أقوي شاهد علي المدعي.

اضف الي ذلك ما رواه زرارة قال لأبي جعفر الباقر عليه السلام اخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال اللّه عز و جل فقال: الوجه الذي قال اللّه و امر اللّه عز و جل بغسله الذي لا ينبغي

لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه ان زاد عليه لم يوجر و ان نقص منه اثم ما دارت عليه الوسطي و الابهام من قصاص شعر الرأس الي الذقن و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه و ما سوي ذلك فليس من الوجه.

فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا قال زرارة: قلت له: أ رأيت ما احاط به الشعر؟ فقال: كلما احاط به من الشعر فليس علي العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 347

______________________________

و حد غسل اليدين من المرفق الي اطراف الاصابع و حد مسح الرأس أن تمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس و حد مسح الرجلين ان تضع كفيك علي أطراف أصابع رجليك و تمدهما الي الكعبين فتبدأ بالرجل اليمني في المسح قبل اليسري و يكون ذلك بما بقي في اليدين من النداوة من غير أن تجدد له ماء و لا ترد الشعر في غسل اليدين و لا في مسح الرأس و القدمين «1».

فان الظاهر من النهي عن رد الشعر، غسل اليد منكوسا.

و يدل عليه أيضا ما رواه الهيثم بن عروة التميمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالي: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ قلت:

هكذا و مسحت من ظهر كفي الي المرفق فقال: ليس هكذا تنزيلها انها هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ (من) إِلَي الْمَرٰافِقِ ثم أمر يده من مرفقه الي اصابعه «2».

و يدل عليه أيضا ما رواه محمد بن الفضل أن علي بن يقطين كتب الي أبي الحسن موسي عليه السلام يسأله عن الوضوء فكتب اليه أبو الحسن عليه السلام:

فهمت ما ذكرت من الاختلاف في

الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الي المرفقين ثلاثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الي الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك الي غيره فلما وصل الكتاب الي علي بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن عليه السلام فيه مما جميع العصابة علي

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 28 باب حد الوضوء الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 348

______________________________

خلافه.

ثم قال: مولاي أعلم بهما قال و أنا أمتثل أمره فكان يعمد في وضوئه علي هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام.

و سعي بعلي بن يقطين الي الرشيد و قيل: انه رافضي فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر فلما نظر الي وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة و صلحت حاله عنده و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام ابتدأ من الان يا علي بن يقطين و توضأ كما أمرك اللّه تعالي اغسل وجهك مرة فريضة و اخري اسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام «1».

و يدل عليه أيضا ما رواه الاربلي في كتاب كشف الغمة قال: ذكر علي بن ابراهيم بن هاشم- و هو من أجل رواة اصحابنا- في كتابه- عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و ذكر حديثا في ابتداء النبوة يقول فيه: فنزل عليه

جبرئيل و أنزل عليه ماء من السماء فقال له: يا محمد قم توضأ للصلاة فعلمه جبرئيل الوضوء علي الوجه و اليدين من المرفق و مسح الرأس و الرجلين الي الكعبين «2».

بل يمكن أن يستدل بما رواه بكير و زرارة ابنا أعين أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفيه ثم غمس كفه اليمني في التور فغسل وجهه بها و استعان بيده اليسري بكفه علي غسل وجهه ثم غمس كفه اليمني في الماء فاغترف بها من الماء فغسل

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 24.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 349

______________________________

يده اليمني من المرفق الي الاصابع لا يرد الماء الي المرفقين ثم غمس كفه اليمني في الماء فاغترف بها من الماء فافرغه علي يده اليسري من المرفق الي الكف لا يرد الماء الي المرفق كما صنع باليمني ثم مسح رأسه و قدميه الي الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماء «1».

فان اهتما مهما بحكاية عدم رده عليه السلام الماء الي المرفق دليل علي أنه معتبر في الوضوء.

ان قلت: ان المستفاد من الآية الشريفة أنه لا بد من الابتداء بالأسفل و الختم بالأعلي فهذه النصوص تخالف الآية.

قلت: لا دليل علي أن التحديد في الاية تحديد للغسل بل التحديد راجع الي المغسول اذ لا يجب غسل تمام اليد بل الواجب غسل هذا المقدار فلا بد من التحديد و علي ما نقل ان العامة لم يدعوا ظهور الاية في مدعاهم بل انما يدعون الاطلاق و ان ابيت عن الظهور في المغسول فلا أقلّ من عدم الظهور في

الخلاف.

و يؤيد المدعي ما عن العياشي في تفسيره عن صفوان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» فقال عليه السلام: قد سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن ذلك فقال: سيكفيك أو كفتك سورة المائدة يعني:

المسح علي الرأس و الرجلين قلت: فانه قال: اغسلوا أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ.

فكيف الغسل؟ قال: هكذا ان يأخذ الماء بيده اليمني فيصبه في اليسري ثم يفضه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 350

ثم الاسفل منهما فالاسفل عرفا (1) الي أطراف الاصابع (2) و المقطوع بعض يده يغسل ما بقي (3).

______________________________

علي المرفق ثم يمسح الي الكف الخبر «1».

(1) كما عليه السيرة و التسالم و ظهور جملة من النصوص و عليه لا مجال لان يقال: بان الواجب الابتداء من المرفق و لا دليل علي وجوب المراعات بنحو الترتيب.

(2) بلا اشكال فانه المستفاد من الاية الشريفة اذ المستفاد منها أن الواجب غسل اليد الي المرفق فما يكون فوقه لا يجب غسله و ما يكون تحته يجب و تدل عليه رواية زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ألا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقلنا: بلي فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني ثم قال: هكذا اذا كانت الكف طاهرة ثم غرف ملاها ماء فوضعها علي جبهته ثم قال: بسم اللّه و سد له علي أطراف لحيته ثم أمر يده علي وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة ثم غمس يده اليسري فغرف بها ملاها ثم وضعه علي مرفقه

اليمني فأمر كفه علي ساعده حتي جري الماء علي أطراف أصابعه ثم غرف بيمينه ملاها فوضعه علي مرفقه اليسري فأمر كفه علي ساعده حتي جري الماء علي أطراف أصابعه و مسح مقدم رأسه و ظهر قدميه ببلة يساره و بقية بلة يمناه «2».

(3) ما استدل به علي المدعي امور:

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 351

______________________________

الاول: الاجماع المدعي في المقام- كما عن المدارك و كشف اللثام، و عن المنتهي نسبته الي اهل العلم. لكن الظاهر أنه ليس اجماعا تعبديا لاحتمال استناد المجمعين الي النصوص الواردة في الاقطع.

الثاني قاعدة الميسور. و هذه القاعدة لم يدل عليها دليل معتبر كما حقق في مسألة الشك في الجزئية أو الشرطية في بحث البراءة.

الثالث: الاستصحاب بتقريب: أن غسل هذا المقدار كان واجبا قبل القطع و الان كما كان.

و فيه: أنه يتوقف أولا علي أن يكون القطع بعد دخول الوقت كي يتحقق الوجوب و أما اذا كان قبل الوقت فلا يقين بوجوب الغسل فلا مورد للاستصحاب.

و ثانيا: أن غسل اليد ليس واجبا بالوجوب الاستقلالي كي يستصحب بقائه بل وجوبه في ضمن وجوب الوضوء و مقتضي القاعده سقوط الوجوب عن الوضوء بعد عدم التمكن من امتثال الامر

و ربما يقال: - كما في كلام سيدنا الاستاد-: أنا نقطع بعدم سقوط الصلاة من ذمة المكلف و نقطع بعدم كون وظيفته التيمم فالنتيجة وجوب غسل ما بقي من اليد فتأمل.

و ثالثا: أن الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلي الالهي كما حقق في محله.

الرابع: النصوص: فمنها ما رواه رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الاقطع فقال: يغسل

ما قطع منه «1»

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي ابن جعفر عليه السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 352

______________________________

سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل قال: يغسلهما «2».

و منها ما رواه رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه «3».

و هذه النصوص لا اشكال فيها سندا و أما المراد فمعلوم أن المقصود منها غسل المقدار الباقي الذي يجب غسله مع المقطوع في فرض عدم القطع و يتضح هذا المعني بملاحظة رواية علي بن جعفر «4».

و تقريب الاستفادة من الرواية أن الظاهر من قوله عليه السلام: «من المرفق» أن المرفق لم يقطع بل ابتدء في القطع منه و حيث ان المرفق يجب غسله فيكون مقدار من محل وجوب الغسل باقيا و عليه يكون الجار للتبعيض و لا يكون بيانا للموصول و لا يكون متعلقا ببقي اذ الاول خلاف الظاهر فان المناسب أن يقول: يغسل عضده و الثاني ينافي أن القطع من المرفق

و لتوضيح المدعي نقول: لو كان الجار متعلقا ببقي يكون المعني أن الواجب غسله المقدار الباقي من العضد و الحال أن العضد بتمامه باق فان

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) عين المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 4.

(4) مرت آنفا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 353

و لو قطعت من فوق المرفق سقط وجوب غسلها (1).

______________________________

المستفاد من اللغة أن العضد من المرفق الي الكتف

فالعضد بتمامه باق فيكون المراد بالجار التبعيض و بهذه الرواية يرتفع الابهام الموجود في غيرها.

(1) المعروف بين القوم عدم الوجوب و نقل عن المنتهي و كشف اللثام الاجماع عليه و عن مفتاح الكرامة: «لا أجد فيه مخالفا الا ما نقل عن المفيد».

و في بعض الكلمات نسبة الخلاف الي ابن جنيد و نقل عن بعضهم الالتزام بالاستحباب.

و مقتضي القاعدة الاولية عدم الوجوب لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.

و يظهر من كلام سيد المستمسك: «ان اصالة الاحتياط محكمة في المقام».

و لا أدري ما المراد بما افاده قدس سره و يمكن أن يكون ناظرا الي أن الشك في المقام شك في المحصل و في مثله يكون المرجع الاشتغال.

و لكن يرد عليه أنه قد مر منا أن المرجع في هذا الباب البراءة مضافا الي أنه يمكننا أن نقول: بأن بيان المحصل اذا كان من شئون المولي يكون المرجع البراءة أيضا و ان كان الشك في المحصل.

و ربما يقال في وجوب غسله وجهان: أحدهما اطلاق حديثي رفاعة و محمد بن مسلم «1» بتقريب أن مقتضي اطلاقهما وجوب غسل الباقي.

و فيه أن لازم الالتزام بهذا الاطلاق وجوب غسل الكتف لو قطع منه و هو كما تري.

______________________________

(1) لاحظ ص: 352.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 354

و لو كان له ذراعان دون المرفق وجب غسلهما (1).

______________________________

و لا يبعد أن يقال: بأن التناسب يقتضي أن يكون السؤال عن المقدار الباقي الواجب غسله لو لا القطع لا عن محل آخر.

و لكن يمكن أن يقال: بأنا نلتزم بالاطلاق ما دام لا نقطع بالخلاف و حيث ان وجوب غسل الكتف مقطوع العدم فلا نلتزم به و أما ما دونه فلا و أما التناسب المذكور فالانصاف أنه ليس مانعا عن الاطلاق

و لكن يمكن أن يقال: بأن المستفاد من حديث ابن جعفر «1»، أن الواجب غسله بعد القطع المقدار الباقي مما كان واجبا غسله و به يرفع اليد عن اطلاق غيره مضافا الي الاجماع المدعي علي العدم كما سبق.

ثانيهما رواية ابن جعفر 2 بدعوي أن المستفاد منها وجوب غسل العضد بعد القطع لكن تقدم أن المستفاد منها ليس كذلك.

(1) بلا فرق بين كونها أصلية و بين كونها زايدة أما في الصورة الاولي فلا طلاق الادلة من الكتاب و السنة اذ المفروض صدق اليد عليها و يجب غسل اليد و أما اذا كانت غير اصلية فأيضا يجب غسلها اذ لا اشكال في كونها تابعة لليد الاصلية في نظر العرف.

و لا يبعد أن يقال: بان مقتضي وجوب عسل اليد وجوب غسلها مع توابعها.

و يؤكد المدعي ما رواه زرارة و بكير أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بطست او تور فيه ماء فغمس يده اليمني فغرف بها غرفة فصبها علي وجهه فغسل بها وجهه ثم غمس كفه اليسري فغرف بها غرفة فأفرغ علي ذراعه اليمني فغسل بها ذراعه من المرفق الي الكف

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص: 351.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 355

و كذا اللحم الزائد و الاصبع الزائدة (1).

و لو كان له يد زائدة فوق المرفق فالاحوط استحبابا غسلها أيضا (2).

______________________________

لا يردها الي المرفق ثم غمس كفه اليمني فأفرغ بها علي ذراعه اليسري من المرفق و صنع بها مثل ما صنع باليمني ثم مسح رأسه و قدميه ببلل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا.

ثم قال: و لا يدخل أصابعه تحت الشراك ثم قال: ان اللّه تعالي يقول: «يٰا

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ» فليس له أن يدع شيئا من وجهه الا غسله و أمر بغسل اليدين الي المرفقين فليس له أن يدع من يديه الي المرفقين شيئا الا غسله لان اللّه تعالي يقول: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ» «1».

فان المستفاد من هذا الحديث وجوب غسل اليد الي المرفق بجميع ما في الحد.

(1) لعين التقريب المذكور فيما قبله للإطلاق فانه قد ثبت وجوب غسل اليد مع توابعها.

و ما في رواية زرارة «2» من تحديد المغسول الي اطراف الاصابع محمول علي الاشخاص المتعارفة فلا نظر في الرواية الي التابع الخارج عن الحد فتلك الرواية محكمة بل العرف يفهم من هذه الرواية أيضا وجوب غسل ما في الحد.

و صفوة القول: أن التوابع في حكم اليد بحسب الفهم العرفي.

(2) اليد الزائدة فوق المرفق يتصور علي نحوين:

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(2) لاحظ ص 346.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 356

______________________________

أحدهما: أن تكون مثل اليد الاصلية في جميع الآثار المترقبة من القوة و البطش و الاعطاء و الاخذ الي غيرها من الآثار.

ثانيهما: أن تكون يدا بلا أثر مترتب عليها كيد المشلول أما النحو الاول فيجب غسلها لإطلاق الا دلة كتابا و سنة المقتضي لوجوب غسل اليد فانها يد حقيقة فيجب غسلها.

و قد يقال- في وجه عدم وجوب غسلها- أمران:

الاول: أن المستفاد من الاية الشريفة و الروايات وجوب غسل اليدين لا أزيد و إضافة الجمع الي المكلفين باعتبار إضافة الجمع الي الجميع.

و فيه: أنه لا دليل علي هذا المدعي فان الدليل يقتضي وجوب غسل اليد فذو يد واحدة يجب عليه غسل الواحدة و يجب علي ذي يدين غسلهما و علي

ذي الايدي الاربع غسلها و هكذا فلا وجه للقول بعدم الوجوب.

الثاني: قد حدد المغسول بالمرفق في الاية و الاخبار فالواقعة فوق المرفق خارجة.

و فيه: أولا: ينقض بمن لا يكون ليده مرفق فهل يمكن الالتزام بعدم وجوب غسل يده؟ كلا.

و ثانيا: أن هذا حد و انه لا بد من غسل هذا المقدار بمعني انه لو كان له المرفق يكون في المحل الفلاني فيجب الغسل من ذلك المحل كما أنه لو أن أحدا لم ينبت الشعر علي رأسه لم يسقط غسل الوجه عن ذمته.

فالنتيجة وجوب الغسل في هذه الصورة بل يمكن أن يقال: أنه يجوز المسح بها اذ يصدق أنه مسح بيده اليمني او اليسري.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 357

و لو اشتبهت الزائدة بالاصلية غسلهما جميعا (1) و مسح بهما علي الاحوط وجوبا (2).

[مسألة 44: المرفق مجمع عظمي الذراع و العضد و يجب غسله مع اليد]

(مسألة 44): المرفق مجمع عظمي الذراع و العضد و يجب غسله مع اليد (3).

______________________________

و أما النحو الثاني: فغاية ما يمكن أن يقال في وجه عدم وجوب الغسل أن وجوب الغسل في الاية و الروايات ينصرف الي اليد المتعارفة المترتبة عليها الآثار.

و لا وجه لهذا الانصراف الا بدوا و الا يلزم أن يقال: بعدم الوجوب حتي بالنسبة الي اليد الاصلية اذا كانت مشلولة فان حكم الامثال واحد و مما ذكرنا ظهر أن الاحتياط بغسلها وجوبي لا استجابي- كما في المتن- فتأمل.

(1) لو قلنا بوجوب غسل الزائدة لم يكن اشكال في وجوب غسلهما، و ان قلنا بعدم الوجوب و اشتبهت الاصلية بالزائدة التي لا تكون مصداقا لليد عرفا يجب غسلهما من باب المقدمة العلمية لكن الاشكال في أنه كيف يمكن اشتباه اليد الاصلية بغيرها.

(2) لا اشكال في أن هذا طريق الاحتياط و لكن مقتضي الصناعة

كفاية المسح بكل منهما بعد صدق اليد عليهما فلاحظ.

(3) نقل عن الشيخ الطوسي قدس سره في الخلاف: بأن الفقهاء بأجمعهم ملتزمون بوجوب غسل المرفقين مع اليدين الا زفر و قد ثبت عن الائمة عليهم السلام ان (الي) في الاية بمعني (مع).

مضافا الي أنه يمكن أن يستفاد المطلوب من روايات الوضوءات البيانية

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 358

______________________________

لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال زرارة: «ثم غرف بيمينه ملاها فوضعه علي مرفقه اليسري «1» فان وضع اليد علي المرفق يدل علي أن غسل المرفق واجب.

و يمكن اثبات المدعي ببيان آخر و هو يتوقف علي بيان المرفق فنقول.

المستفاد من بعض الكلمات: أن المحصل مما ذكروه في تفسير المرفق معان ثلاثة:

الاول: أن المرفق هو الخط الموهومي الفاصل بين عظم الذراع المحاط بعظمي العضد المحيطين فان من وضع يده علي مفصل العضد و الذراع يري أن في العضد عظمين محيطين بعظم الذراع و عليه لا معني للبحث عن الوجوب و عدمه فان الخط الموهومي غير قابل للغسل نعم يجب غسل كلا عظمي الذراع و العضد لوقوعهما تحت ذلك الخط.

الثاني: أن المرفق هو العظم المتداخل في عظمي العضد و علي هذا يصح النزاع فانه يرجع الي وجوب غسل ذلك العظم المتداخل.

الثالث: أن يكون المراد به مجموع العظام الثلاثة.

لا اشكال في أن مقتضي الاجماع القطعي علي أن لفظ (الي) بمعني (مع)، أن المرفق ليس عبارة عن الخط الموهومي فيدور الامر بين الامرين الاخيرين و الظاهر هو المعني الاخير فانه فسر في مجمع البحرين ب «موصل الذراع في العضد» و في المنجد ب «الموصل بين الساعد و العضد» و كون المجموع مقصودا من المرفق يناسب الرفق و الالتيام فان الملتئم

في المفصل

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 359

[مسألة 45: يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة حتي الغليظ منه]

(مسألة 45): يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة حتي الغليظ منه علي الاحوط وجوبا (1).

______________________________

مجموع العظام.

و يدل علي أن المرفق بالمعني الثالث ما رواه علي بن جعفر «1» اذ المفروض ان الذراع قطع من المرفق فلم يبق من الذراع شي ء فوجوب غسل الباقي بمعني ان عظمي العضد داخلان في المرفق.

و يدل عليه لفظ الجار فانا ذكرنا سابقا أن الجار ليس بيانا للموصول و لا متعلقا ببقي فانه لو كان بيانا للموصول كان المناسب ان يقول: يغسل عضده و لو كان متعلقا ببقي كان منافيا مع القطع من المرفق فان الظاهر أن العضد كله باق فيكون المراد انه يغسل ما بقي من المحل الواجب غسله الذي يكون بعضا من العضد.

(1) الكلام في المقام يقع في موردين:

الاول: في وجوب غسل الشعر النابت علي اليدين.

الثاني: في وجوب غسل البشرة و عدم كفاية غسل الشعر النابت و ان كان كثيفا أما المورد الاول فنقول:

الشعر النابت علي اليد كالشعر النابت علي الوجه يجب غسله بالفهم العرفي و أما المورد الثاني فنقول:

مقتضي القاعدة الاولية وجوب غسل نفس البشرة و الاكتفاء بغسل الشعر يحتاج الي الدليل و ما يمكن ان يقال في وجه تسرية الحكم من الوجه الي

______________________________

(1) مر في ص 351.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 360

[مسألة 46: اذا دخلت شوكة في اليد لا يجب اخراجها الا اذا كان ما تحتها محسوبا من الظاهر]

(مسألة 46): اذا دخلت شوكة في اليد لا يجب اخراجها الا اذا كان ما تحتها محسوبا من الظاهر فيجب غسله حينئذ و لو باخراجها (1)

[مسألة 47: الوسخ الذي يكون علي الاعضاء اذا كان معدودا جزءا من البشرة لا تجب ازالته]

(مسألة 47): الوسخ الذي يكون علي الاعضاء اذا كان معدودا جزءا من البشرة لا تجب ازالته و ان كان معدودا أجنبيا عن البشرة تجب ازالته (2).

______________________________

اليدين اطلاق رواية زرارة «1» بدعوي أن مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين الوجه و اليدين.

و الظاهر ان هذه الرواية ليست رواية مستقلة بل هي ذيل الرواية التي نقلها الصدوق 2 و عليه فعموم قوله عليه السلام: «كلما احاط به» انما بحسب ما اريد من الموصول المراد به الوجه بقرينة الصدر و عليه ليس للرواية عموم يشمل المقام و حيث ان هذا الذيل لا بد من سبقه بكلام كما في رواية فقيه فلا بد من الالتزام بأن الشيخ قدس سره قد ارتكب التقطيع فلا عموم له.

و علي فرض كونها رواية مستقلة لا يفيد أيضا اذ لا معني لهذا السؤال بلا تقديم مقدمة و سبق سابقة و حيث لا نعلم سابقه يكون الكلام مجملا.

فالنتيجة: ان ما ذهب اليه المشهور صحيح و ما ذهب اليه كاشف الغطاء ليس سديدا و اللّه العالم.

(1) أما عدم وجوب اخراجها في مفروض المسألة فلان غسل البواطن غير واجب و المفروض أن مدخل الشوكة من الباطن و أما وجوب الاخراج في الفرض الثاني فلان غسل الظاهر واجب و المفروض أنه منه.

(2) أما علي التقدير الاول فلانه يعد من البدن فهو جزء منه و غسله مصداق

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص 340 و قد أخرجناها من الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 361

[مسألة 48: ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الي الزندين و الاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل]

(مسألة 48): ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الي الزندين و الاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل (1).

[مسألة 49: يجوز الوضوء برمس العضو في الماء]

(مسألة 49): يجوز الوضوء برمس العضو في الماء من أعلي الوجه أو من طرف المرفق مع مراعاة غسل الاعلي فالاعلي (2).

و لكن لا يجوز أن ينوي الغسل لليسري بادخالها في الماء من المرفق لأنه يلزم تعذر المسح بماء الوضوء (3) و كذا الحال في اليمني اذا لم يغسل بها اليسري (4) و أما لو قصد الغسل باخراج العضو من الماء تدريجا فهو غير جائز مطلقا علي الاحوط (5).

______________________________

للغسل الواجب و أما علي الثاني فلا بد من ازالته كي يحصل الامتثال.

(1) الامر ظاهر فان الاجزاء يحتاج الي الدليل و ليس فليس.

(2) نقل عن البرهان: الاتفاق عليه، و كذلك عن ظاهر الجواهر.

و مقتضي القاعدة جوازه فان مقتضي اطلاق الغسل جوازه بأي نحو يحصل و عليه يجوز الارتماس لكن يلزم أن يراعي الاعلي فالاعلي و عليه لا يمكن تحقق الغسل بالارتماس دفعة بل لا بد من التدريج الزماني بان يحصل غسل كل جزء قبل الجزء الاخر كي يحفظ الترتيب.

(3) فلا يجوز و هذا ظاهر لأنه يختلط ماء الوضوء بالماء الخارجي و لا يجوز المسح الا ببلة الوضوء.

(4) و الوجه فيه ظاهر.

(5) الظاهر انه ناظر الي ان الاحداث لازم في امتثال الاوامر و لا يكفي الابقاء.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 362

[مسألة 50: الوسخ تحت الأظفار اذا لم يكن زائدا علي المتعارف لا تجب إزالته]

(مسألة 50): الوسخ تحت الاظفار اذا لم يكن زائدا علي المتعارف لا تجب ازالته (1) الا اذا كان ما تحته معدودا من الظاهر (2).

و اذا قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله بعد ازالة الوسخ (3).

[مسألة 51: إذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع]

(مسألة 51): اذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع (4) و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل و ان كان اتصاله بجلدة رقيقة (5).

______________________________

(1) فان الميزان في وجوب الازالة و عدمه عد ما تحت الوسخ من الظاهر و عدمه فانه لو عد من الظاهر تجب الازالة مقدمة للغسل و كفاية غسل الوسخ عنه يحتاج الي الدليل.

و توهم كونه مستورا بالوسخ فلا يكون من الظاهر، فاسد فان الستر بالوسخ و امثاله لا يقتضي عد ما تحته من البواطن.

(2) قد ظهر الوجه فيه.

(3) اذ المفروض أنه بعد القص يدخل في موضوع وجوب الغسل فيجب.

(4) فانه يعد من الظاهر علي الفرض فيجب غسله.

(5) أما وجوب غسله فلانه من التوابع و قوله عليه السلام: «فليس له ان يدع شيئا» «1» يقتضي غسل ما يكون تابعا و لا يجب قطعه، لعدم المقتضي اذ انه ليس شيئا خارجيا كي يجب قطعه مقدمة لغسل ما تحته و ان شئت قلت: أن غسله

______________________________

(1) لاحظ ص: 355.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 363

و لا يجب قطعه ليغسل ما كان تحت الجلدة (1).

و ان كان هو الاحوط وجوبا لو عد ذلك اللحم شيئا خارجيا و لم يحسب جزءا من اليد (2).

[مسألة 52: الشقوق التي تحدث علي ظهر الكف من جهة البرد ان كانت وسيعة يري جوفها وجب ايصال الماء اليها]

(مسألة 52): الشقوق التي تحدث علي ظهر الكف من جهة البرد ان كانت وسيعة يري جوفها وجب ايصال الماء اليها (3) و الا فلا (4) و مع الشك فالاحوط استحبابا الايصال (5).

______________________________

يكفي عن غسل البشرة.

(1) قد ظهر الوجه فيه.

(2) و الوجه فيه أنه أمر خارجي مانع عن وصول الماء الي البشرة فيحب قطعه.

و لكن يرد عليه أن كونه شيئا خارجيا تسامح فانه من قبيل الشعر حيث انه لا يعد

من اليد و لكن من توابعها بلا اشكال فلا وجه لوجوب الاحتياط نعم يحسن الاحتياط بلا اشكال.

(3) اذ المفروض كونها من الظاهر.

(4) فقد ظهر وجهه و الميزان في كون الشي ء من الظاهر أن يري بسهولة من دون علاج و امكان الرؤية بالعلاج كما اذا فصل طرفي الشق باليد لا يقتضي كونها من الظاهر.

(5) فانه قد مر أن المستفاد من النصوص أن الواجب غسل ظاهر البشرة بل استفيد من حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المضمضة و الاستنشاق قال: ليس هما من الوضوء هما من الجوف «1»، و غيره، عدم

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الوضوء الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 364

[مسألة 53: ما ينجمد علي الجرح عند البرء و يصير كالجلدة لا يجب رفعه]

(مسألة 53): ما ينجمد علي الجرح عند البرء و يصير كالجلدة لا يجب رفعه (1) و ان حصل البرء (2) و يجزي غسل ظاهره و ان كان رفعه سهلا (3)،

[مسألة 54: يجوز الوضوء بماء المطر إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه علي وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلي فالأعلي]

(مسألة 54) يجوز الوضوء بماء المطر اذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه علي وجهه غسل الوجه مع مراعاة الاعلي فالاعلي و كذلك بالنسبة الي يديه (4).

______________________________

وجوب غسل الجوف و مع الشك يستصحب كونه من الجوف.

هذا اذا كانت الشبهة مصداقية و اما اذا كانت شبهة مفهومية فيشكل اذ المفروض أن مقتضي وجوب غسل اليد من المرفق الي أطراف الاصابع وجوب غسل ما بين الحدين علي الاطلاق و حيث ان المقيد منفصل و أمره دائر بين الاقل و الاكثر فلا يسري اجماله الي المطلق و عليه يرفع اليد عن الاطلاق بالمقدار المعلوم و أما في مورد الشك فيؤخذ بالاطلاق.

و لنا أن نقول: ان هذا التقريب يتم بناء علي عدم جريان الاصل في الشبهة المفهومية، و أما مع جريانه فما المانع من أن يقال: ان هذا الموضع قبل وجوده لم يكن محدودا من الظاهر و الان كما كان.

(1) فانه من العضو فيكفي غسله عن غسل العضو.

(2) فانه معدود من اليد حتي في هذا الحال.

(3) قد ظهر وجهه فلاحظ.

(4) فان مقتضي اطلاق الغسل كفايته بأي نحو يحصل فلا فرق بين اقسامه في تحقق الامتثال فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 365

و كذلك اذا قام تحت الميزاب أو نحوه (1) و لو لم ينو من الاول لكن بعد جريانه علي جميع محال الوضوء مسح بيده علي وجهه بقصد غسله و كذا علي يديه اذا حصل الجريان يكفي أيضا (2).

[مسألة 55: إذا شك في شي ء انه من الظاهر حتي يجب غسله أو الباطن فالأحوط استحبابا غسله]

(مسألة 55): اذا شك في شي ء انه من الظاهر حتي يجب غسله أو الباطن فالاحوط استحبابا غسله نعم اذا كان قبل ذلك من الظاهر وجب غسله (3).

______________________________

(1) بعين التقريب فلا وجه للإعادة.

(2) لان الميزان حصول الغسل فباي وجه يحصل يكفي

للامتثال.

(3) تارة تكون الشبهة مفهومية و اخري تكون مصداقية فان كانت مفهومية فتارة نقول بعدم جريان الاصل في موردها و اخري نقول بجريانها أما علي الاول فيجب غسل مورد الشك اذ قد مر قريبا ان مقتضي وجوب غسل ما بين الحدين وجوب غسل كل ما يمكن قابلا له مما وقع بينهما بتقريب أن اجمال المنفصل لا يسري الي العام و المطلق فيقتصر في رفع اليد عن دليل الوجوب علي القدر المعلوم.

و أما علي الثاني، فلا مانع من جريان الاصل فيما يترتب عليه اثر شرعي.

و أما ان كانت الشبهة مصداقية فتارة تكون الحالة السابقة معلومة بأن كانت معدودة من الجوف، و اخري تكون الحالة السابقة عكس ذلك بأن تكون معدودة من الظاهر، و ثالثة لا تكون الحالة السابقة معلومة أما علي الاولي فلا مانع من جريان الاستصحاب.

ان قلت: أركان الاستصحاب و ان كانت تامة لكن لا يترتب عليه تحقق الطهارة الاعلي القول بالمثبت فان الغسلات و المسحات تسبب حصول الطهارة.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 366

[الثالث يجب مسح مقدم الرأس]
اشارة

الثالث يجب مسح مقدم الرأس (1).

______________________________

قلت: أما علي القول بأن الطهارة هي عين الغسلات و المسحات فلا تصل النوبة الي هذا الاشكال و أما علي القول بأنها غيرها فلا نلتزم بكونها مسببة عنها تكوينا كي يتوجه هذا الاشكال بل الطهارة بحكم الشارع تترتب عليها ترتب الحكم علي موضوعه و هو ليس من المثبت.

و احتمال كونها امرا تكوينيا كشف عنها الشارع، احتمال بعيد لا يساعد عليه الدليل.

و أما علي الثانية فلا اشكال في جريان استصحاب كونها من الظاهر و وجوب غسله.

و أما علي الثالثة فعلي تقدير عدم جريان الاصل في الاعدام الازلية يجب الغسل مقدمة لامتثال وجوب الغسل و أما علي القول

بكونه جاريا فيها فعلي القول بان المستفاد من الادلة وجوب غسل الظاهر فلا مانع من اثبات عدم كون المورد من الظاهر بالاصل الازلي و أما ان قلنا بأن الخارج عنوان الجوف فلا اثر للأصل في اثبات عدم الوجوب بل مقتضاه الوجوب و حيث انا لم نجد دليلا معتبرا دالا علي الاختصاص بالظاهر تكون النتيجة وجوب الغسل فلاحظ.

(1) يقع الكلام تارة في أصل وجوب مسح الرأس و اخري في خصوصياته أما الكلام من الناحية الاولي فلا اشكال و لا خلاف بين المسلمين في وجوبه بل يمكن أن يقال: بأن وجوبه من ضروريات الإسلام و قد دلت عليه الاية الكريمة:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ «1».

و أما الكلام من الناحية الثانية فنقول: مقتضي الاية المباركة و الاخبار الدالة

______________________________

(1) المائدة: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 367

______________________________

علي وجوب مسح الرأس عدم الفرق بين مقدمه و غيره.

لاحظ ما رواه زرارة قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: ان اللّه وتر يحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمني و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسري «1».

و ما رواه زرارة و بكير أنهما سالا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه «ص» الي أن قال: ثم قال: «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» فاذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين الي اطراف الاصابع فقد أجزأه «2».

و ما رواه داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان أبي كان يقول: ان للوضوء حدا من تعداه لم يوجر، و كان أبي يقول:

انما يتلدد فقال له رجل: و ما حده؟ قال تغسل وجهك و يدك، و تمسح رأسك و رجليك «3»، الي غيرها من الروايات الواردة في الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

و قد دلت جملة من النصوص علي أنه يلزم أن يكون علي مقدمه:

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مسح الرأس علي مقدمه «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 368

______________________________

و منها ما رواه أيضا قال: قال: أبو عبد اللّه عليه السلام: مسح الرأس علي مقدمه «1».

مضافا الي السيرة الجارية بين المتشرعة من الامامية و أنه لا شك في أنه مقتضي مذهب الشيعة.

و في المقام جملة من الروايات يستفاد منها خلاف ذلك:

منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مسح القدمين و مسح الرأس فقال: مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما «2».

و هذه الرواية ضعيفة بالرفع.

و منها ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: امسح الرأس علي مقدمه و مؤخره «3».

و المستفاد من هذه الرواية وجوب مسح مقدم الرأس و مؤخره و لا بد من طرحها لمخالفتها لمذهب أهل البيت قطعا أو تحمل علي التقية لما نقل عن المالك:

«بأن الواجب مسح جميع الرأس».

و منها ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسح علي الرأس فقال: كأني انظر الي عكنة في قفاء أبي يمر عليها يده و سألته عن الوضوء بمسح الرأس مقدمه و مؤخره

فقال: كأني انظر الي عكنة في رقبة أبي يمسح عليها «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 7.

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

(4) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 369

و هو ما يقارب ربعه مما يلي الجبهة (1) و يكفي فيه المسمي طولا و عرضا (2).

______________________________

و هذه الرواية أيضا مطروحة بل الناظر فيها يفهم أن الامام عليه السلام في مقام الجواب كان يتقي.

مضافا الي أن المستفاد منها تعين المسح علي القفاء.

و الحاصل: أنه لا مجال للعمل بهذه الاخبار بلا اشكال و لا كلام.

(1) فان المقدم من المفاهيم العرفيه و ينطبق علي هذا المقدار بحسب الفهم العرفي فلاحظ.

(2) فان هذا مقتضي اطلاق الادلة كتابا و سنة، و هذا هو المنسوب الي المشهور، و نقل عن غير واحد نسبته الي مذهب الاصحاب و نقل عن الأردبيلي دعوي الاجماع عليه بل نقل عن بعض بأن ادعاء الاجماع عليه مستفيض.

و ما نقل من بعض من الاكتفاء بمقدار الاصبع لا ينافي ما تقدم، اذ يمكن أن يكون بيانا للمقدار الأقل الذي يتحقق المسح به لا الالزام بهذا المقدار.

و لا يبقي في الحكم شك مع النصوص الواردة في المقام:

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 369

منها ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام ألا تخبرني من أين علمت و قلت: أن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّه و نزل به الكتاب من اللّه عز و جل لان اللّه عز و جل قال (يقول يب خ):

«فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ» فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال: «وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ» فوصل اليدين الي المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا الي المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال: «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» فعرفنا حين قال:

«برؤسكم» أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 370

______________________________

وصل اليدين بالوجه فقال: «وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» فعرفنا حين وصلهما (وصلها) بالرأس أن المسح علي بعضهما (بعضها خ) ثم فسر ذلك رسول اللّه عليه و آله للناس فضيعوه الحديث «1».

فان المستفاد من هذه الرواية كفاية مسح بعض الرأس.

و لا يخفي أن بعد صدور الرواية من الامام عليه السلام و قوله: «لمكان الباء» بعد سؤال زرارة، لا مجال للبحث في أن كلمة الباء تجئ للتبعيض أم لا؟.

و منها ما رواه زرارة و بكير ابنا اعين عن أبي جعفر عليه السلام انه قال في المسح: تمسح علي النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك و اذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك الي أطراف الاصابع فقد أجزأك «2».

و منها ما رواه الاخوان أيضا «3»».

و ربما يقال: بأنه يجب أن يكون مقدار الاصبع عرضا، و ما يمكن أن يكون مدركا لهذا القول حديثان:

أحدهما: ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابه عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح علي مقدم رأسه «4».

ثانيهما ما رواه الحسين قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل توضأ و هو

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) المصدر السابق الحديث: 4.

(3) لاحظ ص: 367.

(4) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث:

1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 371

______________________________

معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال: ليدخل اصبعه «1».

و الحديث الاول ضعيف بالارسال مضافا الي أن دلالتهما علي المدعي محل نقاش اذ أقل المسح لا يتحقق الا بادخال الاصبع تحت العمامة.

اضف الي ذلك أن الاصبع من المدورات و لا يكون باطنه بمقدار الاصبع فالحديثان علي خلاف المدعي أدل فلاحظ.

و عن جملة من الاعيان- كالفقيه و السيد و الشيخ في بعض كتبه-، وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة و المستند لهذا القول حديثان:

أحدهما: ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقي عنها خمارها «2».

ثانيهما: ما رواه معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزي من المسح علي الرأس موضع ثلاث اصابع و كذلك الرجل (الرجلين خ ل) «3».

أما الرواية الثانية فضعيفة سندا و أما الاولي فالاستدلال بها يتوقف علي القول بمفهوم العدد فلا مجال لهذا القول كما أنه لا مجال للتفصيل بين المرأة و الرجل.

مضافا الي أن السيرة علي خلافه و أنه لو كان واجبا لم يكن مورد الخلاف فان مقتضي القاعدة انكشاف الحال و عدم بقاء هذا الحكم مستورا مخفيا عن الانظار.

فانقدح من جميع ما تقدم كفاية المسمي طولا و عرضا.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 372

______________________________

بقي في المقام شي ء و هو أنه يستفاد من رواية زرارة وجوب مسح الناصية قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: ان اللّه و وتر يحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما

بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمني و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسري «1».

و لكن يمكن أن يقال: بأنه يدخل قوله: «تمسح» تحت قوله: «يجزيك» بتأويله الي المصدر فان الظاهر كذلك فلا دلالة علي اللزوم.

الا أن يقال: ان الاضمار علي خلاف الظاهر و الاصل فان عطف تمسح علي فاعل يجزي لا يجوز الا بتأويل الفعل الي المصدر و هذا يتوقف علي تقدير «أن» الناصبة.

و ثانيا: أن الناصية علي ما في كلام بعض اللغويين عبارة عن مقدم الرأس أو شعره و علي فرض الاجمال يرجع الي الروايات الدالة علي أن محل المسح مقدم الرأس لكن يشكل بأن الظاهر من وجوب مسح الناصية وجوب مسح جميعها فعلي تقدير كون الناصية مقدم الرأس يجب مسح جميع مقدمه و علي فرض الاجمال لا بد من الاحتياط كي يحرز مسح الناصية اذ المفروض أنه علم من الدليل وجوب مسح الناصية فلا بد من تحقق الامتثال و احرازه فالعمدة الاشكال الاول مضافا الي السيرة الخارجية علي عدم استيعاب المقدم و اكتفاء المتشرعة علي مسمي المسح الحاصل علي مقدم الرأس فلاحظ.

و يمكن أن يقال: بأن الناصية لفظ مجمل و حيث ان اجمال المقيد المنفصل لا يسري الي المطلق فيؤخذ باطلاق المطلق و هو قوله عليه السلام: «مقدم الرأس»

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 373

و الاحوط استحبابا أن يكون العرض قدر ثلاثة أصابع (1) و الطول قدر طول اصبع (2).

و الاحوط وجوبا أن يكون المسح من الاعلي الي الاسفل (3).

______________________________

و يرتفع الاجمال من الناصية.

و ان شئت قلت: ان المطلق الوارد في المقام قابل لان يبين اجمال الناصية فان الناصية لا جمالها بلا اقتضاء و ما

لا اقتضاء له لا يعارض المقتضي فلاحظ فتأمل.

(1) لرواية زرارة «1».

(2) بدعوي: أن المستفاد من رواية زرارة «2» كل من الطول و العرض و مقدار طول الاصابع الثلاث، انما هو طول الاصبع الواحد فلاحظ.

(3) ربما يقال: بأن مقتضي قاعدة الاشتغال لزوم الاحتياط.

و فيه: أنه قد مر أن مقتضي القاعدة، البراءة بعد البناء علي أن الامر متوجه الي الغسل و المسح.

مضافا الي أنه لا تصل النوبة الي القاعدة فان اطلاق الاية و الروايات يقتضي جواز المسح باي نحو كان.

و دعوي انصراف الاطلاق الي المتعارف، و المتعارف من المسح، من الاعلي ممنوعة أولا: بعدم التعارف في المسح كذلك و ثانيا: بمنع الانصراف الي المتعارف الخارجي.

اضف الي جميع ذلك ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) لاحظ ص: 371.

(2) لاحظ ص: 371.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 374

و يكون بنداوة الكف اليمني (1).

______________________________

قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا «1» فان مقتضاه عدم الفرق.

و له رواية اخري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا «2» و لا مجال لان يقال: بأنهما رواية واحدة لأجل وحدة السند اذ وحدة السند لا تدل علي وحدة الرواية و حيث لا تنافي بين الروايتين و لا نقول بمفهوم اللقب نأخذ بالرواية الاولي و نلتزم بمفادها.

(1) يستفاد من هذا المتن أمور:

الامر الاول: أن يكون المسح بنداوة ماء الوضوء لا ماء آخر فنقول:

المعروف بين الامامية وجوب كون المسح بنداوة ماء الوضوء و عدم جوازه بالماء الجديد و لم ينقل في ذلك خلاف الا من الاسكافي.

و كيف كان يمكن الاستدلال علي مسلك المشهور بوجوه:

الاول: الروايات الحاكية لوضوء النّبيّ صلي اللّه عليه و آله.

فمنها ما

رواه زرارة «3».

و منها ما رواه زرارة و بكير «4».

و منها ما رواه بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: ألا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فأخذ بكفه اليمني كفأ من ماء فغسل به وجهه ثم أخذ بيده اليسري كفا فغسل به يده اليمني ثم أخذ بيده اليمني كفا من

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) لاحظ ص: 350.

(4) لاحظ ص: 367.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 375

______________________________

ماء فغسل به يده اليسري ثم مسح بفضل يديه رأسه و رجليه «1».

و منها ما رواه عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل:

ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: لما اسري بي الي السماء أوحي اللّه الي يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها وصل لربك، فدنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من صاد و هو ماء يسيل من ساق العرش الايمن فتلقي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الماء بيده اليمني فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين، ثم أوحي اللّه اليه أن اغسل وجهك فانك تنظر الي عظمتي ثم اغسل ذراعيك اليمني و اليسري فانك تلقي بيديك كلامي ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء و رجليك الي كعبيك فاني أبارك عليك و اوطئك موطأ لم يطأ أحد غيرك «2».

و منها ما رواه زرارة قال: حكي لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأخذ كفا من ماء فأسدلها علي وجهه (من أعلي الوجه) ثم مسح (علي ل خ) وجهه

من الجانبين جميعا ثم أعاد يده اليسري في الاناء فأسدلها علي يده اليمني ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمني في الاناء فصبها علي اليسري ثم صنع بها كما صنع باليمني ثم مسح بما بقي في يده رأسه و رجليه و لم يعد هما في الاناء «3».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يأخذ أحدكم الرائحة من الدهن فيملا بها جسده و الماء أوسع ألا أحكي لكم وضوء رسول

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

(3) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 376

______________________________

اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ قلت: بلي.

قال: فأدخل يده في الاناء و لم يغسل يده فاخذ كفا من ماء فصبه علي وجهه ثم مسح جانبيه حتي مسحه كله ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه علي يساره ثم غسل به ذراعه الايمن ثم أخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الايسر ثم مسح رأسه و رجليه بما بقي في يديه «1».

و منها ما رواه زرارة «2» و منها ما رواه بكير و زرارة «3».

فانه يستفاد من هذه النصوص وجوب كون المسح بنداوة ماء الوضوء فان نقل الكيفية مع كون الامام عليه السلام في مقام التعليم يقتضي وجوبها سيما مع التصريح في جملة من النصوص بأنه لم يعد يده في الاناء فان الافعال الصادرة منهم عليهم السلام حال الوضوء كانت كثيرة كنظر هم الي السماء، و لم يتصد الرواة للنقل و مع ذلك نقلوا هذه الخصوصية فنكشف لزومها.

الثاني: الروايات الدالة علي أنه لو نسي المسح حتي دخل في الصلاة أخذ من بلل لحيته أو أشفاره:

منها ما رواه خلف بن حماد عمن اخبره عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قلت له: الرجل ينسي مسح رأسه و هو في الصلاة قال: ان كان في لحيته بلل فاليمسح به قلت: فان لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه أو أشفار عينيه «4».

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا ذكرت و انت في صلاتك، انك قد تركت شيئا من وضوئك (الي أن قال): و يكفيك من مسح

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7.

(2) لاحظ ص: 335.

(3) لاحظ ص 348.

(4) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 377

______________________________

رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها اذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك «1».

و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينسي مسح رأسه حتي دخل في الصلاة قال: ان كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل «2».

فانه يستفاد من هذه النصوص أن المسح لا يجوز بغير ماء الوضوء.

الثالث ما رواه عمر بن أذينة «3»، فان هذه الرواية تدل علي أنه كان يجب عليه أن يمسح بفضل ما في يده، و الاخبار المشتملة علي الوضوءات البيانية تدل علي أن الواجب عليه واجب علي جميع المسلمين.

و ربما يقال: بأن ما رواه زرارة «4» يدل علي خلاف المقصود فان مفاده الاجزاء لا الوجوب.

و اجيب عنه: بأن عطف كلمة «تمسح» علي فاعل يجزئ لا يمكن الا بتأويل المصدر، و الاضمار علي خلاف الظاهر فتكون الجملة مستقلة خبرية في مقام الانشاء و تدل علي الوجوب.

و يرد عليه: أن كون الجملة مستأنفة أيضا خلاف الظاهر فان الظاهر أن كلمة (واو) للعطف لا للاستيناف و لا أقل من

الاجمال.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) لاحظ ص 375.

(4) لاحظ ص 367.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 378

______________________________

و لكن علي كل تقدير لا يستفاد من الرواية جواز المسح بغير ماء الوضوء اذ يمكن أن يكون الاجزاء راجعا الي مسح الناصية.

فالنتيجة أن مسح الناصية يجزي عن غيرها.

و لكن الانصاف: أن الالتزام بالاستيناف ليس خلاف الظاهر فلاحظ.

و في المقام طائفتان من النصوص:

الاولي: ما تدل علي وجوب الاخذ من الماء الجديد و المسح به و هي جملة من النصوص:

منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسح الرأس قلت:

أمسح بما علي يدي من الندي رأسي؟ قال: لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح «1».

و منها: ما رواه معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام: أ يجزئ الرجل ان يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا، فقلت أ بماء جديد فقال برأسه: نعم «2».

و منها: ما رواه جعفر بن عمارة بن أبي عمارة قال: سألت جعفر بن محمد عليه السلام: أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال: خذ لرأسك ماء جديدا «3».

و يرد عليه: أنه لا يمكن الالتزام بمفادها حيث ان مفادها خلاف المذهب و الضرورة فان الاسكافي أيضا لا يقول بالوجوب بل قائل بالجواز فتحمل علي التقية مضافا الي ضعف السند في بعضها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

(3) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 379

______________________________

الثانية: ما تدل علي جواز المسح بماء جديد منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يمسح علي رأسه فذكر و هو في الصلاة فقال:

ان كان استيقن ذلك انصرف فمسح

علي رأسه و رجليه و استقبل الصلاة و ان شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته ان كانت مبتلة و ليمسح علي رأسه و ان كان أمامه ماء فليتناوله منه فليمسح به رأسه «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بمحمد بن سنان و مخدوشة دلالة لان موردها مورد جريان قاعدة الفراغ فلا مانع من الالتزام بمفادها رجاء.

و منها: ما يدل بالاطلاق علي الجواز لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل توضأ و نسي أن يمسح رأسه حتي قام في صلاته قال: ينصرف و يمسح رأسه ثم يعيد «2».

و ما رواه أبو الصباح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل توضأ فنسي أن يمسح علي رأسه حتي قام في الصلاة قال: فلينصرف فليمسح علي رأسه و ليعد الصلاة «3».

و منها غيرهما المذكور في الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

و من الظاهر أن المطلق يحمل علي المقيد و منه يظهر أن الاستدلال باطلاق الاية و جملة من الروايات غير صحيح اذ الاطلاق يقيد بالمقيد.

الامر الثاني: أن يكون المسح بنداوة الكف. و الظاهر أن مراده وجوب المسح بنداوة الكف بالكف لا بشي ء آخر اذ يمكن أن يكون المسح بنداوة

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث: 8.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 380

______________________________

الكف و لكن بواسطة شي ء آخر غير الكف فالمستفاد من كلامه وجوب المسح بالكف بنداوتها فلا يجوز الاخذ من نداوة الكف بخرقة و المسح بها فلا بد من اقامة الدليل علي وجوب أن يكون المسح بنداوة الكف، و لا يكفي غير الكف

و بعد اثبات ذلك لا بد من الاستدلال علي وجوبه بنفس الكف لا بشي ء آخر.

فنقول: يدل علي وجوب كون المسح ببلة الكف بعض النصوص لاحظ حديثي زرارة و الاخوين «1».

و اما وجوبه بالكف فمضافا الي دعوي الاتفاق عليه من جملة من الاصحاب- كما في الحدائق-، و نفي الخلاف عنه نصا و فتوي- كما عن شيخنا الانصاري-، يمكن أن يقال بدلالة الاطلاق عليه فان المتعارف من المسح أن يكون باليد.

ان قلت: التعارف لا يقتضي الانصراف الا بدوا.

قلت: الامر كذلك لكن فرق بين عدم التعارف لعدم القدرة كالغسل بماء الكبريت و الزاج، و بين عدم التعارف مع القدرة عليه كالمشي بالنحو القهقري فان عدم التعارف مع القدرة لا يبعد أن يكون موجبا لانصراف الاطلاق عنه.

اضف الي ذلك أن الاخبار البيانية ليست فيها ما يكون دالا علي أنه مسح بذراعه أو بشي ء آخر غير الكف.

و الحاصل: انه لا اشكال في أن الظاهر من تلك النصوص أنه عليه السلام مسح رأسه بكفه و هذا الظهور لا يقبل الانكار مضافا الي أن الراوي بصدد بيان جميع الخصوصيات و لو كان مسح الامام بواسطة غير اليد لكان علي الراوي بيانه و لم يبين.

______________________________

(1) لاحظهما في ص: 367 و 348.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 381

______________________________

مضافا الي جميع ذلك قول الراوي في جملة من تلك النصوص: «و لم يعدهما في الاناء» أو ما هو قريب من هذا المضمون فانه يفهم من هذا الكلام ان آلة المسح هي الكف.

ان قلت: ان غاية دلالة هذه الاخبار، أن تدل علي كون المسح باليد و اليد ليست مختصة بما دون الزند.

قلت: ان المتبادر من اليد في مثل هذه الموارد ما دون الزند فانه لو قال أحد: أكلت

بيدي لا يحتمل أن يكون مراده أنه اكل بذراعه او بعضده.

اضف الي ذلك انه قد صرح في بعض نصوص الوضوءات البيانية بالكف لاحظ روايتي الاخوين «1» فانه قد صرح فيهما بأنه مسح رأسه و قدميه الي الكعبين بفضل كفه لم يجدد ماء فتأمل.

مضافا الي أن صاحب الحدائق- علي ما نقل عنه-، نقل عن جملة من الاصحاب الاتفاق علي الحكم المذكور.

الامر الثالث: أن يكون المسح بالكف اليمني، و قد نسب الي المشهور الاستحباب و عن الحدائق: «أن ظاهرهم الاتفاق عليه».

و الوجه فيه- ظاهرا- اطلاق الادلة بل قيل انه صرح بالاطلاق في رواية زرارة حيث قال: «و مسح مقدم رأسه و ظهر قدميه ببلة يساره و بقية بلة يمناه» «2»

لكن لنا أن نقول: بأن الروايات الحاكية للوضوءات البيانية، نقل عمل خارجي و لا معني لانعقاد الاطلاق فيها و لا ندري بأنه عليه السلام مسح رأسه باليمني أو باليسري.

______________________________

(1) لاحظ ص: 348 و 354.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 382

بل الاحوط وجوبا باطنها (1).

[مسألة 56: يكفي المسح علي الشعر المختص بالمقدم]

(مسألة 56): يكفي المسح علي الشعر المختص بالمقدم (2).

______________________________

و لا يبعد أن يقال: بأن الطبع الاولي يقتضي أن يمسح الرأس باليمني و لو كان الامر بالعكس كان الراوي ينقله و مع التعارف الخارجي لا يبقي مجال للأخذ بالاطلاق المنعقد في الاية علي فرض انعقاده و كذلك بالاطلاق الوارد في النصوص.

هذا علي ما قلناه في رواية زرارة بان قوله «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك» «1» مؤول بالمصدر و معطوف علي فاعل يجزي و أما لو قلنا بان الواو حرف استيناف فيكون الدال علي الوجوب تاما لكن يمكن أن يقال: انه لا تنافي بين كون المسح ببلة اليمني و

كون آلة المسح غيرها.

(1) الكلام فيه هو الكلام، فان المتعارف من المسح أن يكون بالباطن، فلا ينعقد الاطلاق.

مضافا الي أنه ليس في روايات الوضوءات البيانية، ذكر من المسح بالظاهر، و لو كان الامام عليه السلام مسح بالظاهر لكان علي الرواة بيانه و نقله فمن عدم نقلهم يعلم أن عملهم عليهم السلام كان علي طبق ما هو المتعارف بحيث لا يحتاج الي البيان و التنبيه.

(2) يظهر من بعض كلمات القوم: أن المسألة موضع تسالم بين الاصحاب و هو مقتضي القاعدة فان المسح علي الشعر يصدق عليه عنوان المسح علي الرأس و يظهر هذا بملاحظة نظائره فانه لو دهن أحد شعر رأسه يصدق أنه دهن رأسه

______________________________

(1) عين المصدر.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 383

______________________________

و ان أبيت عن الصدق قلنا: ان تعارف الشعر علي الرأس و كونه غالبيا في الافراد قرينة علي الجواز فانه لو لم يكن جائزا لكان علي المولي البيان.

و أما حديث محمد بن يحيي رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال: لا يجوز حتي يصيب بشرة رأسه بالماء «1» ففيه: أولا أنه ضعيف سندا بالرفع و ثانيا: أنه لوحظ الامر بالنسبة الي الحناء الذي يكون امرا خارجيا فيكون المراد بالبشرة نفس الرأس بما فيه من الشعر.

اضف الي ذلك ما ورد في جواز المسح علي الناصية بناء علي كون المراد منها الشعر النابت علي المقدم.

و في المقام روايتان تدلان علي جواز المسح علي الحائل.

إحداهما ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء يتوضأ للصلاة فقال: لا بأس بان يمسح رأسه و الحناء عليه «2».

ثانيتهما ما رواه

عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبد و له في الوضوء قال: يمسح فوق الحناء «3».

و يعارضهما حديث علي بن جعفر في كتابه عن اخيه عليه السلام قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح علي الخمار؟ قال: لا يصلح حتي تمسح علي رأسها «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 384

بشرط أن لا يخرج بمده عن حده فلو كان كذلك فجمع و جعل علي الناصية لم يجز المسح عليه (1).

[مسألة 57: لا تضر كثرة البلل الماسح، و ان حصل معه الغسل]

(مسألة 57): لا تضر كثرة البلل الماسح، و ان حصل معه الغسل (2).

[مسألة 58: لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بغيره]

(مسألة 58): لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بغيره (3).

______________________________

و ما يدل علي وجوب مسح الرأس موافق للكتاب.

اضف الي ذلك ما ورد في منع المسح علي العمامة أو الخفين لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن المسح علي الخفين و علي العمامة فقال: لا تمسح عليهما «1».

(1) و ذلك لوجوب وقوع المسح علي الرأس و المفروض أنه لم يقع لا علي البشره و لا علي النابت عليه بل وقع علي أمر خارج عن الحد فلا وجه للجواز و لا مجال للأخذ باطلاق الناصية الواقعة في النص اذ قد مر أن الناصية بما لها من المفهوم مجملة.

(2) للإطلاق فان الواجب حصول المسح ببلل الكف و المفروض حصوله.

و ان شئت قلت: الغسل و المسح متخالفان لا ضدان فربما يجتمعان و ربما يفترقان.

(3) يمكن أن يقال أن وجوب المسح بباطن الكف لم يرد في رواية و انما ذكرنا في وجه الوجوب أمرين:

أحدهما التعارف الخارجي.

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الوضوء الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 385

و الاحوط وجوبا المسح بظاهر الكف (1).

______________________________

ثانيهما: أنه الظاهر من الوضوءات البيانية و الا فمقتضي الاية الشريفة و النصوص عدم التقييد و من الظاهر ان التعارف مع القدرة و المفروض أن المسح بالباطن لا يمكن كما أن فعل الامام عليه السلام لا يقتضي التقييد بالنسبة الي المورد لفرض عدم القدرة.

و ان شئت قلت: ان الاطلاق محكم لان دليل المقيد ليس فيه اطلاق.

و صفوة القول: أن دليل المقيد لو لم يكن فيه اطلاق يكون المرجع عند الشك اطلاق دليل المطلق فلاحظ.

فانه لا اشكال عندهم

في عدم سقوط الحكم بالوضوء.

و ان شئت قلت: ان المستفاد من الاية بمقتضي التقسيم أن المكلف اذا كان واجدا للماء يجب عليه الوضوء و اذا كان فاقدا لم يجب و الفقدان يتحقق اما بفقدان الماء و اما بكون استعماله غير ممكن في حقه لمرض أو نحوه و المفروض أن المكلف ليس فاقدا للماء فيجب عليه الوضوء و حيث انه يمكنه المسح بغير الباطن يجب عليه و يأتي في شرح كلام الماتن ما ينفع في المقام فانتظر.

(1) ما يمكن أن يقال في وجهه امور:

الاول: قاعدة الميسور. و فيه أنه قد حقق في محله عدم اعتبارها.

الثاني: أصالة الاحتياط. و فيه أن مقتضي القاعدة، البراءة كما مر.

الثالث: الاتفاق عليه و لذا نقل عن المدارك «بانه لو تعذر المسح بالباطن يكفي المسح بالظاهر قطعا» لكن الكلام في تعين الظاهر.

الرابع: ان التقييد بالباطن من باب التعارف الخارجي و من استفادة المدعي من روايات الوضوءات البيانية و مع عدم امكان المسح بالباطن كما هو المفروض

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 386

فان تعذر فالاحوط وجوبا أن يكون بباطن الذراع (1).

______________________________

لا مجال للوجهين.

و بعبارة اخري: ان مقتضي اطلاق الادلة عدم الفرق بين الظاهر و الباطن و انما رفعنا اليد عن الاطلاق بالوجهين المذكورين و من الظاهر أنه مع عدم امكان المسح بالباطن لا موضوع للتقييد فلا مانع من العمل بالاطلاق.

و ان شئت قلت: المقيد في المقام لا اقتضاء له للتقييد أزيد من هذا المقدار.

و يمكن اثبات المدعي ببيان آخر و هو أن المسح لا بد أن يكون باليد و المراد باليد ما دون الزند و ذلك لوجوه:

الاول: أنه قد صرح في بعض اخبار الوضوءات البيانية أنه عليه السلام مسح بكفه لاحظ ما رواه بكير

و زرارة «1».

الثاني: أن اطلاق اليد في مقابل الذراع ظاهر في ما دون الزند لاحظ حديث ابن مسلم «2».

الثالث: أن تناسب الحكم و الموضوع يقتضي انصراف اليد في المقام الي ما دون الزند فانه لو قال أحد: أكلت بيدي يفهم من كلامه أنه أكل بكفه و كذلك لو قال: مسحت بيدي.

(1) هذه الجملة متضمنة لفرعين:

أحدهما: أنه لو تعذر المسح بظاهر الكف و بباطنها تصل النوبة الي المسح بالذراع و لا يبعد أن يكون مقتضي القاعدة كذلك اذا لوجه في وجوب المسح بما دون الزند حسب ما تقدم انصراف الاطلاقات و دلالة الوضوءات البيانية علي المدعي خصوصا مع التصريح في بعض تلك الروايات بالمسح بالكف لاحظ

______________________________

(1) مر في ص 348 زائدة.

(2) راجع ص 375.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 387

[مسألة 59: يعتبر أن لا يكون علي الممسوح بلل ظاهر]

(مسألة 59): يعتبر أن لا يكون علي الممسوح بلل ظاهر بحيث يختلط ببلل الماسح بمجرد المماسة (1).

[مسألة 60: لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به علي الاحوط وجوبا]

(مسألة 60): لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به علي الاحوط وجوبا (2).

______________________________

ما رواه زرارة و بكير «1».

مضافا الي تناسب الحكم و الموضوع كما تقدم و من الظاهر أنه لا مجال لهذه الوجوه مع فقدان الكف أو وجدانها مع تعذر المسح بها لقرحة و نحوها فان انصراف الاطلاق مع الامكان.

كما أنه عليه السلام كان يمكنه المسح حين توضأ وضوءا مثل وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله. كما أن تناسب الحكم و الموضوع مختص بوجود الموضوع و امكان الاتيان بالنحو الخاص و عليه يكون المرجع اطلاق الاية و النصوص.

ثانيهما: أن يكون بباطن الذراع لا يبعد أن يكون الوجه فيه التعارف الخارجي المانع للإطلاق الموجب للانصراف.

(1) الذي استفيد من الادلة، لزوم أن يتحقق المسح ببلل ماء الوضوء فلو صدق هذا العنوان كفي في تحقق الامتثال و عليه لا يشترط كون الممسوح جافا حيث ان هذا القيد مخالف لإطلاق الادلة و لذا نفرق بين ما يكون بمقدار يختلط ببلل الكف و بين ما يكون قليلا غير ظاهر.

و ملخص الكلام: انما يلزم حصول عنوان المسح ببلة الكف.

(2) قد وقع الكلام بين الاصحاب و اختلفوا في هذه المسألة فجملة، منهم- و منهم سيد العروة- جوزوا اختلاط بلل اليد ببلل بقية الاعضاء و المستند

______________________________

(1) لاحظ ص 348- 354.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 388

نعم لا بأس باختلاط بلل اليد اليمني ببلل اليد اليسري الناشئ من الاستمرار في غسل اليسري بعد الانتهاء من غسلها اما احتياطا أو للعادة الجارية (1).

[مسألة 61: لو جف ما علي اليد من البلل لعذر أخذ من بلل لحيته الداخلة في حد الوجه و مسح به]

(مسألة 61): لو جف ما علي اليد من البلل لعذر أخذ من بلل لحيته الداخلة في حد الوجه و مسح به (2).

______________________________

للجواز اطلاق الادلة المقتضي للجواز و

عدم التقييد.

و يمكن أن يقال: بأن الصناعة تقتضي التقييد و عدم جواز الاختلاط لاحظ ما رواه عمر بن أذينة «1» فان الامر الوارد في الرواية بالمسح بفضل ما بقي في اليد يقتضي تعينه.

و يدل علي التقييد أيضا حديث زرارة «2» لكن علي جعل الواو استينافا لا عاطفا اذ علي تقدير العطف يدخل تحت قوله عليه السلام: «يجزيك» و الاجزاء لا يقتضي التعين نعم يستفاد التقييد أيضا مما دل من روايات الوضوءات البيانية علي أنه عليه السلام مسح رأسه و رجليه ببلة كفيه لاحظ حديثي زرارة و بكير «3» و بقية الأحاديث الدالة علي ذلك الواردة في الباب الخامس عشر من أبواب الوضوء من الوسائل.

(1) أما صورة الاحتياط فلا اشكال اذ لا يبعد أن يكون المستفاد من الادلة استحباب الاستظهار فتأمل و أما صورة العادة فلا يبعد أن يكون الوجه فيه جريان السيرة عليه.

و الحق: أن الالتزام بالجواز في هذه الصورة مشكل فلاحظ.

(2) يظهر من بعض كلمات الاصحاب أنه مورد وفاق، و لا اشكال فيه و تدل

______________________________

(1) لاحظ ص 375.

(2) لاحظ ص 367.

(3) لاحظ ص: 348- 350.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 389

[مسألة 62: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحر أو غيره فالاحوط استحبابا الجمع بين المسح بالماء الجديد و التيمم]

(مسألة 62): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحر أو غيره فالاحوط استحبابا الجمع بين المسح بالماء الجديد و التيمم (1) و الاظهر جواز الاكتفاء بالتيمم (2).

______________________________

عليه جملة من النصوص لاحظ حديث خلف «1» و الحلبي «2» و هذا الحديث نقي السند فلاحظ و لكن المذكور في الرواية خصوص مسح الرأس فيشكل بالنسبة الي مسح الرجلين الا أن يقال: بأن العرف يفهم عدم الفرق فتأمل.

(1) سيظهر عن قريب إن شاء اللّه تعالي وجه حسن الاحتياط المذكور.

(2) المشهور فيما بين القوم- علي ما يظهر

من بعض الكلمات- جواز المسح بالماء الجديد في هذه الصورة، و عن الجواهر: «أنه لم يعثر علي مفت بالتيمم في حقه».

و السيد اليزدي في العروة- بعد الحكم بجواز المسح بالماء الجديد- احتاط بالجمع بين المسح باليد اليابسة و المسح بالماء الجديد و التيمم.

و الكلام يقع في المقام في موردين:

أحدهما: أنه لا وجه للمسح باليد اليابسة و هذا الاحتياط ساقط عن درجة الاعتبار بل الامر دائر بين المسح بالماء الجديد، لوجوه سنذكرها إن شاء اللّه تعالي و بين لزوم التيمم بلحاظ عدم القدرة علي الطهارة المائية و أما لزوم المسح باليد اليابسة فلا وجه له، اذ الروايات الناهية عن اعادة اليد في الاناء انما يستفاد منها النهي عن اختلاط ماء الوضوء بالماء الخارجي و لا موضوع له في مفروض

______________________________

(1) لاحظ ص 376.

(2) لاحظ ص 376.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 390

______________________________

الكلام لاحظ حديثي زرارة «1» و حديث بكير و زرارة «2».

و بعبارة اخري: النهي عن تجديد الماء الخارجي لأجل عدم اختلاط ما في الكف مع الماء الخارجي و مع فرض عدم بقية شرائطه لا موضوع لهذا النهي

ثانيهما: أن مقتضي القاعدة المسح بالماء الجديد أو التيمم فنقول: ما يمكن أن يقال في وجه وجوب المسح بالماء الجديد أو قيل امور:

الاول: قاعدة الميسور، بتقريب: أن الواجب المسح ببلة الوضوء و بعد تعذره تصل النوبة الي الميسور، و الميسور في المقام المسح بالماء الخارجي.

و بعبارة اخري: بالتعذر يسقط الوجوب عن المقيد و يجب المسح بمطلق البلة.

و فيه: أولا: أنه لا مدرك لهذه القاعدة كما حقق في محله من الاصول فاصل الكبري مورد الاشكال.

و ثانيا: أنه يشترط في الاخذ بالقاعدة علي فرض تماميتها صدق الميسور كما لو وجب علي المكلف الصلاة

في المسجد فتعذر عليه الصلاة فيه، وجب عليه الصلاة في الدار اذ الصلاة الخارج عن المسجد ميسور الصلاة في المسجد و أما مع عدم الصدق العرفي فلا مجال لهذا الاستدلال مثلا لو كان الواجب علي زيد الاتيان بماء الرمان فتعذر عليه الاتيان به فهل يمكن أن يقال: بأنه يجب عليه الاتيان بماء الرقي؟ كلا اذ ماء الرقي ليس ميسورا لماء الرمان بل يبانيه و المقام كذلك فان الماء المضاف الي الوضوء يباين ماء الحوض و لا أقلّ من عدم الجزم بالصدق

______________________________

(1) لاحظهما في ص 335- 436.

(2) لاحظ ص 348.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 391

______________________________

العرفي و مع ذلك لا مانع من الحكم بعدم الصدق بالاستصحاب علي ما قلنا بجريان الاستصحاب في موارد الشبهات المفهومية.

الثاني: الاستصحاب اي استصحاب وجوب المسح بدعوي: أن المسح بالبلل كان واجبا عليه قبل حدوث الموجب للتعذر و بالاستصحاب يحكم ببقاء وجوب المسح باليد اليابسة أو بالماء الجديد.

و يرد عليه: أولا: أنه من الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي الذي لا نقول به- تبعا لسيدنا الاستاد-.

و ثانيا: أنه داخل في الاستصحاب القسم الثالث من الكلي و قد ثبت في محله عدم اعتباره اذ الامر مردد بين مقطوع الزوال و مشكوك الحدوث فان الفرد المعلوم وجوده زال قطعا و قيام فرد مقام الزائل أول الكلام.

و ثالثا: يختص جريان الاصل- علي فرض القول به- بما تعلق التكليف بعد الوقت و عرض التعذر بعده بأن كان أول الوقت قادرا علي الاتيان بالوضوء الكامل ثم عرض العجز بلحاظ بعض العوارض و أما لو كان عدم التمكن من أول الوقت فلا مجال لهذا الاستصحاب اذ المفروض أن المكلف لم يحكم عليه بوجوب الوضوء كي يستصحب الوجوب بهذا التعذر.

و رابعا:

أن الوضوء شرط للصلاة و الواجب علي المكلف، الصلاة لا الوضوء، الا أن يقال: بأنه يكفي لجريان الاصل تعلق الوجوب بالصلاة المقيدة بالوضوء الخاص.

الثالث: ما دل من المطلقات علي وجوب المسح فان مقتضي اطلاقها جواز المسح في مفروض الكلام باليد اليابسة أو بالماء الجديد و أن ما دل علي وجوب المسح ببلة الوضوء مخصوص بحال القدرة و لا يشمل حال العجز و عند العجز

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 392

[مسألة 63: لا يجوز المسح علي العمامة و القناع أو غيرهما من الحائل]

(مسألة 63): لا يجوز المسح علي العمامة و القناع أو غيرهما من الحائل و ان كان شيئا رقيقا لا يمنع من وصول الرطوبة الي البشرة (1).

______________________________

يسقط الدليل عن الاعتبار و المرجع دليل وجوب المسح.

و فيه: أولا: أن هذا لو تم لم يكن دليلا علي وجوب المسح بالماء الجديد بل مقدار دلالته وجوب المسح علي الاطلاق.

و ثانيا: ان المستفاد من دليل التقييد عدم صحة الوضوء بهذا النحو لاحظ رواية ابن أذينة «1» فان المستفاد من هذه الرواية و امثالها انه يشترط في الوضوء أن يكون المسح بنداوة ماء الوضوء و لا فرق في الحكم الوضعي بين القادر و العاجز.

فالنتيجة أن الوضوء المأمور به غير ممكن بالنسبة الي هذا الشخص و مع عدم امكان الوضوء تصل النوبة الي التيمم لتحقق موضوعه و لم يقم اجماع علي خلافه و علي فرض تحققه يكون محتمل المدرك- ان لم يكن معلوما مستنده- فلاحظ.

فانقدح الوجه فيما أفاده من حسن الاحتياط بالجمع بين الماء الجديد و التيمم و اللّه العالم.

(1) لظهور أدلة وجوب المسح في مسح نفس البشرة فان المسح علي العمامة ليس مسحا للرأس.

و يؤيد المدعي بل يدل عليه عدة روايات: منها ما رواه حماد بن عيسي «2»، و منها ما رواه

الحسين «3». و يدل علي المدعي أيضا ما رواه ابن جعفر «4»

______________________________

(1) لاحظ ص 375.

(2) انظر ص 370.

(3) راجع ص 370.

(4) لاحظ ص: 383.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 393

______________________________

و مثله في الدلالة مرفوعة محمد بن يحيي «1». و يدل علي المدعي أيضا ما رواه ابن مسلم «2».

اضف الي ذلك ما ادعاه من الاجماع في المدارك- علي ما نقل عنه- و مثله عن كشف اللثام، و قال في الحدائق: «اجماعا منا فتوي و رواية».

و في قبال هذه النصوص رواية دالة علي جواز المسح علي الحائل و هي رواية عمر بن يزيد «3» فان الظاهر من الرواية بل الصريح منها جواز المسح علي الحائل، فما الحيلة؟.

ربما يقال: بأنه حكم وارد في مورد خاص و لا بأس بتخصيص الادلة به في المورد لكن الظاهر أنه لا خصوصية للمورد.

و قال صاحب الوسائل: «يمكن الحمل علي ارادة لون الحناء».

و لكن لا يمكن المساعدة عليه فان الطلي بماء الحناء أمر غير معهود مضافا الي أنه خلاف الظاهر من الرواية فان المسح علي الحناء ظاهر بل صريح في ارادة الجسم فان اللون من الاعراض لا يتصور فيها الفوق و التحت فهذه الحيلة أيضا لا تفيد.

و ربما يقال: بأن النصوص الدالة علي عدم الجواز مشهورة لا ريب فيها فلا يقاومها ما يدل علي خلافها فان المستفاد من بعض نصوص الترجيح أن الوظيفة الاخذ بما لا ريب فيه و طرح ما يدل علي الخلاف.

لاحظ مقبولة عمر بن حنظلة فانه قال فيها- بعد الترجيح بامور-،: قال:

فقال: ينظر الي ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند

______________________________

(1) مر في ص 383.

(2) لاحظ ص: 383.

(3) انظر ص 383.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص:

394

[الرابع: يجب مسح القدمين]
اشارة

الرابع: يجب مسح القدمين (1).

______________________________

اصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه «1».

و فيه أن الخبر الدال عليه ضعيف بعمر بن حنظلة فلاحظ.

لكن يمكن ترجيح تلك الروايات بطريق آخر و هو أن المخالف لتلك الروايات موافق للعامة فترجيح تلك بلحاظ مخالفتها للعامة، فان سيدنا الاستاد أفاد- علي ما في تقرير مقرر بحثه-: أن جماعة من العامة ذهبوا الي جواز المسح علي الحائل اما مطلقا، أو فيما اذا كان رقيقا دون غير الرقيق علي ما نقل عن أبي حنيفة مضافا الي موافقة تلك مع الكتاب.

و قال في الوسائل: «هذا محمول علي حصول الضرر بكشفه كما ذكره صاحب المنتقي».

و فيه: أنه لا دليل علي ما ذكر في الروايتين مضافا الي كون الضرر مجوزا للمسح علي الحائل أول الكلام و الاشكال فان مقتضي القاعدة الاولية أن تصل النوبة الي التيمم فان المقيد ينتفي بانتفاء قيده او شرطه.

ثم انه ليس في رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثم يتوضأ للصلاة فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه «2»، ما يدل علي جواز المسح علي الحناء بل يستفاد منها عدم البأس بالمسح علي الرأس و الحال ان الحناء عليه فلا يرتبط بالمقام.

(1) و يدل عليه قوله تعالي «3» فان قوله تعالي: «وَ أَرْجُلَكُمْ» يدل علي وجوب مسحهما بلا فرق بين أن يقرء بالجر كي يكون عطفا علي رءووسكم و أن يقرء بالنصب

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(3) لاحظ ص 325.

مباني منهاج الصالحين، ج 1،

ص: 395

______________________________

كي يكون عطفا علي محل رءوسكم و أما احتمال أن يكون معطوفا علي الايدي و الوجوه كي يكون الواجب غسلهما- كما عليه العامة-، فهو علي خلاف النظم الادبي، اذ يلزم بناء عليه أن يفصل بين المعطوف عليه و المعطوف بالاجنبي و التكلم علي خلاف النظم الادبي لا يصدر عن الاديب فضلا عن الخالق تعالي.

و يدل بعض النصوص علي أن قراءة أهل البيت كانت علي الخفض لاحظ ما رواه غالب بن الهذيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عز و جل: «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» علي الخفض هي أم علي النصب؟ قال: بل هي علي الخفض «1».

و أما الاخبار الدالة علي وجوب المسح فمستفيضة- علي ما في الحدائق- و نقل عن السيد في الانتصار: أنه بالغ حيث قال: «انها أكثر من عدد الرمل و الحصي».

و الذي لا يمكن انكاره: أن النصوص الدالة علي وجوب مسح القدمين كثيرة منها ما ورد في الوضوءات البيانية «2».

و قال في الحدائق- في هذا المقام-: «بل الظاهر أنه من ضروريات مذهبنا» و الانصاف: ان ما افاده تام.

و في المقام روايتان تدلان علي جواز الغسل:

إحداهما: ما رواه ايوب بن نوح قال: كتبت الي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن المسح علي القدمين فقال: الوضوء بالمسح و لا يجب فيه إلا ذاك و من

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوضوء الحديث: 10.

(2) لاحظ ص: 335- 336- 348- 350.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 396

من أطراف الاصابع الي الكعبين (1).

______________________________

غسل فلا بأس «1».

ثانيتهما: ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضأ الوضوء كله الا رجليه ثم يخوض بهما الماء خوضا قال: اجزأه

ذلك «2».

لكنهما تحملان علي التقية لما نقل عن بعض العامة: التخيير بين الامرين لاحظ ما في هامش الحدائق ج 2 ص 288 فان المنقول عن الحسن و البصري و ابن جرير الطبري و الجبائي التخيير بين المسح و الغسل.

(1) يظهر من بعض كلمات القول: أن هذا هو المشهور بينهم و في كلام بعضهم:

أنه ادعي عليه الاجماع، و عن الشهيد في الذكري: احتمال عدم وجوب المسح الي الكعبين، و عن المفاتيح: اختياره.

و يدل علي القول المشهور قوله تعالي «3» فان الظاهر من اللفظ: أن الواجب بين الحدين، نعم لا يستفاد منه وجوب الابتداء من الاصابع.

و بعبارة اخري: الحد للمسوح لا للمسح و لذا يجوز النكس ففي المقام يبحث عن أمرين:

أحدهما: هل يحب الابتداء من الاصابع أم لا؟ بل يجوز النكس.

ثانيهما: أنه هل يحب استيعاب ما بين الحدين أم لا؟.

أما الكلام من الجهة الاول فاختار في الحدائق «4» جواز النكس و يظهر من كلامه- في هذا المقام-: أن هذا هو المشهور فيما بين القوم و خالف

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوضوء الحديث: 13.

(2) نفس المصدر الحديث: 14.

(3) لاحظ ص: 325.

(4) الحدائق ج 2 ص 306.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 397

______________________________

المشهور بعض الاصحاب كالمرتضي و الصدوق.

و كيف كان فما يمكن أن يقال في وجه عدم الجواز: أن قوله تعالي: «وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» «1»، ظاهر في لزوم الابتداء من الاصابع اذا لغاية، غاية للمسح و قس علي الاية المباركة الروايات البيانية.

و أورد علي هذا التقريب في الحدائق: بأنه لا دليل علي كون الغاية، غاية للمسح بل يمكن أن تكون للممسوح».

لكن الانصاف: أن ظهور الكلام في المسح مما لا ينكر كما يظهر من النظر في أمثاله فانه لو

أمر المولي عبده بالسير من البصرة الي الكوفة فالظاهر وجوب كون مبدأ السير، البصرة كما أنه لو قال أحد: بأني سرت من السوق الي الدار يفهم من كلامه أن مبدأ السير، السوق فهذا الظهور في الاية مما لا ينكر و مثله ظهور الاخبار البيانية في المدعي.

لاحظ حديث بكير و زرارة «2» فان قول الراوي في هذا الحديث:

«ثم مسح رأسه و قدميه الي الكعبين» يكون ظاهرا أشد الظهور في كون الغاية غاية للمسح.

نعم في الاية خصوصية يمكن أن يقال: بأنها قرينة علي الخلاف و هي: أنه لا اشكال في أن الغاية في الايدي غاية للمسح لعدم وجوب النكس بل لا يجوز كما مر و بلحاظ وحدة السياق يكون الامر في الارجل كذلك لكن يكفي للمدعي الاخبار الواردة في الوضوءات البيانية.

______________________________

(1) لاحظ ص: 325.

(2) لاحظ ص: 348.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 398

______________________________

و مما يدل علي المدعي بالصراحة ما رواه أحمد بن محمد أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المسح علي القدمين كيف هو؟ فوضع كفه علي الاصابع فمسحها الي الكعبين الي ظاهر القدم، فقلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال باصبعين من أصابعه هكذا فقال: لا الا بكفيه (بكفه) كلها «1».

و مع ذلك كله لقائل أن يقول: بعدم وجوب الاشتراط و جواز النكس و ذلك لرواية حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس يمسح القدمين مقبلا و مدبرا «2» بأن يقول: ان الجمع بين هذه الرواية و ما تقدم الالتزام باستحباب رعاية الابتداء بالاصابع.

و يؤيد المطلوب مرسل يونس قال أخبرني من رأي: أبا الحسن عليه السلام بمني يمسح ظهر القدمين من أعلي القدم الي الكعب و من

الكعب الي أعلي القدم و يقول: الامر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا، و من شاء مسح مدبرا فانه من الامر الموسع إن شاء اللّه «3» و أما صحيح الاخوين عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في المسح: تمسح علي النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك و اذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك الي أطراف الاصابع فقد أجزأك «4»، فلا يستفاد منه أن التحديد للمسح بل الظاهر منه أن التحديد للممسوح.

فالنتيجة: أنه لا يجب الابتداء من الاصابع لكن كيف يمكن الالتزام به في مقام العمل؟ و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 399

______________________________

و أما الكلام من الجهة الثانية فنقول: لا اشكال في وجوب الاستيعاب من حيث الادلة و لا فرق في هذه الجهه بين أن تكون (الي) غاية للمسح و أن تكون غاية للممسوح فانه يجب الاستيعاب علي كلا التقديرين و ذهب صاحب الحدائق و المفاتيح الي عدم وجوب الاستيعاب.

و ما استدل به عليه عدة روايات:

منها: صحيح الاخوين «1» بدعوي: أن المستفاد من الرواية: أن المسح بشي ء من القدمين يكفي.

و فيه: أن استفادة هذا المدعي من الرواية تتوقف علي كون قوله عليه السلام:

«ما بين كعبيك و اصابعك» بيانا للجار و المجرور و الحال أن الظاهر كون الموصول بيانا للشي ء المذكور في الكلام فتدل الرواية علي القول المشهور و علي فرض انكار الظهور فلا أقل من الاجمال و عليه يكون المرجع ظهور الكتاب و السنة في وجوب الاستيعاب.

و

منها: ما رواه زرارة و بكير أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي أن قال: «فاذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين الي أطراف الاصابع فقد أجزأه قال: فقلنا: أين الكعبان قال:

هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقلنا: هذا ما هو فقال هذا من عظم الساق و الكعب أسفل من ذلك «2».

و تقريب الاستدلال بالرواية و الجواب عنه عين ما ذكر آنفا فلا نعيد.

______________________________

(1) لاحظ ص: 398.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 400

______________________________

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أن عليا عليه السلام مسح علي النعلين و لم يستبطن الشراكين «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية عدم استبطان الشراكين فلو فرض كون الشراك ساترا للكعب و فرض كونه عليه فيدور الامر بين أن نلتزم بأن الشراك له خصوصية و المسح عليه كالمسح علي البشرة و هذا خلاف الاجماع و الضرورة و الشراك كبقية الاجسام الاخر و بين أن نقول: بعدم وجوب الاستيعاب و المتيقن هو الثاني.

و حيث انجر الكلام الي هنا لا بد من تحقيق معني الكعب كي نري بأن الاستدلال بالرواية بالتقريب المذكور تام أم لا؟:

و بعبارة اخري: الشراك واقع فيما دون الكعب فلا يجب الاستيعاب. و هذا الاستدلال انما يتم علي تقدير كون الشراك دون الكعب بأن نقول: الكعب عبارة عن مفصل الساق و القدم و أما علي القول بأن الكعب عبارة عن العظم المرتفع فوق القدم فيكون الشراك فوق الكعب لا دونه، فلا بد من تحقيق هذا المعني و حصول المعرفة بالكعب و أنه في أي موضع فنقول:

قال في

الحدائق: «المشهور بين الاصحاب أن الكعبين هما قبتا القدمين بين المفصل و المشط بل أدعي عليه جمع منهم الاجماع».

و يظهر من كلامه: أن العلامة و جمعا ممن تأخر عنه ذهبوا الي أن الكعب عبارة عن ملتقي الساق و القدم المعبر عنه بالمفصل.

و قد فصل صاحب الحدائق في هذا المقام و نقل أقوال أهل اللغة و اختلافهم و كذلك نقل أقوال الفقهاء و أضاف اليه جملة من النصوص التي لا يمكن استفادة

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 401

______________________________

المقصود منها اذ لا يمكن أخذ النتيجة من كلام أهل اللغة لاختلافهم و لا فرق بينهم من كون القائل شيعيا أو سنيا فان اللغوي السني من أهل الخبرة كاللغوي الشيعي بلا فرق و الاجماع المدعي في كلام الاصحاب لا يرجع الي محصل فانه اجماع مدركي لا اعتبار به و عليه لا بد من ايكال الامر الي الروايات و مع عدم امكان تحصيل النتيجة منها للإجمال او للمعارضة تصل النوبة الي الاصل العملي.

فنقول: مقتضي بعض النصوص وجوب مسح ظهر القدم لاحظ ما رواه زرارة فان قوله عليه السلام في هذه الرواية: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمني و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسري «1»، يقتضي وجوب مسح تمام ظهر القدم- كما عليه العلامة و جمع آخر-.

و ما استدل به علي القول المشهور عدة روايات.

منها ما رواه ميسر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ألا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ثم أخذ كفا من ماء فصبها علي وجهه ثم أخذ كفا فصبها علي ذراعه ثم أخذ كفا آخر فصبها علي

ذراعه الاخري ثم مسح رأسه و قدميه ثم وضع يده علي ظهر القدم ثم قال: هذا هو الكعب و قال: و أومأ بيده الي الاسفل العرقوب ثم قال: ان هذا هو الظنبوب «2».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن الكعب في ظهر القدم فان الكعب يطلق علي المرتفع و من هذه الجهة أطلق الكعبة علي البيت الشريف.

و فيه: أولا: أن الرواية مخدوشة بميسر فان ميسر بن عبد العزيز وثق و لكن

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 402

______________________________

لا دليل علي أن الراوي في الرواية هو أو غيره و مع عدم التميز لا تكون الرواية معتبرة كما هو ظاهر.

و ثانيا: لا دليل في الرواية علي كون الكعب هو العظم المرتفع بل يمكن أن يكون المراد من هذا الكلام الرد علي العامة حيث ذهبوا الي أن الكعب في جانب القدم. و بعبارة اخري يكون المراد أن الكعب واقع في ظهر القدم لا في جانبه.

و منها ما رواه ميسر (ميسرة خ ل) عن أبي جعفر عليه السلام قال: الوضوء واحد و وصف الكعب في ظهر القدم «1».

و الاشكال في السند عين تلك المناقشة و تقريب الاستدلال بها و الجواب عنه ما تقدم فلا نعيد.

و منها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر «2» بتقريب: أن قوله عليه السلام في الرواية «الي ظاهر القدم» بيان للكعب و لفظ الظاهر في اللغة يطلق علي المرتفع من المكان و عن القاموس: «أن الظواهر اشراف الارض و المكان العالي.

و فيه: أنه يمكن أن يقال: بأن ظاهر القدم مقابل الباطن و بما أنه ذو أجزاء و لا يعقل جعله

غاية فتكون الغاية مقدرا و هو آخره.

لكن الانصاف أن الايراد غير وارد اذ المفروض في الرواية أنه عليه السلام وضع كفه علي الأصابع و مسحها إلي الكعب و المستفاد من لفظ الظاهر و الكعب

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 398.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 403

و الاحوط وجوبا المسح الي مفصل الساق (1) و يجزي المسمي عرضا (2).

______________________________

كما قلنا المرتفع من المكان.

و منها: ما رواه زرارة «1» و دلالة هذه الرواية علي القول المشهور ظاهرة فانه كيف يمكن أن يمسح الي المفصل و لم يستبطن الشراك.

و يؤيده ما رواه زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: توضأ علي عليه السلام فغسل وجهه و ذراعيه ثم مسح علي رأسه و علي نعليه و لم يدخل يده تحت الشراك «2».

و في قبال هذه الروايات ما رواه الاخوان «3».

و الانصاف أن هذه الرواية دالة علي خلاف القول المشهور، و احتمال كون المراد بالمفصل، مفصل الأشاجع بعيد و لا مانع من أن يكون المراد بالكعب الخط الموهومي الواقع تحت عظم الساق.

فالنتيجة: أن النصوص متعارضة و الترجيح مع تلك الروايات للأحدثية فان رواية البزنطي مروية عن الرضا عليه السلام فلاحظ بل لنا أن نقول: أن هذه الرواية توافق الكتاب أيضا اذ المستفاد منه كفاية المسح الي الكعب و الكعب هو المرتفع من المكان فينطبق علي قبة القدم.

(1) قد ظهر وجه الاحتياط فلاحظ.

(2) هذا هو المعروف من مذهب الاصحاب و في قبال هذا القول ما نسب

______________________________

(1) لاحظ ص: 400.

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(3) لاحظ ص: 399.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 404

______________________________

الي الصدوق في الفقيه و هو وجوب المسح علي جميع الاصابع بمقدار

الكف

و استدل علي قول الصدوق بما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية لزوم كون المسح بالكف علي الاصابع.

و لا يبعد أن يقال: بأنه يمكن الاستدلال بموردين من الرواية:

أحدهما: قول السائل- نقلا عن الامام عليه السلام- بأنه وضع كفه علي الاصابع، فانه عليه السلام في مقام بيان الوظيفة وضع كفه علي الاصابع فيستفاد منه أن الواجب وضع الكف علي جميعها فلا يكفي الاقل.

ثانيهما: قوله عليه السلام- في ذيل الحديث في جواب السائل- «لا الا بكفه كلها» و عليه لا مجال للإشكال في الرواية: بأن المذكور في بعض نسخ الوسائل لفظ «بكفيه» بالتثنية فيكون المراد مسح ظاهر القدم و باطنه فلا بد من الحمل علي التقية للموافقة مع مذهب العامة فانه يرد علي هذا الايراد:

أولا: أن صدر الرواية كاف للاستدلال علي المدعي.

و ثانيا: أن تاكيد اللفظ بقوله عليه السلام: «كلها» لا يناسب التثنية كما هو ظاهر.

و ثالثا: أنه من الممكن أن يكون المراد مسح القدمين بالكفين لا القدم الواحد.

و ربما يقال: بأن الرواية معارضة بعدة روايات:

منها: رواية الاخوين «2» بدعوي: أن المستفاد من هذه الرواية كفاية مسح مقدار من القدمين.

و فيه: أنه قد مر أن الظاهر أن قوله عليه السلام: «ما بين كعبيك الخ» بيان

______________________________

(1) لاحظ ص: 398.

(2) لاحظ ص: 398.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 405

______________________________

للشي ء لا للقدمين و قس علي ما ذكر الرواية الاخري لهما «1».

و منها ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت: أن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و نزل به الكتاب من اللّه عز و

جل لان اللّه عز و جل قال: (يقول يب خ) فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال: «وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ» فوصل اليدين الي المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا الي المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال: «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» فعرفنا حين قال: «برؤوسكم» أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: «وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» فعرفنا حين وصلهما (وصلها خ) بالرأس أن المسح علي بعضهما (بعضها خ) ثم فسر ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للناس فضيعوه «2».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية: أن المسح ببعض الرجل يكفي.

و فيه أن وجوب مسح تمام ظاهر القدم لا ينافي البعضية كما هو ظاهر.

و منها: ما رواه معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزي من المسح علي الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل (الرجلين خ ل) «3» و هذه الرواية ضعيفة بمعمر.

و منها: ما رواه جعفر بن سليمان عمه (عن عمه كا) قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1) لاحظ ص: 399.

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 406

______________________________

موسي عليه السلام قلت: جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم «1».

بدعوي: ان المستفاد من الرواية أن ادخال اليد في الخف المخرق للمسح جائز و من الظاهر أن تمام الكف لا يدخل عادة في الخف المخرق فيكفي المسح ببعض الكف.

و فيه: أن المضبوط عن نسخة الكافي- علي ما في «جامع احاديث الشيعة» - هكذا: «جعفر بن سليمان عن عمه» و عم

الرجل مجهول فلا يعتمد علي الرواية سندا.

مضافا الي المناقشة في السند من غير هذه الجهة.

اضف الي ذلك: أن النوبة اذا وصلت الي المعارضة كان الترجيح مع رواية البزنطي «2» للأحدثية.

الا أن يقال: بأن ما يدل علي كفاية البعض يوافق ظاهر الكتاب و الترجيح به مقدم علي الترجيح بالاحدثية.

و يمكن الاستدلال علي مدعي الصدوق بما رواه زرارة «3» فان الظاهر من قوله عليه السلام: «ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمني» وجوب مسح ظاهر القدم.

لكن مع ذلك كله، يمكن أن يقال: بعدم وجوب الاستيعاب العرضي و ذلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 398.

(3) لاحظ ص: 401.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 407

و الاحوط وجوبا مسح اليمني باليمني أولا ثم اليسري باليسري (1).

______________________________

للسيرة الجارية و عدم القول بالخلاف الا من أقل قليل فان مثل هذا الحكم العام البلوي كيف يمكن أن يبقي مكتوما؟ و الاحتياط طريق النجاة.

(1) في المقام فرعان:

أحدهما: أنه لا بد من مسح اليمني باليمني و اليسري باليسري.

ثانيهما: أنه يجب الترتيب بينهما، فلا بد من التكلم في كل من الفرعين فنقول:

أما الفرع الاول فمقتضي اطلاق الكتاب و جملة من الروايات، جواز مسح كل من الرجلين باليد بلا تقييد بقيد لكن يستفاد من رواية زرارة «1» وجوب مسح اليمني باليمني و اليسري باليسري و مقتضي تقييد الاطلاق بالمقيد، تقييد الكتاب و السنة بالمقيد بل لا يبعد أن يستفاد التقييد من جملة اخري من النصوص:

منها ما رواه بكير بن اعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فأخذ بكفه اليمني كفا من ماء فغسل به وجهه ثم أخذ بيده اليسري كفا

فغسل به يده اليمني ثم أخذ بيده اليمني كفا من ماء فغسل به يده اليسري ثم مسح بفضل يديه رأسه و رجليه «2».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملا بها جسده و الماء أوسع ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ قلت: بلي، قال: فأدخل يده في الاناء و لم يغسل يده فأخذ كفا من ما فصبه علي وجهه، ثم مسح جانبيه حتي مسحه كله ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه علي يساره، ثم غسل به ذراعه الايمن ثم أخذ كفا آخر فغسل به

______________________________

(1) لاحظ ص: 401.

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 408

______________________________

ذراعه الا يسر، ثم مسح رأسه و رجليه بما بقي في يديه «1».

و منها ما رواه زرارة بن أعين قال: حكي لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمني فأخذ كفا من ماء فاسد لها علي وجهه من أعلي الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسري في الاناء فأسدلها علي اليمني ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمني في الاناء ثم صبها علي اليسري فصنع بها كما صنع باليمني ثم مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعد هما في الاناء «2»، فتأمل.

و أما الفرع الثاني: فالاقوال فيه مختلفة، فمنها: لزوم مراعاة الترتيب ذهب اليه- علي ما نقل في بعض الكلمات-، جملة من الاعيان، كالفقيه و المراسم و شرح الفخر و البيان و اللمعة و جامع المقاصد بل نقل عن بعض ادعاء الاجماع

عليه.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص:

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال:

امسح علي القدمين و ابدأ بالشق الايمن «3».

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن محمد بن عبيد اللّه (عبد اللّه خ ل) بن أبي رافع و كان كاتب امير المؤمنين عليه السلام- أنه كان يقول: اذا توضأ احدكم للصلاة فليبدأ باليمني (باليمين) قبل الشمال من جسده «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7.

(2) نفس المصدر الحديث: 10.

(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(4) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 409

و حكم العضو المقطوع من الممسوح حكم العضو المقطوع من المغسول و كذا حكم الزائد من الرجل و الرأس و حكم البلة و حكم جفاف الممسوح و الماسح كما سبق (1).

[مسألة 64: لا يجب المسح علي خصوص البشرة بل يجوز المسح علي الشعر النابت فيها أيضا]

(مسألة 64): لا يجب المسح علي خصوص البشرة بل يجوز المسح علي الشعر النابت فيها أيضا، اذا لم يكن خارجا عن

______________________________

و منها: ما عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله قال: اذا لبستم و توضأتم فابدءوا بميامنكم «1».

بل يمكن الاستدلال بالوضوءات البيانية بدعوي: أن المقطوع أنهم لم يخالفوا الترتيب و حيث انهم في مقام التعليم يظهر من فعلهم وجوب جميع ما روعي في وضوئهم.

و أما التوقيع المروي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب اليه يسأله عن المسح علي الرجلين بأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟ فأجاب عليه السلام: يمسح عليهما جميعا معا فان بدأ باحداهما قبل الاخري فلا يبدأ الا باليمين «2»، فلا يترتب عليه اثر لعدم اعتباره سندا للإرسال.

فالنتيجة: أن مقتضي الاحتياط رعاية الترتيب- كما في المتن- بل مقتضي القاعدة

كذلك.

(1) لوحدة الدليل و أن العرف يفهم من الادلة عدم الفرق و عدم الخصوصية للمورد الواقع في السؤال فلاحظ.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 30 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 410

المتعارف، و الا وجب المسح علي البشرة (1).

[مسألة 65: لا يجوز المسح علي الحائل كالخف لغير ضرورة أو تقية]

(مسألة 65): لا يجوز المسح علي الحائل كالخف لغير ضرورة أو تقية (2).

______________________________

(1) قد وقع الكلام بين الاصحاب في لزوم مسح نفس البشرة و عدم كفاية مسح الشعر و في كفايته، فربما يقال: بأن مسح الرجل واجب و الشعر جسم خارجي فلا يكفي مسحه و ربما يقال: بأن الشعر من التوابع فيكفي مسحه.

و الحق أن يقال: ان المتعارف من الناس يكون الشعر نابتا علي أرجلهم فعلي تقدير وجوب خصوص مسح البشرة لا بد من البيان و من عدم البيان و عدم التنبيه يكشف عدم الوجوب كما أن الوضوءات البيانية تدل علي المدعي اذ لم ينقل في هذه الروايات أنهم عليهم السلام خللوا و استبطنوا بل الظاهر من تلك الروايات أنهم عليهم السلام مسحوا علي أرجلهم مع وجود الشعر فيكفي مسح الشعر.

نعم لو كان خارجا عن المتعارف و كان كثيرا- كما اذا نبت الشعر علي تمام رجله أو أكثره علي نحو يمنع عن رؤية البشرة تحته-، فلا ريب في لزوم مسح نفس البشرة اذ لا دليل علي كفاية مسح الشعر في هذه الصورة.

و أما رواية زرارة قال: قلت له: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء «1»، فالمستفاد منها اختصاص الحكم بالغسل و لا تشمل الرواية المسح.

(2) و الوجه فيه

ظاهر اذ الواجب المسح علي الرجل و كفاية المسح علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 411

بل في جوازه مع الضرورة و الاجتزاء به مع التقية اشكال (1).

______________________________

الحائل- كالخف- لا دليل عليها، فلا يجوز.

(1) يقع الكلام تارة في الجواز مع الضرورة و اخري في الاجتزاء به مع التقية، فالكلام وارد في موضعين:

أما الموضع الاول، فنقول: ما يمكن أن يستدل به علي الجواز عند الضرورة- كالبرد او الخوف من السبع و نحوهما-، أمور:

أحدها: الاجماع فانه يظهر من بعض الكلمات أن المشهور بين المتقدمين و المتأخرين الجواز عند الضرورة و المخالف جملة من المتأخرين.

و فيه: انه علي فرض تحقق الاجماع المحصل نحتمل استناد القائلين ببعض الوجوه المذكورة في المقام و مع هذا الاحتمال يخرج عن كونه اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم فلا يترتب عليه اثر.

ثانيها ما رواه أبو الورد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان أبا ظبيان حدثني أنه رأي عليا عليه السلام أراق الماء ثم مسح علي الخفين فقال: كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي عليه السلام فيكم سبق الكتاب الخفين فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا، الا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف علي رجليك «1»، فان الرواية تامة الدلالة علي المقصود لكن الاشكال في سندها اذ ابو الورد لم يوثق في الرجال و مجرد عمل الاصحاب بها لا يفيد كما مر غير مرة.

و أما الاجماع علي تصحيح ما يصح عن حماد بن عثمان فالمنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل.

و بعبارة اخري: انا لم نحرز أن الرجل لا يروي الا عن ثقه بل علي حسب

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

مباني

منهاج الصالحين، ج 1، ص: 412

______________________________

نقل بعض الاكابر انه ظفر علي خلافه في جملة من الموارد.

اضف الي ذلك: أن الرجل يروي في هذه الرواية عن محمد بن النعمان اي محمد بن علي بن النعمان الموثق و الظاهر من عبارتهم ما يكون بلا واسطة.

الا أن يقال: بأن قولهم: «فلان لا يروي و لا يرسل الا عن ثقة» ظاهر في جميع الطبقات فلاحظ.

و أما مدح المجلسي للرجل أي أبي الورد، فلا يفيد فان المجلسي من المتأخرين و الظاهر أن مدحه اياه مستند الي ما رواه سلمة بن محرز قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ جاءه رجل يقال له: أبو الورد فقال لأبي عبد اللّه عليه السلام: رحمك اللّه انك لو كنت أرحت بدنك من المحمل فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا أبا الورد اني احب أن أشهد المنافع التي قال اللّه تبارك و تعالي: «لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ» انه لا يشهدها أحد الا نفعه اللّه أما أنتم فترجعون مغفورا لكم و أما غيركم فيحفظون في أهاليهم و أموالهم «1».

و هذه الرواية ضعيفة بسلمة بن محرز و دلالتها أيضا مخدوشة فلاحظ.

أضف الي ذلك: أنه لا دليل علي أن أبا الورد المذكور فيها متحد مع الرجل الواقع في الرواية الواردة في المقام بل- علي ما قيل- تكون القرينة دالة علي عدم الاتحاد.

ثالثها: ما رواه عبد الاعلي مولي آل سام، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت علي إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال:

يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه عز و جل قال اللّه تعالي: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي

______________________________

(1) الكافي ج 4 ص 263 الحديث: 46.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 413

______________________________

الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»

امسح عليه «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أنه مع الضرورة يجوز المسح علي الحائل.

و فيه: أن الرواية ضعيفة بعبد الاعلي اذ لم يوثق.

مضافا الي أن المستفاد من الكتاب سقوط التكليف مع الحرج و أما المسح علي المرارة فلا يستفاد من الكتاب بل استفيد من كلامه عليه السلام فالرواية من أدلة جواز الجبيرة و لا ترتبط بالمقام.

و مقتضي القاعدة أنه تصل النوبة الي التيمم و مقتضي الاحتياط الجمع بينه و بين المسح علي الخف فلاحظ.

و أما الموضع الثاني فنقول: ما يمكن أن يقال في مقام الاستدلال علي جواز التقية و كونها مجزءة وجوه:

الاول: حديث الرفع و ما هو ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: رفع عن أمتي تسعة أشياء:

الخطأ، و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعملون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا اليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكر في الوسوسة في الخلق (الخلوة خ ل) ما لم ينطقوا بشفة «2».

بتقريب: أن مقتضي الرفع المطلق ارتفاع جميع الآثار عند الاضطرار و من الآثار الجزئية و الشرطية فلو اقتضت التقية المسح علي الخف يرتفع جزئية المسح علي البشرة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

(2) الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 414

______________________________

و فيه: أن الاضطرار اما مستوعب للوقت و اما مختص بزمان خاص و لا يستوعب أما علي الثاني فلا مجال للقول بالاجزاء اذ الامر لم يتعلق بالفرد بل تعلق بالطبيعي و المفروض أن المكلف قادر علي الاتيان بالطبيعي في ضمن فرد آخر و أما علي الاول

فأيضا لا مجال للتقريب المذكور و ذلك لان الجزئية لا تنالها يد الجعل لا وضعا و لا رفعا فان الجزئية تنتزع من الامر بالمركب و حيث ان المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه و المكلف مضطر الي الترك كان مقتضي القاعدة سقوط الامر عن المركب.

فانقدح بما ذكرنا: أن مقتضي الحديث سقوط الوجوب و ارتفاع الامر عن المأمور به الواقعي و لا يستفاد من الحديث كفاية العمل الاضطراري و كونه مجزيا عن المأمور به الواقعي الاولي.

الثاني: قاعدة لا ضرر بتقريب: أن الاتيان بالمأمور به الواقعي المخالف للتقية أمر ضرري يرتفع وجوبه فيجوز تركه و الاكتفاء بالناقص.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 414

و فيه: أولا: أنه لا يتم الا علي مسلك القوم في مفاد لا ضرر. و ثانيا: يرد فيه ما اوردناه في الاستدلال بحديث الرفع.

الثالث: قاعدة لا حرج و التقريب هو التقريب و الجواب هو الجواب فلاحظ.

الرابع: الروايات الدالة علي أن التقية واجبة أو مستحبة مثل ما رواه هشام بن سالم و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: «أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا» قال: بما صبروا علي التقية «وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» قال: الحسنة التقية و السيئة الاذاعة «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 415

______________________________

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به «1».

و ما رواه درست الواسطي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما بلغت تقية أحد تقية

أصحاب الكهف ان كانوا ليشهدون الاعياد و يشدون الزنانير فأعطاهم اللّه أجرهم مرتين «2».

و ما رواه موسي بن اسماعيل عن أبيه عن جده موسي بن جعفر عليهما السلام أنه قال لشيعته: لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم فان كان عادلا فاسألوا اللّه بقاءه و ان كان جائرا فاسألوا اللّه اصلاحه فان صلاحكم في صلاح سلطانكم الحديث «3».

و ما في تفسير العسكري عليه السلام في قوله تعالي: «وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ» * قال: قضوا الفرائض كلها بعد التوحيد و اعتقاد النبوة و الامامة قال: و أعظمها فرضان: قضاء حقوق الاخوان في اللّه و استعمال التقية من اعداء اللّه «4».

و ما رواه بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان التقية ترس المؤمن و لا ايمان لمن لا تقية له فقلت له: جعلت فداك قول اللّه تبارك و تعالي:

«إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» قال: و هل التقية الا هذا «5».

و ما رواه أبان بن تغلب قال قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام: اني أقعد في المسجد

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من هذه الابواب الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 26 من هذه الابواب الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 27 من هذه الابواب الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 28 من أبواب الامر و النهي الحديث 1.

(5) الوسائل الباب 29 من أبواب الامر و النهي الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 416

______________________________

فيجي ء الناس فيسألوني فان لم اجبهم لم يقبلوا مني و أكره أن اجيبهم بقولكم و ما جاء عنكم فقال لي: انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك «1».

و ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: انما جعل التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم

فليس تقية «2».

و ما رواه سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا سليمان انكم علي دين من كتمه أعزه اللّه و من اذاعه أذله اللّه «3».

و ما رواه عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اياكم و ذكر علي و فاطمة عليهما السلام، فان الناس ليس شي ء أبغض اليهم من ذكر علي و فاطمة عليهما السلام «4».

و ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من استفتح نهاره باذاعة سرنا سلط اللّه عليه حر الحديد و ضيق المجالس «5».

و ما رواه بريد بن معاوية قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان يزيد بن معاوية دخل المدينة و هو يريد الحج فبعث الي رجل من قريش فأتاه فقال له يزيد: أ تقر لي أنك عبد لي ان شئت بعتك، و ان شئت أسترققتك الي أن قال:

فقال له يزيد: ان لم تقر لي و اللّه قتلتك فقال له الرجل: ليس قتلك اياي بأعظم من قتل الحسين عليه السلام قال: فأمر به فقتل، ثم ارسل الي علي بن الحسين

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 32 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 33 من أبواب الامر و النهي الحديث: 2.

(5) الوسائل الباب 34 من أبواب الامر و النهي الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 417

______________________________

عليهما السلام فقال له مثل مقاله للقرشي فقال له علي بن الحسين عليهما السلام:

أ رأيت ان لم اقر لك أ ليس تقتلني كما قتلت الرجل بالامس؟ فقال له يزيد:

بلي، فقال له علي بن الحسين:

قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فان شئت فأمسك و ان شئت فبع، فقال له يزيد: أولي لك، حقنت دمك و لم ينقصك ذلك من شرفك «1».

و ما رواه هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أيسر ما رضي الناس به منكم، كفوا ألسنتكم عنهم «2».

و غيرها من الروايات الكثيرة المذكورة في الوسائل في الابواب 24- 25- 26- 27- 28- 29- 30- 31- 32- 33- 34- 36 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما.

و فيه: أنه لا يستفاد من هذه الروايات الا جواز التقية.

و أما كون العمل المخالف للواقع الموافق للتقية مجزيا عن الواقع و وظيفة فعلية للمكلف و بعبارة اخري: تكليفيا ثانويا قائما مقام الوظيفة الاولية فلا يستفاد من هذه الروايات فلاحظ.

الخامس: ما رواه اسماعيل الجعفي و معمر بن يحيي بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة قالوا سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول: التقية في كل شي ء يضطر اليه ابن آدم فقد احله اللّه له «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 418

______________________________

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن كل واجب يضطر الي تركه يكون تركه جائزا كما أن كل حرام يضطر الي فعله يصير فعله مباحا و حيث انه لا فرق في الواجب و الحرام بين كونهما نفسيا و بين كونهما غيريا فلو اضطر الي ترك جزء أو شرط يكون الترك جائزا فيجوز ترك المسح علي البشرة في المقام.

و بعبارة اخري: ان حلية كل شي ء بحسبه فاذا

كان العمل محرما نفسيا لا يترتب علي فعله المؤاخذة و العذاب و اذا كان حراما غيريا فالتقية تجعله مباحا غيريا و معناه عدم كون الفعل مشروطا بذلك- مثلا- اذ اضطر المكلف الي التكتف في الصلاة أو الي ترك البسملة فالتقية تجعل مثل هذه الامور حلالا و معناه عدم الاشتراط و ارتفاع الحرمة فيكون مرجع الارتفاع الي عدم مانعية التكفير و سقوط البسملة عن الجزئية.

و ملخص الكلام: أنه لا فرق بين الحرمة الغيرية و النفسية و الحديث يشمل كلا الموردين.

و فيه: أن الاضطرار ان لم يكن مستوعبا فلا مجال لهذا التقريب كما هو ظاهر و ان كان مستوعبا فنقول: لا نتصور الاضطرار الي ترك الجزء اذ المركب ينهدم بانتفاء الجزء أو الشرط ففي الحقيقة يضطر المكلف الي ترك الواجب.

ان قلت: يجوز الاتيان بالفاقد عند الاضطرار. قلت: جواز الإتيان بالفاقد للجزء أو الشرط أو المقرون بالمانع امر علي القاعدة الا من ناحية التشريع، و التشريع أمر قلبي لا يعلمه الا اللّه فالعمدة جواز ترك الواجب و في خصوص الصلاة حيث انه علم من الخارج أنها لا تسقط بحال يتبدل التكليف و يتوجه الامر الي فاقد الجزء أو الشرط او المقرون بالمانع.

و ان شئت قلت: انه لا معني للحرمة الغيرية فان مرجع الحرمة الغيرية في

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 419

______________________________

المقام تعلق الوجوب بالمركب المقيد بقيود عدمية أو وجودية و الاضطرار يرفع الوجوب أو الحرمة النفسيين و لا يستفاد من هذا الحديث و أمثاله رفع اليد عن الجزئية و الشرطية.

و بعبارة واضحة: ان وجوب المركب ارتباطي و ليس الوجوب متعلقا بكل جزء جزء علي حياله بل الوجوب يتعلق بالكل و مع الاضطرار الي ترك الجزء يكون المكلف مضطرا الي

ترك المركب فيجوز بواسطة التقية، نعم لو لم يمكن للمكلف ترك المركب لوجوبه- كما في الصلاة-، يصح أن يقال بسقوط الشرطية أو الجزئية أو المانعية عند الاضطرار لكن هذا لم يستفد من دليل التقية بل استفيد من دليل خارجي حيث قام الدليل علي عدم سقوط الصلاة بحال.

السادس: ما رواه أبو الصباح قال: و اللّه لقد قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام: ان اللّه علم نبيه التنزيل و التأويل فعلمه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عليا قال و علمنا و اللّه ثم قال: ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن كلما صنعه المكلف من فعل أو ترك بلحاظ التقية فهو في سعة و لا ضيق عليه فلو ترك الجزء أو الشرط تقية يكون في سعة كما أنه يستفاد هذا المعني من قوله عليه السلام- في حديث السفرة: «هم في سعة حتي يعلموا» «2».

و فيه: أنه مع عدم الاستيعاب فلا مجال لهذا التقريب كما تقدم و مع استيعاب

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الايمان الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 420

______________________________

العذر فالجواب هو الجواب و هو أن العذر- و هي التقية- في المقام تقتضي ترك الواجب و لا تقتضي التوسعة رفع الجزئية أو الشرطية فان الجزئية غير قابلة للرفع و لا يقاس المقام علي الرفع الظاهري في مورد الشك فان الحكم بعدم وجوب الجزء الفلاني عند الشك أمر قابل و أما في المقام فلا اشكال في عدم توجه الامر الي الجزء بل الامر متعلق بالمركب فلا بد من رفع الحكم من المركب

نفسه.

ان قلت: ان الاعادة و القضاء من آثار العمل الصادر عن تقية فيرتفعان بعد جواز التقية و جعل التوسعة.

قلت: ليس الامر كذلك بل الاعادة و الفضاء من آثار عدم الاتيان بالمأمور به الواقعي و المفروض أنه لم يأت المكلف به فيترتب عليه اثره.

و ملخص الكلام: أن المستفاد من الرواية أن المكلف اذا كان في ضيق من ناحية فعل كما في شرب الخمر حيث ان المكلف اذا شرب الخمر لزمه العقاب الاخروي و الحد الشرعي فلو عرضت التقية يكون في سعة فلا حد و لا عقاب فيصح أن يقال: بأن المكلف مضطر الي شرب الخمر و لكن لا يصح أن يقال: بأن المكلف مضطر الي رفع الجزئية أو الشرطية فان أمر الجزئية و الشرطية بيد المولي و ليس بيد العبد نعم يكون العبد مضطرا الي ترك الواجب بلحاظ ترك الجزء و يكون الترك جائزا له بهذا الاعتبار.

و ان شئت قلت: ان سقوط الجزئية و الشرطية أمر غير ممكن الا بسقوط الامر عن الكل فالنتيجة: أنه لا يجب الاتيان بالمركب و أما جعل العمل الفاقد للشرط أو الجزء بد لا عن الواجب الاختياري فلا يستفاد من الرواية فلاحظ.

السابع: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث:

ان المؤمن اذا أظهر الايمان ثم ظهر منه ما يدل علي نقضه خرج مما وصف و أظهر

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 421

______________________________

و كان له ناقضا الا أن يدعي أنه انما عمل ذلك تقية و مع ذلك ينظر فيه فان كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يقبل منه لان للتقية مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له و تفسير ما يتقي مثل أن

يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي غير حكم الحق و فعله فكل شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي الي الفساد في الدين فانه جائز «1».

و فيه: أولا: أن مسعدة لم يوثق.

و ثانيا: أن المستفاد من الرواية أن التقية لها ميزان و معيار و ليس لأحد أن يرتكب كل أمر يريد و يدعي أنه كان عن تقية فليس المقام، مقام بيان جواز التقية من حيث الموارد.

الثامن: ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلي فخرج الامام و قد صلي الرجل ركعة من صلاة فريضة قال: ان كان اماما عدلا فليصل اخري و ينصرف و يجعلهما تطوعا و ليدخل مع الامام في صلاته كما هو و ان لم يكن امام عدل فليبن علي صلاته كما هو و يصلي ركعة اخري و يجلس قدر ما يقول: «أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله» ثم ليتم صلاته معه علي ما استطاع فان التقية واسعة و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور عليها ان شاء اللّه «2».

بتقريب: أن الرواية دالة علي أن التقية واسعة و بأي نحو يمكن ايقاعها يجوز أو يجب فيجوز المتابعة بأي نحو ممكن فلو نقص من صلاته شي ء بالمتابعة

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي الحديث: 6.

(2) الوسائل الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 422

______________________________

لا يضر و يكون المأتي به بدلا عن الواجب الاختياري.

و فيه: أن المستفاد من الرواية التفصيل بين الامام العادل و الجائر فلو كان عادلا، يجوز الايتمام و ان كان جائرا يبني علي صلاته و يتمها بأي

نحو ممكن بحيث يتخيل بأنه معتقد و الحال أنه لم يعتقد و لا يستفاد من الرواية أن العمل الناقص يقوم مقام الكامل بل لا يبعد أن يقال: بأن الرواية تدل علي عكس المدعي.

مضافا الي أنه ربما يقال: بأن مضمر سماعة ليس كمضمر زرارة و اضرابه اذ سماعة من الواقفة و من الممكن أن سؤاله كان من غير المعصوم فتأمل.

التاسع: النصوص الدالة علي جواز غسل الرجلين كرواية أيوب بن نوح «1» و رواية عمار بن موسي «2».

بدعوي: أنه يستفاد من هذه النصوص جواز الغسل فيكون مجزيا عن المسح.

و فيه: أن هذه النصوص متعارضة مع النصوص الكثيرة الدالة علي لزوم المسح و عدم جواز الغسل و الترجيح مع روايات المسح لمخالفتها للعامة بل و موافقتها مع الكتاب.

و أما حديث زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام. قال: جلست أتوضأ فأقبل رسول اللّه (صلي اللّه عليه و آله) حين ابتدأت في الوضوء فقال لي:

تمضمض و استنشق و استن، ثم غسلت وجهي ثلاثا فقال: قد يجزيك من ذلك المرتان، قال: فغسلت ذراعي و مسحت برأسي مرتين فقال: قد يجزيك من ذلك المرة و غسلت قدمي قال: فقال لي: يا علي خلل بين الاصابع لا تخلل بالنار «3»، فلا اعتبار بسنده فان عبد اللّه بن منبه لم يوثق فلا مجال لان

______________________________

(1) لاحظ ص: 395.

(2) لاحظ ص: 296.

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الوضوء الحديث: 15.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 423

______________________________

يقال: بأن الصادر عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، لا يحمل علي التقية لعدم موضوعها بالنسبة اليه.

مضافا الي أن الترجيح أيضا مع روايات المسح لكونها موافقة للكتاب.

اضف الي ذلك كله أنه لا ريب في أن مذهب أهل

البيت في الرجل وجوب المسح و عدم جواز الغسل.

العاشر: النصوص الواردة في الموارد الخاصة بتقريب: أن المستفاد من هذه النصوص جواز الاتيان بالعمل الفاقد و كفايته عن الكامل التام في مورد التقية.

فمن تلك الروايات ما رواه داود الرقي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت له: جعلت فداك كم عدة الطهارة؟ فقال: ما أوجبه اللّه فواحدة و أضاف اليها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله واحدة لضعف الناس و من توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له، أنا معه في ذا حتي جاءه داود بن زربي فسأله عن عدة الطهارة فقال له: ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له، قال فارتعدت فرائصي و كاد أن يدخلني الشيطان فأبصر أبو عبد اللّه إلي و قد تغير لوني، فقال: اسكن يا داود هذا هو الكفر، أو ضرب الاعناق، قال: فخرجنا من عنده و كان ابن زربي الي جوار بستان أبي جعفر المنصور و كان قد القي الي أبي جعفر أمر داود بن زربي و أنه رافضي يختلف الي جعفر بن محمد فقال أبو جعفر المنصور: اني مطلع الي طهارته فان هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فاني لأعرف طهارته حققت عليه القول و قتلته فاطلع و داود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبو عبد اللّه عليه السلام فما تم وضوءه حتي بعث

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 424

______________________________

اليه أبو جعفر المنصور فدعاه قال: فقال داود: فلما أن دخلت عليه رحب بي و قال: يا داود: قيل فيك شي ء باطل و ما أنت كذلك قد اطلعت علي طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل

و أمر له بمائة ألف درهم، قال:

فقال داود الرقي: التقيت انا و داود بن زربي عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له داود بن زربي: جعلت فداك حقنت دماؤنا في دار الدنيا و نرجو أن ندخل بيمنك و بركتك الجنة، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فعل اللّه ذلك بك و باخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام لداود بن زربي: حدث داود الرقي بما مر عليكم حتي تسكن روعته، قال: و حدثته بالامر كله، قال:

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لهذا أفتيته لأنه كان اشرف علي القتل من يد هذا العدو، ثم قال: يا داود بن زربي توضأ مثني مثني و لا تزدن عليه و انك ان زدت عليه فلا صلاة لك «1».

و هذه الرواية ضعيفة بأحمد بن سليمان.

و منها: ما رواه محمد بن الفضل أن علي بن يقطين كتب الي أبي الحسن موسي عليه السلام يسأله عن الوضوء فكتب اليه أبو الحسن عليه السلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الي المرفقين ثلاثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الي الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك الي غيره فلما وصل الكتاب الي علي بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن عليه السلام فيه مما جميع العصابة علي خلافه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 425

______________________________

ثم قال: مولاي أعلم بما قال، و أنا أمتثل أمره فكان يعمل في وضوئه علي هذا الحد

و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام، و سعي بعلي بن يقطين الي الرشيد، و قيل: انه رافضي فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر الي وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام: ابتدأ من الان يا علي بن يقطين و توضأ كما أمرك اللّه تعالي اغسل وجهك مرة فريضة و اخري اسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام «1».

و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن فضل فانه مشترك و لا نعلم ان الراوي في هذه الرواية ثقة أم لا.

و منها: ما رواه عثمان بن زياد أنه دخل علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل: اني سألت أباك عن الوضوء، فقال: مرة مرة فما تقول انت؟ فقال:

انك لن تسألني عن هذه المسألة الا و أنت تري أني اخالف أبي توضأ ثلاثا و خلل أصابعك «2».

و هذه الرواية ضعيفة بعثمان.

و منها: ما رواه داود بن زربي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الوضوء فقال لي: توضأ ثلاثا ثلاثا، قال: ثم قال لي: أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم؟

قلت: بلي، قال، فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي فرآني بعضهم و أنا لا أعلم به فقال: كذب من زعم أنك فلاني و أنت تتوضأ هذا الوضوء قال: فقلت لهذا

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 3.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 426

______________________________

و اللّه أمرني «1».

و لا يمكن استفادة الحكم منها فانها واردة

في مورد خاص و لا اطلاق لها فانه يمكن جواز التقية و كونها مجزيا في مورد خاص و هو فيما يؤدي تركها الي تلف النفس مضافا الي المناقشة في السند من جهة حسن بن علي الوشاء.

الحادي عشر: النصوص الواردة في الحث علي حضور جماعاتهم فمن تلك النصوص ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: من صلي معهم في الصف الاول كان كمن صلي خلف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في الصف الاول «2».

و منها: ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يحسب لك اذا دخلت معهم و ان كنت لا تقتدي بهم مثل ما يحسب لك، اذا كنت مع من تقتدي به «3».

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من صلي معهم في الصف الاول كان كمن صلي خلف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله «4».

الي غيرها من الروايات الواردة المذكورة في الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة في الوسائل.

بتقريب: أن مقتضي هذه النصوص جواز الاقتداء بهم و الصلاة الناقصة معهم تقية تقوم مقام الصلاة التامة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 427

______________________________

و لا يعارضها ما دل علي عدم جواز الاقتداء بهم و أنهم عند المعصوم عليه السلام كالجدر مثل ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين، فقال: ما هم عندي الا بمنزلة الجدر «1» و غيرها من الروايات الواردة المذكورة في الوسائل في الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة.

اذ مفاد

تلك النصوص جواز الصلاة معهم تقية و مفاد هذه النصوص اشتراط الولاية و العدالة في امام الجماعة فلا تنافي بين الطائفتين لكن مفاد تلك النصوص الترغيب في اقامة الصلاة معهم و لو مع عدم الخوف و عدم تحقق عنوان التقية المتقوم بالخوف مضافا الي أنه يعارضها ما رواه سماعة «2» فان مفاد هذه الرواية أن المطلوب صورة الصلاة معهم لا الاقتداء بهم واقعا.

و يدل علي المدعي ما رواه زرارة قال: كنت جالسا عند أبي جعفر عليه السلام ذات يوم اذ جاءه رجل فدخل عليه فقال له: جعلت فداك اني رجل جار مسجد لقومي فاذا أنا لم اصل معهم وقعوا في و قالوا: هو هكذا و هكذا، فقال: أما لئن قلت ذلك لقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له، فخرج الرجل فقال له: لا تدع الصلاة معهم و خلف كل امام فلما خرج قلت له: جعلت فداك كبر علي قولك لهذا الرجل حين استفتاك، فان لم يكونوا مؤمنين، قال فضحك ثم قال: ما اريك بعد الا هاهنا، يا زرارة فاية علة تريد أعظم من أنه لا يأتم به ثم قال: يا زرارة أما تراني قلت: صلوا في مساجدكم و صلوا مع أئمتكم «3»:

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 421.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 428

______________________________

و بعبارة أخري أن نقول: بأن النصوص من الجانبين متعارضة و ليست قابلة للجمع فان مفاد طائفة منها عدم جواز الاقتداء و مفاد الاخري الجواز.

لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

يا اسحاق أ تصلي معهم في المسجد؟ قلت: نعم، قال: صل معهم فان المصلي معهم في الصف الاول كالشاهر سيفه في سبيل اللّه «1».

فالتعارض قطعي و بعد التساقط و رفع اليد عن الترجيح بمخالفة العامة لا دليل علي الجواز بل الدليل من الاصل و النص علي عدم الجواز فان مقتضي الاصل عدم كون التقية مجزية كما أن مقتضي الادلة الاولية من الكتاب و السنة وجوب الاتيان بالمأمور به الواقعي الاولي.

الثاني عشر: ما ذكر في المقام بأن السيرة كانت جارية علي الغسل و المسح في زمن الائمة عليهم السلام و لم يردع عنه فيستفاد الجواز مع تحقق التقية.

و فيه: أولا أن جريان السيرة عليه من الشيعة اول الكلام.

و ثانيا: كيف يمكن أن يقال: بأنه لم يردع عنه؟ فان النصوص الكثيرة الدالة علي عدم جواز الغسل أو المسح علي الخف تدل علي عدم الجواز و الجواز يحتاج الي الدليل و ليس.

الثالث عشر ما رواه أبو الورد «2» فان مقتضي هذه الرواية انه لو اضطر الي الوضوء عند عدو بتقية و لا يمكنه الاتيان بالمأمور به الواقعي يجوز أن يمسح علي الخف بدلا عن المسح علي البشرة.

و قد مر الكلام في الاشكال في سند هذه الرواية فلا نعيد و راجع ما ذكرناه هناك.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 7.

(2) لاحظ ص: 411.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 429

______________________________

الي هنا ظهر: أنه لا مقتضي للاجزاء.

أضف الي ذلك ما دل علي عدم جواز التقية في المسح علي الخف و قد دلت عليه عدة روايات:

الاولي: ما رواه الاعجمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنه قال:

لا دين لمن لا تقية له و التقية في كل شي ء الا

في النبيذ و المسح علي الخفين «1».

و هذه الرواية ضعيفة بأبي عمر فانه لم يوثق مضافا الي أنه مردد بين كونه أبا عمر و ابن عمر و علي كل تقدير لم يوثق.

الثانية: ما رواه محمد بن الفضل الهاشمي قال: دخلت مع إخوتي علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقلنا: انا نريد الحج و بعضنا صرورة فقال: عليكم بالتمتع فانا لا نتقي في التمتع بالعمرة الي الحج سلطانا و اجتناب المسكر و المسح علي الخفين «2».

و هذه الرواية ضعيفة بدرست فانه لم يوثق بل بمحمد بن الفضل أيضا فانه لم يوثق في كلام الشيخ الحر بعنوان الهاشمي.

الثالثة: ما رواه زرارة عن غير واحد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في المسح علي الخفين تقية قال: لا يتقي في ثلاث قلنا و ما هن؟ قال شرب الخمر أو قال شرب المسكر و المسح علي الخفين و متعه الحج «3».

و هذه الرواية ضعيفة بالارسال فان النقل عن غير واحد لا يخرج الحديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي الحديث: 3.

(2) الكافي ج 4 ص 293 الحديث: 14.

(3) جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 222 ج 21.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 430

______________________________

عن كونه حديثا واحدا مرسلا و لا يدخله في المتواتر فان عنوان غير واحد يصدق علي ثلاثة اشخاص مثلا فلاحظ.

الرابعة: ما راه زرارة أيضا قال: قلت له: في مسح الخفين تقية؟ فقال:

ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، و مسح الخفين و متعة الحج قال زرارة و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا «1».

و هذه الرواية تامة سندا و أما الاشكال في الدلالة: بأن زرارة فهم من كلامه عليه السلام أنه من مختصاته

فلا يكون حكما عاما لجميع آحاد المكلفين، فيرده:

أن فهم زرارة لا يكون دليلا.

و ربما يقال: بأنه يحتمل أن يكون الحكم من مختصاته و مع هذا الاحتمال يبطل الاستدلال بالرواية.

لكن يرد علي هذا البيان: أن الرواية ظاهرة بل صريحة في أن الراوي يسأله عن حكم المسألة و الظاهر من كلامه عليه السلام في مقام الجواب أن الامام عليه السلام في مقام بيان حكم الواقعة و الوظيفة العامة.

و أما ما قيل: من أن قوله عليه السلام: «لا أتقي» فرار عن الجواب و أنه عليه السلام لم يجبه عن حكم المسألة، فهو خلاف الظاهر.

و ربما يقال: بأن التقية لا مجال لها في الامور المذكورة في الرواية أما شرب الخمر فلانه ليس من العامة أحد يفتي بالجواز و أما متعة الحج فلان حج التمتع مثل حج القران الا من جهة النية و التقصير أما النية فهي أمر قلبي و أما التقصير فيمكن الاتيان به في الخفاء و أما المسح علي الخف فليس وجوبه اتفاقيا بينهم بل

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 431

[مسألة 66: لو دار الامر بين المسح علي الخف و الغسل للرجلين للتقية اختار الثاني]

(مسألة 66): لو دار الامر بين المسح علي الخف و الغسل للرجلين للتقية اختار الثاني (1).

______________________________

الاكثر منهم قائلون بالتخيير بينه و بين الغسل و بعضهم قائل بأن المسح علي الخف أفضل فلا موضوع للتقية فيه فالرواية ناظرة الي أن التقية في الامور المذكورة سالبة بانتفاء الموضوع و الا فلا ريب في أن الامر اذا دار بين المسح علي الخف و ضرب العنق لم يرض الشارع بترك المسح.

و فيه: أن السائل سأل عن الحكم و الجواب عن بيان الموضوع خلاف الظاهر و ليس معناه أنه يترك و لو مع استلزامه ضرب

العنق اذ التقية تتحقق بالاتيان بالمسح علي الخف صورة و المستفاد من الرواية: أن المسح علي الخف تقية لا يكون مصداقا للمأمور به.

فانقدح بما ذكرنا: عدم قيام دليل علي جواز التقية و كونها مجزأة عن المأمور به الواقعي فما أفاده في المتن من الاشكال في كمال المتانة و لكن ما أفاده من الاشكال ينافي ما يذكره في الفروع الآتية فلاحظ.

(1) ذكر في وجه التعين و تقديم الغسل أمران:

أحدهما: ان المسح لو تحقق بالمسح علي الخف لم يتحقق المسح علي البشرة لا برطوبة ماء الوضوء و لا بالرطوبة الخارجية و أما في الغسل فالمسح بالرطوبة الخارجية متحققة و ما لا يدرك كله لا يترك كله.

و هذا الوجه ليس تحته شي ء و مجرد اعتبار و استحسان فان قاعدة الميسور لا أساس لها مضافا الي أن الغسل بالماء الخارجي ليس ميسورا لرطوبة ماء الوضوء.

ثانيهما: أنه استفيد من الادلة جواز الغسل و أما المسح فلا دليل عليه و حديث

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 432

[مسألة 67: يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية علي الاقوي]

(مسألة 67): يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية علي الاقوي فلو أمكنه ترك التقية و إراءتهم المسح علي الخفين مثلا لم تشرع التقية (1).

______________________________

أبي الورد «1» ضعيف سندا و مقتضي الامر بشي ء تعينه بلا بدل بل الغسل موافق للاحتياط لان الامر دائر بين تعين الغسل و التخيير بين الامرين فالغسل مجز قطعا فالاتيان به موافق الاحتياط.

و فيه: أن هذا التقريب انما يتم علي تقدير وجود دليل دال علي جواز الغسل بدل المسح عند التقية و المفروض أنه ليس في المقام ما يدل عليه كما تقدم، فلا مجال لهذا التقريب و عليه لو دار الامر بين الامرين لم يكن الاتيان بأيهما مجزيا و مكفيا و اللّه

العالم.

(1) قد ظهر مما تقدم عدم دليل علي جواز التقية و قد مر منا أن النصوص بالنسبة الي الاقتداء بهم تقية متعارضة و أن مفاد بعضها انه يصلي صلاة نفسه و يري بأنه يقتدي لاحظ ما رواه سماعة «2».

نعم لو قلنا: بأن الروايات الدالة علي جواز الاقتداء بهم «3» بلا معارض أمكن ان يقال: بأنه يجوز الاقتداء و لا يشترط بعدم المندوحة مطلقا بل مقتضي تلك النصوص محبوبية الاقتداء بهم علي الاطلاق فيجوز بل يستحب أن يسافر الشيعي الي بلاد المخالفين للاقتداء بهم.

اضف الي ذلك أن هذا الحكم مخصوص بالصلاة و لا وجه لجريانه في

______________________________

(1) لاحظ ص: 411.

(2) لاحظ ص: 421.

(3) لاحظ الروايات في ص: 426.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 433

______________________________

بقية العبادات.

فالنتيجة: عدم جواز التقية مع عدم المندوحة فضلا عن صورة وجودها لكن الظاهر أنه لا اشكال من حيث النصوص في جواز الصلاة مع المخالف بشرط أن يقرأ لنفسه و لو مع عدم سماعة قراءة نفسه كما تدل عليه عدة روايات:

منها ما رواه علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدي بصلاته و الامام يجهر بالقراءة قال: اقرأ لنفسك و ان لم تسمع نفسك فلا بأس «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا صليت خلف امام لا يقتدي به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع «2».

و منها ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: من لا أقتدي الصلاة قال: افرغ قبل أن يفرغ فانك في حصار فان فرغ قبلك فاقطع القراءة و اركع معه «3».

و منها: ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أكون

مع الامام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ قال: ابق آية و مجد اللّه و أثن عليه فاذا فرغ فاقرأ الآية و اركع «4» و منها غيرها المذكور في الوسائل في الابواب 33 و 34 و 35 من أبواب صلاة الجماعة.

لكن الاشكال تمام الاشكال في أن الحكم مختص بمورده.

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 9

(3) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 434

______________________________

و ملخص الكلام في المقام أن المستفاد من جملة من النصوص جواز الصلاة معهم:

منها ما رواه حماد بن عثمان «1» و منها ما رواه الحلبي «2».

و منها ما رواه أبو علي في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان لنا اماما مخالفا و هو يبغض أصحابنا كلهم فقال: ما عليك من قوله، و اللّه لئن كنت صادقا لانت أحق بالمسجد منه فكن أول داخل و آخر خارج و أحسن خلقك مع الناس و قل خيرا «3».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار «4».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

اوصيكم بتقوي اللّه عز و جل و لا تحملوا الناس علي أكتافكم فتذلوا ان اللّه تبارك و تعالي يقول في كتابه: «قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» ثم قال: عودوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و اشهد و الهم و عليهم و صلوا معهم في مساجدهم «5».

و منها ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: صلي حسن و حسين خلف مروان و نحن نصلي معهم «6».

و منها ما

رواه سماعة قال: سألته عن مناكحتهم و الصلاة خلفهم فقال: هذا

______________________________

(1) لاحظ ص 426.

(2) لاحظ ص: 426.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1.

(4) لاحظ ص 428.

(5) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 8.

(6) نفس المصدر الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 435

______________________________

أمر شديد لم تستطيعوا ذلك قد أنكح رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و صلي علي عليه السلام ورائهم «1».

و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري تدل علي عدم الجواز: منها ما رواه زرارة «2».

و منها غيره الوارد في الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و في المقام رواية مفصلة بين صورة الخوف و غيرها و هي ما رواه اسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل يحب أمير المؤمنين عليه السلام و لا يتبرأ من عدوه و يقول: هو أحب الي ممن خالفه فقال: هذا مخلط و هو عدو فلا تصل خلفه و لا كرامة الا أن تتقيه «3».

فانه يمكن أن يجمع بين المتعارضين من النصوص بهذه الرواية و يفصل بين صورة الخوف و عدمه

الا أن يقال: بأن النصوص الحاثة علي الصلاة معهم تأبي عن هذا التقييد و علي تقديرا لتعارض يكون الترجيح مع النصوص المانعة حيث انها خلاف التقية و يبقي الدليل المفصل علي حاله.

و يظهر من جملة من النصوص: أن الايتمام بالمخالف صورة الايتمام و لذا يحب أن يقرأ و لو بنحو حديث النفس لاحظ حديث علي بن يقطين «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 10.

(2) لاحظ ص: 427.

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 3.

(4) لاحظ ص 433.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 436

و لا يعتبر عدم المندوحة في الحضور في مكان التقية

و زمانها (1).

______________________________

و يظهر من مجموع النصوص الواردة في الابواب 33 و 34 و 35 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل أن الصلاة معهم تشبه الايتمام فلاحظ و ما رواه أبو بصير «1» و ما رواه زرارة «2».

و غيرها من الروايات الواردة في الابواب المشار اليها فان المستفاد من تلك النصوص جواز الاقتداء بأن يقرأ لنفسه و عند الضرورة يكتفي بأم الكتاب بل اذا اقتضت الضرورة يقطع الفاتحة و يركع لكن لا تدل هذه النصوص علي جواز التقية في غير موردها من الموارد كالوضوء و امثاله و يستفاد من مجموع نصوص الباب أنه مع الخوف يصلي معهم بالنحو المذكور و يجزي و مع صدق الخوف لا يشترط الجواز و الاجزاء بعدم المندوحة بل يجوز و يكفي حتي مع المندوحة فلاحظ.

(1) مقتضي القاعدة الاولية اعتبار عدم المندوحة و ذلك لان التقية من الوقاية و مع امكان الوقاية مع وجود المندوحة لا يصدق العنوان.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه معمر بن يحي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان معي بضايع للناس و نحن نمر بها علي هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم فقال: وددت أني أقدر علي أن اجيز أموال المسلمين كلها و أحلف عليها كلما خاف المؤمن علي نفسه فيه ضرورة، فله فيه التقية «3».

بتقريب: أن فاء التفريع تقتضي المفهوم و مثل هذه الرواية ما- رواه

______________________________

(1) لاحظ ص 433.

(2) لاحظ ص 433.

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الايمان الحديث: 16.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 437

______________________________

اسماعيل الجعقي و معمر بن يحيي بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «1»، و التقريب هو التقريب.

و استدل أيضا علي المدعي بما رواه

زرارة «2» و بما رواه معمر بن يحيي سالم عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة «3».

لا يقال: دلالتها علي المدعي تتوقف علي القول بمفهوم اللقب الذي لا نقول به.

قلت: ورد في بعض كلمات الاصحاب: أن حق العبارة أن يقال: كل ضرورة فيها التقية فتقديم ما حقه التأخير يقتضي حصر المسند في المسند اليه.

و ربما يختلج بالبال أن يقال: أن حديث زرارة «4» في مقام التحديد و بيان الضابطة و لا ريب في أن مقتضي التحديد هو الحصر فلا تغفل.

و يكفي لإثبات المدعي ما رواه الجعفي «5» فان المستفاد من هذه الرواية حصر الجواز في صورة الاتقاء و مع وجود المندوحة لا يصدق هذا العنوان.

نعم ربما يصدق العنوان و لو مع عدم استيعاب الضرر تمام الوقت كما لو ذهب أحد الي محل الجائر و صادف اقامة الجماعة و لا يمكن للمكلف أن لا يقتدي فيجوز له الاقتداء و لا يحب الاعادة بعد رفع الضرورة.

الا أن يقال: أنه مع وجود المندوحة و لو طولا و امكان الاتيان بالصلاة بعد رفع الضرورة لا تصدق الضرورة اذ الامر لم يتعلق بالفرد بل تعلق بطبيعي الصلاة

______________________________

(1) لاحظ ص 417.

(2) لاحظ ص 415.

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي الحديث: 8.

(4) لاحظ ص 415.

(5) لاحظ ص 435.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 438

كما لا بجب بذل مال لرفع التقية (1) و أما في سائر موارد الاضطرار فيعتبر فيها عدم المندوحة مطلقا (2) نعم لا يعتبر فيها بذل المال لرفع الاضطرار اذا كان ضرريا (3).

______________________________

بين الحدين فلاحظ.

هذا ما يرجع الي الصلاة و علي كل حال لا دليل علي الاجزاء في المقام فلا تصل النوبة الي هذا البحث.

(1)

ربما يقال: في وجوب البذل: انه استفيد من وجوب بذل المال في قبال ماء الوضوء في بعض النصوص.

لاحظ ما رواه صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج الي الوضوء للصلاة و هو لا يقدر علي الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشتري و يتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضأت و ما يسوؤني (يسرني) بذلك مال كثير «1».

لكن يرد عليه أن هذا حكم وارد في مورد خاص و لا يجري في غيره و من الظاهر أن الوضوء ليس حكما واردا في مورد الضرر مثل وجوب الخمس و الزكاة.

فالحق أن يقال: بانه لا يجب لدليل نفي الضرر لكن هذا يتم علي مسلك القوم في قاعدة نفي الضرر و لا يتم علي ما سلكناه.

فالحق وجوب البذل لعدم صدق الضرورة مع امكان رفعها بدفع مقدار من المال فلاحظ.

(2) لعدم صدق الاضطرار مع وجود المندوحة.

(3) لقاعدة نفي الضرر و قد مر قريبا الاشكال في هذا التقريب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 439

[مسألة 68: اذا زال السبب المسوغ للمسح علي الحائل بعد الوضوء لم تجب الاعادة في التقية]

(مسألة 68): اذا زال السبب المسوغ للمسح علي الحائل بعد الوضوء لم تجب الاعادة في التقية (1) و وجبت في سائر الضرورات (2) كما تجب الاعادة اذا زال السبب المسوغ اثناء الوضوء مطلقا (3).

[مسألة 69: لو توضأ علي خلاف التقية فالأظهر وجوب الإعادة]

(مسألة 69): لو توضأ علي خلاف التقية فالاظهر وجوب الاعادة (4).

______________________________

(1) هذا مبني علي كون التقية مجزية عن المأمور به بالامر الواقعي و قد ظهر مما مر أنه لا دليل عليه و ما أفاده هنا مناف لما سبق منه من الاشكال في الاجزاء فلاحظ.

(2) لعدم تحقق الموضوع فان الزوال يكشف عن عدم تحقق الاضطرار.

(3) اذ العمل ارتباطي فلا يمكن التجزية في الصحة و البطلان فلاحظ.

(4) لتنقيح المقام نتكلم في مقامين: المقام الاول في حكم التقية تكليفا، المقام الثاني في الجهة الوضعية.

أما المقام الاول فنقول: لا اشكال في أن المستفاد من النصوص وجوب التقية و الانصاف أن النصوص الواردة في الابواب المختلفة متواترة بل يكفي لإثبات المدعي جملة منها:

منها: ما رواه معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاة فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: التقية من ديني و دين آبائي و لا ايمان لمن لا تقية له «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الامر و النهي الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 440

______________________________

: التقية ترس المؤمن و التقية حرز المؤمن و لا ايمان لمن لا تقية له «1».

و منها ما رواه محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال و مكاتباتهم مولانا علي بن محمد عليهما السلام من مسائل داود الصرمي قال:

قال لي: يا داود لو قلت: ان

تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا «2».

فان هذه النصوص تامة سندا فلا اشكال في وجوب التقية و حرمة تركها.

اذا عرفت هذا نتكلم في المقام الثاني فنقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولي: أن المكلف ترك التقية و ترك المأمور به الواقعي كما لو فرضنا أن التقية اقتضت المسح علي الخف و المكلف تركه و ترك المسح علي البشرة أيضا فتارة نقول: بأن الواجب هو المأمور به الواقعي غاية الامر قد ثبت بالسيرة انه يجزي العمل المطابق للتقية فلا اشكال في الفساد لان المفروض انه ترك المأمور به الواقعي و لا دليل علي الاجزاء، و اخري نقول: بأن مقتضي الادلة الواردة انقلاب المأمور به الواقعي الي العمل المطابق للتقية فأيضا يحكم بالفساد اذ المفروض أنه لم يأت بالوظيفة المقررة.

و أما لو قلنا بأن المستفاد من الادلة سقوط الشرطية او الجزئية فربما يقال:

بالصحة لان عمله مطابق للواقع غاية الامر ترك التقية و عصي و لكن هذا كله فرض في فرض و مجرد احتمال.

الصورة الثانية: انه ترك التقية و أتي بالمأمور به الواقعي فان قلنا: بالانقلاب فالبطلان علي القاعدة لأنه لم يأت بالمأمور به و أما لو قلنا: بأن العمل المطابق

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6.

(2) نفس المصدر الحديث: 26.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 441

[مسألة 70 يجب في مسح الرجلين أن يضع يده علي الأصابع و يمسح إلي الكعبين بالتدريج أو بالعكس]

(مسألة 70) يجب في مسح الرجلين أن يضع يده علي الاصابع و يمسح الي الكعبين بالتدريج أو بالعكس فيضع يده علي الكعبين و يمسح الي أطراف الاصابع تدريجا (1) و لا يجوز أن يضع تمام كفه علي تمام ظهر القدم من طرف الطول الي المفصل و يجرها قليلا بمقدار صدق المسح علي الاحوط (2).

______________________________

للتقية في طول الواقع و أنه مصداق للمأمور به الواقعي بحكم الشارع أو قلنا

بعدم كون التقية مجزية و لا دليل علي الاجزاء فربما يقال: بأن العمل صحيح و لا يحتاج الي الاعادة اذ المفروض أنه اتي بما هو واجب عليه و لا وجه للبطلان.

لكن هذا توهم فاسد اذ لا اشكال في أن الاتيان بالمأمور به الواقعي مصداق لما هو مضاد للتقية فيكون مصداقا للحرام و الحرام لا يمكن أن يتقرب به.

و لا مجال لان يقال: بأن التقية واجبة و تركها حرام و الامر بالتقية لا يقتضي النهي عن ضده كما هو المقرر في محله فانه يرد علي هذا البيان أن المعصية تتحقق بنفس الاتيان بالمأمور به الواقعي كما لو قال عند المخالف: أنا لا أكتفي بالمسح علي الخف فانه لا اشكال في حرمة هذا الكلام فكذلك الاتيان بالمسح علي البشرة حرام و الحرام لا يقع مصداقا للواجب فلا يكون صحيحا.

(1) هذا مبني علي جواز الاقبال و الادبار في مسح الرجلين كما تدل عليه رواية حماد «1» و قد مر الكلام في هذه المسألة فراجع.

(2) ربما يقال بجواز التدريجي و الدفعي- كما في كلام سيد العروة- و قيل في تقريب الاستدلال عليه- كما في كلام سيد المستمسك قدس سره-: أن

______________________________

(1) لاحظ ص 398.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 442

[الفصل الثاني في الجبيرة و أحكامها]

اشارة

الفصل الثاني من كان علي بعض أعضاء وضوئه جبيرة فان تمكن من غسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء مع امكان الغسل من الاعلي الي الاسفل وجب (1).

______________________________

مقتضي الاطلاق الثابت في الكتاب و الاخبار جواز الدفعي كالتدريجي بلا فرق بين النحوين.

و لكن لا يمكن المساعدة عليه اذ الاطلاق المشار اليه و ان كان مقتضيا لجواز كلا النحوين لكن لا بد من رفع اليد عنه و تقييده بما رواه البزنطي «1»

فان السائل يسأله عن كيفية المسح علي القدمين فأجابه عليه السلام عملا بأن وضع كفه علي الاصابع فمسحها الي الكعبين فلا بد من التحفظ علي جميع القيود المرعية في فعله عليه السلام غاية الامر نرفع اليد عن لزوم الاقبال و عن الاستيعاب العرضي للدليل الخاص كما مر البحث فيما تقدم و أما بالنسبة الي هذه الجهة فلا دليل علي الخلاف و قول السائل: «لو أن رجلا قال بإصبعين» لا يدل علي أن السؤال من هذه الجهة فقط فلا نظر الي بقية الجهات فلا وجه لرفع اليد عن الاطلاق المنعقد في الادلة من الكتاب و السنة و ذلك لان ظاهر السؤال أولا السؤال عن كيفية المسح من جميع الجهات.

فالحق ما أفاده الماتن من الاحتياط الوجوبي بل لا يبعد أن يقال بأنه الاظهر لا الاحوط و اللّه العالم.

(1) يستفاد من هذه العبارة أمران:

الاول: أنه يجب غسل ما تحت الجبيرة مع الامكان و هذا أمر علي القاعدة

______________________________

(1) لاحظ ص 398.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 443

______________________________

فان المأمور به أولا غسل أعضاء الوضوء و مع امكان الاتيان بالواجب الاولي يجب بلا اشكال.

مضافا الي بعض النصوص الدال عليه فمن تلك النصوص ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سأل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها اذا توضأ فقال: اذا كان يؤذيه الماء فليمسح علي الخرقة و ان كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها قال:

و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال: اغسل ما حوله «1».

و منها: ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينكسر ساعده أو موضع

من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحله لحال الجبر اذا جبر كيف يصنع؟

قال: اذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء و يضع موضع الجبر في الماء حتي يصل الماء الي جلده و قد أجزأه ذلك من غير أن يحله «2».

الثاني: أنه يستفاد من كلامه انه يكفي الغمس في الماء و لا يتعين النزع.

و يتوجه الاشكال: بأنه مع وجود الجبيرة علي العضو لا يتحقق الغسل فلا يحصل الواجب و لذا لا بد من النزع ان أمكن.

و يمكن أن يجاب عن الاشكال: بأن الجريان لا يشترط في صدق مفهوم الغسل بل يكفي في صدقه الاستيلاء و غلبة الماء فلو غمس يده في الماء مع كون الجبيرة عليه فمع تحقق الجريان و لو بعلاج لا يبقي وجه للإشكال و مع عدم الجريان

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 444

و ان لم يتمكن لخوف الضرر اجتزأ بالمسح عليها (1).

______________________________

و غلبة الماء علي البشرة يتحقق المطلوب لصدق الغسل بهذا المقدار.

و يدل علي المطلوب ما رواه عمار «1».

يبقي في المقام: أن المستفاد من رواية الحلبي المتقدمة «2» لزوم النزع مع الامكان و لكن لا يبعد أن تكون الرواية ارشادا الي الاحتراز عن وصول البلل الي الخرقة و الا لو قلنا بصدق الغسل جاز للمكلف أن يتوضأ و يغسل العضو السالم مع وضع شي ء عليه فيلزم أن يكون حكم ذي الجبيرة أشد من غيره و هو كما تري نعم لا بد من مراعات الاعلي و الغسل منه الي الاسفل كما في المتن لما استفيد من الادلة اعتباره.

(1) كما يدل عليه خبر الحلبي «3» و يدل عليه أيضا ما رواه كليب الاسدي

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل اذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟

قال: ان كان يتخوف علي نفسه فليمسح علي جبائره و ليصل «4».

و مثلهما في الدلالة ما رواه الحسن بن زيد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال:

سألت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن الجبائر تكون علي الكسير كيف يتوضأ صاحبها؟ و كيف يغتسل اذا أجنب؟ قال يجزيه المسح عليها في الجنابة و الوضوء قلت: فان كان في برد يخاف علي نفسه اذا أفرغ الماء علي جسده فقرأ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: «و لا تقتلوا أنفسكم ان اللّه كان بكم رحيما «5»».

______________________________

(1) مر في ص: 443.

(2) لاحظ ص 443.

(3) لاحظ ص 443.

(4) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث: 8.

(5) نفس المصدر الحديث: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 445

و لا يجزئ غسل الجبيرة عن مسحها علي الاقوي (1) و لا بد من استيعابها بالمسح الا ما يتعسر استيعابه بالمسح عادة كالخلل التي تكون بين الخيوط و نحوها (2).

[مسألة 71: الجروح و القروح المعصبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم]

(مسألة 71): الجروح و القروح المعصبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم (3).

______________________________

(1) الامر كما أفاده فان الظاهر من حديث الحلبي «1» و غيره كون الوظيفة في الصورة المفروضة وجوب المسح و لا بد من الاتيان بما تعلق به الامر من قبل المولي و لا دليل في قبال هذا الظهور يقتضي خلافه و اللّه العالم.

(2) كما أنه يظهر من النصوص فان الظاهر من حديث الحلبي «2» و غيره لزوم الاستيعاب.

مضافا الي أن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضيه نعم لا اشكال في أنه لا يستفاد من النص أزيد من المقدار المتعارف فما يتعسر مسحه لا يجب كما أفاده في المتن.

(3) كما

يستفاد بنحو الوضوح من حديث عبد الرحمن بن الحجاج قال:

سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ فقال: يغسل ما وصل اليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوي ذلك مما لا يستطيع غسله و لا ينزع الجبائر و يبعث بجراحته «3».

______________________________

(1) لاحظ ص 443.

(2) لاحظ ص 443.

(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 446

و ان لم تكن معصبة غسل ما حولها (1) و الاحوط- استحبابا- المسح عليها ان أمكن (2).

______________________________

(1) بلا اشكال و لا خلاف- كما في بعض الكلمات و تقتضيه القاعدة الاولية و يدل عليه من نصوص الباب حديث الحلبي «1» و ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال:

يغسل ما حوله «2».

(2) الظاهر من رواية الحلبي «3» كفاية غسل أطراف الجرح المكشوف و عدم وجوب مسحه.

و عن المدارك: «أنه مقطوع به» و عن جامع المقاصد: نسبته الي نص الاصحاب و عن جملة من الاعاظم: وجوب مسحه و قيل في وجهه: أنه مقتضي قاعدة الميسور.

و فيه: أنه لا أصل لتلك القاعدة مضافا الي أن المسح مباين للغسل و لا يكون ميسورا منه فتأمل.

و ربما يقال: بأن وجوب مسح الجرح المكشوف يفهم بالفحوي من وجوب مسح الجبيرة.

لكن يرد عليه: أن عدم تعرضه عليه السلام للمسح في ذيل رواية الحلبي «4» يدل علي عدم وجوب مسح الجرح فلاحظ.

______________________________

(1) لاحظ ص 443.

(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(3) لاحظ ص 443.

(4) لاحظ ص 443.

مباني منهاج

الصالحين، ج 1، ص: 447

و لا يجب وضع خرقة عليها و مسحها، و ان كان أحوط استحبابا (1).

[مسألة 72: اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة]

(مسألة 72): اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة (2).

و أما الحاجب اللاصق اتفاقا كالقير و نحوه فان أمكن رفعه وجب (3).

______________________________

(1) الظاهر أن المراد بالعبارة الجمع بين الامرين كما يدل ما أفاده في هامش العروة من الاحتياط بالجمع بين الامرين و مقتضي الصناعة عدم وجوب شي ء منهما و الاحتياط الاستحبابي يقتضي الجمع بينهما و اللّه العالم.

(2) يدل علي الحكم المذكور ما رواه الحسن بن علي الوشاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء اذا كان علي يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح علي طلا الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه «1».

و مثلها روايته الاخري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الدواء يكون علي يد الرجل أ يجزيه أن يمسح في الوضوء علي الدواء المطلي عليه؟ فقال: نعم يمسح عليه و يجزيه «2».

لكن يمكن أن يرد الاشكال في الاستدلال بالحديثين من جهة كون الوشاء في السند فعليه لا بد اما من الاحتياط و اما من الالتزام بأن المستفاد من الادلة عدم الفرق بين الخرقة و الدواء الموضوع علي الجرح فلاحظ.

(3) بلا اشكال و لا ريب فانه مقتضي القاعدة الاولية بعد وجوب غسل الاعضاء

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 448

و الا وجب التيمم ان لم يكن الحاجب في مواضعه (1) و الا جمع بين الوضوء و التيمم (2).

[مسألة 73: يختص الحكم المتقدم بالجبيرة الموضوعة علي الموضع في موارد الجرح أو الكسر]

(مسألة 73): يختص الحكم المتقدم بالجبيرة الموضوعة علي الموضع في موارد الجرح أو الكسر، أما في غيرها كالعصابة التي يعصب بها العضو لا لم أو ورم و نحو ذلك فلا يجزي المسح علي الجبيرة بل يجب

التيمم ان لم يمكن غسل المحل لضرر نحوه (3).

______________________________

أو مسحها.

(1) لعدم القدرة علي الوضوء فتصل النوبة الي البدل الاضطراري و لا تدل عليه الروايتان «1» كما هو ظاهر.

و لا يمكن القول بجواز الجبيرة بتقريب تنقيح المناط فان دعوي تنقيحه عهدتها علي مدعيها.

و ما عن الجواهر بادعاء القطع بفساد القول بوجوب التيمم بدل الغسل أو الوضوء لمن كان في يده قطعة قير مثلا مدي عمره، لا يرجع الي محصل فانه استبعاد بلا وجه و المرجع ظهور الادلة و هو يقتضي وجوب التيمم كما تقدم.

(2) الظاهر أنه من باب العلم الإجمالي بأحد الامرين فيجب كلاهما من باب كون العلم منجزا.

و بعبارة اخري: نعلم بوجوب شرطية الطهارة اجمالا في هذه الحال.

و لقائل أن يقول: بأن مقتضي القاعدة عدم وجوب شي ء لا الوضوء و لا التيمم الا أن يقال: بأنه مقطوع الخلاف.

(3) و الوجه فيه: أن الوضوء الاختياري غير واجب علي الفرض و لا دليل

______________________________

(1) ناظر الي روايتي الوشاء لاحظ ص 447.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 449

كما يختص الحكم بالجبيرة غير المستوعبة للعضو أما اذا كانت مستوعبة لعضو فان كانت في الرجلين تعين التيمم و ان كانت في الوجه او اليد فلا يترك الاحتياط الوجوبي فيها بالجمع بين وضوء الجبيرة و التيمم و كذلك الحال مع استيعاب الجبيرة تمام الاعضاء (1).

______________________________

بدلية الجبيرة فتصل النوبة الي التيمم.

لكن لا يخفي أن هذا التقريب انما يتم بالنسبة الي صورة الضرر علي مسلك المشهور القائلين برافعية دليل القاعدة و أما علي ما سلكناه فغير تام الا أن يكون مصداقا للحرج و الا يجب تحمل الضرر حيث ان حرمة الاضرار مختصة بالاضرار بالغير و لا يكون الاضرار بالنفس حراما فانه بلا دليل الا في

بعض الموارد.

(1) أما في الصورة الاخيرة و هي صورة استيعاب الجبيرة جميع الاعضاء فاستفادة شمول حكم الجبيرة لها محل اشكال فان حمل ما ورد في النصوص علي المثال- كما عن الشيخ الانصاري- لا دليل عليه كما أن ادعاء العلم بالمساواة بلا وجه.

و أما صورة استيعاب الجبيرة لعضو واحد فالظاهر أنه لا وجه لما أفاده في المتن اذ مقتضي اطلاق حديث ابن الحجاج شمول الحكم للصورة المذكورة.

و أما علي تقدير عدم الشمول فيتعين التيمم فيما تكون في الرجلين من باب عدم شمول الدليل فتصل النوبة الي التيمم اذ المفروض أنه لا محذور فيه.

و أما ان كانت في الوجه او اليدين فبمقتضي العلم الإجمالي بوجوب أحد الامرين يلزم الجمع بينهما.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 450

و أما الجبيرة النجسة التي لا تصلح أن يمسح عليها فان كانت بمقدار الجرح أجزأه غسل أطرافه و يضع خرقة طاهرة علي الجبيرة و يمسح عليها علي الاحوط (1).

______________________________

لكن لقائل أن يقول: انه مع عدم شمول دليل الجبيرة للمقام تصل النوبة الي التيمم بلا اشكال فلا مورد للعلم الإجمالي المذكور الا أن يقال: بأن شمول دليل التيمم أيضا محل الاشكال فتصل النوبة الي العلم الإجمالي.

(1) هذا فيما تعد الخرقة الموضوعة علي الجبيرة جزءا منها و الظاهر أنه لا وجه للترديد و الاحتياط في مفروض الكلام فان المستفاد من الادلة بدلية المسح علي الجبيرة عن الغسل و المفروض امكان الاتيان بالبدل.

و ان شئت فقل: ان الوظيفة المقررة في صورة وجود الجبيرة المسح عليها و المفروض وجودها و عدم صلاحيتها للمسح عليها و صدق الخرقة الموضوعة عليها جزءا منها فلاحظ.

نعم اذا لم يمكن وضع الخرقة بحيث تعد جزءا فالاحوط الجمع بين غسل الاطراف و المسح

علي الخرقة الموضوعة و التيمم.

و ملخص الكلام: أن وضع الخرقة المعدة جزءا يمكن أن يكون مقدمة للواجب فيجب.

و الذي يختلج بالبال: أن الماتن ناظر الي أن المستفاد من بعض النصوص كفاية غسل ما حول الجرح المكشوف و حيث ان الجبيرة لنجاستها غير قابلة للمسح عليها فتكون وجودها كالعدم فيكفي غسل ما حولها.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 451

و ان كانت أزيد من مقدار الجرح و لم يمكن رفعها و غسل ما حول الجرح تعين التيمم علي الاظهر اذا لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم (1).

و الا جمع بين الوضوء و التيمم (2).

______________________________

(1) لا يبعد أن يكون الفارق في نظر الماتن بين الصورتين أنه لو لم تكن الجبيرة أزيد من مقدار الجرح يكفي غسل ما حوله و المفروض حصوله و لذا احتاط بوضع الخرقة الطاهرة و المسح عليها و أما في صورة كونها أزيد حيث لا دليل علي كفاية غسل الاطراف و لا دليل علي كفاية مسح الخرقة الموضوعة تصل النوبة الي التيمم.

و لكن الظاهر: أن الميزان- كما ذكرنا- كون الخرقة الموضوعة معدودة منها و عدمه فعلي الاول يلزم وضعها و المسح عليها و علي الثاني يتعين التيمم اذ المفروض أن دليل الجبيرة لا يشملها فتصل النوبة الي البدل و هو التيمم.

(2) لا يبعد أن يكون الوجه في التفريق بين كون الجبيرة في مواضع التيمم و عدمه أنه لو لم تكن في مواضعه وصلت النوبة الي التيمم بناء علي نظر الماتن حيث يري عدم شمول دليل الجبيرة للصورة المذكورة بلا اشكال و أما لو كانت في مواضعه فالامر يدور بين وجوب المسح علي الجبيرة و التيمم و مقتضي العلم الإجمالي الاتيان بأطرافه.

و بعبارة اخري: نعلم بأن الصلاة

واجبة بلا اشكال و لا صلاة الا بطهور و شرط كل من الطهارة المائية و الترابية مفقود لوجود الجبيرة في المحل.

و لكن لم يظهر لي وجه التفصيل بين الصورتين بالجزم بوجوب التيمم في إحداهما و الاحتياط في الاخري فانه قد صرح في فصل التيمم بأنه اذا كان علي

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 452

[مسألة 74: يجري حكم الجبيرة في الأغسال غير غسل الميت]

(مسألة 74): يجري حكم الجبيرة في الاغسال (1) غير غسل الميت (2). كما كان يجري في الوضوء، و لكنه يختلف عنه بأن المانع عن الغسل اذا كان قرحا أو جرحا تخير المكلف بين الغسل و التيمم (3) و اذ اختار الغسل فالاحوط أن يضع خرقة علي موضع القرح او الجرح و يمسح عليها (4).

______________________________

الممسوح حائل لا تمكن ازالته مسح عليه و عليه لا بد من تعينه حيث يري عدم شمول دليل مسح الجبيرة للمورد فتصل النوبة الي البدل و اللّه العالم.

(1) نقل عليه الاجماع عن المنتهي و غيره و يدل عليه ما رواه ابن الحجاج «1» و مثله العلوي «2».

(2) لقصور الادلة عن الشمول و المستفاد من جملة من النصوص أنه مع تعذر الغسل تصل النوبة الي التيمم و تفصيل الكلام موكول الي ذلك الباب فانتظر.

(3) لا يبعد أن يكون ناظرا فيما أفاده من التخيير الي ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب قال: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم «3» فان المستفاد منه كون المكلف مخيرا بين الغسل و التيمم اذا كان به جرح أو قرح فلاحظ.

و الانصاف: أنه لا بأس بهذا البيان.

(4) فان الاحتياط طريق النجاة و اللّه يحب المتقين.

______________________________

(1) لاحظ ص: 445.

(2) لاحظ ص 444.

(3) الوسائل الباب

5 من أبواب التيمم الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 453

و ان كان الاظهر جواز الاجتزاء بغسل أطرافه (1) و أما اذا كان المانع كسرا فان كان محل الكسر مجبورا تعين عليه الاغتسال مع المسح علي الجبيرة (2) و أما اذا كان المحل مكشوفا.

______________________________

و لا يخفي ان هذا فيما يكون الجرح مكشوفا كما لعله الظاهر من العبارة و أما اذا كان مستورا فمقتضي القاعدة وجوب المسح علي الساتر كما يستفاد من رواية الحلبي «1».

لا يقال: الحكم المذكور في رواية الحلبي مخصوص بالوضوء فانه يقال:

فما الوجه في الزامه المسح علي الجبيرة اذا كان المانع كسرا و كان المحل مجبورا فالتفريق بين الموردين بلا وجه و بعبارة اخري لم يذكر في الرواية المسح علي الجبيرة بالنسبة الي الغسل و الوجه في التسرية أن المستفاد من مجموع النصوص اتحاد الحكم فيهما و اللّه العالم.

(1) لعدم الدليل علي وجوب وضع الخرقة و المسح عليها.

(2) لم أظفر علي دليل معتبر عليه أما حديث ابن الحجاج «2» فلا تعرض فيه للمسح علي الجبيرة و أما حديث الحلبي «3» فالمذكور فيه الوضوء و بيان بعض احكامه و أما حديث الاسدي «4» فضعيف به اذ هو لم يوثق و أما حديث العياشي «5» فضعيف بحسن بن زيد فالحكم مبني علي الاحتياط.

______________________________

(1) لاحظ ص: 443.

(2) لاحظ ص 445.

(3) لاحظ ص 443.

(4) لاحظ ص: 444.

(5) لاحظ ص: 444.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 454

أو لم يتمكن من المسح علي الجبيرة تعين عليه التيمم (1).

[مسألة 75: لو كانت الجبيرة علي العضو الماسح مسح ببلتها]

(مسألة 75): لو كانت الجبيرة علي العضو الماسح مسح ببلتها (2).

[مسألة 76: الأرمد ان كان يضره استعمال الماء تيمم]

(مسألة 76): الارمد ان كان يضره استعمال الماء تيمم (3).

______________________________

الا أن يقال: ان المستفاد من مجموع النصوص اتحاد الحكم بينهما كما تقدم آنفا.

(1) اذ لا دليل علي غسل أطرافه و قد مر أن الماتن لا يري وجوب وضع الخرقة علي الجبيرة و المسح عليها فمع كون المحل مكشوفا أولا يمكن المسح عليها لنجاستها مثلا يتعين التيمم.

لكن قد مر أن وضع الخرقة بحيث تعد جزءا منها شرط للواجب فيجب نعم اذا لم تعد جزءا منها أمكن القول بتعين التيمم لعدم دليل علي مسح الجبيرة في مفروض الكلام كما أنه لو كان المحل مكشوفا كان التيمم متعينا لعدم الدليل علي كفاية غسل ما حوله و المسح علي الجبيرة يتوقف علي وجودها.

و بعبارة اخري: موضوع المسح علي الجبيرة وجودها فهي شرط للوجوب و لا دليل علي أزيد من هذا المقدار.

(2) اذ المسح يلزم أن يكون ببلة ماء الوضوء كما تقدم.

(3) و الوجه فيه ظاهر اذ المفروض أن الماء يضره فتصل النوبة الي التكليف العذري و هو التيمم.

و لا يخفي أن هذا انما يتم علي تقدير حرمة الاضرار أو نلتزم بمقالة المشهور في قاعدة الضرر حيث لا يجب الوضوء بلا كلام اللهم الا أن يكون حرجيا فيرتفع الوجوب بالحرج فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 455

و ان أمكن غسل ما حول العين فالاحوط استحبابا له الجمع بين الوضوء و التيمم (1).

[مسألة 77: اذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت أجزأ وضوئه]

(مسألة 77): اذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت أجزأ وضوئه سواء برئ في أثناء الوضوء أم بعده قبل الصلاة أم في أثنائها أم بعدها (2) و لا تجب عليه اعادته لغير ذات الوقت اذا كانت موسعة كالصلوات الآتية (3).

______________________________

(1) الوجه في عدم الجزم أن دليل غسل ما حول

الجرح لا يشمل المقام فان الرمد ليس جرحا بل عبارة عن هيجان العين فلا وجه للتعدي لكن الاحتياط حسن علي كل حال.

(2) و الوجه فيه ظاهر اذ في الصور المفروضة يتعين الوضوء بهذا النحو فلا وجه للفساد.

و بعبارة اخري: يكون الاجزاء علي القاعدة فان المأمور به قد أتي به و الاجزاء عقلي.

(3) قد وقع الكلام بينهم في أن الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث أم مبيح؟

و قد أفتي السيد اليزدي في العروة بالاول و قد أمضاه جملة من المحشين منهم الماتن كما اختاره هنا.

و الظاهر أن الامر كذلك اذ المستفاد من نصوص الباب أن الوضوء مع الجبيرة مع تحقق موضوعه هو الوضوء التام في ظرفه فالاثر المترتب علي الاصل يترتب علي بدله.

و نقل عن جملة من الاساطين الذهاب الي خلاف هذا القول فانه نقل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 456

أما لو برئ في السعة فالاحوط وجوبا- ان لم يكن أقوي- الاعادة في جميع الصور المتقدمة (1).

______________________________

الخلاف عن المبسوط، و المعتبر، و الايضاح، و شرح المفاتيح و أنه مبيح بدعوي قصور النصوص عن اثبات الرافعية.

و قد قرب سيد المستمسك كونه رافعا ناقصا فانه يتصور ثبوتا كونه رافعا تاما و رافعا ناقصا، و مبيحا بتقريب: أن الجمع بين أدلة الحكم الاختياري و أدلة الحكم الاضطراري يقتضي بدلية الناقص عن التام مع بقاء الملاك التام فلا يكون الاضطرار كالسفر و الحضر و لذا لا يجوز للمكلف ايقاع نفسه في العذر هذا ملخص كلامه.

و لكن يرد عليه: أولا: أنه أمضي ما أفاده سيد العروة فكيف الجمع بين ما أفاده في المقام و بين امضائه فتوي صاحب العروة.

و ثانيا: أن ما أفاده و ان كان أمرا ممكنا ثبوتا لكنه خلاف الدليل الموجود

في المقام فان المستفاد- كما تقدم- أن الوضوء مع الجبيرة بعينه هو الوضوء التام و يترتب عليه ما يترتب علي العمل الاختياري و لذا أفتوا بأنه لا فرق بين حدوث الجرح أو الكسر بلا اختيار و معه عصيانا في أن الواجب الوضوء مع الجبيرة و الوجه فيه كون العمل الناقص قائما مقام التام في حال العذر فلاحظ.

(1) و الوجه فيه: أن البدار عند الاضطرار لا يجوز الا بلحاظ الاصل أي الاستصحاب الاستقبالي فيكون مقتضاه حكما ظاهريا و الحكم الظاهري لا يجزئ كما هو المقرر في محله.

و الحاصل: أن المستفاد من دليل الاضطرار ترتب الحكم عند حصوله

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 457

[مسألة 78: اذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها]

(مسألة 78): اذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها (1).

[مسألة 79: اذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة]

(مسألة 79): اذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة فان كان بالمقدار المتعارف مسح عليها (2).

و ان كان أزيد من المقدار المتعارف فان أمكن رفعها، رفعها و غسل المقدار الصحيح، ثم وضعها و مسح عليها (3) و ان لم يمكن ذلك وجب عليه التيمم ان لم تكن الجبيرة في مواضعه (4).

______________________________

و تحققه و من الظاهر أنه مع عدم الاستيعاب لا يكون الموضوع متحققا.

فالحق ما أفاده من أن الاعادة واجبة و اللّه العالم.

(1) فانه علي طبق القاعدة الاولية اذ المستفاد من دليل الجبيرة غسل ما ليس عليه الجبيرة و مسحها لاحظ خبر ابن الحجاج «1».

(2) لإطلاق الادلة.

(3) فان القاعدة الاولية تقتضيه كما هو ظاهر.

(4) تارة يتضرر الجرح أو الكسر برفع الجبيرة، و اخري لا يتضرر بالرفع بل يتضرر بغسل أطرافه، فعلي الاول الامر كما أفاده فانه لا وجه للمسح علي الجبيرة.

و لكن للإشكال مجال واسع فان المستفاد من حديث ابن الحجاج «2» جواز المسح علي الجبيرة و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المتعارف و غيره و لا وجه لانصراف المطلق الي صورة التعارف و علي الثاني يتعين التيمم كما في المتن.

______________________________

(1) لاحظ ص: 445.

(2) لاحظ ص: 445.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 458

و الا جمع بين الوضوء و التيمم (1).

[مسألة 80: في الجرح المكشوف اذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا أن يغسل ما يمكن من أطرافه، ثم وضعه]

(مسألة 80): في الجرح المكشوف اذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا أن يغسل ما يمكن من أطرافه، ثم وضعه (2).

[مسأله 81: اذا أضر الماء بأطراف الجرح بالمقدار المتعارف يكفي المسح علي الجبيرة]

(مسأله 81): اذا أضر الماء بأطراف الجرح بالمقدار المتعارف يكفي المسح علي الجبيرة (3)، و الاحوط وجوبا ضم التيمم اذا كانت الاطراف المتضررة أزيد من المتعارف (4).

______________________________

(1) للعلم الإجمالي بوجوب أحد الامرين. و يشكل الامر كما قلنا سابقا بأن دليل التيمم ان كان قاصرا عن شمول مورد يكون علي مواضعه مانع فلا بد اما من الحكم بجواز الصلاة بلا طهارة و اما بسقوط الوجوب رأسا.

الا أن يقال: بأن الصلاة لا تسقط قطعا و الصلاة لا تتحقق الا بطهور و هذا منشأ للعلم الإجمالي بوجوب أحد الامرين المذكورين.

(2) اذ في غير هذه الصورة لا يحصل المطلوب و هو غسل أطراف الجرح كما في حديث الحلبي «1».

(3) كما يدل عليه حديث ابن الحجاج «2».

(4) الظاهر أن مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المتعارف و غيره فلا وجه لإيجاب الاحتياط.

و لكن الانصاف أن في النفس شيئا فانه لا يبعد انصراف الدليل و جوابه عليه السلام بعد سؤال الراوي الي المتعارف الخارجي.

______________________________

(1) لاحظ ص 443.

(2) لاحظ ص 445.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 459

[مسألة 82: اذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء]

(مسألة 82): اذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء، لكن كان بحيث يضره استعمال الماء في مواضعه فالمتعين التيمم (1).

[مسألة 83: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره علي وجه العصيان، أم لا]

(مسألة 83): لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره علي وجه العصيان، أم لا (2).

[مسألة 84: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنها]

(مسألة 84): اذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضره نجاسة باطنها (3).

[مسألة 85: محل الفصد داخل في الجروح]

(مسألة 85): محل الفصد داخل في الجروح، فلو كان غسله مضرا يكفي المسح علي الوصلة التي عليه ان لم تكن ازيد من المتعارف و الا حلها و غسل المقدار الزائد ثم شدها (4) و أما اذا لم يمكن غسل المحل لا من جهة الضرر بل لأمر آخر كعدم انقطاع الدم مثلا فلا بد من التيمم و لا يجري عليه حكم الجبيرة (5).

______________________________

(1) الامر كما أفاده فان المقتضي قاصر اذ عدم شمول دليل الجبيرة للمفروض في الكلام من الواضحات.

(2) لإطلاق دليل الجبيرة فانه لآتنا في بين حرمة ايجاد الموضوع و شمول دليل الاضطرار و لذا لا اشكال في أنه لو أراق المكلف الماء و اضطر الي التيمم يشمله دليله مع عصيانه في الاراقة.

(3) اذ لا مقتضي للفساد و المنع و اطلاق الدليل يقتضي الصحة.

(4) اذ هو من أفراد الجرح فيشمله اطلاق الدليل.

(5) لعدم الدليل و لا يستفاد من الادلة ازيد من هذا المقدار.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 460

[مسألة 86: اذا كان ما علي الجرح من الجبيرة مغصوبا]

(مسألة 86): اذا كان ما علي الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه و تبديله (1).

و ان كان ظاهره مباحا و باطنه مغصوبا فان لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه فلا يضر و الا بطل (2).

[مسألة 87: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه]

(مسألة 87): لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه فلو كانت حريرا أو ذهبا أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها أو غصبيتها (3).

[مسألة 88: ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة]

(مسألة 88): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة و ان احتمل البرء (4) و اذا ظن البرء و زال الخوف وجب رفعها (5).

[مسألة 89: اذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن كان موجبا لفوات الوقت]

(مسألة 89): اذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحل لكن

______________________________

(1) اذ لا يمكن أن يكون الحرام مصداقا للعبادة فلا بد من التبديل.

(2) اذ مع عدم التصرف في المغصوب لا وجه للبطلان و أما معه فالبطلان علي القاعدة كما ذكرنا.

(3) لعدم وجه للإشكال و مقتضي الاطلاق هو الجواز.

(4) فانه مقتضي الاصل و كون الخوف طريقا الي بقاء الضرر و يؤيده حديث كليب «1».

(5) لا يبعد أن يكون المراد حصول الظن الاطميناني بعدم الضرر اذ مع عدم الخوف كيف يتحقق الظن الا مع الاطمينان بالبرء و الا يشكل وجوب الرفع مع احتمال بقاء الضرر.

______________________________

(1) لاحظ ص: 444.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 461

كان موجبا لفوات الوقت فالاظهر العدول الي التيمم (1).

[مسألة 90: الدواء الموضوع علي الجرح و نحوه اذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد و لم يمكن رفعه بعد البرء]

(مسألة 90): الدواء الموضوع علي الجرح و نحوه اذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد و لم يمكن رفعه بعد البرء بان كان مستلزما لجرح المحل، و خروج الدم فلا يجري عليه حكم الجبيرة بل تنتقل الوظيفة الي التيمم (2).

[مسألة 91: اذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره]

(مسألة 91): اذا كان العضو صحيحا لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره لا يجري عليه حكم الجرح بل يتعين التيمم (3).

[مسألة 92: لا يلزم تخفيف ما علي الجرح من الجبيرة ان كانت علي المتعارف]

(مسألة 92) لا يلزم تخفيف ما علي الجرح من الجبيرة ان كانت علي المتعارف (4).

كما أنه لا يجوز وضع شي ء آخر عليها مع عدم الحاجة الا ان يحسب جزءا منها بعد الوضع (5).

______________________________

(1) الامر كما افاده اذ دليل الجبيرة لا يشمل محل الكلام فان المفروض برء المحل و عدم تضرره بالماء فلا وجه للجبيرة.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 461

(2) لخروجه عن موضوع حكم الجبيرة كما يظهر بالتأمل.

(3) فانه ظاهر اذ المفروض أنه ليس جرحا و لا كسرا و بانتفاء الموضوع ينتفي الحكم كما هو المقرر.

(4) اذ حكم الجبيرة مترتب علي المتعارف الخارجي و لا مقتضي للزوم التخفيف و ان شئت قلت: مقتضي الاطلاق عدم الوجوب.

(5) فانه مع عده جزءا منها يكون من أجزاء الموضوع و أما مع عدم العد

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 462

[مسألة 93: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث و كذلك الغسل]

(مسألة 93): الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث و كذلك الغسل (1).

______________________________

يكون شيئا أجنبيا و لا دليل علي كفاية المسح عليه فلاحظ.

(1) فانه مقتضي ظاهر أدلتها اذ الظاهر من الادلة أن الوضوء بهذا النحو قائم مقام الوضوء الاصلي و لا وجه للقول بأنه رافع موقت- كما في كلام سيد المستمسك- و لا منافاة بين كونه رافعا علي الاطلاق و بين عدم جواز ادخال المكلف نفسه في الموضوع.

و بعبارة اخري: يمكن أن يقال بأن العمل الاضطراري ليس كالاختياري بالوفاء بتمام المقصود و لذا لا يجوز للمكلف ادخال نفسه في الاضطرار و ليس الاضطرار و الاختيار كالسفر و الحضر بحيث يكون كل منهما موضوعا علي حدة و يكون جائزا للمكلف اختيار أي منهما و لكن

مع ذلك كله لا منافاة بينه و بين كون الوضوء ناقصا و رافعا للحدث اذ من الممكن عدم امكان تحصيل الملاك ما دام الفعل الاضطراري باقيا.

الا أن يقال: بأن مقتضي القاعدة وجوب نقضه و تحصيل الطهارة التامة بالاتيان بالفعل الاختياري.

نعم يمكن أن يقال: بأنه لا دليل علي أن كل فعل اضطراري قائم مقام الاختياري لا يكون وافيا بتمام الغرض فانه من الممكن عدم الفرق بينهما من حيث الاثر غاية الامر الفعل الاضطراري لا يكون مؤثرا الا في ظرفه و هو الاضطرار فلا مانع من الالتزام بكونه رافعا علي الاطلاق و يترتب عليه أنه لا يجب التجديد للصلوات الآتية و غيرها مما هو مشروط بالطهارة.

و صفوة القول: ان المستفاد من أدلة الجبيرة كونها في عرض الوضوء من

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 463

[مسألة 94: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت برجاء استمرار العذر]

(مسألة 94): يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت برجاء استمرار العذر (1) فاذا انكشف ارتفاعه في الوقت أعاد الوضوء و الصلاة (2).

[مسألة 95: اذا اعتقد الضرر في غسل البشرة لاعتقاده الكسر مثلا فعمل بالجبيرة ثم تبين عدم الكسر في الواقع]

(مسألة 95): اذا اعتقد الضرر في غسل البشرة لاعتقاده الكسر مثلا فعمل بالجبيرة ثم تبين عدم الكسر في الواقع لم يصح الوضوء و لا الغسل (3) و أما اذا تحقق الكسر فجبره، و اعتقد الضرر فغسله فمسح علي الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه و غسله (4 و اذا اعتقد عدم الضرر فغسل، ثم تبين أنه كان مضرا و كان وظيفته الجبيرة صح وضوئه و غسله (5) الا اذا كان الضرر ضررا كان تحمله

______________________________

حيث الاثر فلا وجه لرفع اليد عنها لكن لازم هذا القول جواز ادخال المكلف نفسه في ذوي الجبائر اذ بناء علي ذكرنا يكون المقام من اختلاف الحكم باختلاف الموضوع كالحاضر و المسافر في باب الصلاة فلاحظ.

(1) للاستصحاب الاستقبالي.

(2) لعدم دليل علي الاجزاء فتجب الاعادة.

(3) لعدم دليل علي الصحة و مقتضي القاعدة الفساد لعدم تحقق الموضوع.

(4) الذي يستفاد من رواية الحلبي «1» أن الموضوع لجواز الجبيرة الضرر الواقعي و عليه يشكل ما افاده فان اعتقاد الضرر طريق الي احراز الواقع و ليس له موضوعية.

(5) اذ المفروض أن الوضوء اتي به بعنوان القربة و من الظاهر أن جواز

______________________________

(1) لاحظ ص: 443.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 464

حراما شرعا (1).

و كذلك يصحان لو اعتقد الضرر، و لكن ترك الجبيرة و توضأ أو اغتسل، ثم تبين عدم الضرر و ان وظيفته غسل البشرة و لكن الصحة في هذه الصورة تتوقف علي امكان قصد القربة (2).

[مسألة 96: في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الاحوط وجوبا الجمع بينهما]

(مسألة 96): في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الاحوط وجوبا الجمع بينهما (3).

______________________________

الجبيرة ارفاق علي المكلف و الا فالغسل محبوب للمولي فلا قصور في حصول الامتثال.

(1) الظاهر أنه لا وجه لهذا الاستثناء اذ مع اعتقاد

عدم الضرر لا يعقل تعلق النهي بالغسل فانه ليس في مثله قابلية الزجر لمكان القطع و الاعتقاد.

الا أن يقال: بأن المبغوضية أعم من النهي اي يمكن ان يكون فعل مبغوضا و لا يكون منهيا عنه و المانع عن الصحة هي المبغوضية.

لكن يرد عليه أولا: أن الماتن فصل في الوضوء بالماء المغصوب بين صورة الجهل بالغصبية و الغفلة عنها فحكم بالفساد في الاولي و بالصحة في الثانية.

و ثانيا: أن الجزم بالمحبوبية و المبغوضية في الموضوعات الشرعية و متعلقات أوامر الشارع و نواهيها في غاية الاشكال و الذي لا يقبل الانكار الامر و النهي و هما المدار فلاحظ.

(2) اذ لا قصور في الفعل و يكون قابلا للتقرب به من اللّه و المفروض أنه قصد القربة فلا وجه للفساد.

(3) للعلم الإجمالي، لكن لقائل أن يقول: بأن الشبهة اما موضوعية و اما

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 465

[الفصل الثالث في شرائط الوضوء]

اشارة

الفصل الثالث في شرائط الوضوء

[منها: طهارة الماء]

منها: طهارة الماء (1).

______________________________

حكمية أما في الشبهة الموضوعية فيمكن احراز الموضوع بالاصل فلا يبقي مجال للاحتياط.

و أما في الشبهة الحكمية فاما تكون الشبهة قبل الفحص و اما تكون بعده أما الشبهة بعد الفحص فأيضا لا مجال للاحتياط اذ الادلة اما تفي بوجوب الجبيرة و اما لا تفي أما علي الاول فيجب الوضوء الجبيري و أما علي الثاني فيجب التيمم و أما الشبهة قبل الفحص فالمورد مورد الاحتياط بالجمع بين الاطراف.

(1) هذا من الواضحات و ادعي عليه الاجماع بل يمكن أن يقال: انه ضروري في الجملة و تدل عليه جملة من النصوص و لا يبعد أن يقال: بأنها متواترة: منها:

ما رواه حريز «1» و منها ما رواه أبو خالد القماط «2» و منها ما رواه أبو بصير «3» و منها ما رواه علي بن جعفر «4» و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان «5» و منها ما رواه سماعة «6».

و منها ما رواه سماعة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل معه اناء ان

______________________________

(1) لاحظ ص 143.

(2) لاحظ ص: 147.

(3) لاحظ ص: 147.

(4) لاحظ ص: 139.

(5) لاحظ في ص: 146.

(6) لاحظ ص 146.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 466

و اطلاقه (1) و اباحته (2).

______________________________

وقع في أحدهما قذر و لا يدري أيهما هو، و ليس يقدر علي ماء غيرهما قال:

يهريقهما و يتيمم «1» الي غيرها من الروايات الواردة في الابواب المختلفة.

(1) قد مر في بحث المضاف أن الماء المضاف لا يرفع حدثا و لا خبثا فراجع.

(2) قال سيد المستمسك قدس سره: «قد استفاض نقل الاجماع علي اعتبار اباحة ماء الوضوء في الجملة».

و هذا أمر علي القاعدة اذ بعد فرض كون

التصرف في الماء حراما كيف يمكن أن يقع مصداقا للعبادة.

ثم انه لا يخفي: أن فساد الوضوء بالماء المغصوب غير متبن علي مسألة جواز اجتماع الامر و النهي و استحالته، و نسب الي الكليني: جواز التوضؤ بالماء المغصوب و لعل وجه الجواز في نظره، جواز اجتماع الامر و النهي.

و الوجه في عدم الابتناء: أن مسألة الاجتماع تتحقق فيما يكون عنوانان تعلق الامر بأحدهما و النهي بالاخر كالغصب و الصلاة فيقع الكلام في أن العنوانين موجود ان بوجود واحد حقيقة كي يكون متعلق الوجوب و الحرمة أمرا واحدا أو أن متعلق أحدهما غير متعلق الاخر.

و بعبارة اخري: أنه موجود واحد بالاشارة و لكن في الحقيقة أمران قد انضم أحدهما الي الاخر.

و ان شئت فعبر بأن النزاع في أن التركيب اتحادي أو انضمامي فلا يجوز علي الاول و يجوز علي الثاني و أما في المقام فالامر متعلق بالغسل، و الغسل

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 467

و عدم استعماله في التطهير من الخبث، بل و لا في رفع الحدث الاكبر علي الاحوط استحبابا علي ما تقدم (1) و منها طهارة أعضاء الوضوء (2).

______________________________

بعينه متعلق للنهي لكونه غصبا.

و بتعبير آخر: لا اشكال في أن ما تعلق به النهي عين ما تعلق به الامر فلا يمكن الالتزام بكونه حراما و مقربا مصداقا للمأمور به.

و لا يبعد أن يقال: بأن مقتضي الفهم العرفي في أمثال المقام تقديم النهي و تقييد دليل الامر به بأن يقال: ان النهي حيث انه انحلالي يقتضي حرمة كل تصرف و منه الغسل و بعد تعلق النهي بالفرد تقيد طبيعة المأمور به بغيره بلا فرق بين كون الماء منحصرا به

و عدمه فلاحظ.

(1) و قد تقدم الكلام في الماء المستعمل مفصلا فراجع.

(2) اعتبار الطهارة في مواضع الوضوء و ان نسب الي المشهور الا أنه لم ينص عليه في الروايات و من هنا وقع الكلام في مدرك الحكم.

و ما يمكن أن يستدل به أو استدل وجوه.

الاول: أنه يستفاد مما ورد في غسل الجنابة من لزوم غسل الفرج أولا ثم الشروع في الاغتسال و هي عدة روايات.

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك الحديث «1».

و منها ما رواه زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب؟ فقال: ان لم يكن

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 468

______________________________

أصاب كفه شي ء غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف الحديث «1» بأن يقال: لا وجه لغسل الفرج الا اشتراط الطهارة في المحل و لا فرق بين الغسل و الوضوء.

و فيه: أولا: أنه في الغسل محل الكلام فكيف بالمقام.

و ثانيا: القياس باطل فلا وجه لإسراء الحكم الي مقامنا.

الثاني أن الماء بملاقاته للمحل ينفعل «2» و قد مر اشتراط الطهارة في ماء الوضوء.

و فيه: أن هذا الدليل أخص من المدعي و لا يمكن أن يكون وجها له علي نحو الاطلاق اذ لو توضأ بالماء العاصم كماء المطر أو ارتمس في الكر لم يتم الدليل.

و أيضا لو توضأ بالماء القليل لكان القول باعتبار طهارة المحل متوقفا علي نجاسة الغسالة بمجرد الملاقاة مع المتنجس اذ لو قلنا بعدم انفعال القليل بالملاقاة أو قلنا بطهارة الغسالة علي الاطلاق أو بطهارتها في الغسلة المطهرة أو بنجاستها بعد الانفصال لم يكن وجه للاشتراط من هذه الناحية

غلي نحو الاطلاق بل لا بد من التفصيل فهذا الوجه كما تقدم ليس مقتضيا للقول بالاشتراط مطلقا و كما ذكرنا انه أخص من المدعي.

الثالث: أن اصالة عدم التداخل تقتضي هذا الاشتراط فانه يجب الغسل لأجل الوضوء كما أنه يجب غسل المحل النجس فلا بد من غسله أولا لتحصيل الطهارة ثم غسله لأجل الوضوء و أما رفع كلا الامرين بغسل واحد فهو علي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 469

______________________________

خلاف قاعدة عدم التداخل.

و هذا الوجه أيضا غير تام اذ مسألة التداخل تتصور فيما يكون أمران مولويان من قبل المولي كما في كفارتي الافطار في شهر رمضان و الحنث مثلا فيقع الكلام في أنه هل يمكن امتثال كلا التكليفين بفعل واحد و يجوز الالتزام بالتداخل أم لا؟

و أما في المقام و أمثاله من كون أحد الامرين ارشاديا فلا مجال لهذا النزاع فان المستفاد من الامر بالغسل نجاسة ما امر بغسله.

و بعبارة اخري: ان المولي يرشد الي النجاسة و الي أن الغسل يرفعها و هذا لا يرتبط بفعل المكلف بل الغسل بأي نحو كان يوجد يترتب عليه الطهارة فاذا غسل المكلف أعضاء الوضوء لأجله يحصل الامتثال و يطهر المحل لأجل تحقق الغسل و اشتراط طهارة المحل قبل الوضوء يحتاج الي الدليل.

اضف الي ذلك: انه اذ اقصد الغسل الوضوئي فباي دليل لا يحصل الامتثال اذ غاية ما في الباب بقاء النجاسة علي المحل فان الاشتراط يحتاج الي دليل و هذا الدليل غير كاف لإثباته.

الرابع: ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ألا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقلنا بلي فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه

بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني ثم قال: هكذا اذا كانت الكف طاهرة «1».

فان المستفاد من هذه الرواية كما ذكرناه في بحث الماء المستعمل في الخبث أنه لا يجوز الوضوء به اذ يفهم منها: أن اليد اذا لم تكن طاهرة لم يكن الوضوء

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 470

[و منها: اباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل]
اشارة

و منها: اباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل علي الاحوط وجوبا (1).

و الاظهر عدم اعتبار اباحة الاناء الذي يتوضأ منه مع عدم الانحصار به (2).

______________________________

صحيحا و لذا نلتزم بعدم الجواز و لو مع عدم الالتزام بنجاسة الغسالة.

و الظاهر أن هذا الاستدلال متين الا أن يقال: بأن المستفاد من الرواية أن الوضوء لا يجوز بماء الغسالة بأن يصدق عليه ماء الغسالة و يقع عنوان التوضي منه بعد صدق العنوان.

و بعبارة اخري: يكون بين الامرين ترتب زماني و أما في المقام يكون تحقق العنوانين بنحو التقارن فلا تكون الرواية دليلا علي حكم المقام.

(1) الوجه في هذا الاشتراط أن الفضاء اذا كان غصبا يكون الغسل المأمور به تصرفا فيه لان الغسل عبارة عن امرار الماء علي العضو و يمكن أن يكون الوجه في عدم جزم الماتن أن هذا النحو من التصرف لا يعد تصرفا في الغصب في نظر العرف.

و لا أنسي أن سيدنا الاستاد كان يقول: بأنه لو نفخ أحد في فضاء دار غيره هل يمكن أن يقال: بأنه فعل محرما؟.

و يمكن أن يكون الوجه في عدم الجزم أن المأمور به وصول الماء الي المحل و امرار اليد مقدمة له و حرمة المقدمة لا تسري الي ذيها و هذا الوجه يشكل اذ الغسل مأمور به و هو

لا يتحقق الا بالإمرار فتأمل.

و يمكن أن يكون الوجه فيه: أن في المقام قولا بالاشتراط.

(2) و الوجه فيه: أنه لا يرتبط متعلق النهي بما تعلق به الامر و ليس للمكلف محذور من الامتثال مع فرض عدم الانحصار فانه بسوء اختياره اختار الطريقة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 471

بل مع الانحصار أيضا (1) و ان كانت الوظيفة مع الانحصار التيمم (2) لكن لو خالف و توضأ بماء مباح من اناء مغصوب اثم (3).

و صح وضوؤه (4).

______________________________

المحرمة.

و الحاصل: أنه لا وجه للبطلان و لا يصغي الي أن الوضوء من الاناء بهذا النحو استعمال للغصب اذ لا اشكال في أن الغسل الوضوئي بعد الاغتراف ليس تصرفا في الاناء.

(1) اذ لو عصي و اغترف من الاناء المغصوب لم يكن مانع من صحة وضوئه.

ان قلت: مع الانحصار لا يمكن توجيه التكليف الي المكلف و مع عدم التكليف كيف يمكن الحكم بالصحة و من أين يحرز الملاك.

قلت: أولا: لا ريب في كون الوضوء في هذا الحال واجد للملاك و عدم التكليف لأجل المانع و لذا لا يجوز لأحد اراقة الماء و الاتيان بالتيمم.

و ثانيا: لا نري مانعا من توجه التكليف الترتبي فان العاصي الذي يغترف الماء من الاناء تدريجا لا مانع من توجه التكليف بالوضوء اليه و لو بنحو الشرط المتأخر و بعبارة اخري العاصي الذي يأخذ الماء غرفة غرفة بالعصيان يطلب منه الطهارة المائية اذ اللازم القدرة علي الاتيان و يكفي في القدرة التدريجية منها و المفروض حصولها.

(2) و الوجه فيه: أن الوضوء غير مقدور للمكلف فان عدم القدرة شرعا كعدمها عقلا فتصل النوبة الي التيمم.

(3) اذ المفروض انه تصرف غصبي فيكون حراما و مرتكبه آثما.

(4) كما مر آنفا.

مباني منهاج الصالحين،

ج 1، ص: 472

من دون فرق بين الاغتراف منه دفعة أو تدريجا و الصب منه (1) نعم لا يصح الوضوء في الاناء المغصوب اذا كان بنحو الارتماس فيه (2) كما أن الاظهر ان حكم المصب اذا كان وضع الماء علي العضو مقدمة للوصول اليه، حكم الاناء مع الانحصار و عدمه (3).

[مسألة 97: يكفي طهارة كل عضو حين غسله]

(مسألة 97): يكفي طهارة كل عضو حين غسله و لا يلزم أن تكون جميع الاعضاء قبل الشروع طاهرة (4) فلو كانت نجسة و غسل

______________________________

(1) لاشتراك الجميع في حصول القدرة علي الامتثال و انما الاثم في المقدمة نعم لو اغترف دفعة يتعين عليه الوضوء و ليس له اختيار التيمم و أما مع التدريج فله أن ينصرف و يختار التيمم.

(2) بدعوي: أن الارتماس يوجب تموج الماء و تموج الماء علي السطح الداخل تصرف في المغصوب فيكون مصداق الحرام مصداقا للغسل الواجب و لا يمكن اجتماع الحرام و الواجب.

و لقائل أن يقول: بأن الارتماس سبب للتموج و حرمة المسبب لا تسري الي السبب.

و ان شئت قلت: المبغوض تموج الماء علي السطح الداخل و التموج ليس عين الغسل بل مسبب اللهم الا أن يقال: بان الارتماس في الاناء مع حصول التموج يعد تصرفا فيه عرفا و التصرف في الاناء حرام.

(3) لعين الملاك فلاحظ.

(4) لعدم الدليل عليه.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 473

كل عضو بعد تطهيره أو طهره بغسل الوضوء كفي (1) و لا يضر تنجس عضو بعد غسله و ان لم يتم الوضوء (2).

[مسألة 98: اذا توضأ من اناء الذهب أو الفضة بالاغتراف منه دفعة أو تدريجا أو بالصب منه]

(مسألة 98): اذا توضأ من اناء الذهب أو الفضة بالاغتراف منه دفعة أو تدريجا أو بالصب منه فصحة الوضوء لا تخلو من وجه من دون فرق بين صورتي الانحصار و عدمه (3).

______________________________

(1) و ملخص الكلام: الموجب للبطلان نجاسة ماء الوضوء و مع التحفظ علي هذا الامر لا يبقي اشكال و يحصل التطهير بالغسل الوضوئي بالوضوء من الماء العاصم أو القليل بشرط أن لا ينفعل الماء بمجرد الملاقاة كما لو قلنا: بأن النجاسة لا تتحقق الا بعد انفصال الغسالة.

و لنا أن نقول: لا يبعد القول بالصحة حتي

مع انفعال الماء بالملاقاة فان الضرورة و النصوص انما تقتضي طهارة الماء قبل الاستعمال و أما الانفعال الحاصل بالاستعمال فلا و لكن الالتزام به مشكل فانه خلاف اطلاق ما دل علي عدم جواز الوضوء بالماء النجس لكن الاشكال في وجود مثل هذا الاطلاق.

(2) لعدم الدليل.

(3) المدار علي صدق اطلاق عنوان الاستعمال علي الاغتراف فعلي فرض الصدق يحرم و علي فرض عدم الصدق يصح الوضوء فلا فرق بين صورة الانحصار و عدمه لعدم صدق عنوان المحرم علي كل تقدير.

و الظاهر أن الماتن لا يري صحة صدق الاستعمال و لا يري صدق الاطلاق فمال الي الجواز و لا اشكال في صورة الجزم بعدم الصدق و صورة الشك أما علي الاول فظاهر و أما علي الثاني فلجريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية علي ما اخترناه.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 474

و لو توضأ بالارتماس فيه فالصحة مشكلة (1) و منها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض أو عطش يخاف منه علي نفسه او علي نفس محترمة (2).

______________________________

(1) لصدق عنوان استعمال آنية الذهب أو الفضة.

(2) فان المستفاد من جملة من النصوص وصول النوبة الي التيمم في مفروض الكلام:

منها: ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه الا ماء قليل و يخاف ان هو اغتسل أن يعطش، قال:

ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتمم بالصعيد فان الصعيد أحب الي «1».

و منها: ما رواه محمد الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش، أ يغتسل به أو يتيمم؟

فقال: بل يتيمم و كذلك اذا اراد

الوضوء «2».

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّه عز و جل جعلهما طهورا: الماء و الصعيد «3».

و منها: ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه من الماء قدر ما يكفيه لشربه، أ يتيمم أو يتوضأ به؟ قال: يتيمم أفضل ألا تري أنه انما جعل عليه نصف الطهور؟ «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

(4) نفس مصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 475

نعم الظاهر صحة الوضوء مع المخالفة في فرض العطش (1).

______________________________

فانه يستفاد من هذه النصوص أن خوف العطش يسقط وجوب الوضوء كما انه لا يبعد أن يستفاد منها حكم صورة خوف الضرر.

و أيضا يستفاد حكم هذه الصورة من حديث يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص او سبع «1».

و يؤيد المدعي بل يدل عليه بعض ما ورد في الباب الخامس من أبواب التيمم من الوسائل لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب قال: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم «2».

(1) لا يبعد أن يكون نظر الماتن في التفريق بين الصورتين و الحكم بالصحة في الاولي الي أن المستفاد من قوله تعالي: «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضيٰ أَوْ عَليٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ

أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «3»» أن المريض وظيفته التيمم فلا يصح منه الوضوء و أما صورة خوف العطش فلا مانع من الصحة اذ لا يحرم تحمل العطش فان المقدار المعلوم جواز ترك الوضوء و الاتيان بالتيمم و أما الوجوب فلا.

لكن يرد عليه أن مقتضي جملة من النصوص خلاف ما أفاده لاحظ حديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمم الحديث: 5.

(3) المائدة: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 476

و لا سيما اذ أراق الماء علي أعلي جبهته و نوي الوضوء بعد ذلك بتحريك الماء من أعلي الوجه الي أسفله (1).

[مسألة 99: اذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء]

(مسألة 99): اذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء فان قصد أمر الصلاة الادائي و كان عالما بالضيق بطل (2).

و ان كان جاهلا به صح (3).

______________________________

ابن سنان «1» و محمد الحلبي 2 و سماعة 3 فان مقتضاها تعين التيمم و حمل النصوص علي مجرد الترخيص لا دليل عليه.

و القول بأن النهي الوارد في مورد توهم الوجوب أو الامر بالتيمم الوارد في مورد توهم الحظر لا يدل علي أزيد من الترخيص لا يمكن المساعدة عليه و لذا حكم الماتن في محل آخر بتعين التيمم و عدم جواز الوضوء بتقريب أن مقتضي الامر بالتيمم تعينه و وجوبه معينا عليه لا مخيرا.

و ملخص الكلام: أن المستفاد من النصوص التعين.

(1) يمكن أن يكون الوجه في الخصوصية انه بإراقة الماء علي أعلي الجبهة يتلف الماء فلا يبقي موضوع لإبقائه لرفع العطش فلا مانع من صحة الوضوء و لكن علي هذا الوجه يجب الوضوء لتحقق الوجدان و عدم المانع و اللّه العالم.

(2) اذ مع العلم

بالضيق يعلم بأنه لم يتوجه اليه تكليف بالوضوء من قبل الصلاة فيكون تشريعا محرما و لا يمكن تحقق عنوان العبادة.

(3) اذ يكفي في تحقق العبادة قابلية العمل لان يؤتي به بقصد القربة و يتحقق الإضاقة الي المولي بأي وجه كان و المفروض أن الوضوء محبوب نفسا عند

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) لاحظ ص 474.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 477

و ان قصد أمر غاية أخري- و لو كانت هي الكون علي الطهارة- صح حتي مع العلم بالضيق (1).

[مسألة 100: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم و العمد و الجهل و النسيان]

(مسألة 100) لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بين صورة العلم و العمد و الجهل و النسيان و كذلك الحال اذا كان الماء مغصوبا فانه يحكم ببطلان الوضوء به حتي مع الجهل (2).

نعم يصح الوضوء مع النسيان اذا لم يكن الناسي هو الغاصب (3).

______________________________

الماتن كما يأتي إن شاء اللّه تعالي فلو اضيف الي المولي كفي في صحته فلا تغفل.

(1) فان الامر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد الخاص فلا مانع من الصحة اذ الوضوء كما ذكرنا عمل قابل للإضافة و المفروض أنه اضيف فيصح.

(2) أما بالنسبة الي المضاف و النجس و الحائل فلا طلاق الدليل فان مقتضي دليل اشتراط الاطلاق و الطهارة و وصول الماء الي البشرة، عدم الفرق في البطلان بين الصور المذكورة و أما بالنسبة الي الغصب فلانه مع الجهل يلتفت المكلف أنه يمكن أن يكون الاستعمال حراما واقعا للغصبية و مع التوجه و الالتفات يكون الحكم الواقعي محفوظا فالنهي فعلي و لا يمكن التقرب بما يكون منهيا عنه من قبل المولي و ان شئت قلت: لا يمكن ان يكون مبغوض المولي محبوبا له.

(3) اذ مع النسيان لا

يكون الحكم الواقعي محفوظا فان الناسي ليس قابلا للتكليف لعدم امكان الانزجار منه ما دام ناسيا الا فيما يكون هو الغاصب فان النهي و ان لم يكن موجودا حين الغصب لكونه لغوا لكن حيث ان المكلف عصي و لا بد من أن يتحفظ كي لا ينسي يكون صدور الفعل منه مبغوضا فلا يكون قابلا لان يقع عبادة.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 478

[مسألة 101: إذا نسي غير الغاصب و توضأ بالماء المغصوب و التفت الي الغصبية في أثناء الوضوء]

(مسألة 101): اذا نسي غير الغاصب و توضأ بالماء المغصوب و التفت الي الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضي من أجزائه و يجب تحصيل الماء المباح للباقي (1). و لكن اذا التفت الي الغصبية بعد الغسلات و قبل المسح فجواز المسح بما بقي من الرطوبة لا يخلو من قوة (2).

______________________________

(1) أما الصحة فيما مضي فلفرض النسيان و أما لزوم تحصيل المباح للباقي فلان التصرف مع فرض الالتفات يكون حراما و لا يجتمع الحرام مع القربة.

(2) ربما يقال: بأن مثله لا يكون مالا و لا دليل علي حرمة التصرف في ملك الغير بل الدليل وارد في المال:

لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «1»، و مثل الماء في الوضوء لا يكون مالا فلا يحرم التصرف فيه.

لكن يرد عليه أن التصرف في ملك الغير بدون رضاه حرام لأنه عدوان.

و ربما يقال: بأن مثله يعد تالفا و لا تعتبر الملكية للتالف و بعد سلب الملكية لا مانع من التصرف و قد التزم سيدنا الاستاد بجواز العبور عن الشوارع المستحدثة

في املاك الناس بدعوي أن الدار المملوكة لزيد مثلا بعد الخراب و وقوعها في الشارع لا تنسب الي زيد و لا تعتبر ملكيتها له فان مثل هذا الاعتبار لغو

و الانصاف أن الاذعان بهذه الدعوي مشكل و الا يلزم أن يكون الخاتم المغصوب من زيد من قبل سلطان جائر الذي لا يرجي رجوعه من المباحات الاصلية فيجوز أخذه من الجائر لغير المالك فهل يمكن الالتزام به؟ الظاهر انه مستنكر

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 479

و ان كان الاحوط استحبابا اعادة الوضوء (1).

[مسألة 102: مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف]

(مسألة 102): مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف و يجري عليه حكم الغصب فلا بد من العلم باذن المالك و لو بالفحوي أو شاهد حال (2).

[مسألة 113: يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار المملوكة لأشخاص خاصة]

(مسألة 113): يجوز الوضوء و الشرب من الانهار الكبار المملوكة لأشخاص خاصة سواء كانت قنوات أو منشقة من شط و ان لم يعلم رضا المالكين و كذلك الاراضي الوسيعة جدا أو غير المحجبة فيجوز الوضوء و الجلوس و النوم و نحوها فيها ما لم ينه المالك أو علم بأن المالك صغير أو مجنون (3).

______________________________

عند المتشرعة بل عند العقلاء.

(1) فان الاحتياط حسن بلا اشكال.

(2) قد لا يكون لرضي المالك حالة سابقة، و اخري تكون أما علي الاول فمقتضي عدم رضاه و لو ببركة الاصل عدم جواز التصرف و أما علي الثاني فتارة تكون الحالة السابقة عدم الرضا و اخري تكون الحالة السابقة الرضا بالتصرف أما الصورة الاولي فلا اشكال في عدم جواز التصرف لاستصحاب بقائه و أما الصورة الثانية فتارة احرز رضاه بالتصرف علي الاطلاق و اخري احرز في الجملة أما في فرض احراز الاطلاق فيجوز التصرف لاستصحاب بقاء الرضا و أما الصورة الاخيرة فحكمها عدم الجواز أيضا اذ اللازم الاقتصار علي المقدار المعلوم و في غيره مما يشك في الرضا يؤخذ بالاستصحاب المقتضي لعدم الجواز فلاحظ.

(3) هذا منسوب الي ظاهر الاكثر- علي ما في بعض الكلمات- و ما قيل في هذا المقام أو يمكن أن يقال في وجه الجواز أمور:

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 480

______________________________

الاول: انصراف دليل الحرمة عن مثل هذه التصرفات و لذا لا اشكال بالاستظلال بجدار الغير و بالاستضاءة بناره.

و يرد عليه: أنه لا وجه للانصراف و جواز الاستظلال و الاستضاءة المذكور من باب التخصص

لا التخصيص اذ الاستظلال ليس تصرفا في مال الغير و كذلك الاستضاءة.

الثاني: أن ادلة عدم جواز التصرف تعارضها ادلة جواز الوضوء بالماء و شربه و لأجل المعارضة لا تشمل المقام.

و فيه: أولا: أنه لا معارضة بينهما فان ادلة احكام العناوين الاولية لا تعارض ادلة احكام العناوين الثانوية و لذا لا يتوهم أن دليل جواز اكل التفاح يكون معارضا لدليل وجوب العمل بالشرط فيما لو شرط أحد علي غيره في ضمن عقد بأن لا يأكل التفاح مثلا.

و ثانيا: سلمنا المعارضة لكن ما الوجه في تقديم هذه الادلة و بأي وجه لا نلتزم بسقوط المتعارضين.

الا أن يقال: بأن نتيجة التعارض وصول النوبة الي الاصل العملي و مقتضاه الجواز.

الثالث: ما نسب الي الكاشاني و غيره من الاستدلال بما رواه محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن ماء الوادي فقال: ان المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بمحمد بن سنان و عمل المشهور بها علي فرض

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب احياء الاموات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 481

[مسألة 104: الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها]

(مسألة 104): الحياض الواقعة في المساجد و المدارس اذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها أو الطلاب الساكنين فيها، أو عدم اختصاصها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها الا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع أحد، فانه يجوز الوضوء لغيرهم منها اذا كشفت العادة عن عموم الاذن (1).

[مسألة 105: اذا علم أن حوض المسجد وقف علي المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر]

(مسألة 105): اذا علم أن حوض المسجد وقف علي المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر (2).

______________________________

تحققه لا يجبر الضعف.

اضف الي ذلك: أنه لا يمكن الالتزام بهذا المفاد فيمكن حمل الخبر علي الحكم الادبي الاستحبابي كما يؤيده ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال: لا يحل منع الملح و النار «1».

الرابع: السيرة الجارية القطعية المتصلة بزمان المعصومين عليهم السلام و حيث ان السيرة لا لسان لها كي يتمسك باطلاقها أو عمومها، لا بد من الاقتصار علي المقدار المعلوم منها و الماتن يري أن السيرة بهذا المقدار أما مع النهي أو العلم بكون المالك صغيرا أو مجنونا فلا سيرة و أما مع الشك في الرضا أو الشك في صغر المالك أو جنونه فالسيرة جارية و اللّه العالم.

(1) قد تعرضنا لهذه المسألة في ضمن أحكام التخلي فراجع.

(2) فانه تصرف غير جائز و يبطل الوضوء بلا اشكال.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 482

و لو توضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر فالظاهر بطلان وضوئه (1)

و كذلك اذ توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد و لكنه لم يتمكن و كان يحتمل أنه لا يتمكن و أما اذا كان قاطعا بالتمكن ثم انكشف عدمه فالظاهر صحة وضوئه

و كذلك يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط (2) و لا يجب عليه أن يصلي فيه (3) و ان كان أحوط (4).

[مسألة 106: إذا دخل المكان الغصبي غفلة و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته]

(مسألة 106): اذا دخل المكان الغصبي غفلة و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته،

______________________________

(1) البداء لا مدخلية له في الصحة و الفساد بل الميزان في الصحة عدم فعلية النهي عن التصرف بأن يقطع حين الوضوء بأن يصلي في المسجد فانه يصح وضوئه قطعا اذ النهي لا يتعلق بالقاطع بعدمه فلا وجه للفساد و لكن لو احتمل أن لا يصلي و بعد ذلك لم يصل ينكشف عدم الصحة اذ المفروض أنه وقف لمن يتوضأ و يصلي بعده و مع هذا الاحتمال يكون التصرف حراما.

(2) قد ظهر الوجه فيما أفاده بتمامه.

(3) لعدم دليل عليه و لكن لا منافاة بين عدم وجوب الصلاة و بين تحقق الضمان فلو أتلف من ماء المسجد بمقدار يقدر بمقدار من المال كان المتلف ضامنا لقاعدة من أتلف.

(4) خروجا عن شبهة الخلاف.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 483

فالظاهر صحة وضوئه (1) و أما اذا دخل عصيانا و خرج و توضأ في حال الخروج فالحكم فيه هو الحكم فيما اذا توضأ حال الدخول (2)

[و منها النية]
اشارة

و منها النية (3).

______________________________

(1) اذ المفروض انه لم يدخل بسوء الاختيار فلا يكون خروجه منهيا عنه فليس تصرفه في الهواء و الفضاء غصبيا نعم لو اشترط كون المصب مباحا في صحة الوضوء يشكل الحكم بالصحة من هذه الجهة الا أن يتحقق الوضوء بنحو لا يصب علي الارض لكن أصل المبني فاسد فان حلية المصب ليست شرطا.

و يمكن الاشكال في الوضوء من جهة التصرف في الفضاء فان القدر الضروري من التصرف في الفضاء بمقدار الخروج و أما الزائد عليه فلا وجه للجواز و لكن قد مر أن صدق التصرف عرفا علي امرار الماء محل الاشكال و الكلام

مضافا الي أنه يمكن

أن يقال: بأن الوضوء لا يكون تصرفا في الغصب و لذا يلتزم الفقهاء بجواز الصلاة للمحبوس في المكان الغصبي فلاحظ.

(2) لان المفروض أن دخوله بسوء الاختيار فيكون خروجه حراما كدخوله فلاحظ.

(3) هذا من الواضحات اذ الوضوء أمر عبادي بلا اشكال و الامر العبادي لا يتحقق الا بقصد القربة فان الوضوء و ان كان من المقدمات و لا يعتبر في مقدمات الصلاة قصد القربة لكن لا اشكال في كون الوضوء من العبادات.

و يمكن الاستدلال علي كونه عبادة بأمور:

الاول: الاجماع و ارتكاز المتشرعة فان كل من يكون متشرعا يعلم كون الوضوء من العبادات.

و ان شئت قلت: ان كل لاحق يتلقي من سابقه أن الامر كذلك.

و يؤيد المدعي- لو لم يدل عليه- ما ورد في النصوص من كون الصلاة

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 484

______________________________

ثلاثة اثلاث ثلث الوضوء لاحظ ما رواه الصدوق قال: و قال الصادق عليه السلام الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود «1».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الصلاة ثلاثة أثلاث:

ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود «2».

و كذلك ما دل علي أن الوضوء من الصلاة، لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: خصلتان لا احب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فانه من صلاتي الحديث «3».

الثاني: دعوي ان الاصل الاولي في كل واجب كونه تعبديا الا ان أن يقوم دليل علي الخلاف.

و قد أجبنا عن هذه الدعوي و ذكرنا في بحث التعبدي و التوصلي أن مقتضي الاطلاق عدم التعبدية كما أن مقتضي الاصل العملي أيضا كذلك و تفصيل الكلام موكول

الي ذلك البحث.

الثالث: قوله تعالي: «أَطِيعُوا اللّٰهَ» «4» بتقريب أن الاطاعة لا تتحقق الا بقصد الامر فكل واجب تعبدي.

و فيه: أن اثبات المدعي بهذه الاية يتوقف علي أمرين:

______________________________

(1) الوسائل الباب الاول من أبواب الوضوء الحديث: 8.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الركوع الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(4) النساء: 59.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 485

______________________________

أحدهما: كون امر الاطاعة مولويا اذ علي تقدير كونه ارشاريا الي ما هو مستفاد من العقل لا يستفاد منه شي ء الا الحكم العقلي.

ثانيهما: أن يكون الوجوب المستفاد منه وجوبا غيريا اي ارشادا الي الشرطية بمعني أن المستفاد منه شرطية العنوان.

و بعبارة اخري: لو لم يكن غيريا لكان كبقية الواجبات النفسية و بعبارة ثالثة اذا كان واجبا غيريا فلا يكون المستفاد منه الا شرطية الاطاعة فيدل علي المدعي و أما لو كان واجبا نفسيا فغاية دلالته وجوب الاطاعة.

و في كلا الامرين اشكال أما الاول فلان الظاهر من الامر بوجوب الاطاعة الارشاد الي حكم العقل و قد ثبت في محله كون وجوب الاطاعة ارشاديا و مما يدل عليه: أنه باطلاقه يشمل المحرمات كالواجبات و من الظاهر أن المحرم لا يشترط بقصد القربة.

و أما الامر الثاني: فلان الظاهر من كل واجب كونه نفسيا و الغيرية تحتاج الي دليل و مؤنة زائدة.

اضف الي ذلك كله أن وجوب الاطاعة بهذا المعني لا يجري في التوصليات فيلزم تخصيص الاكثر المستهجن هذا.

و لكن الانصاف أن الاشكال الثاني غير وارد اذ لو كان الاطاعة واجبة و لو بالوجوب النفسي لوجب قصد التقرب في كل واجب لان الاطاعة عبارة عن الانقياد و الانقياد لا يتحقق الا بأن يؤتي بالمأمور به بقصد العبودية الا أن يقال:

بأن الطاعة

كثر استعماله في الاتيان- كما قال الراغب في مفرداته- فمعناها علي هذا الاتيان بالمأمور به كما أمر به و لقائل أن يقول: بأن وجوب الاطاعة لو

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 486

______________________________

كان نفسيا و لم تقصد القربة في واجب يحصل الامتثال بالنسبة الي اصل ذلك الواجب و يحصل العصيان بترك قصد القربة.

الرابع: قوله تعالي: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ» «1» بتقريب أن السلام بمعني الباء اي امر الناس بعبادة اللّه و الحال أن الظاهر أن اللام للغاية نظير قوله تعالي: «وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّٰا لِيَعْبُدُونِ» «2» فان الغاية من الخلق ليست الا عبادة اللّه تعالي.

الخامس: جملة من النصوص: منها: ما رواه أبو حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال: لا عمل الابنية «3».

و منها: ما رواه أبو عثمان العبدي عن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا قول الا بعمل و لا قول و لا عمل الابنية «4».

و منها: ما رواه أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال:

لا حسب لقرشي و لا عربي الا بتواضع و لا كرم الا بتقوي و لا عمل الابنية و لا عبادة الا بتفقه «5».

الي غيرها من الروايات الواردة في الباب 5 من أبواب مقدمات العبادات من الوسائل.

______________________________

(1) البينة: 5.

(2) الذاريات 56.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 1.

(4) نفس المصدر الحديث: 2.

(5) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 487

و هي أن يقصد الفعل و يكون الباعث الي القصد المذكور أمر اللّه تعالي (1).

من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي الحب له سبحانه

(2).

______________________________

بتقريب: أن مرجع نفي العمل المستفاد من هذه الروايات الي نفي الصحة بدون قصد القربة.

و فيه: انه لا دليل علي كون المراد من النية قصد الامتثال. مضافا الي أنه يستلزم التخصيص الاكثر لعدم الاشتراط في اكثر الواجبات و الظاهر أن المراد من النية الداعي و معناه ان قوام العمل بالداعي فعلي تقدير حسن الداعي يكون العمل حسنا و ان كان الداعي قبيحا لكان العمل كذلك و ان لم يكن قبيحا و لا حسنا فالعمل كذلك فان روح العمل متقوم بالداعي فلا يرتبط بالمقام.

و يدل علي المدعي ما روي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: انما الاعمال بالنيات و لكل امرء ما نوي فمن غزي ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره علي اللّه عز و جل و من غزي يريد عرض الدنيا أو نوي عقالا لم يكن له الا ما نوي «1».

(1) اذ المفروض أن العبادة تتوقف علي قصد القربة و هو يتحقق بأحد أمرين:

أحدهما: كون الداعي أمر المولي ثانيهما كون الداعي محبوبية الفعل له.

(2) قد ظهر مما ذكرنا أن محبوبية الفعل للمولي في عرض أمره يكون باعثا للعمل غاية الامر الداعي لهذا الامر قد يكون استحقاق المولي للعبادة كما أنه دل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 488

أو رجاء الثواب أو الخوف من العقاب (1) و يعتبر فيها الاخلاص فلو ضم اليها الرياء بطل (2).

______________________________

الخبر علي أن عليا عليه السلام كان يعبد اللّه حيث وجده مستحقا للعبادة «1» و اخري يكون الداعي خوف العبد من اللّه و ثالثة الطمع في ثوابه.

(1) اذ العبادية متحققة في الجميع.

(2) هذا من الواضحات الفقهية و الظاهر أنه لا خلاف فيه الا

من السيد المرتضي و يمكن أن يستدل عليه بجملة من النصوص:

منها: ما رواه الفضل أبو العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسر سيئا أ ليس يرجع الي نفسه فيعلم أن ذلك ليس كذلك؟ و اللّه عز و جل يقول: «بَلِ الْإِنْسٰانُ عَليٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» ان السريرة اذا صحت قويت العلانية «2».

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد عن سعد الاسكاف قال: لا أعلمه الا قال عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل عابد فأعجب به داود عليه السلام فأوحي اللّه اليه لا يعجبك شي ء من أمره فانه مراء «3».

و منها ما رواه داود عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من أظهر للناس ما يحب اللّه عز و جل و بارز اللّه بما كرهه لقي اللّه و هو ماقت له «4».

و منها ما رواه زرارة و حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو أن عبدا

______________________________

(1) لاحظ الوافي الباب نية العبادة من أبواب جنود الايمان من المكارم و المنجيات.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2.

(4) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 489

______________________________

عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا «1».

و منها ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سئل فيما النجاة غدا؟ فقال: انما النجاة في أن لا تخادع اللّه فيخدعكم فانه من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر قيل له: فكيف يخادع

اللّه؟ قال: يعمل بما أمره اللّه ثم يريد به غيره فاتقوا اللّه في الرياء فانه الشرك باللّه ان المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة اسماء: يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له «2».

و الظاهر أن الحديثين الاخيرين معتبران سندا. فمضافا الي الاجماع و عدم الخلاف و وضوح الامر، لا ريب في الحكم من حيث دلالة النصوص.

و يمكن الاستدلال بقوله تعالي: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرٰاؤُنَ» «3» فان الظاهر من الاية أن الرياء حرام و لا اشكال في أن مصداق الرياء هو الفعل الخارجي بداعي الرياء.

و الانصاف: أنه لا يصل المجال الي ما ينقل عن السيد: بأن الرياء أمر قلبي فلا تسري حرمته الي الفعل الخارجي اذ مصداق الرياء هو الفعل الخارجي و مع الحرمة لا تتحقق العبادة بل صريح بعض نصوص الباب عدم احتسابه عند اللّه و اعتبار وجوده كالعدم.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11.

(2) نفس المصدر الحديث: 16.

(3) الماعون 4- 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 490

و لو ضم اليها غيره من الضمائم الراجحة كالتنظيف من الوسخ أو المباحة كالتبريد فان كانت الضمية تابعة أو كان كل من الامر و الضميمة صالحا للاستقلال في البعث الي الفعل لم تقدح (1).

و في غير ذلك تقدح (2) و الاظهر عدم قدح العجب حتي المقارن (3) و ان كان موجبا لحبط الثواب (4).

______________________________

(1) نقل عليه الاجماع و في قباله قول عن بعض بالبطلان. و الحق أنه لا وجه للبطلان فان المقدار المسلم أنه يلزم في تحقق العبادة كون الداعي أمر المولي و أما الزائد فلا.

(2) اذ العبادة ما يكون

الداعي الالهي تاما في الداعوية.

(3) لعدم الدليل عليه و لا تنافي بين حرمته و عدم افساده العبادة كما هو ظاهر.

(4) لا يبعد أن يستفاد من بعض النصوص لاحظ ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال اللّه تعالي: ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده و لذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فاضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظرا مني له و ابقاء عليه فينام حتي يصبح فيقوم و هو ماقت زارئ لنفسه عليها و لو اخلي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فيصيره العجب الي الفتنة باعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله و رضاه عن نفسه حتي يظن أنه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك و هو يظن أنه يتقرب الي «1» و ما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال في حديث: ثلاث

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 491

[مسألة 107: لا تعتبر نية الوجوب و لا الندب و لا غيرهما من الصفات و الغايات]

(مسألة 107): لا تعتبر نية الوجوب و لا الندب و لا غيرهما (1) من الصفات و الغايات (2) و لو نوي الوجوب في موضع الندب أو العكس جهلا أو نسيانا صح (3) و كذا الحال اذا نوي التجديد و هو محدث أو نوي الرفع و هو متطهر (4).

______________________________

موبقات: شح مطاع و هوي متبع و اعجاب المرء بنفسه «1» و عن الجواهر:

أنه نقل عن بعض مشايخه القول بالافساد في المقارن.

(1) اذ قد ثبت في التعبدي و التوصلي أنه يمكن للمولي أن يبين

دخله في المأمور به بالامر الاول أو الثاني فمع كونه في مقام البيان و عدم تعرض المولي يكشف عن عدم الدخل فلا تجب مضافا الي أن السيرة جارية علي الاكتفاء بقصد القربة.

(2) التوصيف بأن يقصد الاتيان بالوضوء الواجب و الغاية بأن يقصد الاتيان بالوضوء لوجوبه.

(3) و الوجه في الصحة أنه يلزم الاتيان بالوضوء مضافا بنحو اضافة الي المولي و المفروض حصوله و قد تقدم عدم مدخلية الوجوب و الندب فالصحة علي القاعدة.

(4) الكلام فيه هو الكلام فان المفروض أنه قاصد للإتيان بما هو وظيفته الفعلية غاية الامر يتخيل كونها كذا فقد أتي بالفعل بقصد القربة فالصحة علي القاعدة فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 13.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 492

[مسألة 108: لا بد من استمرار النية بمعني صدور تمام الاجزاء عن النية المذكورة]

(مسألة 108): لا بد من استمرار النية بمعني صدور تمام الاجزاء عن النية المذكورة (1).

[مسألة 109: لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفي وضوء واحد]

(مسألة 109): لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفي وضوء واحد (2).

______________________________

(1) اذ المفروض أن المركب بجميع أجزائه عبادة فلا بد من تحقق الشرط في كل جزء منه.

(2) اذ المستفاد من ادلة الاحداث أن الحدث عبارة عن الحالة المسببة عن أحد الموجبات الممتنع الدخول معها في الصلاة و هي أمر كلي و ان تعددت اسبابه من البول و الغائط و نحوهما فلا فرق بين أن يكون السبب واحدا أو متعددا.

و بعبارة اخري: انه لا خلاف فيه علي ما يظهر من بعض كلمات الاصحاب نعم هذا علي خلاف اصالة عدم التداخل في الاسباب التي يقتضيها اطلاق حديث عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قال: من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء «1» فان مقتضي اطلاق وجوب الوضوء بسبب النوم و لو كان النوم مسبوقا بنوم آخر أو بحدث غيره عدم الكفاية و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقه بالإجماع بل الضرورة.

و لعل مرجع المستفاد من هذه الرواية الي قوله عليه السلام في جملة من النصوص ان الحدث ناقض لاحظ ما رواه اسحاق بن عبد اللّه الاشعري عن ابي عبد اللّه قال لا ينقض الوضوء الاحدث و النوم حدث «2» فان الوارد في هذا

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الوضوء الحديث: 9.

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 493

و لو اجتمعت أسباب للغسل أجزأ غسل واحد بقصد الجميع (1).

و كذا لو قصد الجنابة فقط (2) بل الاقوي ذلك أيضا اذا قصد منها واحدا غير الجنابة (3).

______________________________

الحديث عنوان النقض و هو

ليس قابلا للتكرار.

(1) لعله مما لا خلاف فيه بل لا يبعد أن يكون مورد الاجماع و تدل عليه جملة من النصوص: منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الحجامة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة فاذا اجتمعت عليك حقوق اللّه أجزأها عنك غسل واحد قال:

ثم قال: و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و احرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها «1».

(2) لا اشكال فيه من حيث النص لاحظ حديث زرارة «2» فان الظاهر منه أنه لو اغتسل المكلف و قصد بغسله الجنابة تسقط عنه بقية الاغسال فان قوله عليه السلام: «اذا اغتسلت بعد طلوع الفجر» ظاهر في خصوص غسل الجنابة.

اضف الي ذلك عدم الخلاف المدعي في المقام بل نقل عن السرائر و جامع المقاصد الاجماع عليه.

و يستفاد من هذا الخبر انه لا فرق بين كون غير الجنابة واجبا أو مستحبا.

(3) فانه مقتضي رواية زرارة «3» اذ المستفاد من مجموع الصدر و الذيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الجنابة الحديث: 1.

(2) مر آنفا.

(3) مر آنفا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 494

و لو قصد الغسل قربة من دون نية الجميع و لا واحد بعينه فالظاهر البطلان الا أن يرجع ذلك الي نية الجميع اجمالا (1).

[و منها: مباشرة المتوضي للغسل و المسح]

و منها: مباشرة المتوضي للغسل و المسح فلو وضأه غيره علي نحو لا يسند اليه الفعل بطل (2).

______________________________

جواز قصد واحد من الحقوق.

و صفوة العقول: أن المستفاد من الصدر كفاية قصد خصوص الجنابة و يستفاد من الذيل بيان الكبري الكلية فانه عليه السلام فرع الكبري الكلية علي الصغري المذكورة في كلامه.

(1) اذ الامتثال لا

يتحقق الا مع القصد و بعبارة اخري الامر بالغسل متوجه الي المكلف بعناوين مختلفة فلا بد من أحد الامرين اما قصد امتثال الجميع بقصد الكل و اما قصد واحد بالخصوص.

و لقائل أن يقول: اذا قلنا بكون الغسل مستحبا نفسيا لكفي نية القربة.

الا أن يقال: بأن مرجع هذا القصد الي قصد الجميع. لكن يرد علي المتن بأن التلازم ان كان ثابتا فما الوجه في التفصيل و ان لم يكن ثابتا فما الوجه في الحكم بالبطلان.

الا أن يقال: بأنه يصح التفصيل مع عدم التلازم اذ مع عدم التلازم ان تحقق قصد الجميع صح و الا فلا.

(2) هذا علي طبق القاعدة الاولية فان مقتضي ايجاب فعل علي عهدة شخص اتيانه بنفسه و عدم جواز التولية.

و بعبارة اخري: مقتضي الاطلاق عدم جوز تصدي الغير اذ الاطلاق يرجع الي وجوب الاتيان أعم من أن يتصدي غيره أم لا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 495

الا مع الاضطرار فيوضأه غيره (1).

______________________________

اضف الي ذلك: أن المستفاد من روايات الوضوءات البيانية أنهم عليهم السلام كانوا يتصدون بانفسهم فيستفاد منه أن المباشرة شرط مضافا الي جميع ذلك أنه لم ينقل الخلاف الا من ابن جنيد حيث نقل عنه ذهابه الي كراهة التولية.

(1) مقتضي القاعدة الاولية أنه مع عدم التمكن من الوضوء وصول النوبة الي التيمم فلا بد من اقامة دليل علي أنه مع الاضطرار يستنيب و يوضأه غيره.

و ما يمكن أن يذكر في هذا المقام وجوه.

الاول: قاعدة الميسور. و فيه: أولا منع الكبري و عدم اعتبار هذه القاعدة.

و ثانيا: منع الصغري فان عمل الغير ليس ميسورا لعمل الشخص.

الثاني: الاجماع فانه نقل عن المنتهي الاجماع عليه، و عن المعتبر انه عليه اتفاق الفقهاء و قد اورد فيه:

بانه محتمل المدرك فلا يكون تعبديا لتعدد الوجوه.

الرابع: بعض النصوص: منها ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فحملوني و وضعوني علي خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني «1».

و منها ما رواه محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له: ان فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا الا ييمموه؟ ان شفاء العي السؤال «2».

و منها: ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الوضوء.

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 496

______________________________

قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا؟ فإن دواء العي السؤال «1».

و منها: ما رواه جعفر بن ابراهيم الجعفري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ان النبي صلي اللّه عليه و آله ذكر له أن رجلا أصابته جنابة علي جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: قتلوه قتلهم اللّه انما كان دواء العي السؤال «2».

و لا يخفي أن ما ورد في باب التيمم ضعيف سندا و أما ما ورد في الغسل فالاستدلال به علي المدعي يتوقف علي تسوية الحكم بين الغسل و الوضوء و القطع بالتسوية مشكل.

الرابع: أن دليل شرطية المباشرة ليس دليلا لفظيا كي يمكن التمسك به باطلاقه في كلتا حالتي الاختيار و الاضطرار، و لا يصغي الي المنقول عن القمي و صاحب الجواهر من «أن دليل الشرطية اذا

كان هو الامر و الايجاب اختص بصورة الاختيار و لا يشمل صورة العجز»، فانه غير صحيح اذ هذا مختص بالامر المولوي المقتضي لاشتراط القدرة في المكلف و الامر الارشادي ليس مختصا بالمختار بل اعتبار المباشرة استفيد في المقام من الخطاب المقتضي لاستناد الفعل الي المخاطب و المكلف و هذا يختلف باختلاف المختار و العاجز فان المختار لا يستند اليه الفعل الا عند المباشرة و أما العاجز اذا تسبب فاتي النائب بالفعل يصدق أنه أتي به.

ان قلت: يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معني واحد و هو خلاف الظاهر.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

(2) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 497

و لكن هو الذي يتولي النية (1) و الاحوط أن ينوي المتوضي أيضا (2).

[و منها: الموالاة]
اشارة

و منها: الموالاة و هي التتابع في الغسل و المسح بنحو لا يلزم جفاف تمام السابق في الحال المتعارفة (3).

______________________________

قلت: انا ندعي أن المتفاهم من الخطاب تحقق الطبيعة مستندة الي المكلف و المكلف القادر لا يستند اليه الفعل بالاستنابة و أما العاجز فيستند اليه الفعل بالاستنابة.

و الانصاف أن الجزم بهذه المقالة مشكل فان الاستناد اول الكلام ففي المقام لا بد من الاحتياط بالجمع بين الاستنابة و التيمم.

(1) ان كان المدرك الاجماع فلا بد من الاحتياط اذ الاجماع دليل لبي و لا يستفاد منه شي ء من هذه الجهة فلا بد من الجمع بين الامرين من نية المكلف و نية النائب و ان كان المدرك الاخبار فالمستفاد منها أن المتولي للنية هو النائب فان الظاهر من قوله عليه السلام: «اغسلوني» أن الواجب بتمام شئونه محول الي الغلمة و ان كان المدرك قاعدة الميسور أو الوجه الاخير فالمتولي لا بد أن يكون المكلف نفسه

فان الميسور من فعله أن يستند اليه بقدر الامكان كما أن المستفاد من الخطاب أنه يتصدي الغسل و لو بالاستعانة و تظهر النتيجة في الاستعانة بالحيوان المعلم أو الصبي أو نحوهما فانه لو لم تكن نية النائب لازمة جاز التولية في هذه الموارد.

(2) قد ظهر ما هو الحق من التفصيل و طريق الاحتياط ظاهر.

(3) الذي يظهر من بعض الكلمات أنه لا اشكال و لا كلام في وجوب الموالاة اجمالا غاية ما في الباب أن الموالاة واجب شرطا أو تكليفا اختلف الكلام فيما

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 498

______________________________

بين القوم كما أنه وقع الكلام بينهم في أن المراد من الموالاة هي التتابع العرفي بين الافعال أو عدم جفاف الاعضاء السابقة قبل اللاحقة و العمدة مقدار دلالة الادلة من الكتاب و السنة.

فنقول: ربما يقال: بأن مقتضي اطلاق الكتاب و الاخبار عدم اشتراط الموالاة العرفية في الوضوء و أنه يكون كالغسل اذ كما لا تعتبر الموالاة بين أجزاء الغسل كذلك لا تعتبر في المقام فيجوز الفصل الطويل بين غسل الاعضاء نعم الفصل الطويل بين الغسلتين و المسحتين مضر بالمسح من جهة اعتبار كونه بنداوة يد المتوضي و مع الفصل الطويل ترتفع النداوة و الحاصل أن مقتضي الاطلاق عدم الاعتبار.

و في المقام روايتان يستفاد منهما اشتراط الموالاة بنحو خاص:

الاولي: ما رواه أبو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا توضأت بعض وضوئك و عرضت لك حاجة حتي يبس وضوئك فأعد وضوئك فان الوضوء لا يبعض «1» فان المستفاد من هذه الرواية أن الفصل اذا كان بمقدار يوجب جفاف الاعضاء يبطل الوضوء فكأن بقاء الرطوبة يوجب الارتباط بين السابق و اللاحق و اما اذا جفت فلا تقبل السابقة لان

يلحق بها اللاحق و هذا المعني موافق للذوق العرفي.

و بعبارة اخري: ان المستفاد من الرواية أن بقاء الرطوبة كاف في صحة الوضوء و ان طال الزمان بين الاعضاء عرفا و انتفت الموالاة بنظر العرف.

الثانية: ما رواه معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربما

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 499

______________________________

توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فابطأت علي بالماء فيجف وضوئي فقال اعد «1».

و المستفاد من هذه الرواية أيضا أن الفصل اذا كان بمقدار يترتب عليه الجفاف يبطل الوضوء.

ثم ان المذكور في المتن التقييد بحال المتعارف و لقائل أن يقول: أنه لو حصل الجفاف خارجا عن المتعارف لكان مقتضي النص الحكم بالبطلان لحصول الجفاف.

و يرد عليه: أن المستفاد من رواية أبي بصير أن الجفاف لو حصل من التأخير يبطل الوضوء و أما لو جف بواسطة حرارة الهواء- مثلا- فلا دليل علي البطلان.

و بعبارة اخري: لا اشكال في أن المستفاد من الرواية الكبري الكلية و لكن الاشكال في الصغري و هو أن الرواية لم تبين الصغري و المذكور فيها كلا الامرين اي الجفاف و الفصل الخارج عن المتعارف.

و الانصاف ان التأمل في الرواية يقتضي الالتزام باشتراط الموالاة العرفية و لا مدخلية للجفاف و عدمه فان التبعيض لا يجوز في الوضوء و التبعيض بلحاظ الفصل الخارج عن المتعارف فلو تحقق الفصل بهذا المقدار يبطل الوضوء و لو بقي النداوة و لا يبطل الوضوء مع التحفظ علي الموالاة العرفية و لو مع جفاف الاعضاء هذا بالنسبة الي رواية أبي بصير و أما حديث معاوية بن عمار فلا يستفاد منه شي ء الا بطلان الوضوء في صورة جفاف الاعضاء الحاصل من الفصل

الطويل الخارج عن المتعارف.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 500

______________________________

فالمتحصل من الرواية أنه تجب الموالاة بين اجزاء الوضوء بمقدار تبقي الرطوبة في الهواء المتعارف و المزاج كذلك فبقاء الرطوبة لا يوجب الصحة علي الاطلاق كما أن الجفاف لا يقتضي الفساد كذلك.

و ربما يقال: بأنه يرد علي هذا التقريب اشكالان:

أحدهما: أن حمل الجفاف علي التقديري خلاف الظاهر. ثانيهما: أن غاية ما يترتب علي هذا البيان أن نقول: ان صورة بقاء الرطوبة في الهواء غير المتعارف خارجة عن مورد الرواية و أما البطلان فلا يلزم بل مقتضي اطلاق الادلة كتابا و سنة جواز التفكيك بين الاجزاء كالغسل.

اضف الي ذلك أن النص قد دل علي أن من نسي المسح في وضوئه يأخذ البلة من لحيته مع بقائها لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

اذا ذكرت و أنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك (الي أن قال) و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها اذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك «1» و غيرها من الروايات الواردة في الباب 21 من أبواب الوضوء من الوسائل.

و بهذا الدليل يدفع اعتبار الجفاف التقديري اذ الدليل شامل لكل مكلف و لا يختص بمن يكون من المتعارف من حيث المزاج و المكان و الهواء بل دل الدليل علي الصحة علي تقدير بقاء البلة علي الاطلاق هذا ما افيد في المقام.

و لنا أن نقول: في الجواب عما ذكر أنه لو لم يحمل علي التقديري كان لازمه الالتزام بالبطلان في صورة الجفاف علي الاطلاق و لو من جهة المزاج أو

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1،

ص: 501

فلا يقدح الجفاف لأجل حرارة الهواء أو البدن الخارجة عن المتعارف (1).

[(مسألة 110: الاحوط وجوبا عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن حد الوجه]

(مسألة 110): الاحوط وجوبا عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن حد الوجه (2).

______________________________

الهواء و الحال أن المستشكل لا يلتزم بهذا اللازم.

و القول بأن الشرط أحد الامرين من التوالي العرفي و بقاء الرطوبة، خلاف الظاهر.

و أما ما افيد في الاشكال بأن غاية ما في الباب، خروج صورة بقاء الرطوبة في غير الصورة المتعارفة عن تحت النص، فيؤخذ باطلاق الادلة، فيرد عليه:

أن المستفاد من التعليل عدم جواز التبعيض فالنص متعرض لحكم الصورة المفروضة اي يستفاد منه البطلان بلحاظ التبعيض.

و أما النص الدال علي جواز أخذ الرطوبة من بلل اللحية علي الاطلاق، فاما يقيد بالتعليل و أما لا يقيد أما علي الاول، فلا مورد للإشكال و النقض و أما علي الثاني فغاية ما يلزم التخصيص في دليل الموالاة و ليس أمرا عزيزا.

ثم ان الموضوع للحكم في المقام جفاف تمام الاعضاء؟- كما في المتن- أو يكفي جفاف بعضها؟ الذي يظهر من بعض كلمات القوم أن ابن الجنيد خالف و التزم بالاكتفاء، و لكن الحق خلافه لظهور النص فيه اذ علق الحكم علي يبس الوضوء و هذا العنوان لا يصدق الا بجفاف تمام الاعضاء.

(1) قد ظهر مما ذكرنا أن الحكم مترتب علي الموالاة العرفية غاية الامر أن ميزان الموالاة العرفية بقاء الرطوبة في الاحوال المتعارفة من جميع الجهات و لا يبعد ان ما ذكرنا مرجعه الي ما افاده الماتن.

(2) الامر كما افيد بل يمكن الحكم ببطلان الوضوء حينئذ من جهة أن ظاهر

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 502

[و منها الترتيب بين الاعضاء]

و منها الترتيب بين الاعضاء بتقديم الوجه ثم اليد اليمني ثم اليسري ثم مسح الرأس (1).

______________________________

قوله عليه السلام في حديثي عمار و ابي بصير «حتي يبس وضوئك» «1» أو «فيجف

وضوئي» «2»، أن ماء الوضوء انما يجف في مورد امر فيه بغسله لا أنه يجف في موضع لم يؤمر بغسله.

و ان شئت قلت: ان الظاهر من النص بحسب المتفاهم العرفي أن موضوع الحكم جفاف ماء غسل به الاعضاء المأمور به غسلها فلاحظ.

(1) الظاهر تحقق التسالم عليه و يكفي لإثبات المدعي النصوص الواردة في المقام.

لاحظ ما رواه زرارة قال: سئل أحدهما عليهما السلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه قال: يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان «3» فان المستفاد منه وجوب تقديم الوجه.

و يدل علي وجوب تقديم اليد اليمني علي اليسري ما رواه منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال: يغسل اليمين و يعيد السيار «4».

و مثله ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث تقديم السعي علي الطواف- قال: ألا تري أنك اذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن

______________________________

(1) لاحظ ص: 498.

(2) لاحظ ص: 498.

(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(4) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 503

و الاحوط تقديم الرجل اليمني علي اليسري (1) و كذا يجب الترتيب في أجزاء كل عضو علي ما تقدم (2).

______________________________

تعبد علي شمالك «1».

و يدل علي وجوب تقديم مسح الرأس علي الرجلين ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه فان بدأت بذراعك الايسر قبل الايمن فأعد علي غسل الايمن ثم اغسل اليسار و إن نسيت مسح رأسك حتي تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك «2».

و

يدل علي بعض ما ذكر ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام:

تابع بين الوضوء كما قال اللّه عز و جل ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس و الرجلين و لا تقدمن شيئا بين يدي شي ء تخالف ما امرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد علي الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح علي الرأس قبل الرجل ثم أعد علي الرجل ابدأ بما بدأ اللّه عز و جل به «3».

فالمستفاد من مجموع النصوص وجوب الابتداء بالوجه ثم اليد اليمني ثم اليسري ثم مسح الرأس.

(1) و قد تقدم الكلام عليه فراجع.

(2) فراجع.

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 6.

(2) نفس المصدر الحديث: 8.

(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 504

و لو عكس الترتيب سهوا أعاد علي ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة (1).

______________________________

(1) هذا علي القاعدة اذ المفروض أن المأمور به لم يؤت به فلا يحصل الاجزاء فلا بد من الاعادة لكن مع بقاء الموالاة اذ مع فواتها يفسد الوضوء بانتفاء شرطه فلاحظ.

اضف الي ذلك النص الوارد في المقام و هو ما رواه منصور بن حازم «1» و ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن نسي أن يمسح رأسه حتي قام في الصلاة قال: ينصرف و يمسح رأسه و رجليه «2» و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينسي مسح رأسه حتي يدخل في الصلاة قال:

ان كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل قال: و ان نسي شيئا من الوضوء المفروض فعليه أن يبدأ بما نسي و يعيد

ما بقي لتمام الوضوء «3».

و يستفاد من بعض النصوص أن نسيان بعض الاعضاء يوجب اعادة الوضوء لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره اللّه تعالي في القرآن كان عليه اعادة الوضوء و الصلاة «4» و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين بقاء الموالاة و عدمه.

و في قباله نصوص تدل علي كفاية تدارك الفائت و لا يحتاج الي الاعادة:

______________________________

(1) لاحظ ص: 502.

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 4.

(4) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 505

______________________________

منها: ما رواه أبو بصير «1» و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه و ان كان انما نسي شماله فليغسل الشمال و لا يعيد علي ما كان توضأ و قال: اتبع وضوئك بعضه بعضا «2».

و منها: ما رواه الصدوق قال: روي في حديث آخر فيمن بدأ بغسل يساره قبل يمينه أنه يعيد علي يمينه ثم يعيد علي يساره «3».

و منها: ما رواه أيضا قال: و قد روي أنه يعيد علي يساره «4».

و منها: ما رواه أيضا قال: و قال الصادق عليه السلام ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و علي رجليك من بلة وضوئك «5».

و منها ما رواه علي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: يعيد ألا تري أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء «6»

و هذه الرواية تدل علي اعادة الوضوء.

و منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثم استيقنت بعد أنك بدأت بها

______________________________

(1) لاحظ ص: 503.

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث: 9.

(3) نفس المصدر الحديث: 10.

(4) نفس المصدر الحديث: 11.

(5) نفس المصدر الحديث: 12.

(6) نفس المصدر الحديث: 13.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 506

و الا استأنف (1) و كذا لو عكس عمدا (2) الا أن يكون قد أتي بالجميع عن غير الامر الشرعي فيستأنف (3):

[الفصل الرابع في احكام الخلل]

اشارة

الفصل الرابع في احكام الخلل:

[مسألة 111: من تيقن الحدث و شك في الطهارة تطهر]

(مسألة 111): من تيقن الحدث و شك في الطهارة تطهر (4) و كذا لو ظن الطهارة ظنا غير معتبر شرعا (5) و لو تيقن الطهارة و شك في الحدث بني علي الطهارة (6).

______________________________

غسلت يسارك ثم مسحت رأسك و رجليك «1».

و الترجيح مع ما يدل علي الصحة لموافقته اطلاق الكتاب فلاحظ.

(1) لفوات الشرط علي الفرض و لا دليل علي الاجزاء مع فرض فواته و النصوص الدالة علي الصحة ليست ناظرة الي صورة انتفاء الشرط.

(2) بعين الملاك فانه مع انتفاء الشرط لا يمكن الحكم بالصحة فلو تدارك الفائت مع بقاء الموالاة يكون الوضوء صحيحا و لا فرق بين العامد و غيره.

(3) كما لو قصد الوضوء الخاص الذي لا امر به من قبل الشارع فان الامتثال في هذه الصورة غير حاصل.

(4) فانه من الواضحات الاولية.

(5) اذ الظن لا يغني من الحق شيئا و ما دام لم يكن معتبرا يكون مثل الشك فالاستصحاب جار و لا بد من العمل به.

(6) لاستصحاب الطهارة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 507

و ان ظن الحدث ظنا غير معتبر شرعا (1).

[مسألة 112: اذا تيقن الحدث و الطهارة، و شك في المتقدم و المتأخر تطهر]

(مسألة 112): اذا تيقن الحدث و الطهارة، و شك في المتقدم و المتأخر تطهر (2) سواء علم تاريخ الطهارة، أو علم تاريخ الحدث، أو جهل تاريخهما جميعا (3).

[مسألة 113: اذا شك في الطهارة بعد الصلاة، أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة بني علي صحة العمل]

(مسألة 113): اذا شك في الطهارة بعد الصلاة، أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة بني علي صحة العمل، (4) و تطهر لما يأتي (5).

______________________________

(1) اذ مر قريبا أن الظن لا اعتبار به و هو في حكم الشك.

(2) لتعارض الاستصحابين فلا يمكن احراز الطهارة الا بالتطهر.

(3) ذهب صاحب الكفاية (قده) الي عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، و أيضا ذهب الي عدم جريانه في خصوص مجهول التاريخ فيما اذا كان أحدهما معلوم التاريخ و الاخر مجهول التاريخ بدعوي: عدم احراز اتصال زمان الشك باليقين فيكون شبهة مصداقية لدليل، عدم نقض اليقين، بالشك.

و فيه: أن المعتبر في الاستصحاب المتيقن السابق و الشك في البقاء، و هذا أمر وجداني غير قابل لان يشك فيه، و لا يعتبر في الاستصحاب كون زمان الحدوث معلوما بالتفصيل و لذا لو علم زيد بحدوث الطهارة لكن لا يعلم بحدوثها في الساعة الاولي أو الثانية و شك في بقائها أول الظهر فهل يمكن المنع من جريان الاستصحاب؟ كلا و تفصيل الكلام موكول الي بحث الاستصحاب.

(4) لقاعدة الفراغ بالنسبة الي العمل فان المفروض فراغه عن العمل، و احتمال بطلانه لفقدان الشرط مدفوع بالقاعدة كما هو ظاهر.

(5) اذ المفروض أن المكلف شاك في الطهارة و لا بد من احرازها لما تشترط

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 508

الا اذا تقدم منشأ الشك علي العمل، بحيث لو التفت اليه قبل العمل لشك، فان الاظهر حينئذ الاعادة (1).

[مسألة 114: اذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة مثلا قطعها و تطهر، و استأنف الصلاة]

(مسألة 114): اذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة مثلا قطعها و تطهر، و استأنف الصلاة (2).

______________________________

فيها كالصلاة مثلا و ليست القاعدة مثبتة لما يترتب عليها عقلا.

(1) كما لو شك في صحة وضوئه و لم يكن أذكر حين الوضوء بل كان

غافلا و لكن يحتمل وجدانه للشرائط المقررة فانه لو شك في هذه الصورة قبل الصلاة لم يكن مجال لجريان القاعدة اذ المفروض كون صورة العمل محفوظة فلا مجال للأخذ بالقاعدة للحكم بصحة الصلاة فان المفروض بطلان الوضوء و منشأ الشك في الصلاة ليس الا الشك في صحة الوضوء فلاحظ.

(2) اذ الطهارة شرط للصلاة حتي بالنسبة الي الاكوان المتخللة فاذا شك المصلي في الطهارة بالنسبة الي الاجزاء السابقة يكون شاكا فيها فعلا.

و بعبارة اخري يكون شاكا في الطهارة بالنسبة الي الكون المتخلل الذي هو فيه فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الكون الذي فيه لعدم صدق الفراغ.

ان قلت: ما المانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الاجزاء السابقة و وجوب الوضوء للاجزاء اللاحقة مع التمكن و عدم فوات الموالاة.

قلت: لا يمكن لان الطهارة شرط للكون المتخلل كما ذكرناه فهو، شاك فيها في الان الذي يشتغل بتحصيل الطهارة و لا تجري فيه قاعدة الفراغ لعدم الفراغ بالنسبة اليه فلا بد من استئناف العمل لقاعدة الاشتغال او الاستصحاب.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 509

______________________________

ان قلت: ان الشك في الطهارة مسبب عن الشك في تحقق الغسل و المسح قبل الصلاة و حيث ان محلهما قبل الصلاة فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز فيهما و بعد جريان القاعدة لا يكون شك في الشرط اي الطهارة.

قلت: ليس محلهما شرعا قبل الصلاة فان المقرر الشرعي اقترانهما مع الصلاة، نعم يلزم تحققهما قبلا بحكم العقل.

ان قلت: ما المانع من جريان قاعدة التجاوز فيما اذا كان محل المشكوك فيه مقدما عقلا؟ فان عموم التعليل بالاذكرية، و الاقربية الي الحق شامل له أيضا.

قلت: ليس الميزان في جريان القاعدة مجرد الا ذكرية و لو كان المشكوك

فيه خارجا عن المأمور به بل الميزان كون المأمور به جزء أو شرطا قد تجاوز عن محله و المفروض في المقام أن الشرط هو الاقتران و لم يتجاوز عن المحل.

و بعبارة اخري: الشرط هي الطهارة المقترنة و أما الغسل و المسح فهما خارجان عن الصلاة و لذا لا يلتزم الفقهاء بجريان القاعدة فيما يتحقق التجاوز عن المحل العادي كما لو كان عادة الشخص الاستنجاء في بيت الخلا و شك فيه بعد ذلك لا يحكم بتحققه و كذلك من كان عادته الاتيان بالصلاة في اول الوقت فانه لا يحكم به عند الشك.

و مخلص الكلام: أن جريان قاعدة التجاوز مشروط بأمرين: كون المشكوك فيه جزء أو شرطا للمأمور به و كون المكلف في مقام الامتثال و الامر الاول مفقود في المقام.

اضف الي ذلك كله انه لا دليل علي قاعدة التجاوز و التفصيل موكول الي محله.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 510

[مسألة 115: لو تيقن الاخلال بغسل عضو أو مسحه أتي به و بما بعده]

(مسألة 115): لو تيقن الاخلال بغسل عضو أو مسحه أتي به و بما بعده، مراعيا للترتيب و الموالاة و غيرهما من الشرائط (1) و كذا لو شك في فعل من أفعال الوضوء قبل الفراع منه (2).

______________________________

(1) هذا علي طبق القاعدة الاولية فان الاجزاء علي خلاف القاعدة، اضف الي ما ذكر ما مرت من النصوص الدالة علي وجوب الترتيب.

و من النصوص الدالة علي المدعي ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا كنت قاعدا علي وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما و علي جميع ما شككت فيه انك لم تغسله، أو تمسحه مما سمي اللّه ما دمت في حال الوضوء فاذا قمت الي الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال

اخري في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمي اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه، و علي ظهر قدميك، فان لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و امض في صلاتك و ان تيقنت انك لم تتم وضوئك فاعد علي ما تركت يقينا حتي تأتي علي الوضوء الحديث «1».

فان ذيل الرواية يدل عليه.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 510

(2) نقل عليه عدم الخلاف بل نقل عليه الاجماع، و يدل عليه ما رواه زرارة «2» فان مقتضي هذه الرواية ان الشك في اثناء الوضوء لا بد من الاعتناء به، و انه لا تجري فيه القاعدة.

و ربما يقال بانه يعارضها ما رواه ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) مر آنفا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 511

______________________________

قال: اذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء انما الشك اذا كنت في شي ء لم تجزه «1».

بتقريب: ان الضمير يرجع الي لفظ الشي ء الوارد في الحديث بدعوي ان الجهة المتبوعية أولي بالملاحظة من الجهة الاقربية فيقع التعارض بين الحديثين، و بعد التعارض يحمل الحديث الاول علي الاستحباب لكن الاجماع المتقدم نقله يقتضي رفع اليد عن الظاهر و الحمل علي بعض المحامل أو طرحه اذ الاجماع قائم علي عدم جريان قاعدة التجاوز اثناء الوضوء.

و ربما يرجع الضمير الي لفظ الشي ء لكن بجعل الجار بيانية، فيكون المراد من الشي ء الوضوء.

ان

قلت: ان اريد من الشي ء الواقع في الذيل خصوص الوضوء كان اللازم أن يقال، اذا كنت في وضوء لم تجزه، و ان اريد مطلق الشك لا يكون الكلي الوارد في الذيل منطبقا علي الصدر.

قلت: علي فرض رجوع الضمير الي الوضوء يستكشف ان الشارع جعل الوضوء شيئا واحدا، أو يقال بان الصدر من حيث المفهوم مهمل.

و لقائل أن يقول: بأن الرواية مجملة و لا تكون ظاهرة في الرجوع الي لفظ الشي ء بل يحتمل رجوعه الي الوضوء، و لا يبعد أن يقال بأن الظاهر من الرواية رجوع الضمير الي الوضوء بحسب الفهم العرفي يبقي اشكال التنافي بين الصدر من حيث المفهوم و كلية الذيل، فلا بد اما من رفع اليد عن المفهوم في الصدر أو جعل الوضوء أمرا واحدا شرعا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 512

اما لو شك بعد الفراغ لم يلتفت (1).

______________________________

اضف الي ذلك انه لا تنافي بين الحديثين فان المستفاد من رواية زرارة ان الشك في الوجود لا بد من الاعتناء به و المستفاد من هذه الرواية عدم الاعتناء به مع الشك في الصحة و احراز اصل الوجود، اذ التجاوز عن الشي ء لا يتحقق الا مع الاتيان به و عليه لا يكون الحديثان متعارضين بل متوافقين في المفاد اذ المستفاد من حديث ابن أبي يعفور ان الشك في أصل الوجود يجب أن يعتني به، و رواية زرارة أيضا تدل علي هذا المعني فان موردها الشك في اصل الوجود.

و بتعبير اخر: رواية ابن أبي يعفور ناظرة الي الشك في الصحة بعد فرض الوجود اي مفاد قاعدة الفراغ، اذ التجاوز عن الشي ء لا يصدق الا مع الاتيان به و حمله

علي التجاوز عن المحل خلاف الظاهر لا يصار اليه بلا قرينة.

نعم يبقي شي ء و هو انه لو شك المتوضي في اثناء الوضوء في صحة بعض الاجزاء مع فرض وجوده فهل تجري القاعدة اي قاعدة الفراغ بناء علي عدم الفرق في جريانها بين كون الشك في أصل العمل بعد الفراغ منه و بين كون الشك في الجزء قبل الفراغ عن العمل؟ فان قلنا بانه قام الاجماع التعبدي علي عدم الجريان فنلتزم بالعدم و بالإجماع نقيد دليل القاعدة و ان لم نقل به اذ قلنا بان القدر المتيقن من الاجماع صورة الشك في اصل الوجود نلتزم بالجريان فلاحظ و تأمل.

(1) لقاعدة الفراغ المعول عليها عندهم و ادعي في المقام انه استفاض نقل الاجماع عليها او تواتره و تدل عليها جملة من النصوص:

منها ما رواه زرارة «1» فان المستفاد من هذه الرواية أنه لا اعتبار بالشك بعد

______________________________

(1) لاحظ ص 510.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 513

______________________________

الفراغ من الوضوء، و منها ما رواه ابن أبي يعفور «1» فان هذه الرواية علي جميع التقادير تدل علي المدعي في المقام كما هو ظاهر.

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

كل ما مضي من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا اعادة عليك فيه «2»

و منها ما رواه بكير بن اعين قال: قلت: له الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك «3» فان دلالة هذه الرواية علي المدعي في كمال الظهور.

و منها ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه مما قد مضي فامضه كما هو «4» الي غيرها من النصوص.

اضف الي ذلك

جريان السيرة و بناء العقلاء في أمورهم، فلا ريب في أصل الحكم و لا اشكال في جريان قاعدة الفراغ.

انما الاشكال في أمر: و هو أنه بما يتحقق الفراغ فانه قيل في هذا المقام بأن المحكي عن جماعة تحققه بفعل الجزء الاخير اذا كان الشك في غيره و ان لم يدخل في شي ء آخر.

و عن بعض الاصحاب الاجماع عليه، و عن بعض نسبته الي ظاهر الاصحاب فيكفي مجرد الفراغ عن الوضوء و لا يلزم الدخول في عمل آخر من صلاة

______________________________

(1) لاحظ ص 510.

(2) الوسائل الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

(3) الوسائل الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث: 7.

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 514

______________________________

و نحوها.

لكن ربما يقال: بأن مقتضي حديث زرارة «1» اشتراط جريان القاعدة بالدخول في الغير، و اجيب عن الاستدلال بأن المستفاد من صدر الرواية أن الميزان في عدم الجريان الاشتغال بالوضوء فيكون قرينة علي أن المراد بالذيل التصريح بمفهوم الصدر و العكس بأن يقال: ان الصدر تصريح بمفهوم الذيل خلاف الاصل العقلائي.

و ان شئت قلت: اما يكون المدرك هو الصدر و بالصدر يتصرف في الذيل و اما تصبح الرواية مجملة.

اضف الي ذلك كله: ان المذكور في الذيل عنوان حال اخري و لا يبعد ان يكون المستفاد من هذه الكلمة غير حال الوضوء و الشاهد عليه قوله (ع) في مقام التفسير في الصلاة او غيرها، فانه لو كان المراد حالة مخصوصة لكان المناسب ان يقول- او مثلها- فعليه لا يكون المستفاد من الرواية الا الفراغ.

و اما حديث ابن ابي يعفور «2» فالمستفاد من ذيله اشتراط جريان القاعده بصدق التجاوز، و هذا العنوان يصدق

بالفراغ، و اما صدره فقد مر ان الرواية ليست واضحة المراد و ذكرنا انه يعتبر الصدر مهملا من حيث المفهوم.

و اما حديث زرارة فربما يقال: بأن المستفاد من ذيله و هو قوله: «اذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء «3» يدل بمفهومه علي ان جريان القاعدة يتوقف علي الدخول في الغير، فيقع التعارض بين

______________________________

(1) تقدم في ص: 510.

(2) تقدم في ص: 510.

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 515

و اذا شك في الجزء الاخير، فان كان ذلك قبل الدخول في الصلاة و نحوها و قبل أن يقوم من مكانه و قبل فوت الموالاة لزمه الاتيان به، و الا فلا (1).

______________________________

الدليلين و بعد التعارض و التساقط لا دليل علي اعتبار القاعدة فلا بد من الاحتياط.

و لكن يمكن ان يقال: اولا: أنه لا يستفاد من رواية زرارة ازيد من الخروج و الدخول في الغير و لا اشكال في أن حال الفراغ من الوضوء غير حال الاشتغال به فيصح ان يقال ان زيدا خرج من الوضوء و دخل في غير الوضوء.

و ثانيا: انه ان ابيت عما ذكرنا فلا أقلّ من الاجمال، و عليه لا مانع من الاخذ بقوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم «كلما شككت فيه مما قد مضي فامضه كما هو «1»» فان مقتضي هذه الرواية ان كل عمل مضي فلا يعتبر الشك فيه.

و ثالثا: انه لا مجال للإشكال مع كون الامر مسلما عند الاصحاب، و كيف يمكن انكار جريان القاعده بعد الفراغ من العمل اي الوضوء.

و رابعا: ان ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام «2» دل بالعموم

الوضعي علي كفاية المضي فيقع التعارض بين هذه الرواية و مفهوم حديث زرارة بالعموم من وجه فان ما به الافتراق من ناحية خبر زرارة ما لو لم يخرج من الشي ء و ما به الافتراق من ناحية حديث محمد بن مسلم صورة الدخول في الغير، و أما صورة المضي و عدم الدخول في الغير فتكون مورد التعارض و يؤخذ بحديث محمد بن مسلم لصلاحية العام الوضعي للقرينية للعموم الاطلاقي.

(1) اذ مع الدخول في الصلاة و نحوها يصدق انه خرج من الوضوء و دخل

______________________________

(1) راجع الحديث في الصفحة: 513.

(2) راجع الحديث في ص: 513.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 516

[مسألة 116: ما ذكرناه آنفا من لزوم الاعتناء بالشك، فيما اذا كان الشك أثناء الوضوء]

(مسألة 116): ما ذكرناه آنفا من لزوم الاعتناء بالشك، فيما اذا كان الشك أثناء الوضوء، لا يفرق فيه بين أن يكون الشك بعد الدخول في الجزء المترتب (1) أو قبله (2) و لكنه يختص بغير الوسواسي و أما الوسواسي (و هو من لا يكون لشكه منشأ عقلائي بحيث لا يلتفت العقلاء الي مثله) فلا يعتني بشكه مطلقا (3).

______________________________

في غيره كما انه لو قام من مكانه يصدق انه انصرف عن هذا الحال و دخل في حال آخر فتجري القاعدة كما انه لو فاتت الموالاة يصدق عنوان المضي و الخروج عن الوضوء و الدخول في غيره و اما لو لم تفت الموالاة، و لم يدخل في الصلاة او نحوها و لم يقم من مكانه لم يكن وجه لجريان القاعدة لعدم تحقق موضوعها فلاحظ.

(2) لإطلاق معقد الاجماع و النص، لاحظ رواية زرارة «1».

(3) يمكن ان يذكر في وجه ما ذكر امور:

الاول: الروايات الدالة علي النهي عن العمل بالوسواس، و أنه يلزم ان لا يعود الخبيث بشي ء، منها ما رواه محمد بن

مسلم، عن ابي جعفر عليه السلام قال: اذا كثر عليك السهو فامض علي صلاتك فانه يوشك أن يدعك انما هو من الشيطان «2».

و منها ما رواه زرارة و أبو بصير- الي ان قالا قلنا فانه يكثر عليه ذلك كلما اعاد شك قال يمضي في شكه ثم قال: - لا تعودوا الخبيث من انفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض احدكم في الوهم

______________________________

(1) راجع الحديث في ص: 510.

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 517

[مسألة 117: اذا كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث اذا نسي شكه و صلي]

(مسألة 117): اذا كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث اذا نسي شكه و صلي، فلا اشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر فتجب عليه الاعادة ان تذكر في الوقت، و القضاء ان تذكر بعده (1).

[مسألة 118: اذا كان متوضئا، و توضأ للتجديد، و صلي، ثم تيقن بطلان احد الوضوءين]

(مسألة 118): اذا كان متوضئا، و توضأ للتجديد، و صلي، ثم تيقن بطلان احد الوضوءين، و لم يعلم ايهما لا اشكال في صحة صلاته،

______________________________

و لا يكثرن نقض الصلاة، فانه اذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك، الحديث «1» و هكذا يستفاد ذلك من الحديث الرابع الوارد في هذا الباب فراجع «2».

الثاني: النص الدال علي أنه لا ينبغي أن يعد الوسواسي عاقلا و ان مرشده الشيطان «3».

الثالث: أن الوسواسي لا يجب عليه الجزم بالامتثال لعدم جريان الاستصحاب و لا قاعدة الاشتغال في حقه أما عدم جريان الاستصحاب فلان المنصرف اليه من لفظ الشك الواقع في دليل لا تنقض هو الشك العقلائي، و أما عدم جريان القاعدة فلان العقل انما يستقل بلزوم الامتثال العقلائي دون ما يعد عملا سفهائيا لدي الناس فلا يجب عليه الجزم بالامتثال بل يكفي الاحتمال نعم اذا كان شكه متعارفا يترتب عليه الاثر لكونه مشمولا للدليل.

(1) هذا في كمال الوضوح و المتانه، لا يحتاج الي بسط الكلام فيه فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 4.

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب مقدمات العبادات.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 518

و لا تجب عليه اعادة الوضوء للصلوات الآتية أيضا (1).

[مسألة 119: إذا توضأ وضوءين، و صلي بعدهما، ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلاة الآتية]

(مسألة 119): اذا توضأ وضوءين، و صلي بعدهما، ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلاة الآتية، لان الوضوء الاول معلوم الانتقاض، و الثاني غير محكوم ببقائه للشك في تأخره و تقدمه علي الحدث (2).

______________________________

(1) اختلف قول الاصحاب في هذا الفرع فنقل عن العلامه (ره) في بعض كتبه و جامع المقاصد و بعض آخر وجوب اعادة الوضوء و الصلاة،

و عن الشيخ (ره) في المبسوط و بعض آخر الصحة.

و الحق أن يقال: ان الوضوء التجديدي علي فرض اصابته للحدث، اما أن يكون رافعا و اما ان لا يكون، اما علي الاول فلا وجه للإشكال، نعم لو قصد التجديدي بنحو التقييد لم يصح علي تقدير فساد الوضوء الاول و اما لا يكون رافعا للحدث، و علي جميع التقادير يكون مقتضي القاعدة صحة الصلاة و الحكم بالطهارة، أما علي تقدير القول بكون التجديدي رافعا للحدث و لم يقصد التجديدي بنحو التقييد فالامر ظاهر و أما علي تقدير عدم القول به أو قصد التجديدي بنحو التقييد، فلا يمكن الحكم بالطهارة علي تقدير فساد الوضوء الاول، لكن لا مانع من الحكم بالصحة علي الوضوء الاول بقاعدة الفراغ، فان اركانها بالنسبة الي الوضوء الاول تامة، و لا يعارضها جريانها بالنسبة الي الوضوء الثاني اذا المفروض ان الوضوء الثاني باطل، اما بلحاظ فساد الاول و اما بلحاظ التقييد.

(2) علي ما تقدم و الامر كما افاده.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 519

و اما الصلاة فيبني علي صحتها لقاعدة الفراغ (1) و اذا كان في محل الفرض قد صلي بعد كل وضوء صلاة اعاد الوضوء لما تقدم، و اعاد الصلاة الثانية، و اما الصلاة الاولي فيحكم بصحتها الاستصحاب الطهارة بلا معارض (2).

______________________________

(1) و الامر كما ذكره اذ لا مانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الصلاة كما تقدم.

(2) الذي يختلج بالبال انه يشكل جريان استصحاب الطهارة اذ المفروض انه يعلم بحدوث حدث و أيضا يعلم بانه صلي و شك في المتقدم و المتأخر و مقتضي استصحاب الطهارة الي تحقق الفراغ من الصلاة الصحة و مقتضي عدم الاتيان بالصلاة الي زمان حدوث الحدث البطلان

فلا وجه للترجيح.

ان قلت: استصحاب بقاء الطهارة الحاصلة من الوضوء الثاني يعارضها استصحاب بقاء الحدث، و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي استصحاب بقاء الوضوء الاول.

قلت: التعارض واقع بين استصحاب عدم الاتيان بالصلاة و عدم حدوث الحدث الي زمان الفراغ من الصلاة.

ان قلت: بعد التعارض تصل النوبة الي استصحاب بقاء الطهارة و مقتضاه صحة الصلاة.

قلت: هذا الاصل معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد علي المقدار المعلوم.

و بعبارة اخري: بعد عدم جريان الاستصحاب في عدم حدوث الحدث للمعارضة يشك في ان المجعول الطهارة بمقدار ساعة او ازيد، و مقتضي الاصل

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 520

و الاحوط استحبابا- في هذه الصورة- اعادتها أيضا (1).

[مسألة 120: إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء انه ترك جزءا منه و لا يدري أنه الجزء الواجب أو المستحب]

(مسألة 120): اذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء انه ترك جزءا منه و لا يدري انه الجزء الواجب أو المستحب فالظاهر الحكم بصحة وضوئه (2).

[مسألة 121: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح علي الحائل، أو مسح في موضع الغسل]

(مسألة 121): اذا علم بعد الفراغ من الوضوء انه مسح علي الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، و لكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية أولا، بل كان علي غير الوجه الشرعي فالاظهر وجوب الاعادة (3).

______________________________

عدم جعل الزائد فلاحظ و تأمل، فانه دقيق و بالتأمل حقيق.

و الذي يهون الخطب: انه لا مانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الصلاة الاولي و اما الثانية فلا طريق الي الحكم بالصحة فيها فلا بد من الاعادة كما انه لا مناص من تجديد الوضوء.

(1) للخروج عن شبهة الخلاف.

(2) لقاعدة الفراغ.

(3) ربما يقال بأنه يحكم عليه بالصحة لقاعدة الفراغ.

و فيه أن الظاهر من دليل القاعدة اختصاصها بصورة احراز الوظيفة و الشك في التطبيق و في المقام اصل الوظيفة غير محرز.

و ان شئت قلت: قاعدة الفراغ لا تجري في مورد كون صورة العمل محفوظة، بل تجري في مورد لا تكون صورة العمل محفوظة، فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 521

[مسألة 122: إذا تيقن انه دخل في الوضوء و أتي ببعض أفعاله]

(مسألة 122): اذا تيقن انه دخل في الوضوء و أتي ببعض افعاله و لكن شك في أنه اتمه علي الوجه الصحيح أولا، بل عدل عنه اختيارا او اضطرارا- فالظاهر عدم صحة وضوئه (1).

[مسألة 123: إذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب، أو شك في حاجبيته كالخاتم]

(مسألة 123): اذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب، أو شك في حاجبيته كالخاتم أو علم بوجوده و لكن شك بعده في أنه ازاله أو أنه اوصل الماء تحته بني علي الصحة مع احتمال الالتفات حال الوضوء و كذا اذا علم بوجود الحاجب، و شك في أن الوضوء كان قبل حدوثه او بعده بني علي الصحة (2).

[مسألة 124: إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجسا فتوضأ و شك- بعده- في أنه طهرها أم لا]

(مسألة 124): اذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجسا فتوضأ و شك- بعده- في انه طهرها أم لا بني علي بقاء النجاسة، فيجب غسله لما يأتي من الاعمال، و أما الوضوء فمحكوم بالصحة (3) و كذلك لو كان الماء الذي توضأ منه نجسا ثم شك- بعد الوضوء- في أنه طهره قبله أم لا، فانه يحكم بصحة وضوئه، و بقاء الماء نجسا فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه و بدنه (4).

______________________________

(1) لعدم المقتضي للصحة فان مقتضي اصالة عدم تحقق ما شك في حدوثه الحكم بالعدم و لا دليل علي الاتيان، فان قاعدة الفراغ تختص بمورد احراز الفراغ و لو بحسب البناء و في المقام الفراغ غير محرز.

(2) كل ذلك لقاعدة الفراغ فلاحظ.

(3) أما نجاسة العضو فلاستصحاب النجاسة، و أما صحة الوضوء فلقاعدة الفراغ.

(4) قد ظهر وجهه مما ذكرناه فلا نعيد.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 522

[الفصل الخامس في نواقض الوضوء]

اشارة

الفصل الخامس في نواقض الوضوء:

[يحصل الحدث بأمور]
اشارة

يحصل الحدث بأمور.

[الأول و الثاني: خروج البول و الغائط]

الاول و الثاني: خروج البول و الغائط، سواء أ كان من الموضع المعتاد بالاصل (1) أم بالعارض (2).

______________________________

(1) لا اشكال و لا خلاف في أن البول و الغائط الخارجين من الموضع الخلقي، الطبيعي ناقضان للوضوء، و تقتضيه الاية الشريفة من قوله تعالي- أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «1» * بتقريب أن المجي ء من الغائط كناية عن التخلي، و النصوص المتعددة المتصفة في لسان بعض الاصحاب بالمتواترة.

منها قوله (ع) ليس تنقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الاسفلين «2» و مثل ذلك احاديث الباب «3».

و قال بعض الاساطين علي ما نقل عنه انه قامت علي ذلك ضرورة الإسلام، و لا يكون المدعي مجازفا في قوله.

(2) يظهر من كلمات القوم في هذا المقام أن الاقوال مختلفة، فمنهم من ذهب كصاحب الحدائق و السبزواري (قدهما) الي عدم الانتقاض و لو مع انسداد المخرج الطبيعي و حصول الاعتياد بقضاء الحاجة عن غير المخرج الطبيعي، و منهم من ذهب الي الانتقاض علي الاطلاق و لو بالخروج بالوسائل الجديدة

______________________________

(1) النساء 43.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 523

______________________________

علي ما هو المتعارف في العصور المتأخرة.

و منهم من فصل بين انسداد المخرج الطبيعي و انفتاح مخرج غيره و بين كون المخرج علي حاله، فيحصل الانتقاض في الصورة الاولي و عدمه في الثانية، و منهم من فصل بين ان يخرج مما دون المعده و بين ما يخرج مما فوقها فيحصل الانتقاض بالاول دون الثاني.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان مقتضي جملة من النصوص حصر الناقض في البول و الغائط الخارجين من الدبر و القبل كما صرح

في جملة من الأحاديث «1» و منها ما رواه زرارة، قال: قلت لأبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الاسفلين: من الذكر و الدبر، من الغائط و البول الحديث «2» فلا يبقي اشكال من هذه الناحية.

و اما حمل النصوص علي أن موضوع الحكم عبارة عن نفس البول و الغائط بلا مدخلية للمخرج ببركة الحديث السابع و العاشر من الباب المشار اليه (و هما قوله (ع) انما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة، و قوله (ع) و علة التخفيف في البول و الغائط لأنه اكثر و ادوم من الجنابة، فرضي فيه بالوضوء و لكثرته و مشقته و مجيئه بغير ارادة منهم و لا شهوة، و الجنابة لا تكون الا بالاستلذاذ منهم و الاكراه لأنفسهم).

ففيه أنه علي تقدير تمامية الدلالة مخدوش بضعف سنديهما فان طريق الصدوق (ره) الي الفضل ضعيف، كما ان الحديث الاخر، مخدوش بمحمد

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1 و 2 و 3.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 524

______________________________

بن سنان.

و لكن يمكن أن يقال: بان الخطاب في النصوص الدالة علي المدعي شخصي يتوجه الي مخاطب خاص كزرارة و لم يكن زرارة مريضا منسد المخرج، و من حيث ان التكليف مشترك بقاعدة الاشتراك لا يكون فرق بين زرارة و غيره فكل من يكون صحيحا لا يكون البول الخارج منه ناقضا الا ما خرج من الذكر و كذلك الغائط و حيث انه مختص بمخاطب لا يكون له مخرج آخر مع الانسداد أو بغيره فلا مانع من الاخذ باطلاق قوله تعالي او جاء احد منكم من

الغائط، و يؤيده اطلاق بعض النصوص «1».

و الاشكال بالاستدلال بالآية الكريمة: بأن ظاهر الكتاب ليس حجة أو الاستدلال به نوع تخمين، كما عن صاحب الحدائق (ره) ليس تاما، فقد ثبت في محله أن ظاهر الكتاب حجة، كما ان الاستدلال به ليس تخمينا بل برهان قوي، كما ان حمل البول و الغائط علي الخارج من المخرجين ليس تاما، فما صنعه صاحب الحدائق (ره) علي ما نقل عنه و كذلك السبزواري (ره) ليس علي طبق القواعد.

يضاف الي ذلك: ان لازم هذا الكلام أن من يخرج مدفوعه من البول و الغائط من المخرج غير الاصلي طوال سنين لا يكون ناقضا لوضوئه، و هو كما تري.

و اما ما اختاره بعض من الانتقاض و لو بسبب خارجي فلا يمكن المساعدة عليه،

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 6.

و سيأتي بعض هذه الاخبار في ص 526 و 527 و لاحظ الوسائل الباب الاول من نواقض الوضوء الحديث 3 و 12 و راجع أيضا الحديث 4 و 10 من هذا الباب.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 525

أم كان من غيره علي الاحوط وجوبا (1) و البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء بحكم البول ظاهرا (2).

______________________________

اذ مقتضي الحصر عدم ناقضية الاخراج بالوسائل الخارجية.

و اما التفصيل بين ما خرج مما دون المعدة و ما فوقها فليس عليه دليل الا أن يكون نظر القائل الي تعيين الموضوع بأن يقول ان ما خرج عن ما فوق المعدة لا يصدق عليه الغائط حتي يحكم بكونه ناقضا، لوضوح ان الغذاء الوارد في المعدة انما يصدق عليه الغائط اذا انهضم و انحدر الي الا معاء و خلع عنه الصورة النوعية الكيلوسية، و اما اذا لم ينحدر من المعدة بل

خرج عن ما فوقها فلا يطلق عليه الغائط بل يعبر عنه بالقي ء.

(1) فان الحكم مبني علي الاحتياط و الا فمقتضي ما ذكرناه عدم ناقضية ما يخرج من غير المخرج المعتاد اعم من العارضي و الاصلي.

ان قلت: ما الوجه في عدم الاخذ بالاطلاق و الالتزام بناقضية البول و الغائط علي نحو الاطلاق حتي فيما يكون الخروج بسبب خارجي قلت: يستفاد من جملة من النصوص «1» حصر الناقض فيما يخرج من القبل و الدبر، فتأمل.

اضف الي ذلك: ان الانصاف يقتضي بأن المطلق من الادلة ينصرف عن الافراد غير المتعارفة فان قوله تعالي أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ «2» * لا يشمل باطلاقه البول الخارج بسبب خارجي من الظهر و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه بل تلزم رعايته.

(2) كما مر في فصل الاستبراء فراجع.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1 و 2 و 3 و 4.

(2) النساء: 43.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 526

[الثالث: خروج الريح من الدبر أو من غيره]

الثالث: خروج الريح (1) من الدبر (2) أو من غيره، اذا كان من شأنه أن يخرج من الدبر (3) و لا عبرة بما يخرج من القبل و لو مع الاعتياد (4).

______________________________

(1) انتقاض الوضوء بالريح من المسائل المتسالم عليها بين الفريقين.

يضاف الي ذلك: جملة من النصوص الدالة علي المدعي، منها ما ورد عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء الا من غائط او بول او ضرطة تسمع صوتها او فسوة تجد ريحها «1» و بهذا المضمون ورد اخبار اخر في باب النواقض فراجع «2».

(2) الكلام فيه هو الكلام في البول و الغائط، فان مقتضي الحصر عدم انتقاض ما يخرج من غير الدبر، لاحظ الحديث الثاني من الباب

الثاني من النواقض «3».

لكن هذا مخصوص بالشخص السالم كزرارة و اما غيره فمع كون الخروج من المخرج العادي و لو بالعارض، فيدل علي كونه ناقضا اطلاق الحديث الثاني من الباب الاول من النواقض (الذي تقدم ذكره آنفا) و غيره.

(3) بأن يصدق عليه احد العنوانين المذكورين في النصوص، من الفسوة و الضرطة و قد ظهر الوجه في التعميم مما ذكرناه آنفا فلاحظ.

(4) الظاهر انه لا يتفق في الرجال و عن جماعة ان ذلك يتفق في قبل النساء و انه سبب للانتقاض معللين ذلك بان له منفذا الي الجوف فيمكن الخروج من

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 1 و 2 الحديث: 3 و 4 و 5 و 9 و الحديث: 6 و 7.

(3) قد تقدم في ص 523.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 527

[الرابع: النوم الغالب علي العقل]

الرابع: النوم (1).

______________________________

المعدة اليه.

و الحق عدم الانتقاض به كما ذكره الماتن، و ذلك لان الريح ليس ناقضا علي الاطلاق بل الناقض ما يكون معنونا باحد العنوانين، و الخارج من القبل لا يعنون بهذا العنوان كما أنه لا يعنون بهما ما لا يخرج من المعدة كنفخ الشيطان او الريح الداخل من الخارج بالاحتقان و نحوه.

(1) لا اشكال في كون النوم ناقضا للوضوء اجمالا، نعم نسب الخلاف الي الصدوقين (ره) من الخاصة و الي الاوزاعي من العامة، و في صحة النسبة اشكال.

و كيف كان يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ» «1» و ذلك باحد وجهين:

احدهما ان القيام في الاية هو القيام من النوم لرواية ابن بكير، قال: قلت:

لأبي عبد اللّه عليه السلام: قوله تعالي: (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ) ما يعني بذلك؟

قال: اذا قمتم من النوم قلت:

ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم اذا كان يغلب علي السمع و لا يسمع الصوت «2».

اضف الي ذلك: انه نقل عن الشيخ (ره) في التبيان و العلامة (ره) في المنتهي اجماع المفسرين عليه.

ثانيهما: اطلاق الاية الكريمة، مع قطع النظر عن الرواية فان مقتضي الاطلاق ان القائم للصلاة يجب عليه الوضوء اعم من أن يكون قيامه من النوم

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 528

الغالب علي العقل (1) و يعرف بغلبته علي السمع (2).

______________________________

أو من غيره، و انما لا نقول بالنسبة الي غير النوم بالإجماع و الضرورة، فان المتطهر لا يحب عليه الوضوء فيبقي القائم من النوم تحت الآية الشريفة.

يضاف الي ذلك: النصوص الدالة علي ناقضية النوم، منها ما مر قريبا و منها قوله (ع) لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك أو النوم «1» و جملة من الأحاديث الاخر فراجع «2».

(1) المستولي علي القلب الموجب لتعطيل الحواس.

و ان شئت قلت: الناقض هو حقيقة النوم و يدل علي كون الناقض النوم اذا ذهب بالعقل، ما عن الرضا عليه السلام اذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء «3».

و يدل علي المدعي أيضا من كون الميزان تحقق النوم، حديثا زيد الشحام و عبد الرحمن بن الحجاج (و هما قوله (ع) ان عليا عليه السلام كان يقول: من وجد طعم النوم فانما اوجب عليه الوضوء و قوله (ع) من وجد طعم النوم قائما او قاعدا فقد وجب عليه الوضوء «4»).

(2) الناقض كما مر تحقق النوم الذي يذهب بالعقل، و بعبارة اخري: النوم هو الذي يوجب تعطيل الحواس عن احساساتها، فيصح أن يقال بأن طريق استكشاف حصوله استيلائه علي السمع و البصر،

لا أن نومهما موضوع للحكم كي يتوهم عدم انتقاض الوضوء في فاقد الحاستين اذ لا عين له فيبصر و ينام و لا اذن له ليسمع و ينام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء الحديث: 2 و 3 و 4 و 13.

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 8 و 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 529

من غير فرق بين أن يكون قائما و قاعدا و مضطجعا (1).

______________________________

و تدل علي المدعي بالصراحة النصوص الواردة عن زيد و عبد الرحمن و عبد اللّه بن المغيرة (و تقدم ذكر الاخير) «1».

نعم ربما يستفاد من بعض النصوص: ان الميزان في الانتقاض، استيلاء النوم علي القلب و السمع و الاذن كرواية زرارة قال: قلت له الرجل ينام و هو علي وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن فاذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء الحديث «2» و كرواية سعد «3» لكن المراد معلوم و انه ربما يغمض الشخص عينه و ليس نائما.

و صفوة القول ان نوم العين و الاذن لا دخل له في تحقق الموضوع، و الموضوع عبارة عن تحقق النوم بحيث يجد الانسان طعمه كما ذكر في الخبر.

(1) لإطلاق النصوص و في المقام نصوص ربما يستفاد منها الخلاف:

الاول: ما ارسله الصدوق (ره) و هذه الرواية «4» لا اعتبار بها لإرسالها، و مجرد كونها مروية للصدوق، و هو ملتزم بالعمل بما يرويه لا يوجب الاعتبار كما هو ظاهر.

الثاني: ما رواه بكر بن أبي بكر الحضرمي،

قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام هل ينام الرجل و هو جالس؟ فقال: كان ابي يقول: اذا نام الرجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2 و 8 و 9.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 8.

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 530

______________________________

و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء و اذا نام مضطجعا فعليه الوضوء «1» و هذه الرواية ضعيفة ببكر.

الثالث: ما رواه عمران بن حمران، و هذه الرواية ضعيفة بعمران «2».

الرابع: ما رواه سماعة بن مهران، انه سأله عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما او راكعا، فقال: ليس عليه وضوء «3».

و هذه الرواية قاصرة من حيث الدلالة فان الخفقة اعم من النوم.

يضاف الي ذلك: انها تعارض بغيرها لاحظ حديث عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش علي أي الحالات فعليه الوضوء «4» و الترجيح مع الطائفة الثانية لموافقتها الكتاب، فلاحظ.

بقي شي ء: و هو انه ربما يستفاد من رواية أبي الصباح الكناني- عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال: ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان، فعليه الوضوء و اعادة الصلاة، و ان كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا اعادة «5»، ان النوم انما يكون ناقضا لأنه مظنة الحدث و مع القطع بعدم تحققه لا يوجب النوم الوضوء.

و لا يبعد أن يكون المراد من الخبر انه اذا كان بحد لا يلتفت

الي خروج

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 15.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 14.

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 12.

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 3.

(5) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 531

و مثله كل ما غلب علي العقل من جنون أو اغماء أو سكر أو غير ذلك (1).

______________________________

الحدث منه يبطل وضوئه و الا فلا، فيكون المقصود تحقق النوم و عدمه، و لا اشكال في أن النوم ناقض بنفسه، لاحظ ما رواه اسحاق بن عبد اللّه الاشعري، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينقض الوضوء الا حدث، و النوم حدث «1».

(1) الظاهر ان العمدة التسالم عليه بين الاصحاب، فعن المنتهي لا نعرف فيه خلافا و عن النهاية نسبته الي علمائنا و عن الغنية و الدلائل و الكفاية اجماع الاصحاب عليه، و عن التهذيب اجماع المسلمين، و عن الخصال انه من دين الامامية، و عن البحار ان اكثر الاصحاب نقلوا الاجماع علي ناقضيته، و عن المحقق الهمداني (ره) انه قلما يوجد في الاحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف قول الامام (ع) أو وجود دليل معتبر من اتفاق الاصحاب مثل المقام، كما انه قلما يمكن الاطلاع علي الاجماع لكثرة ناقليه و اعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه.

و لا يخفي ان هذه الاجماعات المنقولة و التسالم المدعي ان اوجبا العلم برأي المعصوم كما هو ليس ببعيد فهو و الا يشكل الامر اذ مجرد الاجماع و التسالم لا يغنيان من الحق شيئا.

و في المقام نصوص يمكن القول بانها دالة علي المدعي.

منها ما رواه زرارة بتقريب ان

المستفاد من ذيل الرواية ان الناقض ذهاب العقل،- و هو قوله (ع) و النوم حتي يذهب العقل- «2» و فيه ان المستفاد

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 532

______________________________

من الرواية ان حد النوم الناقض ذهاب العقل.

و منها ما عن عبد اللّه بن المغيرة، و محمد بن عبد اللّه، قالا: سألنا الرضا عليه السلام عن الرجل ينام علي دابته؟ فقال: اذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء «1».

و التقريب، هو التقريب و الجواب هو الجواب.

و منها ما رواه معمر بن خلاد، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن رجل به علة لا يقدر علي الاضطجاع و الوضوء يشتد عليه و هو قاعد مستند بالوسائد فربما اغفي و هو قاعد علي تلك الحال قال: يتوضأ، قلت له ان الوضوء يشتد عليه لحال علته فقال: اذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء و قال: يؤخر الظهر و يصليها مع العصر يجمع بينهما، و كذلك المغرب و العشاء «2».

و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي بنحوين:

احدهما: ان المراد بالاغفاء الاغماء بقرينة لفظ ربما الدال علي التكثير، فان العارض علي القاعد كثيرا هو الاغماء، و فيه ان المراد به النوم و المراد من لفظ ربما التقليل اي قد اغفي و انما استعمل هذا اللفظ في المقام لان العادة في النوم ان يكون في حال الاضطجاع فعروض النوم في حال القعود اتفاقي.

ثانيهما: قوله (ع) في الذيل اذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء، فانه يدل علي أن خفاء الصوت علي المكلف علة للانتقاض، و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون للنوم او لعلة اخري،

فالناقض زوال العقل باي سبب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 533

[الخامس: الاستحاضة]

الخامس: الاستحاضة علي تفصيل يأتي ان شاء اللّه تعالي (1).

[مسألة 125: اذا شك في طر واحد النواقض بني علي العدم]

(مسألة 125): اذا شك في طر واحد النواقض بني علي العدم (2) و كذا اذا شك في أن الخارج بول أو مذي، فانه يبني علي عدم كونه بولا، الا أن يكون قبل الاستبراء فيحكم بانه بول، فان كان متوضأ انتقض وضوئه (3).

[مسألة 126: إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء]

(مسألة 126): اذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء و كذا لو شك في خروج شي ء من الغائط معه (4).

______________________________

و فيه ان الضمير يرجع الي الرجل النائم، فالاستدلال غير تام.

(1) و نتعرض لدليل المسألة هناك ان شاء اللّه تعالي.

(2) للاستصحاب فان مقتضاه عدم حدوث ما شك فيه كما دل عليه النص بالخصوص، كقوله (ع) اذا استيقنت انك قد احدثت فتوضأ، و اياك ان تحدث وضوءا ابدا حتي تستيقن انك قد احدثت «1» و كرواية اخري «2».

(3) لتقديم الظاهر علي الاصل، و قد مر تفصيل الكلام في فصل الاستبراء فراجع.

(4) الوجه فيه ظاهر فانه مع القطع بعدم خروج الغائط يعلم بعدم تحقق الناقض و في صورة الشك يشك في تحققه، و الاصل عدمه كما هو المقرر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 7.

(2) قد تقدم في ص: 529.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 534

[مسألة 127: لا ينتقض الوضوء بخروج المذي]

(مسألة 127): لا ينتقض الوضوء بخروج المذي (1).

______________________________

(1) اذ ادلة الناقضية الحاصرة تقتضي نفي ناقضيته، اضف الي ذلك جملة من النصوص الدالة علي عدم كونه ناقضا:

منها ما ورد عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المذي يسيل حتي يصيب الفخذ، قال: لا يقطع صلاته و لا يغسله من فخذه، انه لم يخرج من مخرج المني، انما هو بمنزلة النخامة «1».

و منها ما ورد عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المذي ينقض الوضوء؟ قال: لا و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد، انما هو بمنزلة البزاق و المخاط «2».

و منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين. قال: كان امير المؤمنين عليه السلام لا يري في

المذي وضوء، و لا غسل ما اصاب الثوب منه «3» و هكذا ورد روايات اخر في الباب فراجع «4».

فان هذه النصوص، كما تري تدل علي عدم ناقضية المذي علي نحو الاطلاق.

و في قبال هذه النصوص نصوص تدل علي ناقضيته كذلك منها قوله (ع) المذي منه الوضوء «5» و منها ما ورد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع قال:

سألت الرضا (ع) عن المذي، فامرني بالوضوء منه، ثم اعدت عليه في سنة

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 5.

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 18.

(4) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1 و 2 و 4 و 7 و 8 و 9 و 14 و 19.

(5) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 16.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 535

______________________________

اخري، فامرني بالوضوء منه، و قال: ان عليا عليه السلام امر المقداد بن الاسود ان يسأل النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و استحي ان يسأله، فقال: فيه الوضوء «1» فيقع التعارض بين الطرفين و الترجيح مع الطائفة الاولي، فانها موافقة مع اطلاق الكتاب فان مقتضي اطلاق قوله تعالي (المائدة: 5) ان من قام من النوم و توضأ او من كان جنبا فاغتسل جاز له الدخول في الصلاة أمذي او لم يمذ، مضافا الي ان العامة قائلون بالنقض علي ما نقل عنهم، فالترجيح مع الطائفة الدالة علي عدم الناقضية.

و في المقام: طائفة ثالثة من النصوص تدل علي التفصيل بين أن يكون خارجا عن شهوة فينقض و أن لا يكون خارجا عن شهوة فلا ينقض، منها ما ورد عن ابي بصير،

قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): المذي يخرج من الرجل، قال احد لك فيه حدا؟

قال: قلت نعم، جعلت فداك، قال: فقال: ان خرج منك علي شهوة فتوضأ، و ان خرج منك علي غير ذلك فليس عليك فيه وضوء «2» و قريب من هذا المضمون خبر آخر «3».

و هذه الطائفة غير قابلة لان تقيد الطائفة الاولي، اذ المذي كما يستفاد من كلام بعض اهل اللغة و أيضا يستفاد من بعض النصوص، هو الماء الذي يخرج عن شهوة و لذا كان علي (ع) يستحيي أن يسأل رسول اللّه (ص)، فبعد دلالة بعض النصوص علي عدم ناقضيته و بعض آخر علي ناقضيته يكون التعارض بينهما بالتباين، و الترجيح كما مر مع الطائفة الاولي بالموافقة مع الكتاب

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 17.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 10.

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 536

او الودي (1).

______________________________

و المخالفة مع العامة هذا علي تقدير القول بان المذي لا ينفك عن الشهوة.

و اما لو قلنا بان المذي اعم من أن يخرج عن شهوة فلا اشكال في أن الفرد الغالب منه الخارج عن شهوة، فلا يمكن حمل المطلقات علي الفرد النادر، فالتعارض بحاله.

و ان ابيت و قلت: بأن التعارض بالاطلاق و التقييد، فنقول: قد دل بعض النصوص علي عدم ناقضية ما كان خارجا عن شهوة، منها قوله (ع) ليس في المذي من الشهوة و لا من الانعاظ، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج، و لا من المضاجعة وضوء، و لا يغسل منه الثوب و الجسد «1» و نظير ذلك وردت رواية اخري فراجع «2».

اضف الي

ذلك: انه لو كان المذي ناقضا لم يكن امرا مستورا عند الاصحاب، و الحال ان عدم كونه ناقضا من الامور الظاهرة لدي الكل بحيث يكون خلافه قارعا للسمع فلاحظ.

(1) قد ظهر مما ذكرناه آنفا ان اطلاق الكتاب يقتضي عدم ناقضيته و كذلك النصوص الحاصرة، مضافا الي ان اقتضاء الاصل العملي كذلك فلاحظ.

و قد وردت عدة نصوص في الودي لا بد من ملاحظتها، منها ما رواه ابن رباط، عن بعض اصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يخرج من الاحليل المني و الوذي و المذي، و الودي، فاما المني فهو تسترخي له العظام، و يفتر منه الجسد و فيه الغسل، و أما المذي يخرج من شهوة و لا شي ء فيه، و اما الودي

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 13.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 537

أو الوذي (1).

______________________________

فهو الذي يخرج بعد البول، الحديث «1» و هذه الرواية لاعتبار بسندها مضافا الي انه ليس لها دلالة علي المقصود.

و منها ما رواه زرارة، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ان سال من ذكرك شي ء من مذي او ودي و انت في الصلاة فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة، و لا تنقض له الوضوء، و ان بلغ عقبيك، فانما ذلك بمنزلة النخامة، الحديث «2» و هذه الرواية تدل علي عدم الانتقاض بالودي.

و منها ما رواه ابن سنان: يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (ع) قال: ثلاث يخرجن من الاحليل: و هن المني، و فيه الغسل، و الودي فمنه الوضوء، لأنه يخرج من دريرة البول الحديث «3».

و هذه الرواية تدل علي الانتقاض، و يقع التعارض بين

الحديثين و الترجيح مع الاول لموافقة الكتاب بل و لمخالفة العامة.

قال في الوسائل: بعد نقل الحديث، و يمكن الحمل علي التقية و علي الاستحباب، و ينقل عن الشيخ (قده) انه محمول علي من ترك الاستبراء بعد البول، و علي جميع التقادير لا يثبت به المدعي، مضافا الي وضوح الامر كما اشرنا اليه آنفا فلاحظ.

(1) ذكر في ذيل مرسلة ابن رباط لفظ الوذي و هو قوله (ع) و اما الوذي

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 6.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 538

و الاول ما يخرج بعد الملاعبة (1).

و الثاني ما يخرج بعد خروج البول (2) و الثالث ما يخرج بعد خروج المني (3).

______________________________

فهو الذي يخرج من الادواء و لا شي ء فيه «1» و المرسله لاعتبار بها، مضافا الي ان مفادها يقتضي عدم الانتقاض بالصراحة.

(1) كما هو المشاهد بالوجدان و يستفاد من أن عليا (ع) كان رجلا مذاء فاستحيي ان يسأل رسول اللّه (ص) الحديث «2» و قريب من هذا الحديث خبر آخر «3».

و يؤيد المدعي، بل يدل عليه ما رواه عمر بن يزيد، قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة و لبست اثوابي، و تطيبت، فمرت بي وصيفة، ففخذت لها، فامذيت انا و امنت هي، فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، فقال: ليس عليك وضوء، و لا عليها غسل «4».

(2) يدل عليه حديث ابن سنان «5» و مرسل ابن رباط «6».

(3) لم نجد له مستندا، و مرسل ابن رباط لا يدل علي المدعي، مضافا الي ضعف السند فيه.

______________________________

(1) قد تقدم صدر الحديث

في ص: 536 فراجع.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 7.

(3) قد تقدم هذا الخبر في ص: 536.

(4) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 13.

(5) قد تقدم في ص: 537.

(6) قد تقدم في ص: 536.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 539

[الفصل السادس حكم من استمر به الحدث كالمبطون و المسلوس و احواله الأربع]

اشارة

الفصل السادس من استمر به الحدث في الجملة كالمبطون و المسلوس و نحوهما له احوال اربع: الاولي: ان تكون له فترة تسع الوضوء و الصلاة الاختيارية، و حكمه وجوب انتظار تلك الفترة و الوضوء و الصلاة فيها (1).

______________________________

(1) هذا ما تقتضيه القاعدة الاولية فان الصلاة التامة مطلوبة من المكلف بين الحدين و مع امكان امتثاله لا تصل النوبة الي البدل الاضطراري.

و بعبارة اخري: مع امكان الاتيان بالعمل التام الاختياري لا تصل النوبة الي العمل الاضطراري الا مع الدليل. و ليس لنا دليل في المقام بل الدليل علي خلافه:

لاحظ ما رواه منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعتريه البول و لا يقدر علي حبسه، قال: فقال لي: اذا لم يقدر علي حبسه فاللّه اولي بالعذر يجعل خريطة «1» فان مفاد هذا الحديث يقتضي عدم وصول النوبة الي العمل الاضطراري الا مع عدم القدرة.

و عن الجواهر لا اجد في المسلوس خلافا سوي ما ينقل عن الأردبيلي (قده) من احتمال عدم الوجوب لإطلاق الادلة، و من الظاهر ان المكلف لا يمكنه الاتيان بالعمل الاختياري حين العذر و اما مع الفترة فلا تصل النوبة الي الاضطراري و صفوة القول ان دليل العمل الاضطراري لا يشمل صورة امكان الاتيان بالعمل الاختياري كما هو المفروض.

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 540

الثانية: أن لا تكون

له فترة اصلا، او تكون له فترة يسيرة لا تسع الطهارة و بعض الصلاة، و حكمه الوضوء و الصلاة، و ليس عليه الوضوء لصلاة اخري (1).

______________________________

(1) كما عليه صاحب العروة (قده) و يمكن ان يستدل عليه بانه لا فائدة في التجديد.

و ان شئت قلت اما لا يكون هذا الحدث الخاص حدثا بالنسبة الي هذا الشخص و اما يكون، اما علي الاول فلا يكون ناقضا فلا وجه لإعادة الوضوء و اما علي الثاني فلا اثر للتجديد و لو لا قيام الاجماع علي الوجوب للصلاة الاولي لم يجب الوضوء لها هكذا نقل عن الجواهر.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه سماعة قال: سألته عن رجل اخذه تقطير من قرحه (فرجه خ ل) اما دم، و اما غيره قال: فليصنع خريطة و ليتوضأ و ليصل، فانما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدن الا من الحدث الذي يتوضأ منه «1».

بتقريب ان المستفاد من هذا الحديث كفاية الوضوء الواحد في اول الامر و عدم اعادته الا عند حصول الحدث الناقض.

لكن يرد علي الاستدلال اولا: بان سماعة من الواقفة و لا يعمل مع مضمراته ما يعمل مع مضمرات امثال زرارة و ابن مسلم، فتأمل.

و ثانيا: لم يفرض في الحديث خروج البول بل فرض خروج الدم و امثاله فلا يرتبط بالمقام و لذا اورد الحديث الشيخ الحر العاملي (قده) في باب عدم الانتقاض بالرعاف و الحجامة، و خروج الدم غير الحيض و النفاس و الاستحاضة

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 541

______________________________

- و اللّه العالم.

و لكن الحق عدم تمامية ما ذكر فانه يعمل بمضمرات سماعة كما ان كلمة- غيره- يشمل البول فلاحظ.

و عن العلامة (قده)

في المنتهي: جواز الجمع بين كل من الظهرين و العشاءين بوضوء واحد و اختصاص الصبح بوضوء واحد و اما ما عداها فيجب الوضوء لكل صلاة.

و احتج علي ذلك بما رواه حريز بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم اذا كان حين الصلاة اخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علقه عليه و ادخل ذكره فيه ثم صلي يجمع بين صلاتين الظهر و العصر يؤخر الظهر، و يعجل العصر باذان و اقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء باذان و اقامتين و يفعل ذلك في الصبح «1».

و هذه الرواية كما تري لا تدل علي المدعي اذ ليس فيها ذكر من الوضوء، فانه لا يبعدان يكون الامر بالجمع بين الصلاتين ارشادا الي الطريق الاسهل اذ يلزم التحفظ عن تلوث البدن و الثياب بالبول، فاذا جمع المكلف بين الصلاتين يكون اسهل فلاحظ.

و اما الحديث الرابع من الباب فهو ضعيف سندا بضعف اسناد الشيخ (ره) الي العياشي و رواه الصدوق (قده) مرسلا في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ و يبني علي صلاته «2» و ليس له طريق آخر،

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1.

(2) الفقيه ج 1 ص 237 الحديث: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 542

الا ان يحدث حدثا اخر، كالنوم و غيره، فيجدد الوضوء لها (1).

______________________________

فالرواية ضعيفة سندا فلا تغفل.

و اما الحديث الثالث: فلا يدل علي تجديد الوضوء بل يدل علي عدم وجوب التجديد في الاثناء، و لنا ان نقول ان المستفاد من الحديث الثاني ان المسلوس ليس عليه شي ء و لا بأس بان يصلي محدثا

فان اللّه اولي بان يقبل العذر فانما عليه ان يجعل خريطة مانعة عن السراية، فيستفاد من هذه الراوية حكم المسلوس و يستفاد حكم المبطون من حديث محمد بن مسلم قال: سألت ابا جعفر عليه السلام عن المبطون فقال: يبني علي صلاته «1» و رواه في الوسائل مثله «2» فان المستفاد من هذا الحديث ان المبطون معذور و يصلي، بل المستفاد من حديثي منصور و سماعة «3» عموم الحكم للمسلوس و المبطون لاشتراك العذر و العلة.

و المستفاد منهما ان الملاك للاجزاء وجود العذر، فالنتيجة انه لا دليل علي تجديد الوضوء.

(1) الظاهر من كلامه عدم وجوب تجديد الوضوء للبول حتي اذا بال علي النحو العادي و بالاختيار

و بعبارة اخري: لا يلزم الوضوء بالنسبة الي المسلوس اذا بال و المبطون اذا تغوط، و الامر كما افاده اذ كما ذكرنا ليس علي ما ادعوه في المقام دليل من النصوص.

و لقائل أن يقول: ان المستفاد من حديث سماعة، ان التقطير لا باس به، و اما لو بال المسلوس علي النحو العادي ينتقض وضوئه الا ان يقال بان الظاهر من قوله

______________________________

(1) التهذيب ج 3 ص 305 الحديث: 19.

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 3.

(3) قد تقدم الخبر ان في ص 539- 540.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 543

الثالثة: ان تكون له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة، و لا يكون عليه- في تجديد الوضوء في الاثناء مرة أو مرات- حرج، و حكمه الوضوء و الصلاة في الفترة (1).

و لا يجب عليه اعادة الوضوء اذا فاجأه الحدث اثناء الصلاة او بعدها (2).

______________________________

(ع) الا من الحدث الذي يتوضأ منه ظاهر في بقية الاحداث، و اللّه العالم.

(1) استدل عليه بالإجماع و بالنصوص

اما الاجماع فالانصاف ان تحصيله بنحو يكون كاشفا عن رأي المعصوم في غاية الاشكال، و اما النصوص فالظاهر انه ليس نص معتبر دال علي المدعي.

نعم يمكن استفادة المدعي من حديث محمد بن مسلم الذي يأتي ذكره «1» و لكنه ضعيف سندا.

و ربما يقال بان مقتضي ما دل علي اشتراط افعال الصلاة بالطهارة التجديد فيكفي له الادلة الاولية الدالة علي اشتراط الطهارة.

ان قلت: ان الاكوان المتخللة في الصلاة مشروطة بالطهارة.

قلت: الاجماع قائم علي عدم بطلان الصلاة بالحدث في الفرض المذكور، لكن لا تصل النوبة الي هذا البيان بعد النصوص الخاصة الواردة في المقام، و قلنا ان المستفاد منها انه لا يجب الوضوء.

(2) لعدم الدليل عليه و ضعف رواية محمد بن مسلم كما ذكرناه.

______________________________

(1) يأتي ذكره في ص 444.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 544

و ان كان الاحوط أن يجدد الوضوء كلما فاجأه الحدث اثناء صلاته و يبني عليها (1) كما ان الاحوط اذا احدث- بعد الصلاة- ان يتوضأ للصلاة الاخري (2).

الرابعة: الصورة الثالثة، لكن يكون تجديد الوضوء في الاثناء حرجا عليه، و حكمه الاجتزاء بالوضوء الواحد، ما لم يحدث حدثا آخر (3).

______________________________

و لقائل ان يقول كيف التوفيق في الجمع بين صدر عبارة الماتن و ذيله اذ لو كان تجديد الوضوء واجبا عليه كما يستفاد من الصدر كيف لا يجب عليه الوضوء اذا فاجأه الحدث اثناء الصلاة و بعدها، و أيضا كيف التوفيق بين الزامه بالوضوء مكررا في الصدر و الاحتياط بالتكرار في الذيل، و يمكن أن يكون مراده من الاثناء في صدر العبارة اثناء الصلوات، و لا تخلو العبارة أيضا من الاشكال كما لا يخفي علي الخبير.

(1) كي يعمل بالرواية.

(2) خروجا عن شبهة الخلاف، فان المستفاد من

كلام السيد اليزدي (قده) في عروته وجوب التجديد، كما انه يمكن ان يقال ان مقتضي اطلاق حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي «1» وجوبه فلاحظ.

(3) الوجه فيه ما مر، مضافا الي أن الحرج يقتضي رفع الوجوب فعلي فرض الوجوب في صورة عدم الحرج نلتزم بعدمه للحرج في هذه الصورة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 545

و الاحوط أن يتوضأ لكل صلاة (1).

[مسألة 128: الاحوط لمستمر الحدث الاجتناب عما يحرم علي المحدث]

(مسألة 128): الاحوط لمستمر الحدث الاجتناب عما يحرم علي المحدث (2) و ان كان الاظهر عدم وجوبه، فيما اذا جاز له الصلاة (3).

[مسألة 129: يجب علي المسلوس و المبطون التحفظ من تعدي النجاسة الي بدنه و ثوبه مهما امكن]

(مسألة 129): يجب علي المسلوس و المبطون التحفظ من تعدي النجاسة الي بدنه و ثوبه مهما امكن بوضع كيس أو نحوه (4).

______________________________

(1) يمكن أن يكون الوجه في هذا الاحتياط انه اسند الي المشهور الحكم علي المسلوس بالوضوء لكل صلاة بالنسبة الي الصورة المفروضة في المتن و كذلك بالنسبة الي المبطون فاقتضاء الاحتياط موجود.

و ان شئت قلت: الاحتياط للخروج عن شبهة الخلاف.

(2) لعدم دليل علي رفع الحدث، و عموم الادلة محكم فان مقتضي اطلاق دليل الناقض حصول النقض، فيحرم عليه مس القرآن الشريف مثلا.

(3) بدعوي ان المستفاد من النصوص كون المسلوس او المبطون طاهرا حين جواز الصلاة له.

و الانصاف ان استفادة هذا المدعي من الادلة في غاية الاشكال كما ان الالتزام بعدم كون الحدث الحاصل ناقضا بالنسبة اليهما اشكل، فلاحظ.

(4) كما هو مقتضي القاعدة الاولية.

مضافا الي النصوص الواردة في المقام، منها ما مر في اوائل هذا الفصل «1» و منها ما ورد عن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن تقطير البول،

______________________________

(1) راجع ص 539 و 540 و 541.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 546

و لا يجب تغييره لكل صلاة (1).

[الفصل السابع لا يجب الوضوء لنفسه]

اشارة

الفصل السابع لا يجب الوضوء لنفسه (2).

______________________________

قال: يجعله خريطة اذا صلي «1».

(1) لعدم المقتضي فانه مما لا تتم فيه الصلاة، بل يمكن ان يقال انه من المحمول لكن الالتزام به مشكل.

و لقائل أن يقول: بأن الاطلاق المقامي يقتضي عدم الوجوب، لكن يرد عليه أنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة، فلا مجال لهذا الادعاء.

فالحق أن يقال: ان كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا يجب و الا فيلزم الاحتياط فتأمل.

(2) قال في الحدائق: عدم وجوب الوضوء نفسا هو المشهور بين الاصحاب و

ادعي الاجماع عليه، و نقل دعوي الاجماع عليه من جمع من الاصحاب، و قال نقل السيد (قده) في المدارك عن الشهيد (قده) في الذكري القول بالوجوب النفسي الخ.

و الذي يمكن ان يستدل عليه وجوه: منها ظهور قوله تعالي: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ الاية «2».

بتقريب ان المستفاد من الاية الشريفة وجوب الوضوء، غاية الامر وجوبه عند ارادة القيام الي الصلاة لا علي الاطلاق.

و الجواب عن هذا الاستدلال ان المفهوم العرفي من الاية الكريمة وجوب

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 5.

(2) المائدة الاية: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 547

______________________________

الوضوء للصلاة، كما يقال اذا لقيت العدو فخذ سلاحك.

يضاف الي ذلك: ان الاية الشريفة بمفهومها تدل علي عدم وجوب الوضوء عند عدم ارادة الصلاة، فيفهم انه ليس للوضوء وجوب نفسي، مضافا الي جميع ذلك، حديث ابن بكير المتقدم ذكره «1» فان المستفاد من هذه الرواية ان المقصود من الاية ان المكلف اذا قام من النوم و اراد الصلاة وجب عليه الوضوء و لا فرق بين النوم و غيره.

و بتعبير آخر: يستفاد من الحديث ان وجوب الوضوء للصلاة، لا لنفسه و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة الا بطهور «2» بتقرب ان المستفاد من الرواية وجوب الطهور بعد دخول الوقت.

و فيه: أولا: انه لو كان الوضوء واجبا نفسيا لم يكن مرتبطا بدخول الوقت و ثانيا: ان المعلق علي دخول الوقت وجوب مجموع الامرين اي وجوب الطهارة و الصلاة معا فلا يكون الوضوء واجبا بنفسه بل وجوبه غيري.

و منها جملة من النصوص «3» و تقريب الاستدلال بهذه النصوص

انه قد امر بالوضوء في بعضها و قد ذكر بلفظ وجب في بعضها الاخر.

و الجواب: أولا ان اشتراط الوضوء في الصلاة بمرحلة من الظهور يمكن ان يقال انه ظهور ثانوي.

______________________________

(1) قد تقدم هذا الحديث في ص 527.

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(3) قد تقدم هذه الأحاديث في ص 528 و 559 فراجع.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 548

و تتوقف صحة الصلاة- واجبة كانت أو مندوبة- عليه (1).

______________________________

و بعبارة اخري يكون ظاهرا في الوجوب الغيري و لا أقلّ من الاجمال.

و ثانيا: انه لا يبعد أن يقال: بان الظاهر من هذه النصوص ان هذه الامور موجبات للوضوء، و بتعبير اخر: الظاهر من الاخبار وجوب الوضوء عند هذه الاشياء و ليس المولي في مقام بيان ان وجوبه نفسي او غيري.

اضف الي ذلك كله: ان وجوب الوضوء رتب علي تحقق النوم و كيف يمكن أن يجب شي ء علي النائم و الحال ان التكليف لا يتوجه اليه.

مضافا الي جميع ذلك ان عدم الوجوب النفسي للوضوء بالعنوان الاولي من الواضحات التي لا يعتريه ريب و لا شك.

و يضاف الي جميع ما ذكر ان الظاهر من هذه الجملة و امثالها بحسب الفهم العرفي الشرطية و العرف ببابك لكن لا يجري هذا البيان، فيما ذكر الوضوء وحده كقوله عليه السلام وجب الوضوء.

(1) فانه من الامور الواضحة التي لا سبيل للشك فيها، مضافا الي جملة من النصوص منها ما مر آنفا عن زرارة «1» و منها قوله (ص) افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم «2» و منها قوله (ع) لا صلاة الا بطهور «3» و منها قول الصادق (ع): الصلاة ثلاثة اثلاث: ثلث طهور، و ثلث ركوع و ثلث

سجود «4» و منها قوله (ع) قال: قال رسول اللّه (ص) ثمانية لا يقبل اللّه منهم

______________________________

(1) في الصفحة 547.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 549

و كذا أجزائها المنسية (1) بل سجود السهو علي الاحوط استحبابا (2) و مثل الصلاة الطواف الواجب و هو ما كان جزءا من حجة او عمرة (3).

______________________________

صلاة، وعد منهم تارك الوضوء «1» و جملة من الأحاديث الاخر في ابواب الوضوء «2» فراجع.

يضاف الي ذلك: انه ادعي عليه الضرورة، و ليس بجزاف.

(1) كالسجدة الواحدة فانه لا بد من قضائها، و الوجه في الاشتراط اشتراط الصلاة و أجزائها بها فان الجزء المنسي المقضي عين ما يكون جزءا في الصلاة فلا بد من رعاية الشروط فيه.

و بعبارة اخري: الصلاة عبارة عن الاجزاء و لا اشكال في اعتبار الطهارة في الصلاة، و الجزء المنسي قد تغير ظرفه فلا بد من رعاية الشرائط فيه.

(2) اذ الاحتياط طريق النجاة، و لكن الاظهر عدم الاشتراط اذ لا دليل عليه فانهما مرغمتان و قد بينا في بحث الصلاة خروجهما عنها و عدم اشتراط الصلاة بهما، و لذا لو تركتا عمدا لا تبطل الصلاة.

(3) اجماعا محكيا كما في بعض الكلمات و تدل عليه جملة من النصوص.

منها ما ورد عن محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو علي غير طهور قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و ان كان تطوعا توضأ و صلي ركعتين «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 1 و 2 و 3 الحديث

7 و 9 و الحديث 1 و 2 و 3 و الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 من أبواب الوضوء.

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 550

______________________________

و منها قوله (ع): اذا طاف الرجل بالبيت و هو علي غير وضوء فلا يعتد بذلك الطواف و هو كمن لم يطف «1» و نظيرهما ورد احاديث اخر في الباب فراجع «2».

و الظاهر: من كلام الماتن اشتراط الطواف الذي يكون جزءا من الحج أو العمرة بالوضوء و ان كانا مندوبين فيشكل بانه ما الوجه فيه؟ و لذا استدل عليه بان الاجماع قائم علي وجوب اتمامهما بعد الشروع، فيجب الطواف فيهما لكن الاجماع حاله في الاشكال معلوم، خصوصا في مثل المقام حيث انه من المحتمل قويا ان يكون مستند المجمعين الاية الشريفة «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «3» بتقريب ان الاية الكريمة تدل علي الاتمام بعد الشروع.

و فيه: مضافا الي التأمل في ظهور الاية المباركة في المدعي انه ورد النص الخاص في تفسيرها و منه: ما ورد عن الفضل ابي العباس، عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» قال: هما مفروضان «4».

و في خبر آخر عن عمر بن اذينة قال: كتبت الي ابي عبد اللّه (ع) بمسائل- الي ان قال- و سألته عن قول اللّه عز و جل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» قال: يعني بتمامهما ادائهما و اتقاء ما يتقي المحرم فيهما (الحديث) «5» فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 11.

(2) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 4 و 5

و 6.

(3) البقرة 197.

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث: 1.

(5) الوسائل الباب 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 551

دون المندوب (1) و ان وجب بالنذر (2) نعم يستحب له (3).

[مسألة 130: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن]

(مسألة 130): لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن (4).

______________________________

(1) كما صرح عليه في بعض النصوص، منها ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له: رجل طاف علي غير وضوء، فقال: ان كان تطوعا فليتوضأ و ليصل «1».

و منها عنه أيضا، عن ابي عبد اللّه (ع) قال: قلت له: اني اطوف طواف النافلة و انا علي غير وضوء، قال: توضأ وصل و ان كنت متعمدا «2».

(2) للإطلاق و المستفاد من ظاهر النصوص اشتراط ما يكون فريضة بالاصالة فلاحظ.

(3) كما في جملة من النصوص، منها ما رواه معاوية بن عمار، عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال لا بأس ان يقضي المناسك كلها علي غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «3» فتأمل.

(4) هذا هو المشهور بين الاصحاب، و نقل عن جملة من الاساطين منهم الشيخ (قده) و ابن السراج (قده) القول بالكراهة.

و الحق ما ذهب اليه المشهور، لرواية أبي بصير قال: سألت ابا عبد اللّه (ع) عمن قرء في المصحف و هو علي غير وضوء؟ قال: لا بأس و لا يمس الكتاب «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 8.

(2) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 9.

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 552

حتي المد و التشديد و نحوهما (1).

______________________________

و

ربما يقال: بانه يدل علي المطلوب قوله تعالي «لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» «1» و الحق ان الاية الكريمة لا تدل علي المدعي، فان السياق يمنع عن هذا المعني اذ ليس المقام مقام التشريع مضافا الي ان الضمير يرجع الي ما في الكتاب المكنون أو الي نفس الكتاب المكنون و هو اللوح المحفوظ فلا ترتبط بالمقام.

و اما النص الدال علي ان المراد من الكتاب القرآن الشريف- كقوله (ع) المصحف لا تمسه علي غير طهر، و لا جنبا، و لا تمس خطه و لا تعلقه، ان اللّه تعالي يقول: لا يمسه الا المطهرون «2» - فضعيف سندا بضعف اسناد الشيخ (قده) الي ابن فضال، مضافا الي عدم ثبوت وثاقة جعفرين الواقعين في السند.

(1) لان الموضوع هو القرآن و المذكورات اجزاء له، فان المتبادر من كتابة القرآن التي ورد النهي عن مسها مطلق النقوش المرسومة للإفصاح عما كلم اللّه به نبيه (ص) مما بين الدفتين من دون فرق بين ما يفصح عن مراد الكلمة او هيئاتها كالإعراب و الشد و المد.

ان قلت: هذه الامور حادثة و لم تكن مرسومة في الصحف القديمة، و عدم دخلها فيما يتقوم به اسم القرآن الكريم.

قلت: ما ذكرته ليس مجديا في جواز المس لان الامور المذكورة جزء من القرآن الشريف ما دامت موجودة بشهادة العرف، و لا يضر بالمدعي بقاء الاسم بعد فقدها فان هذه الامور كالعوارض العارضة علي الاشخاص.

ألا تري انك تسمي ابنك زيدا في صغره، و هو مصداق لهذا الاسم الي ان

______________________________

(1) الواقعة 80.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 553

و لا مس اسم الجلالة و سائر اسمائه و صفاته علي الاحوط وجوبا (1).

و الاولي

الحاق اسماء الانبياء و الاوصياء و سيدة النساء- صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين- به (2).

______________________________

يموت، و مع ذلك يكون شعره النابت علي وجهه بعد بلوغه من اجزائه و هكذا غير الشعر من العوارض كالسن و الظفر، و لذا لا يفرق في هذا الحكم بين ان ان يكتب القرآن الكريم بالخطوط المتعارفة و ان يكتب بالخطوط الحادثة بعد نزول القرآن الشريف و ليس هذا الا من جهة صدق الموضوع.

(1) الظاهر ان الوجه في عدم الجزم عدم الدليل علي المدعي، فان دليل حرمة مس القرآن ان كان رواية ابي بصير «1»؟ فلا وجه للتعدي عن موردها و دعوي دلالتها علي المدعي في المقام بالاولوية جزافية، فان ملاك الاحكام مجهول عندنا.

و ربما يقال: بانه لو كان المدرك الاية الشريفة لكانت دالة علي المقام أيضا بدعوي دلالة الاية علي العلة للنهي الوارد في الاية و هو كون الكتاب كريما و بلحاظ اشتراك العلة في المقامين يكون الحكم مشتركا لعمومية العلة.

و الامر ليس كذلك فان الحكم في الاية الشريفة لم يعلل كي يصح هذا البيان فانه لم يقل لا يمسه الا المطهرون فانه كريم بل قال إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ لٰا يَمَسُّهُ، و الفرق ظاهر لدي أقلّ من له خبرة باللسان فلاحظ.

مضافا الي انه قد مر عدم دلالة الاية الكريمة فالتسرية من باب الاحتياط الذي يكون طريقا للنجاة.

(2) لا اشكال في الاولوية فان الاحتياط حسن.

______________________________

(1) قد تقدم هذا الخبر في ص 551.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 554

[مسألة 131: الوضوء مستحب لنفسه فلا حاجة في صحته الي جعل شي ء غاية له]

(مسألة 131): الوضوء مستحب لنفسه فلا حاجة في صحته الي جعل شي ء غاية له (1).

______________________________

(1) ربما يقال: الوضوء مستحب بمعني انه لا يحتاج في استحبابه الي جعل شي ء غاية له

كالصلاة مثلا بل يكفي قصد الكون علي الطهارة. و اخري يراد من هذه الجملة ان الوضوء بنفسه اي بما انه غسلتان و مسحتان مستحب كما هو المراد من عبارة الماتن، اما بالمعني الاول فلا اشكال في استحبابه و عن الشيخ (قده) في طهارته انه مما لا خلاف فيه، و عن الحلي و الشهيدين و غيرهم (قد هم) التصريح به و عن الطباطبائي (قده) دعوي الاجماع عليه، و اما بالمعني الثاني فعن الشيخ (قده) بانه تشريع، و عن الشهيد (قده) في الذكري انه حكم ببطلانه، و لا بد من ملاحظة ما يمكن ان يكون مدركا لهذا القول كي نري صلاحيته للاستناد.

فنقول: ما يمكن ان يستند اليه جملة من النصوص، منها رواية السكوني، عن ابي عبد اللّه (ع) قال: الوضوء شطر الايمان «1».

و منها ما ورد عن المفضل بن عمر عن ابي عبد اللّه (ع) قال: من جدد وضوئه لغير حدث جدد اللّه توبته من غير استغفار «2» و زاد: و في حديث آخر الوضوء علي الوضوء نور علي نور «3».

و منها ما ورد عن محمد بن مسلم، عن ابي عبد اللّه (ع) قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: الوضوء بعد الطهور عشر حسنات، فتطهروا «4»

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الوضوء الحديث: 7.

(3) الوسائل الباب 8 من أبواب الوضوء الحديث: 8.

(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الوضوء الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 555

______________________________

و جملة من الأحاديث الاخر «1» فراجع.

لكن هذه النصوص لضعف اسنادها كما تري قاصرة عن اثبات المدعي.

و ربما يستدل علي المدعي بقوله تعالي «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» «2» بدعوي ان حب اللّه

تعالي لشي ء معناه الامر به، هذا من ناحية و من ناحية اخري ان مقتضي الاطلاق في الاية الشريفة عدم الفرق بين النظافة الظاهرية و المعنوية، و الوضوء بنفسه طهارة لا انه سبب للطهارة، فبضم الصغري الي الكبري تحصل النتيجة و هي محبوبية الغسلات و المسحات بنفسها.

و فيه ان الوضوء عبارة عن الطهارة، اول الكلام، فان الوضوء علي وزن فعول اي ما يتوضأ به، كالوقود اي ما يتوقد به كما انه قد فسر الوضوء في اللغة بالماء الذي يتوضأ به فالوضوء ما تتحقق و تحصل به الطهارة و مصداقه الماء في النظافة العرفية و مصداقه الاخر الغسلة و المسحة في الطهارة الشرعية المعنوية، و لا دليل علي ان الوضوء في اعتبار الشارع عين الطهارة.

و ما استشهد به من النصوص لا يدل علي مدعي الخصم، فانه استشهد بما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) قال: انما امر بالوضوء و بدئ به لان يكون العبد طاهرا اذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته اياه، مطيعا له فيما امره، نقيا من الادناس و النجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، و طرد النعاس، و تزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار قال: و انما جوزنا الصلاة علي الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع، و لا سجود، و انما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوضوء الحديث: 2 و باب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 6.

(2) البقرة 223.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 556

______________________________

و سجود «1»،

فان المستفاد من الرواية انه انما امر بالوضوء لحصول الطهارة، و ليس في الرواية شاهد علي كون المراد من الوضوء الطهارة كما هو ظاهر، و أيضا لا دلالة

في قوله (ع) لا صلاة الا بطهور «2» و لا في قوله (ع) الصلاة ثلاثة اثلاث ثلثه الطهور «3» و لا في قوله (ص) افتتاح الصلاة الوضوء «4».

اذ كما تري ليس في شي ء من هذه النصوص ما يدل علي ان الغسلات بنفسها مصداق للطهارة، بل الامر بالعكس و ذلك لان المستفاد من بعضها أن ثلث الصلاة هو الطهور و الطهور ما يتطهر به لا نفس الطهارة، فلاحظ.

و اما ما جري بين الاصحاب في استعمالاتهم من اطلاق الطهارة علي الثلاث حيث يقولون الطهارات الثلاث و يريدون نفس الافعال الواقعة في الغسل و الوضوء و التيمم فليس دليلا شرعيا علي المدعي كما هو ظاهر، فلا يناسب ان يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي، فلا تغفل.

و في نهاية المطاف لا بد من الالتزام بعدم جواز الاتيان بالوضوء لأجل كونه محبوبا للمولي من حيث كونه مجموعا من الغسلات و المسحات لعدم الدليل عليه، بل لا بد اما من قصد الكون علي الطهارة و اما من قصد غاية من الغايات التي قام الدليل علي اشتراطها بالوضوء فلو قصد المكلف الاتيان بالوضوء لأجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 9.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 6.

(3) قد تقدم هذا الخبر في ص 547.

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 4 «و أيضا راجع باب 9 من الركوع و باب 28 من السجود».

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 557

______________________________

صلاة الظهر مثلا صح اذ المستفاد من قوله تعالي «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ» «1» ان الصلاة مشروطة بهذه الغسلات و المسحات المأتي بها بقصد القربة.

ان قلت: اذا ثبت

كون الوضوء مقدمة للصلاة و ثبت أيضا ان الصلاة مشروطة بالطهارة فلا بد من الالتزام باحد الامرين، اما كون الوضوء بنفسه طهارة في اعتبار الشرع و اما عدم كفاية الاتيان به الا بقصد الكون علي الطهارة، و حيث انه لا مجال للثاني فالمتعين هو الاول.

قلت: نفهم من الادلة ان الوضوء امر عبادي لا بد فيه من قصد القربة، و اذا تحقق بهذا النحو تترتب عليه الطهارة و حيث ان الامر في جملة من الموارد تعلق بالوضوء و ارشد فيها الي شرطيته يمكن الاتيان به بقصد القربة.

و بعبارة اخري: يفهم من تلك الادلة كالأمر الوارد في الكتاب بالوضوء، ان الوضوء قابل لان يقصد به القربة، و يكفي لتحقق القربة قصد الغاية، فلاحظ و اغتنم.

ان قلت: ان المستفاد من حديث زرارة «2» ان الوضوء بنفسه في وعاء الشرع له بقاء و استمرار بحيث يكون قابلا للنقض بالحدث، قلت: مجرد كونه قابلا للبقاء لا يدل علي كونه طهارة بل يمكن ان يكون سببا للطهارة و في وعاء الشرع محكوم بالبقاء و لأجل بقائه تبقي الطهارة الحاصلة منه فلا تغفل.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال بما رواه زرارة (أيضا) قال:

______________________________

(1) سورة المائدة الاية: 7.

(2) قد تقدم هذا الخبر في ص: 331.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 558

______________________________

قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يقلم اظفاره. و يجز شاربه، و يأخذ من شعر لحيته و رأسه، هل ينقض ذلك وضوئه، فقال: يا زرارة كل هذا سنة، و الوضوء فريضة، و ليس شي ء من السنة ينقض الفريضة، و ان ذلك ليزيده تطهيرا «1» فان هذا الحديث يدل علي ان الوضوء قابل للبقاء لكن كما مر ان قابليته للبقاء لا تستلزم كونه مصداقا

للطهارة.

ان قلت: قد حكم (ع) بكون الوضوء فريضة فيعلم انه بنفسه متعلق للأمر و محبوب بنفسه.

قلت: لا اشكال في ان الوضوء بنفسه ليس من الفرائض الشرعية فالمراد بكونه فريضة اما كونه شرطا للواجب فيجب بوجوبه، و اما المراد به ما يقابل ما سنه النّبيّ أي الوضوء مما فرضه اللّه و تلك الامور مما سنها رسول اللّه (ص).

ان قلت: المستفاد من جملة من الروايات الواردة في التيمم انه احد الطهورين منها قوله (ع) (في حديث) قال: ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «2» و منها قوله (ع) ان النّبيّ (ص) قال: يا ابا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين «3» و في حديث محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه (ع) قال: ان رب الماء هو رب الصعيد، فقد فعل احد الطهورين «4» فالوضوء طهور.

قلت: قد ظهر الجواب مما ذكرنا، فان الطهور ما تحصل به الطهارة لا نفسها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 4.

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 559

______________________________

ان قلت: المستفاد من الاية الشريفة وجوب نفس هذه الافعال، فتكون هذه الافعال الخاصة محبوبة للمولي.

قلت: الامر بالغسلات و المسحات في الكتاب و السنة ارشاد الي الشرطية و العرف يفهم من الادلة انها واجب غيري.

فالمتحصل مما ذكرنا انه لا دليل علي كون الوضوء بنفسه مستحبا، و لكن مع ذلك كله لا يخفي انه لو شك في جزئية شي ء او شرطيته للطهارات الثلاث يمكن الحكم بعدم الجزئية و الشرطية اذ لا منافاة بين كون الامر بالغسل و المسح في الكتاب

و السنة للإرشاد و انعقاد الاطلاق فيه، فانها اسباب شرعية و بيان حدودها بعهدة الشارع الاقدس، فلو كان في مقام البيان و لم يقيد الافعال الخاصة ينعقد الاطلاق كما ان الوضوءات البيانية تفي بالمقصود فان المستفاد منها عدم جزئية ما يشك في جزئيته و عدم شرطية ما يشك في شرطيته اذ لو كان لبينه الامام (ع) فان المفروض انه في مقام البيان.

بل لنا ان نقول: بانه لا مانع من اجراء البراءة بالنسبة الي المشكوك فيه بتقريب ان المستفاد من بعض النصوص انه لا صلاة الا بطهور «1» و الطهور كما سبق منا عبارة عما تحصل به الطهارة، فالامر الصلاتي تعلق بالصلاة المشروطة بالطهور فنأخذ بالمقدار المعلوم من الدليل و نجري الاصل في الزائد.

و ان شئت قلت: كما انه تجري البراءة اذا شك في تقيد الستر الصلاتي بشي ء، كذلك تجري في المقام أيضا بلا فرق اذ المفروض ان الامر تعلق بالصلاة المسبوقة بهذه الافعال الخاصة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 560

و ان كان يجوز الاتيان به لغاية من الغايات المأمور بها مقيدة به فيجوز الاتيان بها لأجلها (1) و يجب ان وجبت، و يستحب ان استحبت (2) سواء توقف عليه صحتها أم كما لها (3).

[مسألة 132: لا فرق في جريان الحكم المذكور بين الكتابة بالعربية و الفارسية و غيرهما]

(مسألة 132): لا فرق في جريان الحكم المذكور بين الكتابة بالعربية و الفارسية و غيرهما (4) و لا بين الكتابة بالمداد و الحفر و التطريز و غيرها (5).

______________________________

(1) اذ الفعل العبادي لا بد ان يؤتي به بداع قربي و لا اشكال في أن قصد الغاية داع قربي الهي فيكون صحيحا بلا اشكال و لا كلام.

(2) تارة يتعلق الطهارة بنفسها مورد النذر و اشباهه فتجب

و اما في غير هذه الصورة فالظاهر انه ليس الا اللابدية العقلية بلا فرق بين موارد وجوب الغاية و استحبابها، فلا نفهم ما رامه الماتن الا ان يكون من باب المسامحة في الاطلاق و الاستعمال، و اللّه العالم.

(3) كما هو ظاهر واضح.

(4) لإطلاق الموضوع فان موضوع الحرمة القرآن المكتوب، و لا فرق فيه بين انحاء الكتابة من الكوفي و غيره كما انه لا فرق بين العربي و العجمي، فان الاطلاق الموجود في الدليل يقتضي سريان الحكم، فلاحظ.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 1، ص: 560

(5) نقل عن المستند جواز المس في المحفور و عن الشيخ (قده) الاشكال في حرمته بتقريب ان الكتابة بالحفر غير قابلة للمس لقيام الخط بالهواء و لا يصدق عليه المس عرفا.

و لكن ما ذكره علي فرض صحته دقة فلسفية و لا يدور الحكم الشرعي مدارها

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 561

كما لا فرق في الماس بين ما تحله الحياة و غيره (1) نعم لا يجري الحكم في المس بالشعر اذا كان الشعر غير تابع للبشرة (2).

[مسألة 133: الالفاظ المشتركة بين القرآن و غيره يعتبر فيها قصد الكاتب]

(مسألة 133): الالفاظ المشتركة بين القرآن و غيره يعتبر فيها قصد الكاتب (3).

______________________________

بل الحكم الشرعي يدور مدار الصدق العرفي، و الظاهر انه يصدق عرفا موضوع مس القرآن و قس علي المحفور ما يكون بالتطريز لعين الملاك، و علي فرض الشك في الصدق يكون مقتضي الاصل الموضوعي اي استصحاب عدم الصدق الجواز كما ان مقتضي الاصل الحكمي اي البراءة كذلك، فلاحظ.

(1) للإطلاق فان صدق المس لا يتوقف علي كون العضو ذا حياة.

(2) لعدم الصدق بل يكون مثل المس بالثوب كما في

كلام بعض الاصحاب في هذا المقام.

(3) كما هو الحال في غير الكلمات القرآنية من المشتركات، كأعلام الاشخاص مثلا، لفظة محمد مشتركة بين اسم النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و غيره من المسلمين المسمي بها، و لا تتميز الا بالقصد بحيث لا يترتب عليها آثارها الا اذا قصد بها النّبيّ (ص) فجملة (قال موسي) مثلا انما يحرم مسها اذا كتب مقصودا بها القرآن الكريم و أما لو قصد بها شي ء آخر او لم يقصد بها شي ء كما اذا قصد بها تجربة الخط، فلا وجه للحرمة.

و اما الكلمات المختصة فانها محرمة المس مطلقا، للصدق و استشكل في الصدق سيد المستمسك لكن لا وجه له فانه مع الاختصاص يصدق و لا يقاس المقام علي باب القراءة اذ من الممكن ان الواجب في القراءة ان يقصد عنوان القرءانية.

و بعبارة اخري: لو قلنا بأن الواجب قراءة القرآن عن قصد لوجب القصد فلا ارتباط بين المقامين من هذه الجهة.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 562

و ان شك في قصد الكاتب جاز المس (1).

[مسألة 134: يجب الوضوء اذا وجبت احدي الغايات المذكورة آنفا]

(مسألة 134): يجب الوضوء اذا وجبت احدي الغايات المذكورة آنفا، و يستحب اذا استحبت (2) و قد يجب بالنذر و شبهه (3 و يستحب للطواف المندوب (4) و لسائر افعال الحج (5) و لطلب الحاجة (6)

______________________________

(1) للأصل الموضوعي اي استصحاب عدم القصد و الحكمي اي البراءة.

(2) الظاهر ان المراد بالوجوب و الاستحباب اشتراط المقيد بالوضوء وجوبا تارة، و ندبا اخري و الا فلا نفهم معني وجوب الوضوء او استحبابه عند وجوب ذي المقدمة او استحبابه فلاحظ.

(3) اذ لا اشكال في محبوبية الوضوء في نفسه للكون علي الطهارة، و رجحانه و مع تعلق النذر به يجب و

قس عليه غيره.

(4) الظاهر انه لا دليل علي استحباب الوضوء في الطواف المندوب بل قد صرح بعدم الاشتراط في جملة من النصوص، منها ما رواه عبيد بن زرارة «1» الا ان يقال انه يدل علي المدعي ما عن ابي الحسن (ع) «2» لكن يرد عليه ان الرواية تحمل علي طواف الفريضة جمعا، نعم لا يبعدان يستفاد المدعي من حديث معاوية بن عمار و يأتي قريبا لكن الاستدلال به أيضا لا يخلو عن تأمل.

(5) يمكن ان يستدل عليه بما عن ابي عبد اللّه (ع) قال: لا بأس ان يقضي المناسك كلها علي غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء افضل «3».

(6) لاحظ خبر عبد اللّه بن سنان، عن ابي عبد اللّه (ع) قال سمعته يقول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 11.

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 563

و لحمل المصحف الشريف (1) و لصلاة الجنائز (2) و تلاوة القرآن (3).

______________________________

من طلب حاجة و هو علي غير وضوء فلم تقض فلا يلومن الا نفسه «1».

(1) لاحظ ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن (ع) قال: المصحف لا تمسه علي غير طهر، و لا جنبا، و لا تمس خطه و لا تعلقه، ان اللّه تعالي يقول:

لا يمسه الا المطهرون «2».

و هذه الرواية ضعيفة بجعفرين الواقعين في السند، مضافا الي المناقشة في اسناد الشيخ (ره) الي ابن فضال كما مر سابقا.

اضف الي ذلك: انه لا يستفاد من الرواية استحباب الوضوء للحمل، نعم يمكن ان يقال بانه اذا ثبت استحباب الحمل، جاز قصده للوضوء غاية و بتعبير آخر: لا يستفاد منها استحباب حمل المصحف مع الوضوء.

(2)

لما رواه عبد الحميد بن سعد قال: قلت لأبي الحسن (ع) الجنازة يخرج بها و لست علي وضوء، فان ذهبت اتوضأ فاتتني الصلاة أ يجزيني ان اصلي عليها و انا علي غير وضوء؟ فقال: تكون علي طهر احب الي «3» و السند مخدوش بعبد الحميد.

(3) لجملة من النصوص، منها ما ورد في (الخصال) باسناده عن علي عليه السلام (في حديث الأربعمائة) قال: لا يقرأ العبد القرآن اذا كان علي غير طهور حتي

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة الجنازة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 564

و للكون علي الطهارة (1) و لغير ذلك (2).

[مسألة 135: اذا دخل وقت الفريضة يجوز الاتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة]

(مسألة 135): اذا دخل وقت الفريضة يجوز الاتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة، كما يجوز الاتيان به بقصد الكون علي الطهارة و كذا يجوز الاتيان به بقصد الغايات المستحبة الاخري (3).

[مسألة 136: سنن الوضوء علي ما ذكره العلماء «رض»]

(مسألة 136): سنن الوضوء علي ما ذكره العلماء «رض»:

وضع الاناء الذي يغترف منه علي اليمين (4).

______________________________

يتطهر «1» و نظير هذا ورد خبران آخران «2» فراجع.

(1) بلا اشكال و لا كلام، و قد مر انه نقل عن الشيخ (قده) نقل عدم الخلاف فيه، و عن الطباطبائي (قده)، دعوي الاجماع عليه، و كيف كان لا اشكال و لا ريب في محبوبية الوضوء للكون علي الطهارة فانه نور و «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» «3».

(2) من بقية الغايات.

(3) و الوجه فيه: ان الوضوء عمل عبادي و لا بد فيه من نية القربة، و هي تحصل بكل واحد مما ذكر، فلاحظ.

(4) الظاهر انه مذكور في كلام الاصحاب، و نقل عن الحدائق انه لا مستند له بل يمكن ان يقال بانه يستفاد خلافه من بعض الروايات البيانية، لاحظ ما رواه زرارة قال: قال ابو جعفر (ع): الا احكي لكم وضوء رسول اللّه (ص)؟ فقلنا:

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب قراءة القرآن الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب قراءة القرآن الحديث: 1 و 3.

(3) سورة البقرة الاية: 223.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 565

و التسمية، و الدعاء بالمأثور (1) و غسل اليدين من الزندين قبل ادخالهما في الاناء الذي يغترف منه، لحدث النوم او البول مرة (2)

______________________________

بلي، فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه (الحديث) «1» فانه (ع) وضع القعب بين يديه، و نظير هذا ورد خبر آخر «2» فراجع.

(1) لاحظ حديث زرارة، عن ابي جعفر (ع)

قال: اذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين، فاذا فرغت فقل: الحمد للّه رب العالمين «3» و مثل هذا الحديث ما مر عن زرارة عن قريب.

و يدل أيضا علي محبوبية التسمية و الدعاء ما رواه في (الخصال) باسناده الآتي عن علي عليه السلام- في حديث الأربعمائة- قال: لا يتوضأ الرجل حتي يسمي يقول: قبل ان يمس الماء بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين، فاذا فرغ من طهوره قال: اشهد ان لا إله الا اللّه وحده لا شريك له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم، فعندها يستحق المغفرة «4».

(2) لاحظ مرسلي الصدوق (قده) عن الصادق (ع): اغسل يدك من البول مرة، و من الغائط مرتين و من الجنابة ثلاثا «5» و لقوله (ع): اغسل يديك من النوم مرة «6» و لاحظ أيضا ما رواه الحلبي قال: سألته عن الوضوء كم

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الوضوء الحديث: 10.

(5) الوسائل الباب 27 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(6) الوسائل الباب 27 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 566

و للغائط مرتين (1) و المضمضة و الاستنشاق (2) و تثليثهما (3) و تقديم المضمضة (4).

______________________________

يفرغ الرجل علي يده اليمني قبل ان يدخلها في الاناء؟ قال: واحدة من حدث البول و اثنتان من حدث الغائط و ثلاث من الجنابة «1».

(1) لاحظ حديث الحلبي الذي مر آنفا.

(2) لاحظ ما رواه

عبد اللّه بن سنان، عن ابي عبد اللّه (ع) قال: المضمضة و الاستنشاق مما سن رسول اللّه (ص) «2» و يدل علي المطلوب ما رواه مالك ابن اعين قال: سألت ابا عبد اللّه (ع) عمن توضا و نسي المضمضة و الاستنشاق ثم ذكر بعد ما دخل في صلاته قال لا بأس 3.

(3) لما رواه ابو اسحاق الهمداني، عن امير المؤمنين (ع)- في عهده الي محمد بن ابي بكر- لما ولاه مصر- الي ان قال-: و انظر الي الوضوء فانه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، و استنشق ثلاثا، و اغسل وجهك، ثم يدك اليمني، ثم اليسري ثم امسح رأسك و رجليك فاني رأيت رسول اللّه (ص) يصنع ذلك، و اعلم ان الوضوء نصف الايمان 4.

(4) لعل وجه التقديم تقدمها ذكرا عليه في النصوص، و اللّه العالم.

و يمكن ان يكون ناظرا الي رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولي محمد بن علي، عن ابي عبد اللّه (ع) قال: بينا امير المؤمنين (ع) ذات يوم جالسا مع محمد بن الحنفية اذ قال له: يا محمد ايتني باناء من ماء اتوضأ للصلاة، فاتاه محمد بالماء فاكفاه فصبه بيده اليسري علي يده اليمني، ثم قال: بسم اللّه و باللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 29 من أبواب الوضوء الحديث: 1 و 3.

(3) (4) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 19.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 567

و الدعاء بالمأثور عندهما، و عند غسل الوجه و اليدين، و مسح الرأس، و الرجلين (1).

______________________________

و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا، قال: ثم استنجي فقال:

اللهم حصن فرجي و اعفه و استر

عورتي و حرمني علي النار، قال: ثم تمضمض فقال: اللهم لقني حجتي يوم القاك و أطلق لساني بذكراك، ثم استنشق فقال:

اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و روحها و طيبها، قال:

ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، و لا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه، ثم غسل يده اليمني فقال: اللهم اعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و حاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل يده اليسري فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و لا تجعلها مغلولة الي عنقي و اعوذ بك من مقطعات النيران، ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشني برحمتك و بركاتك و عفوك، ثم مسح رجليه فقال: اللهم ثبتني علي الصراط يوم تزل فيه الاقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني، ثم رفع رأسه فنظر الي محمد فقال: يا محمد من توضأ مثل وضوئي و قال مثل قولي خلق اللّه له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره فيكتب اللّه له ثواب ذلك الي يوم القيامة «1».

حيث ان المستفاد من الرواية انه (ع) اخر الاستنشاق عن المضمضة، و الظاهر من الرواية، انه (ع) في مقام بيان الوضوء بآدابه لأنه (ع) بعد اتمام وضوئه قال يا محمد من توضأ مثل وضوئي الخ، فلاحظ.

(1) لاحظ رواية الهاشمي (قبل اسطر).

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 568

و تثنية الغسلات (1).

______________________________

(1) كما هو المشهور المعروف بين الاصحاب، و استدل علي المدعي بجملة من النصوص، منها ما رواه عبد اللّه بن بكير، عن ابي عبد اللّه (ع) قال: من لم يستيقن ان واحدة من الوضوء تجزيه لم يوجر علي الثنتين

«1» و منها قوله (ع) الوضوء مثني مثني من زاد لم يوجر عليه (الحديث) «2».

و منها قوله (ع) قال: فرض اللّه الوضوء واحدة واحدة و وضع رسول اللّه (ص) للناس اثنتين اثنتين «3» و منها ما رواه ابن وهب قال: سألت ابا عبد اللّه (ع) عن الوضوء فقال: مثني مثني 4، و منها احاديث اخر في الباب فراجع 5.

فان المستفاد من هذه النصوص استحباب الغسلة الثانية.

و استدل علي خلاف قول المشهور بحملة من الوجوه.

الاول: الاخبار البيانية 6 بدعوي عدم ذكر الغسلة الثانية فيها، و يرد عليه ان الاخبار البيانية غير متعرضة لجميع الآداب في الوضوء فلا تنافي ما يدل علي استحباب التثنية، و بعبارة اخري الاخبار البيانية متعرضة لما يعتبر في الوضوء و لا تعرض فيها للآداب بجميعها.

الثاني: ما رواه زرارة قال قال ابو جعفر (ع): ان اللّه و وتر يحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين، و تمسح

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 5.

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 15 و 28.

(4) (5) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 16 و 23 و 30 و أيضا باب 32 من هذه الابواب الحديث: 3.

(5) (6) راجع الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 569

______________________________

ببلة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمني، و تمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسري «1» بتقريب ان المستفاد من الرواية اجزاء الغسلة الواحدة، فلا مجال للزيادة، و فيه ان الاجزاء لا ينافي فضيلة الزائد فلا تعارض.

الثالث: ما رواه عبد الكريم يعني ابن

عمرو، قال: سألت ابا عبد اللّه (ع) عن الوضوء فقال: ما كان وضوء علي (ع) إلا مرة مرة «2» بتقريب ان الرواية دالة علي ان وضوء علي عليه السلام كان مرة و كيف يمكن ان تكون التثنيه راجحة، و مع ذلك كان (ع) وضوئه واحدة واحدة فتدل الرواية علي عدم الرجحان.

و من الغرائب ما صدر عن سيدنا الاستاد (دام ظله) علي ما في التقرير ان فعله (ع) لا يعارض النصوص الدالة علي الترجيح لان الوجه في فعله غير معلوم لنا و لعله كان محكوما بحكم خاص كجواز دخوله في المسجد جنبا.

و ما افاده كما ذكرنا من الغرائب و لا يمكن مساعدته اذ السائل يسئل عن حكم الوضوء و الامام (ع) في مقام الجواب ينقل فعل علي (ع)، و الظاهر من الرواية بحسب الفهم العرفي انه (ع) بين حكم المسألة بنقل فعل علي (ع) لا انه سكت عن الجواب و نقل فعل علي (ع) بعنوان نقل قضية في الواقعة، و العرف ببابك، و مثل هذه المناقشات يسد باب الاجتهاد فلا اشكال في التعارض و حيث انه لا مرجح لأحد الطرفين يسقط جميعها عن درجة الاعتبار.

ان قلت: من الاخبار الدالة علي افضلية الزياده حديث محمد بن الفضل

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 570

و الاحوط استحبابا عدم التثنية في اليسري احتياطا للمسح بها (1) و كذلك اليمني اذا اراد المسح بها من دون ان يستعملها في غسل اليسري (2).

______________________________

ان علي بن يقطين كتب الي ابي الحسن موسي (ع) يسأله عن الوضوء فكتب اليه ابو الحسن (ع) فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء،

و الذي آمرك به في ذلك ان تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الي المرفقين ثلاثا الي ان قال: - و ورد عليه كتاب ابي الحسن (ع) ابدأ من الان يا علي بن يقطين و توضأ كما امرك اللّه تعالي اغسل وجهك مرة فريضة و اخري اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك الحديث «1».

بتقريب ان هذه الرواية مروية عن الكاظم (ع) و بمقتضي كون الاحدثية من المرجّحات علي ما اخترناه تتقدم هذه الرواية علي الطرف المعارض-.

قلت: الاشكال في هذه الرواية في سندها فانه لم يظهر عندنا وثاقة محمد بن اسماعيل و محمد بن الفضل الواقعين في الطريق، فالنتيجة انه لا دليل علي افضلية الزيادة، الا ان يقال ان افضلية التثنية بمرتبة من الظهور لا تصل النوبة الي هذا التقريب و عهدة هذه الدعوي علي مدعيها.

(1) نقل عن الشيخ الانصاري (قده) انه احتاط بترك الغسلة الثانية في اليد اليسري لاحتمال عدم مشروعية الغسلة الثانية و معه يقع المسح ببلة الغسلة غير المشروعة و ليست هي من الوضوء فلا بد من الحكم بالبطلان.

(2) نقل عن السيد الشيرازي المجدد (قده) انه احتاط بترك الغسلة الثانية

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الوضوء الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 571

و كذلك الوجه لأخذ البلل منه عند جفاف بلل اليد (1) و يستحب ان يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولي و الثانية و المرأة تبدأ بالباطن فيهما (2) و يكره الاستعانة بغيره في المقدمات القريبة (3).

______________________________

حتي في اليد اليمني فيما اذا كان غسل اليسري علي نحو الارتماس الذي لا يحتاج معه الي امرار اليد اليمني عليها حتي تكون البلة

الموجودة في اليمني مستندة الي بلة اليد اليسري، و المفروض ان بلتها بلة الغسله الاولي التي هي من الوضوء لفرض ترك الغسلة الثانية في اليسري للاحتياط.

(1) نقل عن المحقق التقي الميرزا محمد تقي (قده) انه احتاط بترك الغسلة الثانية في الوجه أيضا فيما اذا احتيج في المسح الي بلته.

(2) لاحظ ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن ابي الحسن الرضا (ع) قال: فرض اللّه علي النساء في الوضوء للصلاة ان يبتدئن بباطن اذرعهن و في الرجل بظاهر الذراع «1» و نظير هذا الخبر قوله (ع) فرض اللّه عز و جل علي الناس في الوضوء ان تبدأ المرأة بباطن ذراعيها و الرجل بظاهر الذراع «2»

(3) لجملة من النصوص منها ما رواه الحسن بن علي الوشاء، قال: دخلت علي الرضا (ع) و بين يديه ابريق يريد ان يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لا صب عليه فابي ذلك فقال: مه يا حسن فقلت له: لم تنهاني ان اصب علي يديك تكره ان اوجر قال: توجر انت و اوزر انا فقلت: و كيف ذلك؟ فقال: اما سمعت اللّه عز و جل يقول: «فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الوضوء الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 572

______________________________

رَبِّهِ أَحَداً» و ها انا ذا اتوضأ للصلاة و هي العبادة فاكره ان يشركني فيها احد «1» و منها قول محمد بن محمد بن النعمان المفيد في (الارشاد) قال: دخل الرضا (ع) يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصب علي يده الماء، فقال: لا تشرك يا امير المؤمنين بعبادة ربك احدا فصرف المأمون الغلام

و تولي تمام وضوئه بنفسه «2» و لاحظ أيضا خبرين آخرين في هذا الباب «3».

فان المستفاد من هذه النصوص و ان كانت هي الحرمة لكن تحمل علي الكراهة بملاحظة ما رواه ابو عبيدة الحذاء قال: وضأت ابا جعفر (ع) بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجي ثم صببت عليه كفا فغسل به وجهه (و كفا غسل به ذراعه الايمن) و كفا غسل به ذراعه الايسر ثم مسح بفضلة الندي رأسه و رجليه «4» و اللّه العالم بحقايق الاشياء.

الي هنا تم الجزء الاول من كتابنا «مباني منهاج الصالحين» و يتلوه الجزء الثاني من اول الاغسال و الحمد للّه اولا و آخرا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث: 4.

(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث: 2 و 3.

(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 573

استدراكات

______________________________

1- قد ذكرنا في السطر العاشر من صحيفة- 10- (الا ان يقال ان الآيات المذكورة لا تدل علي حجية التقليد الا علي القول بمفهوم الوصف) و لا يخفي ان محله في السطر الاول من الصحيفة المذكورة بعد كلمة «التقليد».

2- السطر الخامس من صحيفة- 72- ينتهي بكلمة «و الدعوة اليه» و لا بد من اضافة جملة اليها و هو قولنا: اضف الي ذلك انه لا يبعد ان يشمله دليل حرمة التحاكم الي الطاغوت.

3- السطر السادس من صحيفة- 145- ينتهي بكلمة «المتنجس» و لا بد من اضافة متمم و هو قولنا: و لقائل ان يقول بانه يمكن ان يكون الوجه في السؤال استعمال شعر الخنزير و جواب الامام (ع) ناظر الي نفي البأس عن استعماله و كون الحبل

من شعر الخنزير لا يستلزم وصوله الي الماء و تقاطره في الدلو كي يلزم القول بعدم تنجيس المتنجس او القول بطهارة شعر الخنزير،

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 574

______________________________

بل لا هذا و لا ذاك و غاية ما في الباب ان مقتضي عدم البأس بنحو الاطلاق جواز الوضوء بماء الدلو و لو مع التقاطر فيه من الحبل لكن ترفع اليد عن هذا الاطلاق بادلة انفعال الماء القليل، بل ربما يقال لا مجال لتقريب الاطلاق المذكور اذ الامام (ع) لو كان في مقام الجواب من حيث استعمال شعر الخنزير لم يكن مجال للأخذ بالاطلاق الا ان يقال ان الاطلاق في الجواب محكم و الميزان بعموم الجواب لا بخصوص السؤال و بعبارة اخري: السؤال و ان كان في اطار خاص و ناظر الي جهة مخصوصة لكن يكفي للمدعي اطلاق الجواب، و ان شئت قلت: لا وجه لحمل كلامه (ع) علي الحكم الحيثي فالنتيجة ان الاطلاق محكم لكن يرفع اليد عنه بدليل الانفعال فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 589

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

شكر و تقدير

لقد تفضل سيدنا الاستاد الاعظم آية اللّه العظمي السيد الخوئي ادام اللّه ايام افاضاته الشريفة بكتاب تقدير و شكر و نحن نشكر له هذه الرعاية و اللطف و هذا نص ما تلطف به علينا.

مباني منهاج الصالحين، ج 1، ص: 590

تعريب ما أفاده السيد الاستاد الاعظم دام ظله في مقام الشكر و الرعاية.

بسمه تعالي جناب المستطاب آية اللّه الحاج الآقا تقي الطباطبائي القمي دامت تأييداته.

المعروض بخدمتكم انه اتمني أن تكونوا ان شاء اللّه في تمام الصحة و العافية و مؤيدين بكمال التأييدات الالهية و دوامها.

و ان سألتم عنا فنحن و الحمد للّه و له المنة في صحة و عافية و

لا يشوب مزاجنا عارض و نحن كسابق عهدنا و عادتنا مشغولون بتأدية تكاليفنا و نحن و ان كنا لا نراسلكم الا اننا نسأل عن أحوالكم من المطلعين عنها، لقد وصلنا من طرفكم سبعة اجزاء من كتاب «مباني المنهاج» فكان هذا سببا لأتم سرورنا و استيناسنا و قد طالعت مقدارا منها «شكر اللّه سعيكم و كثر اللّه أمثالكم» و اني لاشكر اللّه كثيرا بأنه قد من علي بولد مثلكم يكون مفخرة لي بقيامه بخدمة هذا الدين الحنيف و خدمة الحوزة العلمية بالتدريس و التأليف و تنشئة و تربية طلاب مدرسة الامام جعفر الصادق عليه السلام أتمني أن تكون هذه الخدمات الكبيرة و الجليلة محل التوجه و النظر و الرعاية للإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه و أن تكونوا مورد ألطافه و دعائه عجل اللّه تعالي فرجه الشريف.

و علي الجملة فإن جميع خدماتكم الدينية مورد تقديري و شكري اسأل اللّه تعالي لكم المزيد من التوفيقات و التأييدات و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

28/ شوال المكرم سنة 1410 ه ابو القاسم الموسوي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.